لم يتمكن مجلس الأمن الدولي من اعتماد مشروع قرار مقدم من دولة الإمارات بشأن التصعيد في غزة، بسبب استخدام الولايات المتحدة الأميركية حق النقض "الفيتو" ضد المشروع، الذي أيده 13 عضوًا من أعضاء المجلس الخمسة عشر، مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
مشروع قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة
وطالب مشروع القرار بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وكرر مطالبته لجميع الأطراف بأن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين. وطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
وعقد مجلس الأمن جلسة صباحية يوم الخميس الفائت، استجابة للخطاب الذي أرسله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي يدعو فيه لتفعيل المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".
وبعد التصويت على مشروع القرار واستخدامه الفيتو، قال روبرت وود نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، إن بلاده، على الرغم من العملية المتسرعة والافتقار لمشاورات مناسبة من مقدمي مشروع القرار، انخرطت بنية صادقة في المفاوضات.
كما عبّر وود عن خيبة أمله من تجاهل الدول الأعضاء التوصيات التي قدمتها واشنطن، واصفًا مشروع القرار الأخير بـ "غير المتوازن والبعيد عن الحقيقة"، وأنه "لا يمكّننا من التقدم في الميدان بأي شكل ملموس"، قبل أن يدلي في حديثه بعدد من الادعاءات غير المستندة إلى حقائق أو التي شابها تضليل وتشويه لمعلومات مُثبتة سابقًا.
وود يلوم حماس على فشل الهدنة
قال وورد أمام المجلس في كلمته، إنّ الدبلوماسية الأميركية هي من سمحت لشاحنات المساعدات بالدخول إلى غزة من خلال التعاون مع قطر ومصر لإحلال الهدنة، التي استمرت لسبعة أيام وإتمام صفقة تبادل الأسرى، لكن حماس كان لها أهداف أخرى، بحسب وصفه، إذ قال "فرفض حماس الإفراج عن المزيد من النساء والشابات أدى إلى فشل الهدنة ومعاودة القتال"، كما كرر الادعاء نفسه لاحقًا بقوله "الهدنة انتهت بخيار حماس".
في الأول من ديسبمر الجاري، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قريب من حركة حماس، أن الحركة أبدت استعدادها لتمديد الهدنة مجددًا، وذلك في أعقاب دعوة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى وقف المعارك في غزة. وقال المصدر إن "الوسطاء يبذلون جهودًا قويّة ومكثّفة ومتواصلة حاليًا من أجل يوم إضافي في الهدنة، ومن ثم العمل على تمديدها لأيام أخرى".
إضافة إلى ذلك، قالت مصادر مصرية مطلعة على كواليس الوساطة التي شاركت فيها القاهرة بين إسرائيل وحماس لصحيفة العربي الجديد، إن مسؤولية انهيار مفاوضات تمديد الهدنة تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية، وأضافت "فشلت كافة الجهود في إقناع الجانب الإسرائيلي بالتصورات المطروحة لتمديد الهدنة، التي رأى فيها الوسطاء تجاوبًا كبيرًا من حماس، التي عرضت تقديم قائمة تضم فئات لم يكن متفقًا عليها مسبقًا من كبار السن ومن الرجال بشأن تبادل الأسرى، وهو ما اعتبر مرحلة استباقية".
وأوضح المصدر للصحيفة أنّ "اقتراح إضافة كبار سن إلى القائمة جاء بعد رفض إسرائيل قائمة أخرى قدمتها حماس تتضمن ثلاثة جثامين لطفلين ووالدتهما، مع السماح بإطلاق سراح والدهما، رغم عدم انطباق شروط المرحلة الحالية عليه، وذلك لأبعاد إنسانية حتى يتمكن من دفن أسرته التي لقيت حتفها خلال قصف إسرائيلي سابق".
وكشف المصدر أنه "خلال المفاوضات، كان هناك رفض إسرائيلي قاطع لتسلم جثامين الأسرة الإسرائيلية"، قائلًا "بدا واضحًا أن هذا الرفض وراءه خشية من تفجر الشارع الإسرائيلي ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لأنه مجرد توقيع الكشف عليهم، والتأكد من قتلهم خلال القصف، سيؤدي إلى ثورة غضب في الجبهة الداخلية، التي طالما طالبت بتجنب المناطق التي يتوقع أن يوجد فيها أسرى".
وكان قد أكد مصدر مصري لصحيفة العربي الجديد أيضًا، في وقت سابق، أن حماس أبلغت الوسطاء بأنّ القائمة التي يجرى التفاوض بشأنها لمدّ الهدنة يومًا ثامنًا هي آخر الأعداد المتاحة تحت أيدي الحركة من النساء والأطفال، وأنها ستكون بحاجة لوقت إضافي لإجراء اتصالات مع فصائل أخرى بشأن وجود أسرى لدى هذه الفصائل".
وود يزعم رفض مجلس الأمن إدانة جرائم جنسية
وتابع وود في حديثه خلال جلسة مجلس الأمن التي عُقدت الخميس، أن فشل مجلس الأمن الدولي في إدانة ما فعلته حماس يوم السابع من أكتوبر، بما في ذلك أعمال العنف الجنسي، هو "فشل أخلاقي بحق"، مؤكدًا على جزئية الانتهاكات الجنسية التي زعم وقوعها.
كان كلام وود إشارة إلى مشروع القرار الذي صاغته الدول العربية وتبنّته الأمم المتحدة نهاية أكتوبر الفائت، والذي دعا إلى هدنة إنسانية في غزة، بعد رفض التعديل الكندي الذي كان من شأنه أن يدين الهجمات التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، ويطالب بالإفراج الفوري عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
وتم اعتماد القرار حينها بأغلبية 120 صوتًا مقابل 14 صوتًا وامتناع 45 عضوًا عن التصويت، إلا أن أيًا من بنوده، أو بنود التعديل الكندي الذي رُفض، أو حتى أحاديث ممثلي الدول الأعضاء، بما فيهم مندوب إسرائيل في مجلس الأمن، احتوى على مزاعم متعلقة بارتكاب جرائم جنسية.
وود يتجاهل موقف حماس من حل الدولتين
قال وود أمام المجلس إن بلاده لا تؤيد دعوات الوقف الفوري لإطلاق النار، طالما ستستمر حماس بالسيطرة على غزة، فذلك، بحسب وصفه "تهديد لا يريده أحدٌ من الدول الأعضاء على حدوده". وأضاف أن ذلك لن يؤدي سوى إلى غرس بذور الحرب المقبلة "لأن حماس لا ترغب في تحقيق السلام الدائم، لأنها لا تقبل بحل الدولتين".
لكن في مايو/أيار 2017، كشف رئيس المكتب السياسي السابق في حركة حماس، خالد مشعل، في مؤتمر صحفي في العاصمة القطرية الدوحة، عن الوثيقة السياسية الجديدة للحركة، وفيها أعلنت قبولها فكرة إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب يوليو/تموز عام 1967.
ونصّت الوثيقة الجديدة في البند العشرين منها، على أنه بالرغم من عدم تنازل الحركة عن أي جزء من أرض فلسطين التاريخية، فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة، وهو ما يقوم عليه حل الدولتين.
وفي عام 2019، أكد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن حماس لا تعارض مرحليًا قيام دولة على حدود العام 1967، لكنها متمسكة بعدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وود يغطي على جرائم الاحتلال بحق المنظمات والصحفيين
وقبل أن يختتم وود حديثه في جلسة مجلس الأمن، قال إنه لا يمكن إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون حماية العاملين في القطاع الإنساني، إذ إن استهداف مقرات الأمم المتحدة والمراكز الإنسانية أمرٌ غير مقبول، كما أن عمل الصحفيين في أوقاتٍ كهذه يعدّ ضرورة وتجب حمايتهم أيضًا، دون إشارة منه، ولو بشكلٍ غير مباشر عن الطرف الذي يستهدف المنشآت والملاجئ الإنسانية، العاملين في المجال الإنساني، والصحفيين، وهو إسرائيل، رغم أنه لم يوفر فرصة لاتهام حماس بمختلف الانتهاكات.
فبحسب وكالة الأناضول للأنباء، 108 موظفين أمميين لقيوا حتفهم في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ أكثر من شهرين، وهو رقم غير مسبوق، على الأقل منذ مطلع القرن الواحد والعشرين. إذ إنه وفقًا للأمم المتحدة، فمنذ أوائل عام 2000، تجاوز عدد القتلى في كل عام من قوات حفظ السلام 100 حالة في السنة.
من ناحية أخرى، يواصل الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين والصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الفائت، رغم اعتبار الاستهداف المتعمد للصحفيين والمدنيين جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي، ما دفع منظمة مراسلون بلا حدود، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، تقدمها بطلب لدى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين خلال العنف الإسرائيلي في فلسطين.
فيما قالت القوات الإسرائيلية صراحةً في بيان لوكالات الأنباء العالمية خلال الأيام الأولى لحربها على غزة، إنها "لا تستطيع ضمان سلامة الصحفيين العاملين في قطاع غزة"، علاوة على فرض الجيش الإسرائيلي رقابة على الأخبار المتعلقة بغزة في رسالة بعثها إلى وسائل الإعلام في 26 أكتوبر.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، ارتفع عدد الصحفيين القتلى جراء الحرب الإسرائيلية الجارية على القطاع إلى 73، ما يعني أن صحفيًّا واحدًا على الأقل قُتل على أيدي القوات الإسرائيلية كل يوم في فلسطين ولبنان منذ بداية الحرب.
اقرأ/ي أيضًا
إسرائيل تلوم حماس على تقويض حل الدولتين متجاهلةً انتهاكها بنوده لعقود
ما صحة تصريحات نتنياهو بأن العرب يتمتعون بحقوق متساوية في إسرائيل؟