` `

رغم الأدلة التي تكشف تورطه: الجيش الإسرائيلي يواصل التنصل من مجزرة الطحين

إسلام عزيز إسلام عزيز
سياسة
8 مارس 2024
رغم الأدلة التي تكشف تورطه: الجيش الإسرائيلي يواصل التنصل من مجزرة الطحين
أشارت تقارير أن القوات الإسرائيلية فتحت النار على المواطنين (Getty)

قال الجيش الإسرائيلي في تحقيق أولي حول حادثة مجزرة المساعدات الإنسانية، التي وقعت في 29 فبراير/شباط الفائت، إن القوات الإسرائيلية "لم تطلق النار على قافلة المساعدات، ولكن على عدد من المشتبه بهم الذين اقتربوا وشكلوا تهديدا على القوات القريبة".

وزعم جيش الاحتلال في ملخص للتحقيق الذي صدر اليوم الجمعة الثامن من مارس/آذار، أن "آلاف الفلسطينيين اقتحموا شاحنات المساعدات، التي كانت متجهة نحو مراكز التوزيع، ونهبوا معدات الشاحنات"، مضيفًا أن "الحوادث ألحقت أضرارًا جسيمة بالمدنيين نتيجة التدافع ودهس الشاحنات".

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه خلال التجمهر، "تقدم عشرات الفلسطينيين باتجاه القوات الإسرائيلية القريبة، على بعد عدة أمتار منهم، وشكلوا تهديدًا حقيقيًا لهم في تلك المرحلة".

وأوضح في بيانه "في هذه المرحلة، نفذت القوات إطلاق نار دقيق لصد عدد من المشتبه بهم، ومع استمرار اقتراب المشتبه بهم، أطلقت القوات النار للقضاء على التهديد".

تحقيق الجيش الإسرائيلي حول مجزرة المساعدات
تحقيق الجيش الإسرائيلي حول مجزرة دوار النابلسي (الطحين)

اختلاف الروايات الإسرائيلية حول "مجزرة الطحين"

قُتل أكثر من 100 شخص في الحادث الذي وقع عند دوار النابلسي على شارع الرشيد الساحلي في غزة، بعدما أطلقت القوات الإسرائيلية النار، على آلاف الفلسطينيين، الذين كانوا في انتظار الحصول على مساعدات إنسانية. وهي الحادثة التي أصبحت تعرف إعلاميًّا باسم "مجزرة الطحين".

وبعد وقوع الحادث، اختلفت الروايات الإسرائيلية حوله، ورصد "مسبار" في تقرير سابق أن جيش الاحتلال لم يُنكر في البداية ضلوعه في "المجزرة"، قبل أن يتراجع لاحقًا عن روايته.

إذ نقلت وكالة رويترز عن مسؤول إسرائيلي، قوله إنّ "عشرات الفلسطينيين، ممن اجتاحوا شاحنات المساعدات عند التقاطع قُتلوا نتيجة التدافع والدهس"، مضيفًا أنه "بعد تقدم الشاحنات شمالًا، اقترب أشخاص من قوات الاحتلال، التي شعرت بالخطر وفتحت النار وقتلت عددًا غير معروف منهم".

فيما أنكر دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بشكل قاطع، أن يكون جنود الاحتلال قد أطلقوا النار باتجاه قافلة المساعدات. وقال هاغاري إنّ آلاف الغزيّين هجموا على الشاحنات وإنّ بعضهم بدأ في دفع آخرين ودعسهم بعنف حتى الموت ونهب الإمدادات الإنسانية.

وأكّد هاغاري وجود دبابات إسرائيلية "كانت تؤمّن الممر الإنساني" على حد قوله. وعرض في السياق لقطة جوية ظهرت فيها دبابة تتحرك على مسارٍ موازٍ لمسار إحدى الشاحنات، التي تجمّع حولها أشخاص وصفهم هاغاري بالعصابة. 

تقرير مسبار حول المؤاشرات التي تدين الاحتلال في مجزرة الطحين
تقرير مسبار حول المؤاشرات التي تدين الاحتلال في مجزرة الطحين

الروايات الإسرائيلية لا تستند إلى معطيات جدية

ولاحظ مسبار أن هاغاري استدل على تراجع الدبابات "الحذر" بمشاهد لم يعرضها، قائلًا "هنا يمكنكم أن تروا كم كانوا حذرين عند تراجعهم. أعتقد بصفتي عسكريًا أنّهم تراجعوا بشكل آمن، وأنّهم خاطروا بحياتهم عندما لم يطلقوا النار على العصابة". دون أنّ يعرض أيّ مشاهد أو لقطات جوية تُؤكّد ذلك.

وراجع مسبار أيضًا اللقطات الجوية التي نشرها الجيش الإسرائيلي وتأكد من وجود أشخاص ملقى بهم على الأرض على مسار الدبابة، فيما لم تُظهر المقاطع وجود أيّ مسلحين في المكان، خلافًا لما توصل إليه التحقيق الأولي لجيش الاحتلال. ويعني ذلك أنّ الروايات الإسرائيلية، التي اتفقت، رغم اختلافها، على وجود خطر محدق بالجنود، لا تستند في الواقع إلى أيّ معطيات جدّية.

خبراء الأمم المتحدة يؤكدون مسؤولية القوات الإسرائيلية في "مجزرة الطحين"

وفي بيان نُشر حول الحادث، أدان خبراء الأمم المتحدة أعمال العنف التي قالوا إنّ القوات الإسرائيلية شنتها ضد الفلسطينيين الذين تجمعوا في مدينة غزة للحصول على الدقيق ووصفوها بأنها "مجزرة". 

واتهمت مجموعة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة، في بيان، إسرائيل بـ"تعمد تجويع الشعب الفلسطيني في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت"، مضيفة أن “إسرائيل تستهدف المدنيين الذين يبحثون عن المساعدات والقوافل الإنسانية”.

ووفق البيان الأممي "أطلقت القوات الإسرائيلية النار على حشود من الفلسطينيين الذين تجمعوا للحصول على الدقيق جنوب غربي مدينة غزة في 29 فبراير الفائت، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 112 شخصًا وإصابة حوالي 760 آخرين". وأكد أن الهجوم جاء "بعد أن منعت إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مدينة غزة وشمالي القطاع لأكثر من شهر".

وأشار البيان إلى أن مجزرة 29 فبراير، اتبعت نمطًا من الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين الذين يطلبون المساعدة، إذ تم تسجيل أكثر من 14 حادث إطلاق نار وقصف واستهداف لمجموعات كانت تنتظر تلقي الإمدادات المطلوبة بشكل عاجل من الشاحنات أو عمليات الإنزال الجوي، في الفترة ما بين منتصف يناير ونهاية فبراير 2024.

وقال الخبراء "لقد فتحت إسرائيل النار أيضًا على قوافل المساعدات الإنسانية في عدة مناسبات، على الرغم من أن القوافل شاركت إحداثياتها مع إسرائيل".

إسرائيل تمنع وتقيد دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة

وأشار البيان الذي نشرته الأمم المتحدة، إلى أن إسرائيل لا تحترم التزاماتها القانونية الدولية، ولا تمتثل للتدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 26 يناير الفائت، بالسماح بإيصال الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في قطاع غزة، وترتكب جرائم وحشية.

وكشف البيان أنه قبل صدور قرار المحكمة، كان ما معدله 147 شاحنة تدخل غزة يوميًا. ومنذ صدور الحكم تدخل حوالي 57 شاحنة فقط إلى غزة خلال الفترة من 9 إلى 21 فبراير 2024، مؤكدًا أن "إسرائيل تمنع وتقيد بشكل منهجي دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة من خلال اعتراض عمليات التسليم عند نقاط التفتيش، وقصف قوافل المساعدات الإنسانية، وإطلاق النار على المدنيين الذين يطلبون المساعدة الإنسانية".

الفوضى والارتباك بدأت عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار

وقال شهود عيان في غزة وبعض الجرحى الذين كانوا موجودين وقت وقوع الحادث، إن القوات الإسرائيلية فتحت النار على الحشد، ما تسبب في حالة من الذعر. ونقلت وسائل إعلامية عن صحفيين كانوا في مكان الحادث في ذلك الوقت، قولهم إن الفوضى والارتباك لم تبدأ إلا عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار، وأن العديد من الضحايا دهستهم الشاحنات في حالة الذعر التي تلت ذلك.

وكشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تحقيقاته حول الحادث، عن مستجدات تؤكد تورط القوات الإسرائيلية في المجزرة، بما في ذلك نوع الرصاص المُستخدم.

وقال المرصد في تقرير له إن "عددًا كبيرًا من ضحايا المجزرة أصيبوا برصاص (5.56x45مم ناتو) الذي يُطلق من أسلحة يستخدمها الجيش الإسرائيلي"، موضحًا أنه "بناءً على عينة مكونة من 200 ضحية بين قتيل ومصاب في المجزرة، تبين أنهم أصيبوا فعلًا بهذا النوع من الرصاص، وأنه تمت معاينة مجموعة من هذه الرصاصات في مكان وقوع المجزرة، وكذلك من خلال الشظايا التي كانت في أجساد الجرحى والقتلى".

وأضاف المرصد أنه "بعد إجراء التقصي اللازم عن هذا النوع من الرصاص، تبين أنه يُطلق من بنادق الهجوم مثل M4 و تافور (Tavor)، بالإضافة إلى السلاح الرشاش (Light machine gun LMG) مثل IWI Negev"، مشيرًا إلى أن الفحص الذي جرى حول هذا النوع من الرصاص يُظهر أنه يُستعمل من قبل الجيش الإسرائيلي.

صورة للرصاص الإسرائيلي المستخدم في مجزرة الطحين (لمرصد الأورومتوسطي)
صورة للرصاص الإسرائيلي المستخدم في مجزرة الطحين (لمرصد الأورومتوسطي)

ووثق المرصد الأورومتوسطي شهادات لمواطنين كانوا حاضرين وقت الحادث، جاء فيها أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار بشكل مباشر تجاه المدنيين، الذين كانوا ينتظرون المساعدات، حوالي الساعة الرابعة و10 دقائق، فجر يوم الخميس 29 فبراير.

ونقل المرصد عن الشهود، أنّ قوات من الجيش الإسرائيلي داهمت تجمع المدنيين الفلسطينيين عند الساعة الخامسة و30 دقيقة صباحًا، فيما “كان يوجد عدد كبير من الجرحى والقتلى وآخرين يحاولون الهرب”. و"اعتقل الجنود الإسرائيليون عددًا من الموجودين، وأجبروا آخرين على النزوح إلى منطقة الجنوب، وأعدموا عددًا من الأشخاص بشكل مباشر وتركوهم لاحقًا على الشاطئ" وفق المصدر ذاته.

وأشار الأورومتوسطي إلى أربعة دلائل أخرى تؤكد تورط الجيش الإسرائيلي في المجزرة، تتضمن "علامات الإصابات على أجساد القتلى والمصابين، والمقاطع المصورة التي نشرها شهود العيان للحادثة، وصوت الرصاص الواضح ومصدره من الدبابات الإسرائيلية المتمركزة باتجاه البحر"، بالإضافة إلى حالة الذعر والترويع التي أصابت جميع الموجودين، بما في ذلك البعيدين عن شاحنات المساعدات، ودفعتهم للهروب في كل الاتجاهات باحثين عن مكان للاحتماء فيه.

مخاوف من انتشار المجاعة في قطاع غزة

جاءت هذه المجزرة، في الوقت الذي يعاني فيه الآلاف من سكان قطاع غزة من سوء التغذية، نتيجة عدم توفر الطعام الكافي وإعاقة إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية، الأمر الذي أدى إلى وفاة عدد من الأطفال في مستشفى كمال عدوان، وسط مخاوف من ارتفاع خطر المجاعة في القطاع.

وهناك حوالي 335 ألف طفل دون سن الخامسة في قطاع غزة، معرضون بشدة لخطر سوء التغذية الحاد، مع تأثير سلبي خطير على نموهم وحقهم في الصحة. كما يصاب ما لا يقل عن 90 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية، ويعاني 70 في المئة منهم من الإسهال، وفقًا للأمم المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا

كيف يؤثر منع إسرائيل الصحفيين الدوليين من دخول غزة على إيصال الرواية الفلسطينية؟

كيف أثر توظيف إسرائيل للذكاء الاصطناعي على حياة الفلسطينيين وسردياتهم؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة