تداولت حسابات وصفحات على موقع التواصل الاجتماعي إكس، حديثًا، مقطع فيديو ادّعى ناشروه أنّه للحظة وصف رئيس الوزراء الألباني إيدي راما الولايات المتحدة بـ "أحد الشياطين الثلاثة الكبرى"، بحضور وزير خارجيتها أنتوني بلينكن.
راجع "مسبار" المقطع الأصلي، ووجد أنّ الوصف جاء ضمن سياق حديث رئيس وزراء ألبانيا عن تصوّر النظام الديكتاتوري، الذي حكم ألبانيا بين عامي 1945 و1991، عن كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وإسرائيل. وعليه فإنّ ما قاله لا يعبّر عن الموقف الراهن للحكومية الألبانية عكس ما يوحي به المقطع المجتزأ.
سياق وصف رئيس وزراء ألبانيا الولايات المتحدة بـ "الشيطان"
بالعودة إلى الفيديو الأصلي، وهو تسجيل لمؤتمر صحفي مشترك عقده رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، ووزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، في العاصمة الألبانية تيرانا في 15 فبراير/شباط 2024، تبيّن أنّ حديث رئيس الوزراء الألباني جاء في سياق إجابته عن سؤال طرحه صحفي شبكة سي إن إن الأميركية، أليكسندر ماركوارت، حول ما إذا كان يعتقد أنّ حلّ الدولتين لا يزال ممكنًا في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وعن تصوره لكيفية التوصل إليه.
وردّ راما "إنّها بحسب رأيي المتواضع أصعب مسألة سياسية يمكن لأيّ كان التعامل معها. ولأجيب عن سؤالك بطريقة مباشرة، نعم، لقد اعترفت ألبانيا بدولة فلسطين قبل وقت طويل، ولكي أمنحك خلفية تاريخية صغيرة، كانت ألبانيا دكتاتورية شيوعية، وكان دكتاتورنا واحدًا من أقرب أصدقاء وحلفاء منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات. ومن ناحية أخرى، كان نظامنا يكن العداء الشديد لثلاثة شياطين كبرى: الولايات المتحدة، (ثم رفع يده مشيرًا إلى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الواقف إلى يمينه) الاتحاد السوفيتي، وإسرائيل، أي بمعنى آخر، الإمبريالية الأميركية، الإمبريالية الاشتراكية السوفيتية، والصهيونية اليهودية. لكن هذا البلد، من ناحية أخرى، هو الوحيد في أوروبا الذي أصبح لديه عدد يهود أكبر بعد الحرب العالمية الثانية مقارنةً بما قبلها، وهو البلد الوحيد الذي لم يغادره اليهود، بل قدموا إليه بحثًا عن الحماية. وكما هو واضح جدًا في ياد فاشيم، إنّ ألبانيا بلد لم ينجح النازيون في القبض على يهودي واحدٍ فيه. هذه هي الخلفية".
“الوضع الآن بالطبع تراجيدي لأنّ لدى إسرائيل، من جهة، حقٌّ مشروع في الدفاع عن نفسها. لكن ومن ناحية أخرى، الدمار والخسائر البشرية على الجانب الفلسطيني أكبر من أن نقبل المزيد من التصعيد، والمشكلة هي أنّ هذا التصعيد الإضافي ليس في النهاية خطوة كفيلة لوحدها بمحو حماس أو أيّ شكل من حماس قد ينبثق من تحت الأنقاض. لذلك فإن حلّ الدولتين هو بكل تأكيد السبيل الوحيد لحل المسألة".
العلاقات الألبانية الفلسطينية والألبانية الإسرائيلية
نشأت علاقة جديدة بين الألبان والفلسطينيين بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. اتبع النظام الشيوعي في ألبانيا، بقيادة أنور خوجا، سياسة داعمة للقضية الفلسطينية وصلت حد قطع العلاقات مع إسرائيل، عام 1967، وفتح ممثلية لفلسطين في تيرانا، عاصمة ألبانيا، وتقديم دعم سياسي وعسكري للقضية الفلسطينية.
وجمعت علاقات تاريخية وعاطفية الألبان والفلسطينيّين، إذ تبنّت ألبانيا بين عامي 1948 و1991 موقفًا يدعم القضية الفلسطينية، وذلك على الرغم من اعترافها، كغيرها من الدول الشيوعية، بإسرائيل في عام 1949. ولم تتخذ العلاقات الدبلوماسية بين ألبانيا وإسرائيل طابعًا رسميًّا على مستوى السفراء في كل من تيرانا وتل أبيب، إلاّ في الفترة التي أعقبت تهاوي الشيوعية في ألبانيا، أي بعد 20 أغسطس/آب عام 1991.كما اتخذت تيرانا موقفًا مؤيدًا للفلسطينيين و"حرب التحرير الشعبية"، التي أطلقتها حركة فتح عام 1965، واتضح هذا الموقف أكثر بعد عام 1967.
واستضافت تيرانا شبابًا فلسطينيين لتدريبهم على المهارات القتالية في معسكرات الجيش الألباني، وقبل العديد من الفلسطينيين للدراسة مجانًا في جامعات ألبانيا. وفي هذا الإطار، اعترفت ألبانيا رسميًا عام 1988 بدولة فلسطين، وافتتحت سفارة فلسطينية في تيرانا.
واعتبرت تيرانا إسرائيل واحدة من الدول الست المعادية، التي لا يجوز إقامة أيّ علاقة معها سواء على الصعيد الدبلوماسي أو التجاري أو الثقافي، باعتبارها "أداة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط". وكان بذلك محظورًا على الدبلوماسيين الألبان في الخارج التحدث إلى الدبلوماسيين الإسرائيليين في أي مناسبة، أو حتى مصافحتهم.
استمرت هذه العلاقة الخاصة بين ألبانيا والفلسطينيين، إلى غاية عام 1990، لكنها تغيرت مع التحول التاريخي السريع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
وأقيمت إثر ذلك علاقات دبلوماسية بين ألبانيا وإسرائيل، والتقى ممثلو الدولتين في العاصمة الأردنية عمّان، في 21 يوليو/تموز عام 1991، واتفقوا على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وجرى توقيع الاتفاقية في 19 أغسطس/آب 1991، خلال زيارة وزير الخارجية الألباني الجديد آنذاك ، محمد قبلان، إلى إسرائيل. وكانت تلك الزيارة الرسمية الأولى لمسؤول ألباني إلى إسرائيل منذ اعتراف ألبانيا بها عام 1949.
ومنذ ذلك الحين، ركزت ألبانيا على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل في إطار الأولويات، التي توليها لعلاقتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الذي أصبحت عضوًا فيه) والاتحاد الأوروبي. وانعكس ذلك التوجه على وضع السفارة الفلسطينية في تيرانا، التي أضحت ممثلة بقائم بأعمال السفير، كما ظهرت بعض التوترات في العلاقات الألبانية الفلسطينية عندما صوتت فلسطين ضد انضمام كوسوفو إلى منظمة اليونسكو عام 2015.
اقرأ/أيضًا
الفيديو قديم وليس من احتفالات أُقيمت في القدس بمناسبة أحد الشعانين
الفيديو ليس من المظاهرات الطلابية في أميركا المطالبة بوقف العدوان على غزة