` `

ما حقيقة الادعاء بأن جورج سوروس هو الممول الفعلي لتظاهرات الجامعات الأميركية؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
29 أبريل 2024
ما حقيقة الادعاء بأن جورج سوروس هو الممول الفعلي لتظاهرات الجامعات الأميركية؟
العديد من الجهات تصور الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية على أنه مدفوع (Getty)

نشرت صحيفة ذا نيويورك بوست الأميركية، تقريرًا مفصّلًا يوم الجمعة الفائت عنوانه: "يدفع جورج سوروس المال للطلاب المتطرفين الذين يؤججون انفجار الاحتجاجات الكارهة لإسرائيل على مستوى البلاد"،  قدّمت فيه ادعاءات بأن الطلاب المتظاهرين في الجامعات الأميركية يتم تمويلهم من قبل سوروس، الملياردير المجري-الأميركي، أحد الناجين من المحرقة، والذي يثير الجدل دومًا نتيجة تبرعاته الضخمة للجماعات اليسارية.

وجرى ترديد هذا الادعاء في أماكن أخرى، على لسان عدد من المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز، وضباط إنفاذ القانون، ووسائل إعلام أخرى، مثل صحف وول ستريت جورنال وذا هيل.

تربط صحيفة ذا نيويورك بوست، وغيرها من متداولي هذا الادعاء، بين الاحتجاجات والتمويل من "مؤسسة المجتمع المفتوح"، المؤسسة التمويلية الكبرى التي أسسها سوروس في إبريل/نيسان 1993، إذ جاء في تقريرها: "كانت الأموال النقدية المتدفقة من سوروس وأعوانه شديدة الأهمية بالنسبة لاحتجاجات جامعة كولومبيا، التي أشعلت المظاهرات الوطنية المقلدة لها [...] يبدو أن الطلاب ينامون في خيام تم طلبها من أمازون ويستمتعون بالبيتزا المقدمة إليهم، والقهوة من Dunkin'، والشطائر المجانية التي تبلغ قيمة الواحدة منها 12.50 دولارًا من Pret a Manger، ورقائق تورتيلا ودجاج مشوي بقيمة 10 دولارات".

ولم تقدم الصحيفة أي وثائق أو أدلة على الأشياء الأخرى المذكورة قد تم شراؤها من قبل بعض المتبرعين الأثرياء، سواءً "خيام أمازون" التي يبلغ سعر الواحدة منها 20 دولارًا فقط، أو الطعام الذي وصفته بـ "الفاخر"، لكنها تساءلت رغم ذلك "من هو، أو ما هي المنظمة التي تقف وراء توصيل طلبات الطعام؟".

تقرير نيويورك بوست عن احتجاجات الجامعات الأميركية

الخيام الأرخص ثمنًا هي الأكثر انتشارًا في احتجاجات الجامعات الأميركية

في كثير من الحالات، سعت الأصوات المؤيدة لإسرائيل إلى تصوير الاحتجاجات في الجامعات الأميركية، على أنها شيء مدفوع ذو أجندات خارجية، زاعمة أن شخصًا ما أو مجموعة تسيطر على الطلاب المحتجين وتتحكم بهم. ويتفق معظم المروجين لتلك الادعاءات على الانطلاق من نقطة تشابه الخيام في الجامعات، إذ قال نائب مفوض العمليات في قسم شرطة مدينة نيويورك، كاز دوتري: “انظر إلى الخيام، من أين أتوا بها جميعًا؟ من المكان نفسه، ومن الشخص نفسه. هناك من يقف وراء كل هذا، وسنكتشف من هو”.

ثم شقَّ هذا الادعاء طريقه إلى قناة فوكس نيوز، حيث كرر المضيف بريت باير هذه الادعاءات. وفي الوقت نفسه، قالت النائبة الجمهورية فيرجينيا فوكس، التي ترأس لجنة التعليم والعمل في مجلس النواب، لموقع نيوز نيشن الإخباري "من الواضح أن هناك من يمولهم. لقد كانوا مستعدين بشكل جيد". ومن ثم انتشر الادعاء من قبل عشرات الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكك بالمظاهرات فقط لوجود خيامٍ متطابقة.

تغطية قناة فوكس نيوز لحراك الجامعات الأميركية

لكن لم يقدّم، أي من مروجي تلك الادعاءات، أدلة على كون الخيام قادمة من ممول واحد. وفي الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الخيام الظاهرة في مخيمات الجامعات تعد من الأرخص في السوق الأميركية، ومن السهل العثور عليها. وبحسب تقرير لموقع Hell Gate NYC المتخصص بأخبار نيويورك المحلية، فإن الخيام التي شوهدت في معسكر الحرم الجامعي لجامعة نيويورك تباع مقابل أقل من 15 دولارًا في متجر التجزئة "Five Below"، في حين أن الخيام الخضراء التي شوهدت في معسكر جامعة كولومبيا متاحة عبر الإنترنت من متجر "Walmart" بمبلغ 28 دولارًا فقط.

إضافة إلى ذلك، ما قد يفسر انتشار تلك الخيام التي يستخدمها الطلاب، هو أنها تظهر من بين أفضل النتائج على محرك بحث غوغل، فعندما بحث "مسبار" عن كلمة "خيمة" ("tent" بالإنجليزية) عبر متجر أمازون في الولايات المتحدة على الإنترنت، وجد خيمة Camel Crown الخضراء -الظاهرة في مخيمات الجامعات- متاحة مقابل 35 دولارًا، كما أنها مُدرجة على أنها العنصر الأكثر مبيعًا على أمازون، ويستطيع الزبون الحصول عليها خلال يوم واحد فقط. وبالبحث عن خيام خضراء أخرى موجودة على أمازون ومتاحة في الولايات المتحدة، لاحظ مسبار وجود خيمة شعبية أخرى شوهدت في الاحتجاجات، تم تخفيض سعرها في الأيام الأخيرة، لتبلغ تكلفتها الآن أقل من 20 دولارًا.

خيام المتظاهرين في احتجاجات الجامعات الأميركية
ثمن خيام المتظاهرين في احتجاجات الجامعات الأميركية

هل أموال سوروس "شديدة الأهمية" للمتظاهرين؟

لم توضّح صحيفة ذا نيويورك بوست، في أي جزء من تقريرها الذي تجاوز طوله الـ 1500 كلمة، كيف أن "الأموال النقدية من سوروس وأتباعه" كانت "شديدة الأهمية" بالنسبة للمتظاهرين، كما زعمت، وبدلًا من ذلك، أدرجت ببساطة المنظمات التي شاركت في الاحتجاجات إلى حدَّ ما وتتبّعت تمويلها في وقتٍ من الأوقات من قبل مؤسسة المجتمع المفتوح.

على سبيل المثال، زعمت الصحيفة أن مجموعة "الحملة الأميركية من أجل حقوق الفلسطينيين"، لديها برنامج زمالة ضمَّ ثلاثة أشخاص ممن شاركوا في المظاهرات الجامعية التي تجري هذه الأيام. وفي أحد الرسوم التوضيحية، وصفت الصحيفة الطلاب الثلاثة على أنهم "متظاهرون مدفوعو الأجر"، مما يشير إلى أن دافعهم للمشاركة هو المال، وليست الآراء التي دفعتهم إلى طلب الزمالة في المقام الأول.

الحملة الأميركية من أجل حقوق الفلسطينيين

لكن الحملة الأميركية من أجل حقوق الفلسطينيين مسجلة لدى مصلحة الضرائب الأميركية تحت اسم "التعليم من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط" (EJP). وقد تلقت الأخيرة منحًا بالفعل من مؤسسة المجتمع المفتوح. وكان أكبر مبلغ تلقته هو 300 ألف دولار، تم تقديمه في عام 2018. وخلال تلك السنة المالية، حصلت مؤسسة التعليم من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط على إيرادات تزيد قليلًا عن مليون دولار، وأنفقت نحو 1.3 مليون دولار، مما يعني أنها كانت سنة خاسرة. أما في السنة المالية 2019، بلغ صافي أصولها قرابة 165 ألف دولار، مما يعني أن قرابة نصف منحة مؤسسة الدعم المفتوح قد تم إنفاقها بالفعل.

منح مؤسسة المجتمع المفتوح

وفي عام 2021، تلقت المؤسسة أيضًا منحة من مؤسسة المجتمع المفتوح بقيمة 150 ألف دولار، ومنحة لمدة عامين بقيمة 250 ألف دولار في عام 2022. وبينما تدّعي ذا نيويورك بوست (وغيرها)، أن هذه الأموال ذهبت إلى أولئك المتظاهرين مدفوعي الأجر، فإن مؤسسة التعليم من أجل السلام العادل في الشرق الأوسط أنفقت خلال تلك السنوات 2.4 مليون دولار، مليونا دولار منها على الأقل لم تكن من أموال مؤسسة المجتمع المفتوح.

صورة متعلقة توضيحية

والأهم من ذلك، أن الزملاء الثلاثة الذين وصفتهم الصحيفة بأنهم "متظاهرين مدفوعي الأجر" كانوا من دفعة العام الفائت، أي أنهم تلقوا المنحة التي تبلغ 10 آلاف دولار (بمعدل 3330 دولار فقط لكل زميل) العام الفائت، ولم يعودوا "ممولين" من قبل مؤسسة المجتمع المفتوح منذ بداية هذا الفصل.

ويتهم تقرير الصحيفة أيضًا مؤسسة طلاب من أجل العدالة في فلسطين بأنهم "ممولون من سوروس" بهدف المشاركة بشكل أساسي في الاحتجاجات. وتستند في ادعائها إلى أن مؤسسة طلاب من أجل العدالة في فلسطين يتم تمويلها من قبل مؤسسة تحالف العمل الشعبي في ويستشستر (وتُعرف اختصارًا بـ "WESPAC")، والتي تلقت تمويلًا بمبلغ 132 ألف دولار من مؤسسة تايدز في مرحلة ما، التي حصلت على تمويل بالملايين من مؤسسة المجتمع المفتوح على مر السنين.

مؤسسة طلاب من أجل العدالة في فلسطين

صحيح أن مؤسسة تايدز تلقت أكثر من 11 مليون دولار من منح مؤسسة المجتمع المفتوح منذ عام 2017. لكن المؤسسة نفسها أعلنت عن إيرادات بقيمة 298 مليون دولار في السنة المالية 2017 وحدها، ما يعني أن إجمالي المنح المبلغ عنها من مؤسسة المجتمع المفتوح لا يتجاوز الـ 0.3 في المئة، من إيرادات مؤسسة تايدز من عام 2017 إلى عام 2022.

إيرادات مؤسسة تايد

وبغض النظر عن ذلك، تنفي منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين تلقيها أي أموال من WESPAC، ولا يوجد أي مؤشر علني على أنها تفعل ذلك. 

أما مجموعة الصوت اليهودي من أجل السلام، والتي ركز عليها أيضًا تقرير ذا نيويورك بوست، فقد تلقت منحًا من مؤسسة المجتمع المفتوح في السنوات الأخيرة، ولكن هنا مرة أخرى، تكمن المشكلة في نسبة ذلك التمويل إلى حجم الإنفاق الكلي. فمن عام 2017 إلى عام 2022، تلقت المنظمة 875 ألف دولار من مؤسسة المجتمع المفتوح، بينما أنفقت خلال تلك الفترة 19.6 مليون دولار، ما يعني أن أموال سوروس شكّلت أقل من 5 في المئة من إجمالي الإنفاق.

مجموعة الصوت اليهودي من أجل السلام
مجموعة الصوت اليهودي من أجل السلام

من غير المفاجئ صعود خطاب يقول إن "كل شيء ممول من جورج سوروس" الآن، إذ إنَّ هذا الخطاب يكاد لا يغيب عن وسائل الإعلام اليمينية في الولايات المتحدة، لكن هذا الادعاء يتجاهل حقيقة أن الرأي العام الأميركي قد تقلب بشدة بشأن حرب إسرائيل على غزة منذ بدايتها. فقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في شهر مارس/آذار الفائت أن 36 في المئة فقط من الأميركيين وافقوا على العمل العسكري الذي شنته إسرائيل في قطاع غزة، بعد أن كانت النسبة 50 في المئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. ووفقًا للاستطلاع، فإن الجمهوريين هم الفئة الديموغرافية الوحيدة التي لا تزال متمسكة بدعم الولايات المتحدة للحرب.

من هو جورج سوروس؟

ولد جورج سوروس لعائلة يهودية في المجر عام 1930، وعايش الاحتلال النازي للبلاد في الفترة ما بين 1944و1945، ثم نجا وعائلته من خلال الحصول على أوراق هوية مزورة وإخفاء خلفياتهم. غادر سوروس بودابست في عام 1947 متوجهًا إلى لندن حيث درس في كلية لندن للاقتصاد، ومن ثم توجه في عام 1956 إلى الولايات المتحدة، ودخل مجال المال والاستثمار، حيث حقق ثروته. وفي عام 1970، أطلق صندوق التحوط الخاص به باسم "Soros Fund Management"، وأصبح واحدًا من أبرز المستثمرين في تاريخ الولايات المتحدة.

استخدم سوروس ثروته لتمويل المؤسسات غير الحكومية والمشاريع التي تتسق مع فلسفته المستمدة من فلسفة كارل بوبر الواردة في كتاب "المجتمع المفتوح وأعداؤه"، في أكثر من 100 دولة. بدأ سوروس تبرعاته في عام 1979، عندما قدّم منحًا دراسية للسود في جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري. وفي الثمانينيات، ساعد في تمويل الزيارات الأكاديمية إلى الغرب. وبعد سقوط جدار برلين أنشأ جامعة أوروبا الوسطى، ومع انتهاء الحرب الباردة وسّع نطاق تمويلاته لتشمل الولايات المتحدة، وأفريقيا، وأميركا الجنوبية، وغرب آسيا والشرق الأوسط.

اقرأ/ي أيضًا

تقرير كولونا: إسرائيل لم تقدم دليلًا على ادعاءاتها بتورط موظفي الأونروا في منظمات إرهابية

ادعت إسرائيل أنّها غير مسؤولة عن تعطيلها: ما أسباب تأخر دخول المساعدات إلى قطاع غزة؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة