` `

محاولة لتجميل الذات: إسرائيل تفبرك صور نساء وأطفال للترويج بأنها تساعد لبنان بحربها على حزب الله

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
12 نوفمبر 2024
محاولة لتجميل الذات: إسرائيل تفبرك صور نساء وأطفال للترويج بأنها تساعد لبنان بحربها على حزب الله
حسابات إسرائيلية تنشر صورًا مفبركة لأطفال يحملون أعلام إسرائيل ولبنان

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، شنت إسرائيل عدوانًا بريًّا على جنوب لبنان، وعلى غرار الحرب على غزة، وظفت إسرائيل حملة إعلامية رافقت العملية العسكرية، وكشف مسبار في تقارير سابقة أساليب متعددة لحملات تضليل ودعاية، صممت كجزء من الجهود لدعم آلة الحرب الإسرائيلية في لبنان.

يكشف مسبار في هذا التقرير نشاطًا مكثفًا لحسابات إسرائيلية رسمية وغير رسمية هدفت إلى ترويج دعاية مضللة تزعم أن اللبنانيين مؤيدون لإسرائيل ولحربها على لبنان، وعكست انطباعًا عامًا أن الحرب الإسرائيلية تهدف إلى مساعدة اللبنانيين في التخلص من حزب الله، ورُوّج لذلك على أنه هدف لبناني قبل أن يكون إسرائيليًّا.

في إطار الحملة، وظّفت إسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو وصور تحمل طابعًا عاطفيًا، وكانت هذه المواد تستخدم استراتيجيات نفسية مؤثرة، تهدف إلى صرف انتباه المتلقي عن الحقائق وإثارة مشاعر عميقة تصب في مصلحة الأجندة السياسية الإسرائيلية.

الذكاء الاصطناعي وتوظيف البراءة لتجميل قبح العسكرة

الصور وسيط شائع الاستخدام في البروباغندا السياسية، ويعدّ استغلال رموز البراءة كالتي يحملها الأطفال، سواء من خلال صور حقيقية أو مولدة بالذكاء الاصطناعي، أداة قوية للتأثير العاطفي وتبسيط القضايا المعقدة.

في الآونة الأخيرة، لوحظت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تقودها حسابات إسرائيلية، تنشر صورًا لأطفال يحملون أعلام إسرائيل ولبنان. تتميز هذه الصور بتصميم يُبرز سمات جمالية تتوافق مع المعايير التقليدية المثالية، مثل الوجه المتناسق والشعر الأشقر، العيون الملونة، والبشرة الفاتحة والخالية من العيوب.

Two girls holding flags in front of a city

Description automatically generated

من الأسلوب المتشابه الذي صممت به الصور، والتنظيم في عملية نشرها، من الملاحظ أنها تهدف لخلق صورة مضللة للمتلقي، إذ تسعى إلى استغلال الطابع البريء والإنساني للأطفال لأهداف سياسية، والتركيز على المشاعر الإيجابية كالابتسامات البريئة والمظاهر الهادئة، مع وضع العلم الإسرائيلي في الخلفية.

اطفال مع العلم الإسرائيلي واللبناني

يبسط هذا النوع من الصور، القصة أمام المتلقي، ويؤدي لتعرضه لمزيد من التقييم باستخدام الاختصارات المعرفية، وهي طرائق عقلية سريعة تسهّل اتخاذ القرارات لكنها قد تؤدي لتحيزات أو أخطاء مما يُضعف التفكير النقدي لدى المتلقي. إلا أن الصفحات الإسرائيلية تستخدم هذا الأسلوب لتخلق انطباعًا إيجابيًا قد يعمل كمسكن وملطف للرأي العام، ويُبسّط القضايا بشكل مخلّ مما يُبعد المتلقي عن فهم الجوانب الهيكلية لحقيقة الممارسات الإسرائيلية.

استغلال الأطفال في الدعاية السياسية أسلوب شائع تاريخيًا

يُعدّ استخدام الصور الجذابة للأطفال في الدعاية السياسية أسلوبًا شائعًا للتأثير على المشاعر وتوجيه الرأي العام. خلال فترة حكم النظام النازي في ألمانيا (1933-1945)، لعبت صور الأطفال ممن اختيرت أشكالهم بمعايير مثالية دورًا محوريًا في الحملات الدعائية للنظام. كانت هذه الصور أداة رئيسية لتعزيز الأيديولوجيا النازية القائمة على فكرة تفوق العرق الآري، إذ استُخدمت لإبراز مفاهيم البراءة، الجمال، والمستقبل المثالي للأمة الألمانية.

لجأ النظام النازي إلى نشر صور الأطفال الآريين في وسائل الإعلام المختلفة، إذ أظهرت هذه الصور الأطفال بصحة جيدة، وجوه مبتسمة، وملابس تقليدية تعكس الروح الوطنية المتخيّلة. 

كانت هذه الصور حاضرة في الملصقات الدعائية، المناهج التعليمية، وحتى الأفلام الوثائقية، من خلال تصوير الأطفال ذوي الشكل الجميل، استطاع النازيون كسب تعاطف الشعب الألماني مع أيديولوجيتهم، وجعلوا الدفاع عن "مستقبل الأطفال"، ذريعة لتبرير السياسات التوسعية والعسكرية.

أطفال مع العلم اللبناني والإسرائيلي 2

استراتيجية إسرائيل في تجميل الذات وتشويه الخصم

تعتمد الاستراتيجية الدعائية للجيش الإسرائيلي منذ سنوات نموذجًا مركبًا، يهدف إلى تلميع صورته عالميًا وتعزيز شرعية ممارساته محليًا ودوليًا. وتقوم هذه الاستراتيجية على تقسيم مُتخيَّل يروّج لنقيضين الأول "الجمال" الذي يمثله الجيش الإسرائيلي، و"القبح" المنسوب للخصم. يتم ذلك من خلال توظيف أدوات دعائية متطورة تسعى إلى إعادة تشكيل وعي الجماهير، بما يتوافق مع تطورات الإعلام الرقمي.

وتعتمد الماكنة الإعلامية للجيش الإسرائيلي على بناء سرديات مضللة تُبرز الخصم في صورة "غير حضارية" و"أقل إنسانية". هذا التصوير يتجلى في عدة أدوات كتوظيف الإسلاموفوبيا أو الصراعات الداخلية، أو اتهامات التطرف والإرهاب، لتشويه صورة الخصم.

ويجري تعزيز الدعاية بادعاءات ثقافية مضللة تصوّر الخصوم كأناس ذوي معايير غير متحضرة، سواء في السلوك أو المظهر، ولم يعبر عن هذه الاستراتيجية من خلال الحملات الدعائية المنظمة فقط، بل جاءت وتكررت على لسان مسؤولين رسميين طوال فترة الحرب على غزة، كان آخرها الادعاءات التي روجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو في خطابه أمام الكونغرس الأميريكي.

على الجانب الآخر، تُبرز الدعاية الوجه "الحضاري" المفترض لإسرائيل عبر عدة أساليب، مثل التركيز على إظهار المجندات الجميلات، الأسيرات المحررات اللواتي يمتلكن معايير جمال تقليدية، حفلات الموسيقى، مناسبات الولادة والزفاف، والجانب الشخصي الذي يبدو ظاهريًا نابضًا بالمحبة والسلام للجيش الإسرائيلي. إلى جانب إنجازات ثقافية تُظهر إسرائيل بصورة أكثر "تحضرًا"، مثل الإنجازات الأكاديمية، والحوارات الثقافية، وقيم المساواة، والانفتاح على العالم، لا سيما الغربي.

نساء جميلات يرفعن العلم الإسرائيلي واللبناني لمواجهة “العدو القبيح”

ترى ريبيكا شتاين، أستاذة الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة ديوك الأميركية، أن هنالك امتدادًا لتاريخ طويل لدى الجيش الإسرائيلي من توظيف الجمال في تسويق القوة العسكرية.

تشكل الصور المثيرة التي ينشرها الجيش الإسرائيلي عنصرًا فعالًا من استراتيجيته الدعائية، إلى جانب مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي التي توظف عنصر الجمال في إنشاء سرد مقنع يلمّع قبح ممارسات العسكرة الإسرائيلية، كصور المجندات الجميلات بملابس عسكرية وهن في وضعيات جذابة. وتُستخدم هذه الصور ليس فقط لجذب الانتباه، بل أيضًا لتقديم صورة الجيش كـ “حضاري" و"جذاب"، و"إنساني" وفي محاولة للتنافس مع محتوى الخصم الذي يكشف عن وحشية الجيش الإسرائيلي. 

وظفت الحملة الإسرائيلية إلى جانب صور الأطفال الجميلين صور مولدة بالذكاء الاصطناعي لنساء جميلات وهن يرفعن علمي إسرائيل لبنان، وبنفس الأسلوب الذي استخدم مع صور الأطفال، صممت صور النساء لتبرز صفات جسدية شائع أن تكون جذابة، وهي صفات الصحة، والمثالية، والجسد المتناسق والبشرة الصافية، مع إقحام العلم الإسرائيلي إلى جانب العلم اللبناني في الخلفية، وبدت الحملة منظمة ولديها تنسيق معقول بالنظر لكثافة النشر.

نساء جميلات والعلم الإسرائيلي واللبناني
نساء جميلات والعلم الإسرائيلي واللبناني 2

ضد العدو المشترك.. “الجيش اللطيف” يستخدم الطائفية لزرع الانقسام بين اللبنانيين

لاحظ مسبار في المراجعة أن الحملة استخدمت الطائفية كأداة لتعميق الاستقطاب والانقسامات في الخصم اللبناني، فقد ركزت هذه الحملات على إرفاق وصف مع الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، يشير أن فئات محددة من المجتمع اللبناني تؤيد إسرائيل مثل المسيحيين المارونيين والدروز. واستخدم في نشر هذه الادعاءات حساباتٍ زعم أنها تعود لأشخاص لبنانيين من طوائف مختلفة، مما يعكس استغلالًا لمشاعر الانتماء أو التمييز. والهدف ليس فقط تمرير الرسائل، بل تقسيم الجمهور المستهدف ودفعه إلى الانحياز لصالح توجهات سياسية، بناء على الهويات والعقائد والأفكار المسبقة.

صفحة تروج لإسرائيل
يشير وصف إحدى الصفحات التي تنشر الصور وتروج للسردية الإسرائيلية إلى بعد طائفي منظم للحملة
منشور يروج لإسرائيل مع الطائفية
تنشر الحسابات التي تنشط مع الحملة منشوراتها بطابع طائفي يعزز حالة الانقسام

تحقق الحملة الإسرائيلية تفاعلًا واسعًا وتستخدم حيل نفسية لتمكين السردية الإسرائيلية

من الناحية النفسية، قد تكون هذه الحملات عميقة التأثير، كونها تستغل ما يُعرف في علم النفس بالإشراط الكلاسيكي، وهي عملية تربط بين محفز محايد (مثل الصور الجميلة أو الرسائل الجذابة) واستجابة معينة (مثل الشعور بالإعجاب أو القبول)، مما يحقق الحملة هدفًا نفسيًا يربط بين الجمال والمثالية الجسدية وبين الرسائل السياسية، ويعزز ذلك الربط الوسيط البصري الذي يُعد من أقوى الأدوات النفسية تأثيرًا.

ويتم تصميم الصور بعناية لاستهداف العقل اللاواعي، باستخدام عناصر مثل الألوان والرمزية الثقافية والإثارة الجمالية. هذه الصور لا تحفز الحاجات الغريزية فقط، بل تقلل أيضًا من احتمال تفاعل الجمهور بعقلية نقدية، مما يجعلهم أكثر عرضة لتقبل السرديات دون وعي أو تمحيص.

إضافة إلى ذلك، تترافق هذه الصور بعبارات تُحاكي العواطف العميقة لدى الأفراد، مثل تلك المستخدمة في صفحة "إسرائيل بالعربية" مع صور جذابة كجملة (هذه الصورة يحلم بها اللبناني)، ما يضاعف من التأثير النفسي عبر خلق ارتباط عاطفي قوي بالمحتوى المقدم. التكرار والإشراط العاطفي لهذه الصور يولّد ارتباطات إيجابية بين الرسالة والصورة، ويترك أثرًا عاطفيًا مستمرًا قد يُترجم إلى مواقف داعمة دون مراجعة دقيقة لصحة المعلومات. 

صورة متعلقة توضيحية

وتعد الوسائط البصرية أكثر من مجرد أدوات عرض، فهي وسائل فعّالة في تشكيل القناعات وتعزيز الرسائل الضمنية بطرائق خفية ومؤثرة، وخاصة مع التدخلات المثالية التي يضفيها الذكاء الاصطناعي. ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة "Diogenes" بعنوان "The Power of Visual Material: Persuasion, Emotion and Identification"، فإن المواد البصرية تمتلك قدرة كبيرة على التأثير في المشاعر وتوجيهها، وهي محرك قوي قد يساهم في تغيير المواقف والآراء بطرق غير مباشرة ولاواعية.

فخ الجاذبية: أداة دعائية لتلميع صورة الجيش الإسرائيلي

تبدو الحملة وكأنها تستخدم استراتيجية "فخ الجاذبية" (Thirst Trap)، وهي أسلوب دعائي شاع استخدامه من قبل الجيش الإسرائيلي، ويعتمد على استغلال الجاذبية البصرية والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف جذب الانتباه وتحقيق انتشار واسع.

يتجسد هذا الأسلوب في نشر صور ومقاطع فيديو للوسائل السياسية والعسكرية كالأسلحة أو الأزياء العسكرية أو الأعلام الوطنية، ويهدف هذا النهج إلى تقديم صورة مُخففة وأكثر إنسانية حول الجيش الإسرائيلي.

الناشطة والأكاديمية الأميركية أنجيلا ديفيس تسلط الضوء على استراتيجية الجيش الإسرائيلي في تلطيف صورة العنف باستخدام الصورة ومنصات التواصل الاجتماعي. وتشير إلى أن العنف الذي تمارسه إسرائيل، والروايات التي تروّج لها لطالما ما كانت تعرض بأساليب مصممة بعناية لزيادة جاذبيتها وصدقيتها، مثل دمجها مع الموسيقى الخلفية أو تقديمها في مقاطع قصيرة ذات طابع فني أو صور تحمل دلالات جمالية.

يُذكر أن العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان رافقه تطور ملحوظ في استخدام إسرائيل لأساليب دعائية متنوعة على منصات التواصل الاجتماعي، التي لعبت دورًا رئيسيًا في ترويج الرواية الإسرائيلية، بدعم مالي كبير ومنظم من الحكومة الإسرائيلية. إذ استثمرت إسرائيل بكثافة في حملات إعلامية وإعلانات ممولة عبر الإنترنت، شملت مقاطع فيديو وصور جذبت ملايين المشاهدين حول العالم.

اقرأ/ي أيضًا

الجنديات المؤثرات كوسيلة لكسب التعاطف والتغطية على عنف الجيش الإسرائيلي

كيف تستخدم إسرائيل مقولة حرب الحضارات لتبرير جرائمها في غزة؟

الأكثر قراءة