في الوقت الذي يعاني فيه أهالي قطاع غزة من جرائم الجيش الإسرائيلي، خلال الحرب الجارية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تنتشر صور مُولدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن الصور الحقيقية التي تُعبّر عن الوضع كما هو لا تقل فظاعة عن الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن الصور المُزيفة تنتشر وتحدث تأثيرات مُضلّلة، قد تُستخدم لتشويه الحقائق والتضليل، خاصة من قبل الإعلام الإسرائيلي والحملات المُشكّكة في معاناة أهالي القطاع. وتنتشر الصور المُزيفة بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل من الصعب على المستخدمين التمييز بينها وبين الصور الحقيقية.
كلب أطلقه جنود إسرائيليون على مُسنّة فلسطينية أثناء نومها
مساء يوم الثلاثاء 25 يونيو/حزيران الجاري، نشرت قناة الجزيرة مشاهد حصرية تُظهر مهاجمة كلب بوليسي يتبع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مسنّة فلسطينية في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة. تُظهر المشاهد المُسرَّبة من كاميرا مُركّبة على الكلب من قبل جنود الاحتلال، لحظة مهاجمته للمُسنَّة وهي في فراشها، إذ بدأت بالصراخ بينما كان الكلب ينهش جسدها ويسحبها.
وقالت الحاجة دولت عبد الله الطناني، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت عليها كلبًا أثناء نومها، بسبب رفضها ترك بيتها في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وأن الكلب سحبها إلى خارج الغرفة. مُشيرة إلى أن إصابتها خطيرة نتيجة نهش الكلب لها، وأنه لا توجد مستشفيات أو أدوية لتلقي العلاج. وأثارت المشاهد حالة من الغضب والاستنكار تجاه فعل الاحتلال ضد المُسنّة.
وبعد عدة ساعات، نُشرت صورة مُولدة بالذكاء الاصطناعي تُعبّر عن الجريمة التي تعرضت لها المُسنّة في غزة، ولاقت الصورة رواجًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أنها تُعبّر عن الجريمة التي لا تقلّ فظاعة مشاهدها عن الصورة نفسها، إلا أن بعض المواقع الإلكترونية والمستخدمين نشورا الصورة وادّعوا أنها حقيقية، بينما هي مولدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
نُشرت الصورة للمرة الأولى في حساب مُصمِّم يُدعى إسلام نور على منصة إنستغرام، في 25 يونيو الجاري، وكتب في نهاية منشوره (PS+AI)، ما يؤكد أن الصورة عمل فني وتصميم قام به وليست حقيقية. إلى جانب ذلك، تُظهر تفاصيل الصورة ذاتها وشكل الكلب بشكل واضح أنها غير حقيقية.
وعند العودة إلى المشاهد التي نشرتها قناة الجزيرة أثناء مهاجمة الكلب للمسنة، يتضح أيضًا أن لباسها يختلف عن اللباس الظاهر في الصورة المُتداولة في الادعاء كما أن شكل الكلب الإسرائيلي يختلف عن الكلب الذي هاجم السيدة الفلسطينية.
صور مولّدة بالذكاء الاصطناعي لأطفال في غزة
بمراجعة مسبار للمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وجد العديد من الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي والتي نُشرت للتعبير عن الأوضاع الإنسانية للأطفال في قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الجارية، ويتم تداول هذه الصور على أنها حقيقية، ويُشارك متضامنون وفنانون مع القطاع باستخدام هذه الصور، مما يُسهم في انتشارها بشكلٍ واسع ويؤدي إلى انتشار التضليل، على الرغم من وجود مئات الصور الحقيقية لأطفال من القطاع في حالات إنسانية أشد قسوة.
ففي أواخر أكتوبر الفائت، نُشرت صورة لطفلين يبكيان وينظران إلى السماء وأمامهما جثة على أنها لوالدتهما، و يُلاحظ أن الصورة لا تزال الحسابات والصفحات تتداولها حتى اليوم على أنها حقيقية.
إلا أن التدقيق في الصورة يُظهر وجود العديد من التشوهات التي تؤكد أنها مزيفة وتم توليدها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. فمثلًا، تبدو الوجوه والملامح وكأنها مرسومة وغير طبيعية، إلى جانب تشوهات في عدد الأصابع وشكلها. هذه التشوهات تتكرر في غالبية الصور المُولّدة بالذكاء الاصطناعي، إذ لا تزال الأدوات تواجه صعوبة في التفاصيل مثل أصابع اليدين والقدمين وملامح الوجوه الحقيقية وخلفيات الصور، على الرغم من تقدم التقنيات وتطورها.
كما أن البحث عن الصور يقود إلى عشرات الصور المشابهة والمُولّدة بالذكاء الاصطناعي التي نُشرت خلال الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، على أنها صور حقيقية لأطفال في حالات إنسانية قاسية. وجميع هذه الصور تحتوي على التشوهات التي ذكرناها أعلاه، مثل الملامح المرسومة والخلفيات وعدد الأصابع وشكل الدم والانفجارات وغيرها.
وفي السياق ذاته، لقيت صورة لطفل تحت الأنقاض يحمل بيده بالونًا رواجًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، في إشارة إلى أنها صورة لطفل فلسطيني التُقطت في قطاع غزة.
ولكن البحث عن الصورة يُرشد إلى نشرها الأول في حساب الشاب إبراهيم السيد على منصة انستغرام في 31 أكتوبر الفائت. إذ علّق إبراهيم السيد على منشوره بالقول "حاولت أجسِّد الأمل رغم الألم عند أهل غزة بالذكاء الاصطناعي".
الأمطار تغرق خيام النازحين في غزة
في أواخر شهر يناير/كانون الثاني الفائت، هطلت كميات غزيرة من الأمطار في محافظات قطاع غزة، ما فاقم معاناة مئات الآلاف من النازحين في الخيام، ومنهم آلاف الأطفال، وظهرت مشاهد من القطاع تُظهر إغراق الخيام والأوضاع المأساوية التي حلت بالنازحين في مراكز الإيواء، ونُشرت العديد من الصور الحقيقية لأطفال نائمين أغرقتهم المياه الخيام التي يقيمون فيها في مختلف محافظات القطاع، وما تسببت به من مأساة حقيقية للنازحين بفعل الحرب الإسرائيلية الجارية، في الوقت الذي كان يعاني النازحون من نقص في الملابس والأغطية.
ولكن، لم تكتفِ المواقع الإلكترونية وعدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بنشر الصور الحقيقية فقط، بل نُشرت صور مولدة بالذكاء الاصطناعي، مُدعيةً أنها تُظهر أطفالًا نائمين في خيمة لحظة غرقها.
وسواء كان النشر مُقصودًا بهدف التضليل وإخفاء الحقيقة وجعل المتابع يفقد التمييز بين المشاهد المُفبركة والحقيقية، أو كان الهدف مجرد التعبير عن الوضع المأساوي والتضامن، فلا يمكن تجاهل استغلال الإعلام الإسرائيلي والجهات المؤيدة لإسرائيل لهذه الصور بهدف التشكيك في معاناة أهالي قطاع غزة والتبرير المستمر للانتهاكات والجرائم التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، إلى جانب مساهمة هذه الصور في هدم التعاطف والتضامن مع الفلسطينيين في القطاع خلال الحرب الجارية.
اقرأ/ي أيضًا
كيف تستخدم مجموعات اليمين المتطرف الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى يحض على الكراهية؟
شبكة حسابات تعمل بالذكاء الاصطناعي تروّج للرواية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة