` `

بصور ومشاهد دعائية: إسرائيل تزعم مساعدة النازحين بعد إجبارهم على الإخلاء القسري

فاطمة حماد فاطمة حماد
سياسة
23 أكتوبر 2024
بصور ومشاهد دعائية: إسرائيل تزعم مساعدة النازحين بعد إجبارهم على الإخلاء القسري
الدعاية الإسرائيلية تروّج مشاهد مساعدة النازحين لتلميع صورة الجيش

يواصل الاحتلال الإسرائيلي اتباع استراتيجيات دعائية تهدف إلى إظهار جيشه كـ"جيش أخلاقي"، يحمي المدنيين ولا يستهدفهم، مع التركيز على مزاعم أن العمليات العسكرية تقتصر على استهداف مقاتلي حركة حماس. وتأتي هذه السردية في سياق حرب مستمرة على قطاع غزة دخلت يومها الـ383، وأودت بحياة 42 ألف فلسطيني و792 آخرين، إلى جانب إصابة 100 ألف و412 شخصًا.

ورغم تصاعد القصف اليومي واستهداف المدنيين في قطاع غزة، يسعى الاحتلال إلى الترويج لصورة مغايرة عبر وسائل الإعلام الرسمية وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدمًا صورًا ومقاطع فيديو دعائية مفادها أن الجيش الإسرائيلي يقدّم المساعدة للمدنيين.

خلال الأيام الأخيرة، أجبر جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين المقيمين في مراكز الإيواء في شمالي قطاع غزة، وكذلك في منازلهم، على النزوح عبر ممرات زعم أنها “آمنة”، و جاءت هذه التحركات بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي مجددًا لشمالي قطاع غزة، عقب انسحابه في مايو/أيار الفائت. وقد تقدمت قواته في عدة محاور، منها مخيم جباليا ومدينة بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا، وسط حصار شامل استمر لمدة 18 يومًا، تخللته غارات جوية وقصف مدفعي، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيّرة، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين.

مزاعم حول مساعدة الجيش للمدنيين

روّجت وسائل الإعلام الإسرائيلية، حديثًا، لمقاطع فيديو وصور تُظهر جنود الاحتلال وهم يساعدون المدنيين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة أثناء نزوحهم القسري عبر ممرات يزعم الاحتلال أنها “آمنة”. من بين هذه الصور، التي تم تداولها باللغات الإنجليزية، العبرية، والعربية، صورة لمسعفة من وحدة جيفعاتي وهي تعالج امرأة فلسطينية مسنة في جباليا. زعمت التقارير الإسرائيلية أن المرأة أصيبت نتيجة منع حركة حماس للمدنيين من الوصول إلى المناطق الآمنة. كما ادّعى الجيش الإسرائيلي أن الكتيبة تهدف إلى “محاربة نشاطات حماس وإخلاء أكبر عدد ممكن من المدنيين لضمان سلامتهم”.

صورة دعائية نشرها الإعلام الإسرائيلي ليزعم أن الجيش يعالج المدنيين
صورة دعائية نشرها الإعلام الإسرائيلي لمجندة تساعد مسنة

تناقض بين السردية الإسرائيلية والواقع الميداني

تهدف الصور التي تروّج لها وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى تعزيز سردية الجيش الإسرائيلي كمدافع عن المدنيين أثناء العمليات العسكرية. ومع ذلك، تتناقض هذه السردية مع التقارير الميدانية التي توثق الانتهاكات المستمرة بحق المدنيين، بما في ذلك القصف العنيف والنزوح القسري الذي يتم تحت الحصار الجوي والبري.

واستخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الصور كجزء من حملة دعائية تهدف إلى تحسين صورة الجيش، مدعيةً أن المسعفة ظهرت وهي تساعد مسنة فلسطينية أصيبت نتيجة منع حركة حماس للمدنيين من الفرار إلى المناطق الآمنة. لكن، وفقًا لتقارير ميدانية وشهادات صحفيين ومواطنين، تتناقض هذه المزاعم مع الواقع الذي يوثّق مقتل مئات المدنيين خلال محاولاتهم للنزوح القسري تحت القصف الإسرائيلي المستمر، كما تؤكد الشهادات الموثّقة أن الجيش الإسرائيلي يواصل استهداف النازحين بشكل مباشر، تحت غطاء مزاعم "الممرات الآمنة" التي تُستخدم كوسيلة لتبرير عمليات القتل الميدانية.

الدعاية الإسرائيلية تروّج مشاهد مساعدة النازحين لتلميع صورة الجيش

يستغل الاحتلال الإسرائيلي بشكل مكثف منصات التواصل الاجتماعي، للتروّيج لمقاطع فيديو تُظهر جنوده وهم يقدمون المساعدة للنازحين من قطاع غزة، زاعمين أنهم يضمنون نزوحهم "بأمان" من خلال تقديم المياه والخدمات الأساسية، وتأتي هذه المشاهد كجزء من استراتيجية دعائية تهدف إلى تحسين صورة الجيش الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي.

ترافق هذه المقاطع تعليقات من الحسابات الرسمية الإسرائيلية، تؤكد أن "الحرب ليست مع سكان غزة"، مع تكرار الادعاء بأن الهدف هو تمكينهم من العيش بكرامة، وتحميل حركة حماس المسؤولية الكاملة عن الحرب، وتسعى إسرائيل من خلال هذه الحملات الإعلامية إلى الترويج لسردية مفادها أن الجيش الإسرائيلي يتصرف بأخلاقية ولا يستهدف سوى مقاتلي حماس، متجاهلة التقارير والشهادات التي توثق الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية.

فيديو تروّج له إسرائيل على أن جيشها يساعد المدنيين ويقدم لهم الخدمات
فيديو تروّج له إسرائيل على أن جيشها يساعد المدنيين ويقدم لهم الخدمات

شهادات نازحين تكشف الجرائم الميدانية

نشرت قناة الجزيرة اليوم، الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول، تقريرًا بعنوان "حكايتي.. الرحيل من الشمال". يوثّق التقرير شهادات نازحتين فلسطينيتين، تحدثتا عن وحشية جنود الاحتلال وتعمدهم استهداف النساء والأطفال بشكل مباشر، بالإضافة إلى تدمير منازل المدنيين على رؤوس ساكنيها. كما أشارت الشهادات إلى التعذيب الذي يتعرض له المختطفون الفلسطينيون من مراكز الإيواء.

تقرير يوثّق شهادات نازحين من شمالي غزة يتحدثون عن الانتهاكات الإسرائيلية
تقرير يوثّق شهادات نازحين من شمالي غزة يتحدثون عن الانتهاكات الإسرائيلية

كما نشرت صحيفة العربي الجديد يوم أمس الثلاثاء 22 أكتوبر، تقريرًا يصف رحلة نزوح عائلة ياسر حمد وعائلات أخرى من شمالي قطاع غزة. بعد فترة من البقاء في مراكز الإيواء، أُجبرت العائلات على النزوح بأوامر إسرائيلية، وخلال تحركهم، استُهدفوا بقذيفة مدفعية سقطت فوق رؤوسهم، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من أفراد العائلات، بما في ذلك ابن ياسر حمد الذي فقد حياته. لم يتمكن والده من وداعه أو دفنه كما يجب، وقال في مقابلة مع العربي الجديد "من بين الشهداء كان نجلي أحمد، الذي لم أتمكن من وداعه أو احتضانه للمرة الأخيرة أو حتى تكفينه ودفنه كما يجب". وأشار إلى أنهم اضطروا لترك العديد من الجثث والمصابين خلفهم يطلبون النجدة، دون أن يتمكن أحد من مساعدتهم.

وخلال رحلة النزوح التي امتدت لمسافة 10 كيلومترات سيرًا على الأقدام، واجه النازحون تهديدات مستمرة من الطائرات الإسرائيلية بعدم الالتفات أو الرجوع، وعانت العائلات من فقدان أحبائها، كما هو الحال مع عائلة شتات التي أصيب ثلاثة من أطفالها نتيجة قصف مدفعي استهدف ممر النزوح الذي زُعم أنه "آمن".

وفي شهادتها للصحيفة، قالت أسمهان شتات، والدة الأطفال المصابين، إن الجيش أمرهم بالخروج عبر مسار ادعى أنه آمن، إلا أن الاحتلال باغتهم بالقصف خلال سيرهم، مما أسفر عن إصابة أبنائها بجروح طفيفة. كما أصيب عدد من النازحين الآخرين بشظايا القذيفة.

وتؤكد الشهادات أن العائلات تعرضت لاستهداف متعمد من قبل الجيش الإسرائيلي، مشيرةً إلى أن ما يُسمى بالممر الآمن لم يكن سوى 'خدعة' تهدف إلى إلحاق المزيد من الأذى بالمدنيين.

تقرير يوثّق شهادات عائلات ومدنيين بعد نزوحهم من الشمال
تقرير يوثّق شهادات عائلات ومدنيين بعد نزوحهم من الشمال 

وفي السياق، وثّقت وسائل إعلام شهادات جديدة للنازحين من شمالي قطاع غزة اليوم الأربعاء، حيث أكدوا تعرضهم لقصف مكثف من قبل الجيش الإسرائيلي باستخدام براميل متفجرة وقذائف، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين وأجبرت من تبقى منهم على النزوح قسرًا من مناطقهم، في إطار عملية عسكرية مستمرة منذ 19 يومًا تشهد إبادة جماعية في المنطقة.

النازحون الفارون من مناطق مثل مشروع بيت لاهيا توجهوا نحو مدينة غزة، هربًا من القصف الإسرائيلي الذي يهدد حياتهم ويدفعهم لترك منازلهم. إحدى النازحات، التي كانت تقيم في مشروع بيت لاهيا، صرّحت لوكالة الأناضول بأن عائلتها تعرضت للنزوح مرتين، الأولى من تل الزعتر بجباليا بعد أن فقدت 30 شخصًا من عائلتها، بمن فيهم ابنتها. وأضافت أن النزوح الثاني كان من بيت لاهيا إلى غزة بعد تعرض منطقتهم للقصف بالبراميل المتفجرة والقذائف.

كما أشارت النازحة إلى أن الجيش الإسرائيلي قام باعتقال النازحين أثناء فرارهم، حيث تم فصل النساء عن الرجال. أفرج الجيش لاحقًا عن النساء، بينما بقي الرجال قيد الاحتجاز، دون معرفة مصيرهم حتى الآن.

تقرير يوثّق الانتهاكات شمالي قطاع غزة وشهادات مواطنين
تقرير يوثّق الانتهاكات شمالي قطاع غزة وشهادات مواطنين

تحذيرات حقوقية دولية من جرائم الحرب

من جانبها، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش في 18 أكتوبر الجاري، تقريرًا يسلط الضوء على النزوح القسري الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على سكان شمالي غزة، معتبرةً أن هذا الأمر قد يرقى إلى جريمة حرب. وقالت إنه منذ بداية الشهر، أصدرت إسرائيل أوامر لمئات الآلاف من السكان بمغادرة منازلهم، بالإضافة إلى منع المساعدات الإنسانية من الوصول إليهم، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. كما استهدفت العمليات الإسرائيلية البنية التحتية المدنية وعرقلت جهود الإغاثة، ما تسبب في تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض.

ورغم أن الحكومة الإسرائيلية تبرر هذه الإجراءات بأنها تستهدف حركة حماس وتوفر ممرات آمنة للمدنيين، فإن الأدلة تشير إلى أن النزوح يتم تحت تهديد مباشر، ولا توجد أماكن آمنة للسكان. طوال العام، دمرت العمليات العسكرية أجزاء كبيرة من غزة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الغالبية العظمى من الوحدات السكنية والمدارس والبنية التحتية قد دُمرت.

وأضاف التقرير أن هذه العمليات قد تكون جزءًا من خطة لإحداث نزوح دائم للفلسطينيين، وسط تصريحات لمسؤولين إسرائيليين حول تقليص مساحة غزة ودعوات لإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية. كما أشارت المنظمة إلى أن إسرائيل أصدرت أربعة أوامر بإخلاء الشمال بين 1 و12 أكتوبر، بدعوى حماية المدنيين، ولكن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يسعى لإجبار المدنيين على النزوح بطريقة غير قانونية، دون وجود أماكن آمنة أو خطط لإعادتهم بعد انتهاء العمليات.

الأطفال والنساء يشكلون غالبية ضحايا الحرب الإسرائيلية

لا يقتصر التوثيق على هذه المشاهد والشهادات وحدها، بل يشهد واقع الحرب في قطاع غزة وما يمر به النازحون قسرًا من الشمال، عشرات المجازر والانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين. عمليات القصف المستمرة والاستهداف المباشر لمناطق النزوح والمدنيين العُزّل، تُظهر حجم الجرائم التي تُرتكب في إطار هذه الحرب وتفضح زيف المزاعم الإسرائيلية.

ونشر الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، اليوم الأربعاء 23 أكتوبر، مقطع فيديو يوثّق انتشال ست إصابات وجثمانين لطفلتين من منزل يعود لعائلة حلاوة في منطقة جباليا البلد. يُظهر الفيديو إصابات في الرأس وجثامين لأطفال، ما يدحض الدعاية الإسرائيلية التي تحاول الترويج لفكرة أن "جيشها إنساني"، ويساعد المدنيين.

من جانبها، أصدرت وزارة الداخلية والمكتب الإعلامي في غزة، تحذيرات متكررة تفيد بأن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات إعدام ميدانية بحق الفلسطينيين خلال محاولتهم النزوح من شمالي القطاع إلى الجنوب، عبر ما يُزعم أنها “ممرات آمنة”. كما أشارت التحذيرات إلى أن هذه القوات استهدفت مناطق النزوح بشكل مباشر، مما أسفر عن وقوع مجازر في المناطق التي وُصفت سابقًا بأنها “آمنة” في جنوبي ووسط غزة. ونتيجة لذلك، لقي العشرات حتفهم، وأصيب المئات من المدنيين، بينما تستمر هذه الانتهاكات بشكل متواصل.

ووفقًا للإحصاءات الصادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني، يُشكل الأطفال والنساء غالبية ضحايا الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة، حيث يعانون من آثار الدمار والقصف المتواصل على البنية التحتية والمدنيين.

ضحايا الحرب الإسرائيلية وفقًا لمركز الإحصاء الفلسطيني
ضحايا الحرب الإسرائيلية وفقًا لمركز الإحصاء الفلسطيني

الدعاية الإسرائيلية: جندي يساعد مسنًا فلسطينيًا ثم يعدمه ميدانيًا

سبق للاحتلال الإسرائيلي أن استخدم نفس الاستراتيجية في ترويج سردياته الدعائية، التي كُشف لاحقًا زيفها وتضليلها. على سبيل المثال، نشرت حسابات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لجندي إسرائيلي يساعد مسنًا فلسطينيًا أثناء نزوحه إلى جنوب قطاع غزة. الصورة تم توظيفها ضمن حملة دعائية تهدف إلى إظهار الجيش الإسرائيلي كجيش أخلاقي يتبع "فرائض وأخلاق الديانات السماوية" في تعامله مع المدنيين.

إلا أن عائلة المسن الفلسطيني بشير حجي (74 عامًا)، من سكان حي الزيتون في غزة، أكدت أن جيش الاحتلال أعدمه ميدانيًا بعد وقت قصير من التقاط الصورة التي انتشرت على نطاق واسع. وأظهرت الصورة الثانية التي نشرتها العائلة أن الرجل استُهدف وأُعدم أثناء محاولته العبور إلى جنوب غزة عبر طريق صلاح الدين الرئيسي، مما يناقض تمامًا الرواية التي روجتها الحسابات الإسرائيلية.

تقرير سابق لمسبار فندّ صورة دعائية للجيش وأوضح حقيقتها
تقرير سابق لمسبار فندّ صورة دعائية للجيش وأوضح حقيقتها

اقرأ/ي أيضًا

مواصلة استهداف المدنيين في الممرات والمناطق التي يزعم أنّها آمنة خلافًا للادعاءات الإسرائيلية

الوقائع تنفي المزاعم الإسرائيلية: الاحتلال لا يسمح لسكان جباليا بالنزوح الآمن

الأكثر قراءة