في 28 يوليو/تموز الفائت نشر الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين في حسابه على موقع إكس، مقطع فيديو أوحى فيه أن جنود الجيش الإسرائيلي يتسمون بالإنسانية في تعاملهم مع أطفال غزة. ويظهر الفيديو لحظة تقديم جندي إسرائيلي قارورتي مياه معدنية لطفلين نازحين بينما بدت الطفلة وكأنها ممتنة لمساعدة الجندي الإسرائيلي. وأرفق كوهين تعليقًا ساخرًا على الفيديو "الاحتلال يقمع أولاد غزة ههههه"، في إشارة إلى عكس ذلك.
عدة حسابات إسرائيلية كانت قد تداولت مزاعم سابقة للتعامل الإنساني لجنود الاحتلال مع الأطفال في غزة، وأبرزها المنشور الذي شاركه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في مارس/آذار 2024، والذي نقل فيه مشاهد لما قال إنها لعملية إنقاذ الطفلة حلا حمودة من قبل مجموعة من الجنود الإسرائيليين، واصفًا الحدث بالقصة الإنسانية.
التقارير تشير لزيّف الادّعاءات الإسرائيلية حول حماية الأطفال
في الوقت الذي تروّج فيه إسرائيل لادعاءات ومزاعم عن تعاملها الإنساني مع أطفال فلسطين تنتشر العديد من الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، توثق جرائم الاحتلال التي يقترفها عمدًا ضد الأطفال الفلسطينيين.
حتى لحظة كتابة التقرير تبيّن أرقام الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء أن 16 ألفًا و314 طفلًا استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة فيما يزيد عدد الأطفال المفقودين، وفقًا لمنظمة أنقذوا الطفولة البريطانية، 20 ألفًا يرجح أنهم محاصرون تحت الأنقاض أو دفنوا في قبور مجهولة.
وفي شهر مايو/أيار الفائت، أقدم جيش الاحتلال على قصف خيام النازحين بمنطقة البركسات شمالي مدينة رفح، رغم مزاعم الجيش الإسرائيلي بأنها منطقة آمنة ونزح إليها الفلسطينيون بتوجيه إسرائيلي. وقد أثارت صور جثامين الأطفال المحترقة ومقطوعة الرأس غضبًا واسعًا واعتبرت هذه الحادثة جريمة حرب.
في ذات السياق، هنالك شهادات متعددة، تدين إسرائيل في عمليات متعمدة ضد الأطفال إذ تحدث عبد الحافظ النجار، عن حادثة قطع رأس ابنه أحمد البالغ من العمر عامًا ونصف، عند قيام الجيش الإسرائيلي بقصف رفح في ما عرف بمجزرة الخيام..
وأشار في حوار مع قناة الجزيرة، نشر في العاشر من يونيو الفائت، إلى عدم قدرته على استيعاب ما حدث إلا عند مشاهدته لجسد ابنه مفصولًا عن رأسه في مستشفى تل السلطان ودفنه بلا رأس. فيما تحدث عن انهياره ومعاناته اليومية بعد أن استشهدت زوجته وابنته واثنان من أبنائه الذكور في القصف.
وفي 29 يناير/كانون الثاني 2024 ارتكب الجيش الإسرائيلي جريمة قتل في حق الطفلة هند رجب التي ظلت محاصرة ومحاطة بجثث عائلتها لساعات قبل أن يتم قتلها، ووفقا لتحقيق مشترك، تبين أن دبابة إسرائيلية أطلقت النار من مسافة قريبة على السيارة التي كانت تقل هند وستة من أفراد عائلتها الذين ارتقوا جميعًا.
ورغم نداءات الاستغاثة التي أطلقتها الطفلة لمدة ثلاث ساعات في مكالمة هاتفية نشرتها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، لم يُستجب لنداءاتها وانتهت المكالمة بأصوات إطلاق رصاص وصراخ. ووفق التحقيق تم الهجوم على سيارة الإسعاف التي كانت متوجهة لإنقاذ هند على الرغم من التنسيق المسبق مع قوات الاحتلال.
في الشهر نفسه كشف جندي إسرائيلي يدعى "شاحار مندلسون" عن حادثة اختطاف متعمد لرضيعة فلسطينية بعد أن تم قتل جميع أفراد عائلتها في قصف إسرائيلي عنيف. وكشف مندلسون خلال حديثه لإذاعة الجيش الإسرائيلي أن ضابطًا صديقًا له اختطف الطفلة. واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية ان اختطاف جيش الاحتلال الإسرائيلي طفلة رضيعة من قطاع غزة دليلًا على ارتكاب إسرائيل لأبشع الجرائم مطالبة بتسليم الرضيعة على الفور.
وارتقى الطفل يزن كفارنة، البالغ من العمر عشرة أعوام والمصاب بالشلل الدماغي، بسبب سوء التغذية الناتج عن سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل في حربها على غزة. كان يزن بحاجة إلى حمية غذائية ومكملات تتناسب مع حالته الصحية، إلا أن عدم توفر ذلك أدى إلى إصابته بالجفاف وتحول جسده إلى ما يشبه الهيكل العظمي.
وأفادت عائلة الطفل بأنه كان يعيش على بقايا الخبز الذي يحصلون عليه بمبالغ مالية باهظة والقليل من السكر ليبقى على قيد الحياة، مشيرين إلى أن السبب الرئيسي لتحوله إلى هيكل عظمي هو سوء التغذية. فيما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أنه حتى الأول من إبريل/نيسان، توفي 28 طفلًا بسبب سوء التغذية والجفاف في مستشفيات شمال غزة.
الجيش الإسرائيلي ينتهك المواثيق الدولية الخاصة بحماية الأطفال
من ضمن الحوادث المتعددة وفي تجاوز للمواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الطفل أقدم جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي على استخدام ثلاثة أطفال كدروع بشرية خلال اقتحامهم لمخيم طولكرم في شهر مايو/أيار الفائت، وذلك وفقًا لتقرير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.
وقد نقلت الحركة شهادة الأطفال الثلاثة الذين تحدثوا عن كيفية إجبارهم من قبل جنود الاحتلال على السير أمامهم في أزقة المخيم وتفتيش المنازل وعن كيفية وضع الجنود بنادقهم على كتفي طفلين وإطلاق الرصاص.
تقارير دولية ومحلية تدين استهداف إسرائيل للأطفال
في إبريل 2024، أعلن الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء أن الجيش الإسرائيلي يقتل أربعة أطفال كل ساعة في قطاع غزة، مضيفًا أن الأطفال يشكلون 44 في المئة من مجموع الشهداء في العدوان الإسرائيلي على غزة.
فيما اعتبر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" جيمس إلدر أن ما يحدث في قطاع غزة أصبح "حربًا ضد الأطفال". واعتبر إلدر أن قتل الأطفال في غزة والدمار في القطاع لن يجلبا السلام للأطفال أو المنطقة.
وجاء في تقرير لليونيسيف، أن الأطفال هم أكثر ضحايا الحرب في غزة. فيما أكدت بيانات للمنظمة غياب المكان الآمن للأطفال في القطاع، ونزوح العديد منهم عدة مرات وفقدانهم منازلهم وأولياء أمورهم وحاجتهم الماسة للعديد من الخدمات من بينها توفير المرافق الطبية والمأوى. كما شدد التقرير على أن أطفال غزة عانوا من فظائع لا يمكن تصورها وأنهم يستحقون وقفًا فوريًا لإطلاق النار وفرصة لمستقبل يعمّه السلام.
إسرائيل مصنفة في القائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال
في مايو 2024، أدرجت الأمم المتحدة إسرائيل في "القائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال" بسبب قتل، وتشويه الأطفال ومهاجمة المدارس والمستشفيات. فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة في عدة مناسبات من أن قطاع غزة يتحوّل إلى "مقبرة للأطفال".
في السياق ذاته أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن القوات الإسرائيلية نشرت صورًا ومقاطع فيديو مهينة للفلسطينيين المحتجزين وكان من بينهم أطفال، معتبرة ذلك معاملةً لاإنسانية واعتداءً على كرامتهم الشخصية وهو ما يرقى إلى جريمة حرب.
كما بينت المنظمة إلى أنه في كثير من الحالات جُرد المحتجزون من ملابسهم بالكامل، ثم التُقطت لهم صور أو فيديوهات، والتي نشرت من قبل جنود إسرائيليين ووسائل إعلام ونشطاء. معتبرة أن التعرية القسرية التي يتبعها التقاط صور ذات طابع جنسي ونشرها هي من أشكال العنف الجنسي وجرائم الحرب.
تثبت الأرقام الكبيرة لعدد الضحايا الأطفال في غزة، أن إسرائيل تتعمد سياسة استهداف ممنهجة ضد الأطفال منذ بدأ حربها على غزة.
وبعد عودته من غزة، أشار الطبيب مارك بيرلموتر، إلى أن جيش الاحتلال يقنص الأطفال عمدًا متحدثًا عن مستندات بحوزته تثبت حالات الاستهداف الممنهج للأطفال وارتكاب جرائم حرب بحقهم.
ويضيف بيرلموتر في حديثه لشبكة "سي بي إس نيوز" أنه شاهد أطفالًا استهدفوا برصاص قناصة حتى الموت في قطاع غزة وانه لم يشاهد في حياته أطفالًا مقطعين ومصابين كما رأى في القطاع.
وفي مقطع فيديو نشر في مايو 2024، توعد جندي إسرائيلي بقتل كل من تبقى في غزة بما في ذلك الأطفال. وإلى جانب عمليات القتل تعمّد مجموعة من الجنود الإسرائيليين السخرية من معاناة الأطفال، إذ عمد جنود إسرائيليون إلى توثيق عملية تدمير كل محتويات محل ألعاب في غزة كما وثق آخرون مقاطع أخرى ساخرة وهم يقومون بركوب دراجات أطفال فوق أنقاض بيوتهم المهدمة.
اقرأ/ي أيضًا:
بين غزة ومجدل شمس: ازدواجية المعايير الإسرائيلية في التعامل مع استهداف الأطفال
جيش الاحتلال يستخدم المدنيين كدروع بشرية خلافًا للادعاءات الإسرائيلية