` `

أبرز الأخبار المضللة المرتبطة بحوادث الطيران التي رصدها مسبار وأثرها على سمعة قطاع الطيران

فاطمة عمراني فاطمة عمراني
أخبار
21 أغسطس 2024
أبرز الأخبار المضللة المرتبطة بحوادث الطيران التي رصدها مسبار وأثرها على سمعة قطاع الطيران
بسبب الطبيعة المثيرة لحوادث الطائرات تنتشر الأخبار المضللة حولها بسرعة كبيرة

أثارت حادثة تحطم الطائرة البرازيلية في التاسع من أغسطس/آب الجاري في مدينة ساو باولو جدلًا كبيرًا، ليس فقط بسبب عدد الضحايا، ولكن أيضًا بسبب انتشار الأخبار المضللة التي أعقبت الحادث. ولم تكن هذه الحادثة استثناءً، فقد شهدت الفترة الأخيرة العديد من حوادث تحطم الطائرات التي رافقتها ادعاءات على منصات التواصل الاجتماعي.

بوجه عام، توفر هذه الحوادث أرضية خصبة لانتشار المعلومات المضللة، حيث تتسرب الأخبار الزائفة بشكل أسرع في ظل حالة القلق والارتباك التي تعقبها.

تتعدد أشكال التضليل التي ترافق حوادث الطيران، فمنها ما يتعلق بأسباب الحوادث ودوافعها، ومنها ما يرتبط بتفاصيل الخبر نفسه. بدءًا من نظريات المؤامرة التي تفسر الحوادث بأسباب خارقة للطبيعة، مرورًا بالمعلومات غير الدقيقة حول الأسباب التقنية والبشرية، إلى المبالغات في حجم الأضرار والخسائر، وصولًا إلى اختلاق حوادث وهمية لدوافع سياسية أو اجتماعية. وتستغل هذه الأشكال المختلفة من التضليل، العواطف البشرية والرغبة في إيجاد تفسيرات سهلة للأحداث المعقدة.

في هذا التقرير، يستعرض “مسبار” أبرز الأخبار المضللة التي رصدها وكانت مرتبطة بحوادث الطيران، وتأثيرات هذا النوع من التضليل على صناعة الطيران.

تزييف معلومات لحادث وقع بالفعل: الطائرة البرازيلية

بعد الحادثة الأخيرة لتحطم الطائرة البرازيلية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم تفيد بأن الطائرة التي سقطت، والتي لقي جميع ركابها الـ 62 حتفهم، كانت تقلّ ثمانية أطباء في طريقهم إلى مؤتمر طبي ليثبتوا أن لقاحات فايروس كورونا هي السبب وراء الزيادة السريعة في حالات السرطان بين الشباب ومتلقي اللقاحات.

A screenshot of a video

Description automatically generated
حساب على منصة إكس يشارك خبرًا مضللًا عن مقتل 8 أطباء من ركاب الطائرة البرازيلية

تحقق مسبار من الادّعاء المتداول ولم يعثر على أي أنباء تفيد بوفاة أطباء كانوا في طريقهم لحضور مؤتمر من أجل إثبات علاقة لقاحات فايروس كورونا بانتشار مرض السرطان بين الشباب.

ووجد تحقيق مسبار أنّ الجهات الطبية في البلاد، أكدت وفاة أطباء كانوا سيحضرون مؤتمرًا حول الأورام بهدف إبقاء الأطباء على اطلاع وتحديث معارفهم العلمية فقط. ولم يذكر أي مصدر أنهم كانوا يدرسون وجود علاقة بين لقاحات فايروس كوفيد-19 وبين الأمراض السرطانية، كما تداولت الادّعاءات.

A screenshot of a website

Description automatically generated

معلومات كاذبة عن حادث لم يقع من الأساس

في يوليو/تمّوز الفائت، تداولت حسابات وصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، خبر تحطم طائرة ركاب مصرية ووفاة 293 شخصًا كانوا على متنها، مرفقًا بصورة لطائرة محطمة.

ليجد مسبار في تحقيقه أن الادعاء مضلّل، إذ لم تنقل أي وكالة أنباء أو وسيلة إعلام موثوقة خبر تحطم طائرة ركاب مصرية، حديثًا، كما نفت وزارة الطيران المصرية الخبر في بيان لها، وأشارت إلى أنّ الصورة قديمة وتعود للعام 2013.

An airplane that has been crashed

Description automatically generated

تضليل باستخدام السخرية: الطائرة الإماراتية

في يوليو الفائت، تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو ادعّى ناشروه أنّه لهبوط طائرة ركاب في شوارع إمارة الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، عن طريق خطأ ارتكبه قائد الطائرة.

A plane on the ground

Description automatically generated
حساب على منصة إكس يشارك خبرًا ساخرًا عن هبوط طيار إماراتي في شوارع الفجيرة معتقدًا أن الشارع هو المطار

تبيّن بعد تحقيق مسبار أن المقطع المتداول مضلل، إذ لا يتعلق بهبوط طائرة عن طريق الخطأ في أحد شوارع الفجيرة. بل يعود الفيديو في الواقع إلى عام 2019، حين أوضح مسؤولون في حكومة الفجيرة لوكالة أنباء الإمارات، أن الطائرة الظاهرة على كورنيش الفجيرة هي مجرد هيكل للطائرة، وقد وُضعت هناك بعلم السلطات المحلية، بهدف الاستفادة منها لأغراض تجارية، قبل نقلها لاحقًا إلى البحرين.

A plane on the ground

Description automatically generated

تضليل بالمحتوى المرئي: الطائرة النيبالية 

شهدت نيبال حادث تحطم طائرة مميت في يناير/كانون الثاني 2023، وكان قد سبقه حادث تحطم طائرة أخرى تابعة لشركة خطوط يتي الجوية وعلى متنها 72 شخصًا بالقرب من مدينة بوخارا.

بعد الحوادث، انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو يظهر طائرة تتحطم في الشارع أثناء صعودها، ويُزعم أنه يصور حادث تحطم الطائرة في نيبال. تحقق مسبار من الادعاء في تقرير، ووجد أنه مضلل. إذ لا يظهر الفيديو حادثة تحطم الطائرة النيبالية، بل يعود للأول من مايو/أيار 2013، وذكرت صحيفة ذا غارديان أنّه لتحطم طائرة في أفغانستان.

A screenshot of a video

Description automatically generated
حساب على منصة إكس يشارك مقطع فيديو كاذب عن حادث تحطم الطائرة النيبالية

وفي يونيو 2023، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، زعم ناشروه أنه يظهر تحطم طائرة إندونيسية، تقل حجاجًا أثناء هبوطها في مطار إيراني. إلا أنّ الفيديو مُركّب من مشهدين ولا يُظهر طائرة إندونيسية كانت تقل حجاجًا وتحطمت أثناء هبوطها في مطار إيراني.

ويعود المشهد الأول إلى مقطع فيديو نُشر بواسطة حساب على موقع يوتيوب باسم Bopbibun، في الثاني من مايو/أيار عام 2020، وكان عبارة عن محاكاة رقمية لتميّل الطائرة باستخدام لعبة الفيديو X-Plane 11.

أمّا المشهد الثاني من المقطع، فكان حقيقيًا، لكنه يظهر طائرة ركاب إيرانية هبطت اضطراريًا في مطار أصفهان كانت قادمة من مطار مشهد، في يناير/كانون الثاني 2022.

A plane flying in the sky

Description automatically generated

اختلاق حادث لم يقع: الطائرة الإماراتية 

وفي مارس/آذار 2022 تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة ادّعى ناشروها أنّها لنيران تحطم طائرة، وسط مدينة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

A fire in a city at night

Description automatically generated
زعم ناشرو الصورة أنها تظهر نيران تحطم طائرة وسط مدينة أبو ظبي في الإمارات

لكن تبين أنّ الادعاء مضلّل، إذ إنّ الصورة قديمة، وتُظهر تصاعد أعمدة الدخان في مدينة غزة جرّاء غارة جوية إسرائيلية، بتاريخ الثامن من أغسطس 2018. وقد التقطها المصور محمود الهمص لصالح وكالة فرانس برس.

A screenshot of a website

Description automatically generated

من يروج التضليل المتعلق بحوادث الطائرات؟ وما دوافعهم؟

يتنوع مروجو الأخبار المضللة المتعلقة بحوادث الطائرات، وتتعدد دوافعهم وأهدافهم، سواءً كانوا أفرادًا أو منظمات أو حتى وسائل إعلام. ولكن في الحالات التي رصدها مسبار، كان الأفراد هم المصدر الأبرز لنشر هذه الأخبار الكاذبة، وليس المنظمات أو وسائل الإعلام الرسمية.

أما الدوافع فهي متنوعة، فهناك من يسعى لتحقيق شهرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر أخبار كاذبة تثير الانتباه والجدل، وذلك بسبب الطبيعة المثيرة لمثل هذا الأحداث، الأمر الذي يجعلها تنتشر بسرعة كبيرة، ويساعد على وصولها إلى جمهور واسع في وقت قصير.

وقد يكون الحماس السياسي أو الأيديولوجي دافعًا آخر لهؤلاء الأفراد، حيث يعملون على نشر روايات بديلة تتماشى مع أجنداتهم الخاصة، سواءً كان ذلك من خلال تحميل المسؤولية لجهات معينة أو من خلال التشكيك في الروايات الرسمية للأحداث. وذلك بحسب موقع “Wired”.

كما لا يمكن إغفال الدوافع النفسية لبعض الأفراد، إذ قد تدفعهم رغبتهم في إثارة الخوف أو خلق حالة من الفوضى والارتباك إلى نشر هذه الأخبار الكاذبة. يتغذى هؤلاء على ردود الفعل القوية التي تثيرها أخبارهم، مما يمنحهم شعورًا بالقوة أو التحكم، حتى وإن كان ذلك عبر إحداث نوع من الفوضى والقلق لدى العامة عند نشر هذه الأخبار.

وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا في نشر الأخبار المضللة المتعلقة بحوادث تحطم الطائرات، نظرًا لقدرتها الهائلة على نشر المعلومات بشكل واسع وفوري، مما يصعب من عملية التحقق من صحة تلك الأخبار قبل أن تصل إلى عدد كبير من المستخدمين.

وتسهم خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز انتشار المعلومات المضللة، إذ تقوم بتوجيه المحتوى للمستخدمين بناءً على اهتماماتهم السابقة وسلوكهم على المنصة.

تأثير الأخبار المضللة على قطاع الطيران

تؤثر الأخبار المضللة المتعلقة بحوادث الطائرات على صناعة الطيران، حيث تترك آثارًا سلبية قد تكون عميقة على شركات الطيران وسلوك المسافرين. 

تبدأ هذه الآثار من انخفاض حجوزات التذاكر وتراجع ثقة المسافرين، مرورًا بتدهور صورة الشركة ونزول قيمة علامتها التجارية، وصولًا إلى تكريس مشاعر الخوف والقلق لدى المسافرين، مما يجعلهم يشعرون بعدم الأمان أثناء السفر، أو يدفعهم إلى تغيير سلوكهم، كاختيار وسائل نقل أخرى أو تقليل عدد رحلاتهم.

ورغم صعوبة فصل تأثير الأخبار الكاذبة عن تأثير الحوادث الفعلية على اقتصادات شركات الطيران، إلا أن تأثير هذه الحوادث وما يحيط بها من تضليل قد يؤدي إلى تدمير سمعة الشركة وتكبدها خسائر بمليارات الدولارات. 

ومن نافل القول أن سلسلة الحوادث التي تعرضت لها طائرات بوينغ هي العامل الأبرز في زعزعة الثقة بطائرات بوينغ وخاصة طائراتها من طراز 737 ماكس، وآخرها حادث طائرة ألاسكا الجوية في يناير/كانون الثاني الفائت، الذي تسبب في هزة قوية في ثقة المسافرين. وفقًا لتقرير نشره موقع “USA Today”.

إلا أن هنالك تقارير تشير إلى استغلال لهذه الحوادث من قبل بعض الجهات لبث معلومات مضللة وعلى سبيل المثال نشر موقع Wired مقالًا كشف فيه عن حملة قادتها جماعات من اليمين المتطرف كانت قد استغلت فيها حوادث تحطم طائرات بوينغ 737 ماكس لنشر نظريات مؤامرة ومعلومات مضللة حول الشركة. 

وروجت هذه الجماعات باستغلال الحوادث لفكرة أن التزام بوينغ بسياسات التنوع والشمولية (DEI) والتي تهدف إلى تعزيز التمثيل المتكافئ والمساواة بين جميع الأفراد والأعراق داخل المؤسسة أدى إلى ضعف الجودة والمشاكل التقنية. وذلك بالرغم أنّ حوادث تحطم طائرات بوينغ 737 ماكس كانت نتيجة مشاكل تقنية مرتبطة بنظام التحكم في الطيران (MCAS).

وفقًا لإحصائيات نشرها موقع “Statista”، يُقدر حجم سوق الطيران بـ 841.44 مليار دولار. إلا أنّ الأخبار المضللة قد تتسبب في انخفاض كبير في هامش الربح. إذ وضحت دراسة منشورة عام 2020 في مجلة “International Review of Financial Analysis” أنّ انتشار المعلومات المضللة حول الكوارث الجوية تؤثر سلبًا على شركات الطيران. وتشير النتائج إلى أن هذه المعلومات، سواء كانت دقيقة أو مغرضة، تؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعار الأسهم بعد الحوادث الجوية، وخاصة عندما يكون حجم الكارثة وعدد الضحايا كبيرًا. 

بحسب الخبيرة في مجال التصدي للكوارث “Ashley Goosman” تُعد السمعة عبر الإنترنت ذات أهمية استراتيجية كبيرة للشركات في هذا القطاع، والضرر الذي يلحق بالسمعة قد يدوم لفترة طويلة. فحتى بعد سنوات من وقوع الحادث، قد يستمر الحادث في ملاحقة شركة الطيران، حيث يظل العملاء حذرين من سجل السلامة لدى الشركة. وقد يجعل هذا الضرر من الصعب على شركة الطيران أن تنافس بفعالية في السوق.

وتشير ورقة بحثية منشورة عام 2019، إلى أن "مواقف العملاء تجاه شركة الطيران تؤثر على ولائهم". وفي صناعة السفر الجوي، تبذل الشركات جهودًا كبيرة لبناء صور قوية للعلامة التجارية بهدف زيادة ثقة الركاب. إذ يتطلب التعافي من حادث تحطم كبير من جانب شركة الطيران إظهار التزام قوي بتحسين السلامة والشفافية وخدمة العملاء. 

كما أن التعافي عملية طويلة وشاقة قد تستغرق سنوات لتستعيد شركة طيران ما سمعتها، ومحاربة المعلومات المضللة جزء رئيسي منها. كالإجراءات الاستباقية والتفاعلية التي تقوم بها شركات الطيران والتي تشمل بناء الثقة مع عملائها، ورصد الأخبار الكاذبة التي تنشر عنها، واتخاذ إجراءات فورية لتصحيح أي معلومات خاطئة.

اقرأ/ي أيضًا:

ما حقيقة الادعاء بأنّ الطائرة البرازيلية التي تحطمت كانت تنقل أطباء اكتشفوا صلة بين لقاحات كورونا والسرطان؟

ما هي نسبة وقوع حوادث الطائرات؟

الأكثر قراءة