في يناير/كانون الثاني الفائت، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا مؤقتًا، يُلزم إسرائيل باتخاذ تدابير عاجلة لمنع التصريحات التي تحرض على الإبادة الجماعية، وذلك في إطار القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، متهمةً إياها بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وتستند الاتهامات إلى تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، بالإضافة إلى المجازر والانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، خلال الحرب الإسرائيلية الجارية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتبنت المحكمة في حكمها ما يُعرف بـ"الإجراءات المؤقتة"، وهي أوامر ملزمة تهدف إلى حماية حقوق الأطراف حتى يتم إصدار الحكم النهائي في القضية، وتضمنت هذه الإجراءات منع التصريحات التحريضية، إذ ألزمت المحكمة إسرائيل بمنع أي تصريحات من مسؤوليها، أو أي جهة تخضع لسيطرتها، قد تحرض على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
كما شددت المحكمة على ضرورة معاقبة أي شخص يتورط في التحريض على الإبادة الجماعية أو يشارك فيها. إضافةً إلى ذلك، أكدت على ضرورة تمكين الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية الأخرى، وطالبت إسرائيل بضمان عدم فرض أي قيود تمنع وصول هذه المساعدات ومنع الأفعال التي تهدد حياة الفلسطينيين.
لقي الحكم المؤقت ترحيبًا واسعًا من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهات الدولية، التي دعت إسرائيل إلى الامتثال الفوري لأوامر المحكمة. وفي المقابل، رفضت إسرائيل الاتهامات الموجهة إليها واعتبرت أن "لا أساس لها من الصحة"، رغم وجود العديد من الدلائل التي تشير إلى ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي مجازر في قطاع غزة.
بموجب الحكم، طلبت المحكمة من إسرائيل تقديم تقارير دورية عن التدابير التي تتخذها للامتثال لهذه الأوامر. وأشارت المحكمة إلى أن هذه الإجراءات ليست نهائية، وأن القضية ستستمر في المحكمة حتى يتم إصدار الحكم النهائي.
الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش
وفي السياق، نُشرت تقارير إعلامية يوم الخميس 29 أغسطس/آب، تُفيد بأن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون فرض عقوبات على وزيري الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب اتهامهما بالتحريض على ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. تأتي هذه المناقشات، في أعقاب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الوزيران، تتضمن دعوات لقطع الوقود والمساعدات عن غزة وتجويع المدنيين، مما أثار قلقًا دوليًا واسعًا.
وأشار ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى أنه بدأ عملية استشارة الدول الأعضاء حول إمكانية إدراج بعض الوزراء الإسرائيليين على قائمة العقوبات، مشددًا على ضرورة معاقبة من يبث رسائل كراهية ويتبنى أفكارًا تتعارض مع القانون الدولي.
بي بي سي تنشر تقريرًا حول إجراءات إسرائيل لمنع التحريض في غزة
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تقريرًا في 26 أغسطس الجاري، يناقش ما إذا كانت إسرائيل قد اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع التحريض، على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
ويستعرض التقرير تصريحات أدلى بها بعض المسؤولين الإسرائيليين، مثل نيسيم فاتوري وإيتمار بن غفير، والتي أثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الدولية، وأدت إلى قيام جنوب أفريقيا برفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
وأوضحت بي بي سي أنها قامت بمراجعة التصريحات الإسرائيلية الصادرة منذ قرار محكمة العدل الدولية، لتقييم مدى مخالفتها للحكم، مشيرة إلى أنها استعانت بخبراء قانونيين لتقديم تقييمهم القانوني.
وعلى الرغم من أن الحكم كان موجهًا بشكل أساسي إلى إسرائيل، فقد تناول التقرير أيضًا اللغة المستخدمة من قبل بعض مسؤولي حركة حماس في خطاباتهم.
واختتم التقرير بالإشارة إلى تصريحات وزارة العدل الإسرائيلية، التي أوضحت التحديات التي تواجهها إسرائيل في الموازنة بين الحق الدستوري في حرية التعبير والحماية من التحريض، مؤكدةً أن "السلطات الإسرائيلية تعمل بشكل مستمر للحد من جرائم التحريض".
مسبار يرصد تحيّزًا لصالح إسرائيل في تقرير بي بي سي
رصد مسبار انحيازًا لصالح إسرائيل في تقرير بي بي سي، والذي يتعلق بالتصريحات التحريضية على الإبادة الجماعية خلال الحرب الجارية، إذ يركز التقرير على صعوبة إثبات التحريض ويعقّد مسألة التحريض وإثباته، مما قد يُفهم على أنه محاولة لتخفيف حدة الاتهامات الموجهة لإسرائيل، وتقديم التحريض الإسرائيلي كموضوع قابل للتأويل والتفسير.
إذ لاحظ مسبار أن التقرير يُبرز صعوبة إثبات التحريض على الإبادة الجماعية، مع توضيح أن الإبادة الجماعية تُعرّف بأنها أفعال تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عرقية أو دينية. وهو ما يعكس توجهًا نحو تقديم السياق القانوني بطريقة تجعل مسألة التحريض أكثر تعقيدًا وأصعب في تحديدها بوضوح، ويُفسّر هذا النهج على أنه محاولة لتخفيف وطأة التصريحات الإسرائيلية المثيرة للجدل وتبريرها قانونيًا، من خلال التركيز على التعقيدات القانونية التي تجعل التحريض موضوعًا قابلًا للتأويل والتفسير.
بالإضافة إلى ذلك، يُشير التقرير إلى التحديات المرتبطة بالتفريق بين التحريض على الإبادة الجماعية والتحريض على العنف أو العنصرية، وما يمكن أن يُعدّ ضمن نطاق حرية التعبير، ويساهم هذا الطرح في تعقيد الصورة أمام الجمهور، في محاولة لتقديم التحريض الإسرائيلي كمسألة خلافية بدلًا من اعتباره انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وفي تقريرها، وصفت بي بي سي التحريض الإسرائيلي على الإبادة الجماعية، في قطاع غزة بأنه "مزعوم"، مما يعكس نوعًا من التشكيك أو عدم التأكيد القاطع على حدوث التحريض، إذ يُستخدم هذا الوصف في السياق الصحفي، للإشارة إلى أن الادعاءات تحتاج إلى مزيد من التحقق أو لم تثبت بشكل نهائي بعد، وهو ما قد يُفهم من قبل الجمهور على أنه تقليل من جدية الاتهامات، أو التشكيك في صدقيّتها.
اختلافات في تغطية بي بي سي بين النسختين العربية والإنجليزية
راجع مسبار التقرير الذي نشرته بي بي سي، باللغتين العربية والإنجليزية على مواقعها، ولاحظ وجود فروق واضحة في الأسلوب والمحتوى بين النسختين.
ففي النسخة الإنجليزية، استخدمت بي بي سي وصف "مزعومة" عند الإشارة إلى التصريحات الإسرائيلية، سواء في العنوان أو في متن النص، مما يوحي بالتشكيك في صحة هذه التصريحات. في المقابل، لم يظهر هذا الوصف في النسخة العربية، إذ تم تقديم المعلومات دون هذا التوصيف، سواء في العنوان أو المحتوى.
كما رصد مسبار اختلافًا في معالجة موضوع تعقيد إثبات التحريض على الإبادة الجماعية بين النسختين. في النسخة الإنجليزية، تم ربط صعوبة إثبات التحريض بمفهوم حرية التعبير وإمكانية اعتبار التصريحات غير تحريضية، مما قد يعكس توجهًا نحو تبرير هذه التصريحات أو تخفيف حدة الاتهامات. أما النسخة العربية، فقد اكتفت بتأكيد صعوبة إثبات التحريض دون الربط المباشر بحرية التعبير، مما يجعل النص الموجه للجمهور العربي أقل حدة في تقديم هذه النقطة.
وتُشير هذه الفروق بين النسختين، إلى اختلاف في معالجة نفس الموضوع تبعًا للجمهور المستهدف، مما يعكس استراتيجية تحريرية مختلفة.
هل يمكن اعتبار التصريحات الإسرائيلية جزءًا من حرية التعبير؟
عند مراجعة مفهوم حرية التعبير وفقًا للقوانين الدولية، وبناءً على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) كما هو موضح في موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تتناول المادة 19 حرية التعبير وتؤكد على حق كل شخص في التعبير واعتناق الآراء دون تدخل.
في المقابل، تحظر المادة 20 أي دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، كما تحظر أي دعاية أو تحريض على الحرب بموجب القانون نفسه، وهو ما يتناقض مع ما ورد في التقرير، بشأن إمكانية اعتبار التصريحات التحريضية الإسرائيلية، ضمن نطاق حرية التعبير.
تجدر الإشارة، إلى أن المواثيق الدولية والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، توضح بشكل قاطع أن حرية التعبير ليست حقًا مطلقًا، بل هي مقيدة بحدود تحمي حقوق الآخرين والمصلحة العامة. ومن هنا، فإن التحريض على العنف أو الكراهية غير مشمول ضمن نطاق حرية التعبير.
بدوره، أوضح لمسبار المختص في القانون الدولي الدكتور معتز قفيشة، أنه "لا يمكن قانونيًا الربط بين حرية التعبير والتحريض في جميع الحالات، إذ لا يُعتبر أي شكل من أشكال التحريض ضمن حرية التعبير". وأضاف "نحن هنا نتحدث عن تحريض على الإبادة الجماعية، ولو لم يتم إثبات ذلك، لما ألزمت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف التحريض على الإبادة. ما يحدث على أرض الواقع هو تحريض علني ومباشر وواضح من قبل إسرائيل على الإبادة الجماعية، وتنفيذ لهذه التحريضات في قطاع غزة".
ووفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية، التي تُعرف بأنها المعاهدة الدولية التي تهدف إلى منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، يتم تعريف الإبادة الجماعية في الاتفاقية كفعل يُرتكب بقصد التدمير الجزئي أو الكلي لجماعة قومية أو عرقية أو دينية أو إثنية. وتلزم الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لمنع هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها. كما تؤكد المادة الثالثة من الاتفاقية على أن القانون يعاقب أيضًا على التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، والتآمر على ارتكابها، وحتى محاولة تنفيذها.
اختيار المصادر والمواقف المُقدمة في التقرير
كما وجد مسبار أن التقرير يعتمد بشكل كبير على اقتباسات من مسؤولين إسرائيليين، إذ يعرض تصريحاتهم التحريضية بوضوح، ولكنه في الوقت ذاته يسعى إلى تقديم مبررات أو تفسيرات لهذه التصريحات.
فعلى سبيل المثال، يشير التقرير إلى أن بعض الآراء ترى أن هذه التصريحات لا تصل إلى مستوى التحريض على الإبادة الجماعية، وهو ما يُشير إلى محاولة لتخفيف وطأة الانتقادات الموجهة لإسرائيل، وتعتمد معظم التعقيبات التي يقدمها التقرير على مواقف محامين ومؤسسات إسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول تنوع المصادر ومدى حيادية التقرير.
وفي السياق، قدم التقرير تصريحًا لآن هيرزبيرغ، وعرّفها بأنها مستشارة قانونية في منظمة "مراقبة المنظمات غير الحكومية"، التي تُعرف بأنها تقدم تقارير عن نشاط المنظمات غير الحكومية الدولية من منظور مؤيد لإسرائيل كما ذُكر في التعريف، وهي منظمة إسرائيلية في الأصل.
وفي تصريحها لـبي بي سي، أوضحت هيرزبيرغ أن التصريحات الإسرائيلية، رغم أنها لا تدافع عنها، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى التحريض على الإبادة الجماعية، وتكرر التصريح في التقرير ليؤكد على فكرة أن ما يجري لا يشكل دعوة صريحة للإبادة الجماعية، في محاولة لتبرير التصريحات التحريضية، والتقليل من خطورتها.
إضافة إلى ذلك، أورد التقرير تصريحًا آخر لهيرزبيرغ، تشير فيه إلى أن حماس هي التي تمتلك نية تنفيذ إبادة جماعية، لكنها لا تخضع للتحقيق، وهو ما يبرز كمحاولة لتحويل الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل، وتنصلها من مسؤولية التحريض على الإبادة الجماعية، من خلال توجيه الاتهام نحو حركة حماس.
من ناحية أخرى، يتم تقديم تصريحات قادة حركة حماس في التقرير، بطريقة تجعلها تبدو أكثر خطورة، فعلى سبيل المثال، يتم التركيز على تكرار نية تدمير إسرائيل، ولكن دون تقديم نفس المستوى من التحليل أو التفسير الذي تم تقديمه لتصريحات الإسرائيليين.
كما ينقل التقرير تصريحًا لمؤسس منظمة "القانون من أجل فلسطين"، إحسان عادل، الذي يؤكد أن الدعوات لتهجير سكان غزة جزء من التطهير العرقي المستمر في القطاع. ويُشير التقرير مرة أخرى إلى أن إسرائيل تنفي هذه الاتهامات.
وفي الفقرة التالية، يوضح التقرير أن التقييم الذي توصل إليه إحسان عادل بشأن الإبادة الجماعية لا يلقى إجماعًا، إذ يستشهد بموقف آن هيرزبيرغ، التي تعتبر أن "التصريحات الإسرائيلية لا ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية". ويقدم النص وجهتي نظر متعارضتين، لكن صياغة رأي آن هيرزبيرغ تأتي بشكل يعزز من دحض الاتهامات الموجهة لإسرائيل بالإبادة الجماعية، دون تقديم تفاصيل إضافية عن التحليل القانوني أو السياق الذي يجعل من تصريحات إحسان عادل قابلة للنقاش.
من جانب آخر، يتم التركيز في التقرير بشكل أكبر على التصريحات الإسرائيلية المتعلقة بمحاسبة الجنود أو المسؤولين، مع تقديم معلومات إضافية حول التبريرات القانونية.
وفي السياق، قال لمسبار المختص في القانون الدولي الدكتور حسن بصري، إنه “عند الحديث عن التصريحات الإسرائيلية، يتم الإشارة إلى أن هيرزبرغ، وهي محامية حقوقية معروفة بصهيونيتها الواضحة، وذلك لجعل الأمور تبدو أكثر تعقيدًا، من ناحية أخرى، يتم التركيز على فرانشيسكا ألبانيز فقط فيما يتعلق بما قالته عن حماس، بدلًا من تسليط الضوء على عملها اليومي المتمثل في زيادة الوعي حول الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد الفلسطينيين.
وقد وصفوا ألبانيز بأنها شخصية تُثار حولها وجهات نظر متباينة، بينما تُقدم آن هيرزبرغ كممثلة لمنظمة مراقبة المنظمات غير الحكومية دون أي إشارة إلى أنها شخصية مثيرة للجدل. وقد نشرت ألبانيز تقريرًا يشير بوضوح إلى أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، لكن التقرير لم يذكرها إلا عند انتقادها لحماس”.
السياق التاريخي والديني
أشار التقرير إلى تصريحات رجال الدين الإسرائيليين، وتناول بشكل مستفيض تصريحات الحاخام إلياهو مالي، التي أثارت الجدل بعد انتشار مقطع فيديو له، وفي الفيديو، استشهد الحاخام بأقوال عالم يهودي من القرن الثاني عشر حول الحروب المقدسة، موضحًا أن النصوص المقدسة تدعو إلى عدم ترك أي نفس على قيد الحياة في حالة الحرب الدينية.
وتناول التقرير المحاضرة التي ألقاها مالي في مارس، في مؤتمر للمدارس الدينية اليهودية الصهيونية في إسرائيل، إذ ناقش كيفية التعامل مع المدنيين في غزة خلال الحرب، وأثارت تصريحات مالي حول التوراة والقتال جدلًا كبيرًا، خاصة عند حديثه عن قتل الأطفال بحجة أنهم سيصبحون مقاتلين في المستقبل.
وفي رده على الانتقادات التي وُجهت إليه، أكد مالي في تصريح لبي بي سي أن كلماته "أُخرجت عن سياقها"، مشيرًا إلى أن الالتزام بالقانون الوطني يحظر إيذاء المدنيين، سواء كانوا أطفالًا أو كبارًا في السن. وأوضح أنه يتوقع من الجنود اتباع قوانين الدولة وليس النصوص الدينية في حال تعارضها.
استخدم التقرير السياق الديني لتبرير بعض التصريحات الإسرائيلية، مثل الإشارة إلى حروب "الميتزفاة" في اليهودية، مما قد يعطي انطباعًا بأن هذه التصريحات ليست جديدة أو غير عادية في سياقها التاريخي والديني. كما يُظهر النص أيضًا محاولات لتبرير تصريحات الحاخام أو تفسيرها بطرق تُخفف من وقعها. على سبيل المثال، يُشير التقرير إلى أن تصريحات الحاخام "حُرِّفت بشكل كبير بعد اجتزاء مقتطفات منها وإخراجها عن سياقها"، وهو ما يُعتبر دفاعًا عن الحاخام وتقليلًا من أهمية التصريحات التحريضية.
كما يُبرز التقرير بشكل ملحوظ تأكيد الحاخام على الالتزام بالقانون الوطني الذي يحظر إيذاء المدنيين، وهو ما يُستخدم لإظهار إسرائيل كمؤسسة قانونية تسعى إلى تجنب الإضرار بالمدنيين. ويشدد الحاخام في تصريحاته على أن الجنود يجب أن يتبعوا "أوامر الجيش" بدلًا من النصوص الدينية، ويكرر ذلك في المحاضرة، مما قد يُستخدم لإظهار الجنود الإسرائيليين على أنهم ملتزمون بالقانون العسكري وليس بالنصوص الدينية التي قد تكون مثيرة للجدل، باعتبار أن الأوامر العسكرية الإسرائيلية "قانونية".
تصريحات إسرائيلية تدعم الإبادة الجماعية في غزة
إضافةً إلى التحليل السابق، تجدر الإشارة إلى العديد من التصريحات الإسرائيلية التي صدرت، خلال الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، والتي كانت أشد حدة وتحريضًا على الإبادة الجماعية.
على سبيل المثال، صرّح وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، مهددًا بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، مؤكدًا تأييده لقصف القطاع بقنبلة نووية، مشيرًا إلى أن مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يعدّ جزءًا من ثمن الحرب.
إلى جانب ذلك، صدرت تصريحات تحريضية أخرى من شخصيات بارزة مثل وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، ووزير الأمن إيتمار بن غفير، وغيرهم من الوزراء وأعضاء الكنيست والسياسيين، وتجاوزت هذه التصريحات حدود التحريض على العنف لتصل إلى الدعوة لإخلاء مناطق بأكملها من سكانها الأصليين، مما يعد تحريضًا واضحًا على الإبادة الجماعية.
إسرائيل تواصل الترويج للادعاءات دون محاسبة للمحرّضين على الإبادة الجماعية
من الجدير بالذكر، أنّ إسرائيل تواصل الترويج لإجراء تحقيقات في الانتهاكات والتحريض، إلا أنها لم تقم فعليًا بمحاسبة أي من المتورطين في التحريض، كما تدعي.
وقد أشار تقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يتخذ أي خطوات جدية، تتعلق بالاتهامات الموجهة إليه أمام محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، موضحًا ذلك من خلال ستة مؤشرات.
وفيما يتعلق بالتحريض على الإبادة الجماعية، أكد المرصد في تقريره استمرار التصريحات التي تشير إلى نية إسرائيل في مواصلة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، دون أي تغيير في نهجها العسكري بما يضمن حماية المدنيين الفلسطينيين.
من جهتها، أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن إسرائيل لم تمتثل لأي من الإجراءات الملزمة قانونيًا التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية، بما في ذلك جرائم الحرب التي ترتكبها في قطاع غزة واستخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب، بالإضافة إلى منع التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية.
وفي تقرير آخر، أشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن إسرائيل تنتهك أوامر محكمة العدل الدولية المتعلقة بالإبادة الجماعية، المرتكبة في غزة وما يرافقها من انتهاكات.
بدورها، شددت منظمة العفو الدولية على أهمية قرارات محكمة العدل، بما في ذلك منع إسرائيل من ارتكاب أي أعمال تندرج تحت اتفاقية الإبادة الجماعية، ومنع التحريض المباشر والعلني على الإبادة.
اقرأ/ي أيضًا
تضليل في تغطية الإعلام الغربي خبر إحراق الجندي الأميركي نفسه احتجاجًا على الإبادة الجماعية في غزة
تحيز منهجي لصالح إسرائيل: ذا غارديان تكشف السياسة التحريرية لسي إن إن خلال الحرب على غزة