تم إعداد هذه المادة بالتعاون بين مسبار ومنصة تيقن
نشرت حسابات وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي بيانًا منسوبًا لعائلة الصحفية شذى الصباغ، التي قُتلت مساء أمس السبت، 28 ديسمبر/كانون الأول، إثر إصابتها بالرصاص في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية.
وجاء في البيان المنسوب للعائلة "بقلوب يعتصرها الألم، وصدور ملؤها الحزن، وإيمان راسخ بقضاء الله وقدره، نزف إلى شعبنا الفلسطيني والأمة الإسلامية ابنتنا الشهيدة، الصحفية شذى الصباغ، التي ارتقت برصاصة غادرة أطلقها ما يسمى "كتيبة جنين" في جريمة مكتملة الأركان ارتكبها خارجون عن القانون والدين في مدينة جنين".
وأضاف البيان أن العائلة تحمل كتيبة جنين ومن يساندها المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة، معتبرة أن استهدافها تصعيد خطير يعكس تحول الكتيبة إلى "أدوات قمعية تُمارس الإرهاب ضد أبناء شعبها بدلاً من حماية كرامتهم والوقوف في وجه الاحتلال".
وأكد البيان أن "الشهيدة شذى كانت برفقة والدتها، والدة الشهيد معتصم الصباغ، وتحمل في حضنها أطفالًا صغارًا، في حيّ مضاء بالكامل وخال من أي اشتباك أو تهديد أمني. ومع ذلك، اقتحم أفراد من كتيبة جنين، بقيادة مسلم مصاروة، المنزل وأطلقوا النار بشكل مباشر على شذى، مستبيحين دماء بريئة، ومتجاهلين كل القيم الوطنية والإنسانية".
وأشارت العائلة إلى أن "هذه الجريمة النكراء دليل صارخ على الانحراف الخطير لهذه الكتيبة، التي باتت توجه سلاحها نحو صدور أبناء شعبها بدلاً من مواجهة الاحتلال الغاشم. وعليه، تحمل العائلة كتيبة جنين عمومًا ومسلم مصاروة خصوصًا المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة الشنيعة".
أثار البيان جدلًا حول مدى صحته وتأثيراته، خاصة أن مخيم جنين يشهد منذ نحو ثلاثة أسابيع حملة أمنية مشددة وحصارًا تنفذها قوات السلطة الفلسطينية. وتؤكد السلطة أن حملتها، التي أطلقت عليها اسم "حماية وطن"، تهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار، وإنقاذ حياة المواطنين من الفلتان الأمني المتزايد، واعتقال من تصفهم بـ"الخارجين عن القانون".
عائلة الصباغ تنفي البيان المنسوب لها باتهام كتيبة جنين
بالتواصل مع ناصر محمود صباغ، والد الشابة شذى الصباغ، نفى صحة البيان المتداول الذي يدّعي ناشروه أن عائلة الصباغ تتهم كتيبة جنين بمقتل نجلتهم شذى. وأضاف أن العائلة لم تنشر أي بيان يتهم كتيبة جنين بأي شكل من الأشكال، وأن البيان مفبرك.
وأكد والدها أن المنطقة التي وقعت فيها الحادثة، وتحديدًا في شارع مهيوب بمخيم جنين، تخضع بالكامل لسيطرة قوات السلطة الفلسطينية، مشيرًا إلى عدم وجود أي فرد من كتيبة جنين في المنطقة. وقال "السلطة منذ اليوم الأول لحصار المخيم تسيطر على الشارع والمنطقة بالكامل. الموقع قريب من منزل الشاب يزيد جعايصة، الذي سيطرت السلطة على منزله بعد مقتله وبقيت في الموقع. لم يدخل أي فرد من كتيبة جنين إلى المنطقة منذ نحو 26 يومًا".
وأضاف "أمها ونسيبتها كانتا معها، وكان ابن أختها، البالغ من العمر سنة ونصف، في حضنها. لحظة إصابتها بالرصاصة، دخلت من الجهة اليسرى من رقبتها وخرجت من الجهة اليمنى. قتلتها السلطة، وأهلها كانوا معها، والشهود رأوا كل ما حدث". وأشار إلى أن أحد الشبان صرخ على قوات السلطة لوقف إطلاق النار، لكنهم لم يستجيبوا واستمروا في إطلاق النار.
وأوضح والدها خلال عملية التشريح أن الرصاصة تسببت في أضرار كبيرة في رقبتها وجمجمتها، ما يدل، بحسب الطبيب، على أن مصدر الرصاصة كان قريبًا جدًا وفي نفس الشارع.
وأكد أن ابنته خرجت لشراء احتياجاتها من الشارع، الذي كان مضاءً بشكل واضح، قائلاً "حتى الأعمى يستطيع الرؤية في مثل هذه الإضاءة. كانت ابنتي تحمل طفلًا في حضنها، ولم يكن هناك أي تهديد أو سبب لإطلاق النار عليها".
المنطقة التي قُتلت فيها شذى الصباغ تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية بالكامل
وبالتواصل مع صحافيين فضلوا عدم ذكر أسمائهم حفاظًا على أمنهم، نظرًا لأن التصريح في مثل هذا الحدث يشكل خطرًا على حياتهم، وهم اثنان من الصحافيين المتواجدين في المخيم منذ بدء الحملة الأمنية للسلطة الفلسطينية وحتى اليوم، أكدوا أن المنطقة التي تعرضت فيها شذى الصباغ لإطلاق النار هي منطقة جبلية تطل على كامل المخيم، واسم الشارع هو شارع مهيوب. وشددوا على أن السلطة الفلسطينية تسيطر تمامًا على هذا الشارع والمنطقة المحيطة به.
وأوضحت إحدى الصحفيات "المنطقة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، حيث تتواجد مصفحات عسكرية، كما أن بعض المنازل تحولت إلى ثكنات عسكرية للسلطة. المقاومون من كتيبة جنين لا يمكنهم الوصول إلى هذه المنطقة، إذ إنهم يتمركزون في الأحياء السفلية من المخيم، خاصة منذ مقتل يزيد جعايصة في بداية الحصار".
وأشارت إلى أنه "كصحافيين، لا نستطيع الوصول إلى هذه المنطقة، حيث يمنع الاقتراب منها. يوم أمس السبت، تمكنا فقط من الوصول إلى منطقة قريبة منها، لكن تعرضنا لإطلاق نار، مما اضطرنا للانسحاب فورًا".
وأضافت "المنطقة نفسها مغلقة بالكامل أمام أي شخص من خارج الشارع أو السكان المحليين. واليوم، أثناء التشييع، تمكنا من الوصول إلى المنطقة فقط بفضل التنسيق، وخلال ذلك رأينا جميعًا مصفحة تابعة للسلطة الفلسطينية متمركزة في منتصف الحارة".
وأشار صحفي آخر متواجد في مخيم جنين إلى أنه "يُمنع علينا الدخول إلى المنطقة، وحتى حركة المواطنين فيها صعبة جدًا". وأكد أنه لا يمكن لأي شخص من كتيبة جنين الوصول إلى تلك المنطقة منذ بدء الحملة الأمنية في المخيم.
وأوضح أن المنطقة قريبة من منزل يزيد جعايصة، وأنه يوجد مقابلها مباشرة مصفحة تابعة للسلطة الفلسطينية، تتواجد هناك بشكل دائم، مع انتشار دائم لعناصر الأمن.
كما أضاف أن منزل حماة أخت شذى قريب من منزل يزيد، وأن شذى كانت قد خرجت إلى الدكان القريبة، وهي تحمل طفلًا صغيرًا بين يديها.
البيان الأصلي لعائلة شذى الصباغ
نشرت عائلة الصحفية شذى الصباغ عبر قناتها على تيلغرام البيان التالي “بقلوب يعتصرها الألم وصدور ملؤها الحزن، وبإيمانٍ راسخ بقضاء الله وقدره، نزف إلى شعبنا الفلسطيني والأمة الإسلامية ابنتنا الشهيدة، الصحفية شذى الصباغ، التي ارتقت شهيدةً برصاصة قناص من أجهزة أمن السلطة، في جريمة مكتملة الأركان ارتكبتها أجهزة السلطة الأمنية في مدينة جنين”.
وأضاف البيان “إننا، كعائلة الشهيدة شذى الصباغ، نحمل السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة. ونؤكد أن هذا التصعيد الخطير يعكس تحول هذه الأجهزة إلى أدوات قمعية تُمارس الإرهاب ضد أبناء شعبها، بدلاً من حماية كرامتهم والوقوف في وجه الاحتلال”.
يجدر بالذكر، أن البيان المفبرك استند إلى النص الأصلي لبيان العائلة، مع تغيير الجهة المتهمة من السلطة الفلسطينية إلى كتيبة جنين.
والدة شذى الصباغ: ابنتي كانت مستهدفة وإطلاق النار استمر لمنع إنقاذها
بالعودة إلى تصريحات عائلة شذى الصباغ حول جريمة قتلها، قالت والدتها “كانت شذى مستهدفة. كأنه قناص أطلق عليها النار وأصابها في رأسها. خرجنا إلى الدكانة ومعنا الأطفال لشراء بعض الأغراض، وعندما كنا ننزل إلى المنزل، وبمجرد وصولنا إلى الباب وعلى أول درجة، كانوا يقفون مباشرة أمامنا وبدأوا بإطلاق النار علينا، ارتميت على الأرض وسحبت الأطفال الصغار إلى الداخل. كانت بنت حماها معنا وحاولت الانبطاح، وكنا ننادي على شذى لتنزل على الأرض معنا، لكنها أصيبت فورًا في تلك اللحظة”.
وأضافت أن إطلاق النار استمر حتى بعد أن سقطت شذى على الأرض، وكلما حاولت سحبها كان يظهر رأسي فيواصلون إطلاق النار. كنت أصرخ عليهم بصوت عالٍ وأقول لهم "بنتي ماتت"، لكي يتوقفوا، لكنهم لم يوقفوا إطلاق النار.
بعد لحظات، جاء صاحب المنزل وحاول إنقاذ شذى، لكنهم أطلقوا النار عليه أيضًا. إحدى الجارات حاولت الاقتراب لرؤية شذى، فأطلقوا النار عليها كذلك. أي شخص حاول إنقاذها كان يتعرض لإطلاق النار. مع العلم أننا كنا مكشوفين وكان واضحًا أن شذى فتاة ملقاة على الأرض. مؤكدة أن إطلاق النار توقف فقط عندما وصلت سيارات الإسعاف إلى المكان.
وأضافت والدتها “أنا متأكدة مليون بالمئة أن شذى كانت مستهدفة من قِبلهم. في نفس اليوم كانت شذى تجري مقابلات في المخيم، أجرت مقابلة مع والدة الطفل الشهيد في حي الدمج، وأيضًا مع عائلة المنزل الذي احترق في المخيم، ونشرت هذه المقابلات على حساباتها”.
وأشارت “لو كان إطلاق النار من طرف آخر غير الأجهزة الأمنية، لكانوا أطلقوا النار وانسحبوا. استمرار إطلاق النار بعد استهداف شذى يؤكد أنهم من السلطة. لم تكن هناك أي اشتباكات في المنطقة على الإطلاق”.
من جانبه، قال صهيب مرعي، زوج شقيقة شذى الصباغ “العسكري أطلق النار عليها بشكل متعمد ومقصود وبدون أي سبب. ولم يكن هناك أي إطلاق نار أو اشتباكات في المنطقة، ولم يكن هناك أي وجود للشبان في تلك المنطقة، التي تخضع بالكامل لسيطرة السلطة الفلسطينية”.
وأضاف “استمر في إطلاق النار رغم أن شقيقتي كانت تصرخ عليه ”تصاوبنا وقف طخ"، لكنه لم يتوقف. كان يطلق النار مباشرة على باب منزلنا، حيث كان يقف وجهًا لوجه أمامهم.
السلطة الفلسطينية: الجريمة ارتكبها "خارجون عن القانون"
وكانت رواية السلطة الفلسطينية، في بيان صحفي صادر عن الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني بعد نحو 40 دقيقة من وقوع الجريمة، قد نفت وجود قوى الأمن في الموقع. وأكد الناطق الرسمي، وفقًا للتحقيقات الأولية وشهادات شهود العيان، أن قوى الأمن لم تكن متواجدة في المكان، مشيرًا إلى أن الجريمة ارتكبها "خارجون عن القانون".
استمرار حصار مخيم جنين
وقُتلت شذى الصباغ بعد ساعات من مقتل عنصر أمن فلسطيني جراء الاشتباكات المستمرة والحصار المفروض على المخيم منذ ثلاثة أسابيع. وبمقتل الصباغ، ترتفع حصيلة الضحايا منذ بدء الاشتباكات في الخامس من ديسمبر الجاري إلى 11 قتيلًا، بينهم خمسة من عناصر الأمن وستة مدنيين.
اقرأ/ي أيضًا
هل تمنع اتفاقيات أوسلو السلطة الفلسطينية من رفع قضايا جنائية ضد إسرائيل؟
أوجه التضليل في المقارنة بين القوة العسكرية الإسرائيلية والفلسطينية