` `

بعد عام من الحرب: جهود متواصلة من منظمات ضغط لتوجيه وسائل الإعلام لصالح إسرائيل

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
7 أكتوبر 2024
بعد عام من الحرب: جهود متواصلة من منظمات ضغط لتوجيه وسائل الإعلام لصالح إسرائيل
قد توظف التقارير المضللة لمنظمات الضغط كذريعة لقتل الصحفيين

استكمالًا لتقارير سابقة نشرها “مسبار”، كشف فيها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن دور منظمات ضغط إسرائيلية في توجيه وسائل الإعلام، وتحيّز في تقاريرها التي احتوت على معلومات مضللة واتهامات بلا أدلة، يسلط مسبار الضوء في هذا التقرير على منهجية عمل منظمة ضغط تُسمى "أونست ريبورتنج" "Honest Reporting". والتي قادت، إلى جانب منظمات مشابهة، جهودًا واسعة على مدار عام لتوجيه اللغة والسرد الإعلامي بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

تُعرّف منظمة "أونست ريبورتنج" نفسها كمنظمة غير حكومية تأسست في عام 2000، وتُعنى برصد وتحليل تغطية وسائل الإعلام الدولية للأخبار المتعلقة بإسرائيل. وتقول المنظمة إنها تسعى لضمان الحقيقة والنزاهة والإنصاف، ومكافحة التحيز الإيديولوجي في الصحافة والإعلام الذي يمسّ إسرائيل.

ومع ذلك، تشير مراجعة مسبار إلى أنه على الرغم من ادعاء أونست ريبورتنج العمل على تصحيح المعلومات المضللة واتخاذ الصدقية شعارًا لها، إلا أن سلوك المنظمة لا يبدو متسقًا مع هذا الادعاء، خاصة عند مراجعة صحة العديد من التقارير التي قدمتها في إطار مراقبتها لتغطية وسائل الإعلام الغربية خلال الحرب على غزة، والعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.

معلومات مضللة وادعاءات لا تستند إلى دليل وتقارير توظف في أعمال عنف

في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبعد شهر من اندلاع الحرب على غزة، أطلق المدير التنفيذي لمنظمة أونست ريبورتنج، جيل هوفمان، اتهامات غير مدعومة بالأدلة، تزعم أن بعض الصحفيين الفلسطينيين الذين وثّقوا هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد كانوا على علم مسبق بالهجوم. 

وتساءل حينها عن كيفية قيام هؤلاء الصحفيين بإرسال صور هجوم السابع من أكتوبر لوسائل إعلام كبرى يعملون معها، مثل ذا نيويورك تايمز ووكالة أسوشييتد برس، مما يشير ضمنيًا إلى أن هذه المؤسسات الإعلامية أيضًا قد تكون على علم مسبق بما سيحدث.

في وقت لاحق، أصدرت وسائل الإعلام الكبرى المتهمة نفيًا قاطعًا لمزاعم أونست ريبورتنج، ونفت أي معرفة مسبقة لها بالهجمات. وردًا على ذلك، صرّحت أونست ريبورتنج بأنها لا تملك أي دليل يدعم تلك الاتهامات، معربة عن ارتياحها لنفي وسائل الإعلام ومؤكدة قبولها لذلك. ومع ذلك، لم تعترف المنظمة بأنها ارتكبت أي خطأ أو قدمت معلومات غير دقيقة عندما أطلقت سلسلة الاتهامات.

ورغم هذا التراجع الضمني، أسفرت تقارير المنظمة، بالتعاون مع حملة أخرى من منظمات ضغط آنذاك، عن تصاعد الهجمات ضد الصحفيين الفلسطينيين، إذ صُوِّروا على أنهم إرهابيون. وبرز ذلك بوضوح عندما تبنى مسؤولون إسرائيليون، من بينهم وزير الدفاع السابق بيني غانتس هذه التصريحات التي ألمحت إلى تواطؤ مزعوم للصحفيين مع الهجمات.

بيني غانتس عن الصحفيين
وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يشير في منشور عام 2023 لما زعمت به أونست ريبورتنج حول معرفة الصحفيين بهجوم حماس

اتخذت إسرائيل من هذه التصريحات وأخرى مشابهة لا تستند إلى دليل كذريعة، لتقود حملة قتل كبرى منذ السابع من أكتوبر ضد الصحفيين، وهذا ما يشير كيف يمكن أن توظف ادعاءات بدون دليل قدمت من قبل منظمة تدعي الحياد، لتستخدم على نطاق واسع في تبرير أعمال العنف ضد المدنيين والصحفيين منهم.

لا حصار في غزة ومصطلح الانتفاضة يعني القتل.. تزوير الحقائق الكبرى

كجزء من روتين عملها وكواحدة من التصحيحات والانتقادات التي ترسلها أونست ريبورتنج، قامت في الثامن من يوليو/تموز 2024 بإرسال انتقاد لصحيفة ذا واشنطن بوست الأميركية. وادعت بنبرة جازمة وفيما يتعارض مع التقارير الكثيفة والحقيقة الواضحة، أنه لم يكن هنالك حصار على قطاع غزة أبدًا، ونصحت المنظمة ذا واشنطن بوست، بتبديل مصطلح الحصار بمصطلح "القيود"، وقالت إن القيود وليس الحصار كانت مصريًّا إسرائيليًا، لمنع حركة حماس من "تطوير بنيتها التحتية المسلحة والإرهابية"بحسب تعبيرها.

أونست ريبورتنج عن الحصار الإسرائيلي لغزة
أونست ريبورتنج تدعي أنه لم يكن هنالك حصار إسرائيلي على قطاع غزة وتطلب عدم استخدام المصطلح

حاولت المنظمة مرارًا منع وسائل الإعلام الكبرى من استخدام مصطلح "الحصار" والتعتيم على حقيقته. ففي التاسع من أكتوبر 2023، انتقدت المنظمة صحيفة ذا غارديان لاستخدامها مصطلح "الحصار السابق"، للإشارة إلى الوضع في قطاع غزة المستمر لمدة 15 عامًا. 

وبالمثل، وجهت المنظمة انتقادًا لصحيفة ذا نيويورك تايمز في مارس 2024، بعدما ذكرت أن إسرائيل فرضت حصارًا شبه كامل على المواد الغذائية خلال حربها، وهي حقيقة عبّر عنها المسؤولون الإسرائيليون بشكل واضح مع بداية الحرب. كما انتقدت المنظمة في 24 أغسطس/آب 2024 استخدام وكالة فرانس برس لمصطلح "الحصار" في إحدى تقاريرها الإخبارية.

سلسلة منشورات عن انتقاد المظاهرات المؤيدة لفلسطين
سلسة انتقادات حاولت المنظمة فيها منع وسائل الإعلام الكبرى من استخدام مصطلح الحصار على غزة

اتهام المظاهرات المؤيدة لفلسطين بالإرهاب والعنف

على غرار عمل منظمة رابطة مكافحة التشهير في إسكات الأصوات المناهضة لإسرائيل، والتي كشف مسبار في تقرير سابق أنها كانت تستخدم بيانات غير صحيحة لدعم ادعاءاتها، بدأت أونست ريبورتنج مؤخرًا باستكمال حملة سابقة لتصوير المظاهرات المؤيدة لفلسطين التي تندلع في العواصم الغربية، وكأنها مظاهرات عنيفة، وأن الشعارات التي ترددها تشير إلى الإرهاب والقتل.

ففي السادس من أكتوبر الجاري طلبت المنظمة من صحيفة لوس أنجليس تايمز، بتعديل خبرها، وعدم الإشارة للمظاهرات التي اندلعت مؤخرًا لتأييد فلسطين، بأنها كانت سلمية، وذلك فيما يتعارض مع الحقائق، تحت مزاعم أن المظاهرات رفعت شعار "عاشت الانتفاضة" وهو شعار زعمت المنظمة أنه يهدف لقتل الإسرائيليين، ولم توضح كيف استنتجت ذلك، وما علاقة الأمر بعدم سلمية المظاهرات.

أونست ريبورتنج تطلب من لوس أنجلس تايمز تعديل خبرها
أونست ريبورتنج تطلب من صحيفة لوس أنجليس تايمز عدم الإشارة للمظاهرات المؤيدة لفلسطين بأنها كانت سلمية

وفي يوليو 2024 قدمت المنظمة بنبرة ساخرة انتقادًا لصحيفة تايمز لاستخدامها اسم مدينة تل أبيب عند الإشارة لعاصمة إسرائيل، ورأت المنظمة بأنه على الصحيفة استخدام مصطلحات أخرى كاستخدام مصطلح مدينة القدس عند الإشارة لعاصمة إسرائيل.

صورة متعلقة توضيحية
أونست ريبورتنج تطلب من صحيفة تايمز عدم الإشارة إلى تل أبيب كعاصمة لإسرائيل

صوت مسموع وتأثير ملحوظ على وسائل الإعلام وأخبارها

من الواضح من خلال تقارير وسائل الإعلام الكبرى التي تشير لإسم أونست ريبورتنج كثيرًا في موادها الإخبارية، أن للمنظمة شعبية واعترافًا وتأثيرًا ملحوظًا، فهي ليست منظمة نقدية لآلية عمل وسائل الإعلام فقط، بل قادرة على حرف مسار التغطية الإعلامية لعديد من هذه الوسائل، إذ تقوم الكثير منها بتعديل عناوين أخبارها ومحتواها بناء على طلبات تقدمها المنظمة. 

مؤخرًا، شكرت المنظمة صحيفة ذا تليغراف لتصحيحها صياغة خبر أشار سابقًا إلى حكومة إسرائيل عن طريق ذكر اسم العاصمة تل أبيب، وطلبت المنظمة بعد تقديم الشكر عدم استخدام اسم المدينة مرة أخرى في التقارير المستقبلية عند الإشارة لحكومة إسرائيل، على النحو ذاته استجابت صحيفة ذا إندبندنت للمنظمة عندما طلبت منها عدم الإشارة إلى تل أبيب كعاصمة لإسرائيل.

أونست ريبورتنج تشكر صحيفة تلغراف
أونست ريبورتنج تشكر صحيفة تليغراف على الاستجابة لطلبها بتعديل الخبر
صورة متعلقة توضيحية
أونست ريبورتنج تشكر صحيفة اندبندنت على الاستجابة لطلبها بتعديل الخبر

عدلوا الخبر.. إسرائيل الطرف المعتدى عليه وهي تدافع عن نفسها فقط

تحاول المنظمة منذ أعوام طويلة تصوير إسرائيل بأنها الطرف المعتدى عليه، وتضغط لتصحيح أخبار وسائل الإعلام لتبدو إسرائيل وكأنها تدافع عن نفسها فحسب، وأنها لا تصعّد أعمال العنف والصراعات في المنطقة، وأن حملاتها العسكرية العنيفة هي جزء من حق الرد الطبيعي. 

على سبيل المثال، ورغم التقارير التي أشارت مؤخرًا إلى أن التصعيد العسكري في المنطقة وخاصة بين إيران وإسرائيل، كانت قد عززته وغذته إسرائيل مؤخرًا، وذلك بعد رفضها الموافقة على صفقة لوقف إطلاق النار في غزة، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وما تلاها من عمليات إسرائيلية كتفجيرات أجهزة البيجر في لبنان واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

ورغم أن الرد إيراني تلا سلسلة التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي شل مفاوضات إطلاق النار، ودفع إيران بحسب تصريحات مسؤوليها إلى القيام بضرب إسرائيل، بدلًا من الاعتدال بعدما تلقت وعود أميركية بعدم قيامها بهجمات مقابل إتمام صفقة وقف إطلاق النار، وذلك كما جاء على لسان رئيسها مسعود بزشكيان.

حاولت أونست ريبورتنج تغيير السردية إعلاميًا حول التصعيد في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، وطلبت من وسائل الإعلام تصوير هجمات إيران وكأنها اعتداء، وإرهاب وليس رد على التصعيد، أو حتى جزء من "الصراع". وانتقدت أونست ريبورتنج أخبار بعض وكالات الأنباء مثل بلومبيرغ، التي طُلب منها في السادس من أكتوبر عدم الإشارة إلى أن الضربات الإيرانية كانت ردًا على التصعيد الإسرائيلي.

اونست ريبورتينج تطلب من وكالة بلومبيرغ تعديل خبرها
المنظمة تطلب من وكالة بلومبيرغ عدم استخدام مصطلح الرد على التصعيد عند ذكر الضربات الإيرانية على إسرائيل

تاريخ طويل من الانتقادات والتحيّز لصالح إسرائيل

تاريخيًا تعرضت المنظمة باستمرار لانتقادات من قبل كثير من الإعلاميين وكتاب الصحف، وقبل ثلاثة شهور من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أشارت دراسة أجرتها مؤسسة " Study Hall" أن أونست ريبورتنج تحاول توجيه الرأي العام وخطاب وسائل الإعلام لصالح إسرائيل، وتغيّر الحقائق العامة، وتمنع استخدام مصطلحات عديدة مثل التهجير، والفصل العنصري عند الإشارة لممارسات إسرائيل.

وأشارت الدراسة أن المنظمة أيضًا تعمل على تعريض حياة الصحفيين للخطر، وتؤدي تقاريرها إلى فصلهم من أماكن عملهم بسبب رأيهم السياسي، وانتقادهم لإسرائيل، كما وضحت الدراسة أن المنظمة متهمة بشكل واضح بممارسة ازدواجية المعايير والتركيز على رصد تصريحات وعمل الصحفيين الفلسطينيين، في مقابل غض النظر عن الصحفيين الإسرائيليين حتى ممن لديهم علاقات وثيقة مع الجيش الإسرائيلي.

المنظمة تعمل على قمع الأصوات المعارضة بنمط عمل الجيوش الإلكترونية

وأشير إلى أن المنظمة متهمة بقيادة حملات ضخمة بالتعاون مع منظمات مثل “Canary Mission”، التي تهتم بمراقبة الطلاب والأساتذة والناشطين الذين يدعمون فلسطين في الجامعات الأميركية واتهامهم بمعاداة السامية، كما هو الحال مع العمل مع منظمات مثل كاميرا، وهي منظمة أخرى تهدف إلى تحسين صورة إسرائيل في الإعلام وتضغط على وسائل الإعلام لتغيير تغطيتها.

تضغط المنظمة بشكل واضح على الصحفيين المؤثرين والمعروفين منذ أعوام، وخاصة ممن يراجعون تقاريرها، ويشيروا للثغرات التي قد تحتويها. وعلى سبيل المثال نشرت المنظمة تقارير عديدة حول الكاتب روبرت فيسك من صحيفةذا إندبندنت، بعد أن نشر فيسك مقالات انتقدت المنظمة، التقارير التي أدت لحملة كراهية واسعة ضد فيسك.

وبعد أن تم نشر مقال في مجلة "BMJ" ينتقد إسرائيل بسبب العدد الكبير من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، وأن نمط الإصابات يوحي بأن إسرائيل كانت تستهدف الأطفال بشكل روتيني. تلقت المجلة ردود فعل قوية من الجمهور، كانت على شكل حملات تشبه حملات الجيوش الإلكترونية المنظمة. فقد أرسل نحو 500 شخص انتقادات عبر موقع المجلة، كما تم إرسال نحو 1000 رسالة مباشرة إلى محرر المجلة.  

هذه الردود لم تكن عشوائية، بل أشار كارل صباغ (وهو كاتب في المجلة) أن الكثير منها كانت منظمة من قبل أونست ريبورتنج وتهدف لإسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل. صباغ أشار أيضًا إلى أن العديد من هذه الرسائل كانت مهينة وعنصرية في لغتها. وقد وصفت المجلة هذا النوع من الحملات المنظمة بأنه نوع من "البلطجة" أو الضغط غير المشروع.

ومؤخرًا بدأت المنظمة بحملة للضغط على وسائل الإعلام، لتكييف أخبارها بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان وبما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية. ووظفت المنظمة مؤخرًا مفردات كانت قد استخدمتها وسائل الإعلام عند تغطيتها للأخبار عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، كالمفردات التي استخدمت من بعضها وأشارت أنه أقام حوارًا بين الأطراف اللبنانية المختلفة خلال مسيرته السياسية،  لتزعم أونست ريبورتنج أن ذلك يعني تمجيد وتحسين لصورة نصر الله بعد اغتياله، وطلبت من الصحف الكبرى بوصفه "بالإرهابي".

صورة متعلقة توضيحية
تقرير نشرته منظمة  أونست ريبورتنج في 29 سبتمبر زعمت فيه أن وسائل إعلام كبرى تمجد شخصية نصر الله

اقرأ/ي أيضًا

دور رابطة مكافحة التشهير في إسكات الأصوات المناهضة لإسرائيل

كيف رسمت منظمة ضغط إسرائيلية السياسة التحريرية لعشرات وسائل الإعلام الغربية؟

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة