شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا للمعلومات المضللة في المجال الصحي، فمنذ بداية جائحة كوفيد-19، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة لتدفق هائل للمعلومات غير الدقيقة والأخبار الكاذبة المتعلقة بالصحة. ومع التطور السريع للتكنولوجيا، زادت نسبة الأشخاص الذين يلجؤون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات الطبية، كونها أصبحت تقدَّم بشكل أكثر جاذبية، مقارنة مع المصادر التقليدية.
وقد أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة "Kaiser Family Foundation” أن نحو 25 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون على هذه المنصات للبحث عن معلومات صحية، وهي نسبة تكشف عن تحول ملحوظ في سلوكيات الحصول على المعلومة الطبية.
في العالم العربي، يبدو أن تأثير المحتوى الطبي المضلل والحصول على المعلومة الطبية من وسائل التواصل لا يقل شعبية، فالمعلومات الخاطئة المتعلقة بالصحة تصل إلى ملايين المستخدمين، وذلك بالنظر لحجم التفاعل الكبير معها.
يرصد "مسبار" في هذا التقرير أبرز المعلومات الصحية المضللة التي انتشرت مؤخرًا حول مسببات السرطان، والتي لقيت تفاعلًا واسعًا.
ادعاءات أن فيتامين ك يسبب السرطان للأطفال
ينشر حساب يدعى (د.نداء الخميس) ادعاءات طبية مثيرة للجدل، وزعم الحساب في احدى المنشورات مؤخرًا أن إعطاء المولود الجديد حقنة من (فيتامين ك) ولقاح (التهاب الكبد ب) هو أمر خطير صحيًا ويمكن أن يتسبب بمرض سرطان الدم واضطرابات عصبية للطفل.
تحقق مسبار بالاستناد إلى المصادر العلمية وتقارير مراكز السيطرة على الأمراض، بشأن الادعاء القائل بأن حقنة فيتامين ك ولقاح التهاب الكبد ب قد يتسببان بمشاكل صحية مثل سرطان الدم واضطرابات عصبية. أظهرت النتائج أن هذا الادعاء زائف ولا يستند إلى أي دلائل علمية موثوقة. على العكس، تؤكد المصادر العلمية أهمية هذه التطعيمات من الناحية الطبية، فهي تلعب دورًا حيويًا في دعم صحة بعض الأطفال حديثي الولادة ومنع حدوث مضاعفات صحية خطيرة.
لا علاقة بين فيتامين ك وإصابة الأطفال بالسرطان
يولد بعض الأطفال بمستويات منخفضة من فيتامين ك، وهو ضروري لتخثر الدم الطبيعي. بدون هذا الفيتامين، يكون الطفل عرضة لنزيف نقص فيتامين ك (VKDB)، والذي يمكن أن يتسبب في نزيف حاد قد يصل إلى الدماغ.
تشير المصادر الطبية المعترف بها أن حقن فيتامين ك بعد الولادة مباشرة يقلل بشكل كبير من هذا الخطر، وقد أظهرت المراجعات العلمية والاختبارات التجريبية التي ذكرها موقع مستشفى تكساس للأطفال في تقرير عدم وجود صلة بين حقنة فيتامين ك وزيادة احتمالية الإصابة بسرطان الدم في مرحلة الطفولة. كما أشار تحقيق موسع أجراه موقع FactCheck.org استنادًا لمعلومات موثوقة وفرتها مصادر مثل جامعة هارفارد وجامعة ييل، النتيجة نفسها.
لقاح التهاب الكبد ب ضروري ومستويات الألمنيوم آمنة فيه
يعدّ التهاب الكبد ب من الأمراض الفيروسية التي قد تنتقل من الأم إلى الطفل أثناء الولادة، ويشكل تهديدًا طويل الأمد لصحة الكبد، بما في ذلك خطر الإصابة بتليف أو سرطان الكبد.
لم يعثر مسبار في مراجعة المصادر الصحية أي دليل علمي على أن لقاح فايروس الكبد يسبب اضطرابات عصبية، وأشارت المصادر أن اللقاح يمنح مناعة مبكرة وفعّالة للأطفال، مما يحميهم من العدوى الفيروسية ومضاعفاتها.
يحتوي اللقاح على كميات ضئيلة من الألمنيوم كمادة مساعدة لتحفيز استجابة مناعية أقوى، وهذه الكميات كما تشير المصادر الطبية آمنة جدًا ولا تسبب ضررًا للجهاز العصبي للأطفال.
في الواقع، يحصل الأطفال على كميات أكبر من الألمنيوم من مصادر غذائية مثل الحليب الصناعي مقارنة بما يتلقونه من اللقاح، وأشار تحقيق أجراه قسم تدقيق الحقائق في وكالة فرانس برس الذي أن المصادر الطبية تؤكد سلامة اللقاح.
من هنا، وعلى عكس ما جاء في الادعاء فإن فيتامين ك ولقاح التهاب الكبد ب يعدّان من أهم التدخلات الوقائية للمولود الجديد لضمان سلامته وحمايته من المخاطر الصحية الخطيرة.
المعلومات المضللة قد تمنع الأطفال من علاجات ضرورية وتؤدي لمضاعفات خطيرة
أكد تقرير صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، وهو وكالة صحية أميركية تتبع وزارة الصحة في الولايات المتحدة، ومسؤولة عن مراقبة الأمراض، والسيطرة على انتشارها أن هناك زيادة على مستوى البلاد في رفض الآباء لإعطاء حقنة فيتامين ك لحديثي الولادة.
وأشار المركز أن هذه الظاهرة الخطيرة، غالبًا ما تستند إلى معلومات غير دقيقة موجودة على الإنترنت، وتؤدي إلى تعرض المزيد من الأطفال لنزيف يمكن تجنبه، وقد يتسبب في تلف الدماغ أو حتى الموت في بعض الحالات.
ادعاءات متكررة أن لقاح "فايزر" يسبب السرطان
انتشرت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي ادعاءات بأن لقاح فايروس كورونا الذي تنتجه شركة فايزر يسبب السرطان، وأن الشركة عمدت إلى إخفاء معلومات خلال مرحلة تطوير اللقاح تفيد بأنه يحتوي على مركب وفايروس يسمى SV40 ومرتبط بالإصابة بالسرطان.
واستند ناشرو الادعاء إلى تقرير إعلامي، زعم أن مصادر إعلامية أخرى أكدت أن شركة فايزر حجبت معلومات حول وجود هذا المركب في لقاحات كوفيد-19، وأن إدارة الغذاء والدواء الأميركية ووزارة الصحة الكندية قد أكدتا صحة هذه المعلومات.
لا دليل على أن اللقاحات الحديثة تحتوي مركبات مرتبطة بالسرطان
أشارت المصادر الطبية التي راجعها مسبار أن SV40 هو اختصار لفايروس اكتُشف في خمسينيات القرن الفائت، وكان موجودًا في بعض لقاحات شلل الأطفال القديمة نتيجة استخدام خلايا من قرود لإنتاج هذه اللقاحات. هذا التلوث حدث قبل عشرات السنين، وأثارت أبحاث في تلك الفترة الشكوك حول ما إذا كان هذا الفايروس يمكن أن يسبب السرطان، لكن لم تُثبت علاقة واضحة بينه وبين السرطان لدى البشر، كما أشار مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن اللقاحات المستخدمة حاليًا لا تحتوي فيروس SV40.
لا تقارير موثوقة تشير لعلاقة بين لقاح فايزر والسرطان
يعتمد لقاح فايزر ضد كوفيد-19 على تقنية طبية مختلفة تُسمى mRNA، التي لا تستخدم الفايروسات أو خلايا الحيوانات لتنمية مناعة الجسم. تقنية mRNA تعتمد على إعطاء الجسم تعليمات مؤقتة لإنتاج جزء صغير من بروتين الفايروس، مما يحفز جهاز المناعة للتعرف على الفايروس ومقاومته في حال الإصابة. هذا النوع من اللقاحات لا يدخل إلى نواة الخلية، حيث يوجد الحمض النووي، وبالتالي لا يمكنه التفاعل مع جينات الإنسان أو إحداث أي تغييرات جينية قد تؤدي إلى السرطان.
وبمراجعة المصادر الأخرى تبيّن أن الادعاءات التي تقول إن لقاح فايزر يحتوي على فايروس SV40 المرتبط بالسرطان جاءت من مصادر معروفة بنشر معلومات غير موثوقة، مثل Epoch Times و LifeSiteNews، وذلك بحسب عدة منصات لفحص الحقائق مثل FactCheck.org و Science Feedback.
ورصدت منصات التحقق ادعاءات مضللة للمواقع المذكورة، وأكدت بالاعتماد على مصادر علمية ومنظمات صحية رسمية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ووكالة الأدوية الأوروبية (EMA)، أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وأن لقاح فايزر آمن للاستخدام وفقًا للإرشادات الصحية.
يُذكر بأنّ تحقيقًا لمسبار في 11 سبتمبر/أيلول 2024 فنّد ادعاءً سابقًا حول لقاح كورونا من نوع موديرنا، والذي زعم ناشروه أن شركة موديرنا أقرت بأن لقاحها بتقنية mRNA يسبب السرطان، وأشار تحقيق مسبار إلى أن الادعاء زائف، حيث لم تؤكده أي جهات صحية موثوقة.
كما فنّد مسبار في تحقيق آخر في 27 أكتوبر الجاري، مزاعم حول تسبب لقاح فايروس الورم الحليمي البشري (HPV) للعقم لدى النساء والسرطان، ليكشف أن الأدلة العلمية تدعم سلامة اللقاح وفعاليته في الوقاية من السرطانات المرتبطة بالفيروس، مثل سرطان عنق الرحم، دون أن يكون له تأثير سلبي على الخصوبة أو الصحة الإنجابية.
اقرأ/ي أيضًا
ما آليات المؤسسات الصحية في مواجهة المعلومات الطبية المضللة؟