` `

الانحياز الإعلامي وتضليل السرديات في كتاب حرب لبوب وودوارد

فاطمة حماد فاطمة حماد
سياسة
8 نوفمبر 2024
الانحياز الإعلامي وتضليل السرديات في كتاب حرب لبوب وودوارد
احتوى كتاب حرب على ترويج لمزاعم إسرائيلية وانحياز ضمني

في أكتوبر/تشرين الأول الفائت، صدر كتاب حرب للصحفي الاستقصائي الأميركي بوب وودوارد، مقدّمًا تغطية معمقة على مدار 444 صفحة للعلاقات السياسية المتوترة والأحداث العالمية والدبلوماسية، ومسلطًا الضوء على ثلاث قضايا محورية: الحرب الروسية الأوكرانية، الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والسباق الرئاسي الأميركي.

يستعرض وودوارد في كتابه العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وروسيا على ضوء تطلعات الرئيس بوتين تجاه أوكرانيا، ويكشف عن المحادثات التي جرت بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وعرب خلال الحرب على غزة، مع التركيز على الحوار بين الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الحرب على غزة، موضحًا التعقيدات الدبلوماسية والسياسية التي رافقت تلك الفترة.

ورغم شمولية تغطية الكتاب، يظهر ميل واضح لصالح السردية الإسرائيلية، إذ تُصوّر إسرائيل كمدافع أخلاقي عن أمنها، بينما يتم تهميش المعاناة الإنسانية للفلسطينيين خلال الحرب، وتُختزل الأحداث في إطار أمني ضيق دون التطرق لتفاصيل المجازر المرتكبة على مدار عام وشهرين، وما سبقها من احتلال دام لأكثر من 76 عامًا.

في المقابل، تُقدّم الحرب في أوكرانيا بمنظور أكثر إنسانية مقارنة بما نُقل عن المعاناة في قطاع غزة، مما يعكس ازدواجية في تناول الحروب وانحيازًا للرواية الغربية. إضافةً إلى ذلك، يروج الكتاب للمزاعم الإسرائيلية حول عملية طوفان الأقصى وأحداثها، ويعتمد المؤلف أساسًا على تصريحات مسؤولين أميركيين وإسرائيليين دون تقديم توضيح كافٍ حول مصادره أو كيفية حصوله على هذه التفاصيل الدقيقة.

في نهاية الكتاب، يشير المؤلف إلى أنه استند على مئات الساعات من المقابلات مع المشاركين والشهود المباشرين على الأحداث، موضحًا أن المعلومات مأخوذة من الأشخاص أنفسهم أو من زملاء لهم معرفة مباشرة، أو من وثائق حكومية وشخصية تشمل جداول زمنية، ومذكرات، ورسائل بريد إلكتروني، وملاحظات اجتماعات، ونصوص وسجلات أخرى. وقد استخدم جميع هذه المعلومات دون الكشف عن هوية المصادر.

تبني السردية الإسرائيلية حول عملية طوفان الأقصى

يتبنى الكتاب السردية الإسرائيلية حول عملية طوفان الأقصى، ففي الفصل الثاني والأربعين، يبدأ الصحفي بسرد أحداث عملية طوفان الأقصى التي نفذها عناصر كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، في الثكنات العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023، ويتناول الكاتب، دَور، رون ديرمر، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمقرب منه، ويصف بداية العملية بإطلاق صافرات الإنذار وتنبيه هاتف ديرمر حوالي الساعة 6:30 صباحًا، حيث كان يُصدر تنبيهًا مع كل صاروخ يُطلق نحو المواقع الإسرائيلية. ويستعرض الأحداث المتسارعة واقتحام مقاتلي القسام للطرق الإسرائيلية في مستوطنات غلاف غزة، مشيرًا إلى أنهم "بدأوا بقتل أي إسرائيلي يجدونه".

ويواصل الكاتب تبني السردية الإسرائيلية بوصفه تفاصيل عملية طوفان الأقصى، من خلال مزاعم حول حوادث حرق لعائلات بأكملها، بما فيهم أطفال ورُضع، وكذلك ادعاءات عن قطع رؤوس، وإحراق جثث، وتقطيع أوصال إسرائيليين، وإحراق البعض أحياءً أثناء العملية.

ويستمر النص في سرد الأحداث، زاعمًا استهداف مقاتلي القسام للمستوطنين الذين فروا أو اختبأوا بين الأشجار أثناء الهجوم على المهرجان الموسيقي في قاعدة رعيم الإسرائيلية.

ومن أبرز الادعاءات التي يسردها الكتاب في بداية حديثه عن الحرب، مزاعم حول اعتداءات جنسية واغتصاب نفذها مقاتلو القسام، استنادًا إلى فيلم وثائقي بعنوان "صرخات قبل الصمت". ويكمل النص بسرد ما وصفه بأعمال عنف جنسي وحشية ارتكبها مقاتلو القسام بحق النساء، بما في ذلك ربطهن بالأشجار واغتصابهن بطرق متعددة. وينقل عن إسرائيلي يدعى راز كوهين، مشارك في الفيلم، أنه تم طعن إحدى النساء الإسرائيليات واغتصابها بعد طعنها.

نقل مزاعم الاغتصاب وحرق الأطفال والاعتداء الجنسي في السابع من أكتوبر
نقل مزاعم الاغتصاب وحرق الأطفال والاعتداء الجنسي في السابع من أكتوبر دون دليل في الكتاب

وفنّد مسبار عشرات المزاعم المشابهة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ عمدت إسرائيل إلى الترويج لادعاءات بوقوع حالات اغتصاب واعتداء جنسي وحرق أطفال وقطع رؤوسهم، في محاولات لتبرير المجازر التي ترتكبها في القطاع. وحتى الآن، لم يظهر أي دليل أو تقارير مستقلة وموثوقة تؤكد وقوع مثل هذه الحالات. وفي الكتاب، اعتمد الصحفي على شهادات إسرائيلية وفيلم وثائقي، دون أن يتضمن تحقيقًا أو توثيقًا من قبل مصادر محايدة أو منظمات دولية مختصة بالتحقيق في مثل هذه الانتهاكات، كما لم تجد التحقيقات أي دليل يدعم هذه المزاعم.

تقرير لمسبار بعد مرور عام على الحرب على غزة وتفنيد للمزاعم المتكررة
تقرير لمسبار بعد مرور عام على الحرب على غزة وتفنيد للمزاعم المتكررة

الانحياز لإسرائيل في كتاب الحرب بشأن الأسيرات

وعلى الرغم من وجود عشرات التقارير والأدلة التي تؤكد ارتكاب جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتداءات جنسية بحق الفلسطينيات في قطاع غزة، وبحق الأسرى والأسيرات لدى إسرائيل، إلا أن الكتاب يتبنى سردية مغايرة، إذ تشير تقارير حقوقية عديدة إلى أن النساء والفتيات الفلسطينيات في غزة يتعرضن لانتهاكات جسيمة تشمل الإعدامات التعسفية والاعتداءات الجنسية. ويترافق ذلك مع ممارسات غير إنسانية مثل حرمانهن من الفوط الصحية، ومنعهن من الحصول على الغذاء والدواء، إضافة إلى تعرضهن للضرب المبرح واحتجازهن في ظروف قاسية، حيث يُتركن في أقفاص تحت المطر والبرد دون طعام أو مأوى.

كما أكدت تقارير دولية وحقوقية وقوع اعتداءات جنسية متكررة بحق الفلسطينيات. على سبيل المثال، أفاد تقرير صادر عن مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في فبراير/شباط الفائت، بأن النساء والفتيات الفلسطينيات المحتجزات تعرضن لتفتيشات مهينة على يد ضباط إسرائيليين ذكور، وتعرضت بعضهن للتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي. وأشار التقرير إلى أن ما لا يقل عن معتقلتين تعرضتا للاغتصاب الفعلي.

رغم ذلك، لم يُشر الكتاب إلى هذه الانتهاكات والاعتداءات، بل أعاد تكرار مزاعم الاغتصاب ولكن بالإشارة إلى الأسيرات الإسرائيليات المحتجزات لدى حماس، مقتبسًا من مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، قوله إن الأسيرات اللواتي لا تزال حماس تحتجزهن تتراوح أعمارهن بين العشرينات والثلاثينات. وقال: "يخشى الإسرائيليون أن يكون جزءًا من سبب رفض حماس الإفراج عنهن هو أنهن تعرضن للاغتصاب، أو لا زلن كذلك". وأضاف أن حماس تعتقد أن كل النساء الإسرائيليات في العشرينات والثلاثينات من العمر هن من قوات الجيش الإسرائيلي، مما يجعلهن أكثر قيمة، حسب رأي حماس، للحصول على تنازلات من إسرائيل.

ترويج لمزاعم تعرض أسيرات لاعتداء جنسي وإمكانية تعرض من بقين لدى حماس للاغتصاب
ترويج لمزاعم تعرض أسيرات لاعتداء جنسي وإمكانية تعرض من بقين لدى حماس للاغتصاب

ورغم ما تضمنه الكتاب من مزاعم حول تعرض الأسيرات الإسرائيليات المحتجزات لدى حماس لاعتداءات جنسية، أفادت عدة أسيرات أفرجت عنهن الحركة سابقًا أو حررتهم القوات الإسرائيلية في عمليات خاصة أنهن لم يتعرضن لأي شكل من أشكال العنف أو الاعتداء الجنسي، وأكدن أنهن تلقين معاملة إنسانية طوال فترة احتجازهن. يأتي هذا النفي ليعكس وجهة نظر مختلفة عمّا تروّج له بعض الروايات الإسرائيلية والغربية حول ظروف احتجاز الأسيرات.

تقرير سابق لمسبار يفند المزاعم  ويقدم شهادت لأسيرات إسرائيليات تتنافى مع الرواية
تقرير سابق لمسبار يفند المزاعم ويقدم شهادت لأسيرات إسرائيليات تتنافى مع الرواية الرسمية

التصوير الانتقائي في كتاب الحرب للتعاطف مع إسرائيل

في الكتاب، توصف عملية طوفان الأقصى ضد المستوطنات والمواقع الإسرائيلية بأنها "الأكثر دموية في تاريخ اليهود منذ الهولوكوست"، وهو توصيف يحمل دلالات عاطفية تثير تعاطف القارئ مع الجانب الإسرائيلي، مما يوحي بأن الحدث يمثل تهديدًا وجوديًا للشعب اليهودي ويضفي على السرد طابعًا يعظّم من حجم التهديد، وقد يُفهم هذا التوصيف على أنه تبرير ضمني للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، خاصة أن الكتاب لا يتناول المعاناة الإنسانية للفلسطينيين بنفس المستوى من التفصيل والعاطفة، مما يعكس ميلًا للسردية الإسرائيلية عبر التركيز على الخسائر الإسرائيلية وتجاهل الأبعاد الإنسانية للحرب والانتهاكات بحق المدنيين في غزة.

وصف السابع من أكتوبر باعتباره هجوم يشبه الهولوكوست
وصف السابع من أكتوبر باعتباره هجومًا يشبه الهولوكوست

كما يعتمد وودوارد في تغطيته للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بشكل كبير، على شهادات مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دون عرض أي وجهة نظر فلسطينية. ويفتقر الكتاب إلى الأصوات الفلسطينية، مما يجعله غير متوازن ويعكس انحيازًا واضحًا في اختيار المصادر، إذ تُعرض الرواية الأميركية والإسرائيلية بشكل شبه مطلق، بينما تُهمّش الأصوات التي تمثل الجانب الفلسطيني، أو حتى المصادر المستقلة والحقوقية.

دعم عسكري أميركي متواصل وسردية تُصوّر إسرائيل كديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط

في سرد وودوارد للمحادثات التي جرت بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 12 أكتوبر 2023، أي في اليوم السادس من بدء الحرب على غزة، يوضح الكتاب أن نتنياهو أكد فور وصول بلينكن إلى إسرائيل حاجتها للدعم العسكري. وبحسب الكتاب، لم يتفاجأ بلينكن من تركيز نتنياهو على الذخيرة، وأكد على التزام الولايات المتحدة بمواصلة دعم إسرائيل وتقديم الإمدادات العسكرية، بالإضافة إلى العمل على تطوير "نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي". أشار وودوارد كذلك إلى وجود لقطات وصفها بـ"المروعة"، وذكر "جثث متفحمة وأطفال محروقين" في إطار سرد يتكرر فيه التركيز على المزاعم الإسرائيلية.

وعلى صعيد آخر، يصف الكتاب إسرائيل بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" أثناء الحديث عن الدعم العسكري الأميركي السنوي الذي يتجاوز 3 مليارات دولار. 

وفي سياق الدعم الأميركي، كانت الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل تزويد إسرائيل بالذخيرة وأنظمة الاعتراض لتجديد مخزون القبة الحديدية، وهو نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المصمم لاعتراض الصواريخ والقذائف المدفعية التي تُطلق من مسافات تصل إلى 40 ميلًا، وأضاف الكتاب أن أول طائرة نقل محملة بالأسلحة الأميركية المتقدمة وصلت إلى قاعدة نيفاتيم الجوية قبل يومين، أي مع اندلاع الحرب.

أما الوصف الوارد في النص لإسرائيل بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، فيعكس خطابًا شائعًا في السياسة الأميركية يُستخدم لتبرير الدعم القوي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، ويظهر هذا الوصف كثيرًا في الأوساط السياسية والإعلامية كحجة أساسية لتعزيز العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، إذ تُصوّر إسرائيل كحليف استراتيجي يتشارك مع الولايات المتحدة في “القيم الديمقراطية”.

الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل ووصفها بأنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”
الدعم الأميركي العسكري لإسرائيل ووصفها بأنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”

يشير الكتاب إلى أن الجيش الإسرائيلي أبلغ بأن هناك حوالي 130 ألف شاب يحملون "بطاقة حماس"، لكنهم ليسوا عسكريين أو مشاركين في فصائل المقاومة الفلسطينية، بل قد ينضمون لاحقًا، خاصةً بعد مرور أشهر من الحرب على غزة وفقدانهم لأقارب أو أفراد من مجتمعاتهم بسبب الهجمات الإسرائيلية، ويُظهر النص توجهًا ضمن الأوساط الإسرائيلية والأميركية لتحليل البيئة الاجتماعية في غزة، مما قد يُفسر كإطار تبريري لاتخاذ إجراءات استباقية ضد هؤلاء المدنيين الذين لا علاقة لهم بالفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، ولتبرير المجازر بحق المدنيين وحملات الاعتقالات التي تستهدف الشباب المدنيين.

الترويج لوجود 130 ألف شاب في غزة قد ينضمون إلى المقاومة
الترويج لوجود 130 ألف شاب في غزة قد ينضمون إلى المقاومة

تصوير إسرائيل كقوة أخلاقية في مواجهة "الإرهاب" الفلسطيني

يصوّر الكتاب إسرائيل كقوة أخلاقية تواجه "الإرهاب" الفلسطيني، إذ يظهرها كدولة تسعى لحماية شعبها، مع التركيز على الدعم الأميركي لهذه الجهود. وعلى النقيض، يغفل الكتاب الانتهاكات التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك استهداف المناطق السكنية بشكل متكرر، ويعزز الكتاب هذا التصور من خلال التركيز على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، مع تهميش واضح للانتهاكات ضد الفلسطينيين، ما يخلق انحيازًا بارزًا في السرد.

كما يغيب في الكتاب التطرق إلى التفاصيل الإنسانية المتعلقة بحياة الفلسطينيين ومعاناتهم، مقارنةً بالسياق الإسرائيلي الذي يركز على الهجوم على إسرائيل، خاصة عند الحديث عن عملية طوفان الأقصى، ويظهر التحيز في لغة وودوارد، إذ يستخدم مصطلحات مثل "إرهاب" و"إرهابيين" لوصف فصائل المقاومة الفلسطينية، متجنبًا التعبيرات التي قد تثير تعاطف القارئ مع الجانب الفلسطيني. ونتيجة لذلك، يُترك الانطباع بأن إسرائيل تتعرض لتهديد مستمر، في حين يتم تهميش الأوضاع القاسية التي يعيشها سكان غزة في خلفية السرد دون إبراز كافٍ.

ويركز الكتاب على المخاوف الأمنية لإسرائيل، ويتجاهل سياق الأوضاع في غزة، مما يعكس رؤية ضمنية تقدم الفلسطينيين كتهديد أمني متواصل، وتظهر إسرائيل كدولة مدافعة عن النفس.

علاوةً على ذلك، يعتمد وودوارد على إيحاءات منحازة، إذ يقدم صورة سلبية للفلسطينيين مقابل تقديم صورة إيجابية لإسرائيل، مع استخدام لغة عاطفية لخلق تعاطف مع الجانب الإسرائيلي، سواء عبر السرد المباشر أو الاقتباسات. كما يتجاهل الكاتب أي أحداث سبقت السابع من أكتوبر، مما يعطي الانطباع بأن الهجوم الذي قادته حماس جاء دون سياق أو أسباب، متجاهلًا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين المستمر منذ أكثر من 76 عامًا والحصار المفروض على قطاع غزة، ما يضفي على السرد طابعًا غير متوازن يميل للسردية الإسرائيلية.

وينقل الصحفي وودوارد تصريحات نتنياهو، الذي قال إن "حماس هي داعش". وكرر نتنياهو تشبيهه لحماس بداعش، مشيرًا إلى أن تنظيم داعش في العراق والشام كان معروفًا بارتكاب الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والاغتصاب، والقتل، والاستعباد، وجرائم الحرب الأخرى، وأكد على ضرورة أن ينظر العالم إلى ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر بالطريقة ذاتها التي ينظر بها إلى داعش.

ومن الجدير بالذكر أن الكتاب ينقل تصريحات نتنياهو التي تشبّه "حماس بداعش" دون تقديم وجهة نظر نقدية أو سياق شامل يساعد القارئ على تقييم هذه التصريحات بشكل متوازن. ويلاحظ أن غياب التحليل أو التوضيح لتشبيه نتنياهو يضفي على النص انحيازًا ضمنيًا، حيث يُعرض السرد الإسرائيلي حول حماس كحقيقة بدلاً من تقديمه كتصريحات قابلة للنقد والتحليل.

نقل مزاعم نتنياهو ومحاولات تشبيه حماس بداعش
نقل مزاعم نتنياهو ومحاولات تشبيه حماس بداعش

وتواصل إسرائيل محاولاتها لربط حركة حماس بتنظيم داعش بهدف تبرير الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، سعيًا لكسب دعم المجتمع الدولي وتوجيه الرأي العام، وتحقيق شرعية دولية لخوض حربها ضد قطاع غزة بحجة محاربة "إرهاب حماس".

تقرير سابق لمسبار حول أساليب إسرائيل بتشبيه حماس بداعش لكسب التعاطف الدولي
تقرير سابق لمسبار حول أساليب إسرائيل بتشبيه حماس بداعش لكسب التعاطف الدولي

فيما يتعلق بالمواقف الأميركية، وتحديدًا مواقف الرئيس السابق جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، يشير وودوارد في عدة اقتباسات إلى أن هناك تركيزًا أميركيًا على "تجنب إلحاق الضرر بالمدنيين" وضرورة تقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما كان يُقابَل بالرفض من جانب نتنياهو. ولكن، عند الحديث على سبيل المثال، عن استهداف قافلة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي، أشار وودوارد إلى أن بايدن طلب من نتنياهو ضمان عدم تكرار الحادثة التي وقعت في غزة في مطلع إبريل/نيسان الفائت، حيث وصف الكتاب استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لقافلة مساعدات تابعة للمنظمة بأنه وقع "عن طريق الخطأ"، مما أسفر عن مقتل سبعة من عمال الإغاثة، وهو التبرير ذاته الذي قدمته إسرائيل، ووصفت الحادثة بأنها "خطأ جسيم".

الحديث عن استهداف قافلة المطبخ المركزي العالمي وأنه وقع بالخطأ
الحديث عن استهداف قافلة المطبخ المركزي العالمي 

الازدواجية في تناول الحرب على غزة وأوكرانيا

بالإضافة إلى الانحياز لصالح إسرائيل في الكتاب، لاحظ مسبار وجود ازدواجية وتباين في التغطية الإنسانية بين الحرب على غزة والحرب الأوكرانية. إذ لا يعرض الكتاب تفاصيل تُذكر عن الأوضاع الإنسانية في غزة؛ ويُصور الصراع في معظم الفصول على أنه "تهديد إرهابي" لإسرائيل، دون التركيز على معاناة المدنيين الفلسطينيين المحاصرين والأزمات الصحية والغذائية التي يواجهونها جراء الحصار الإسرائيلي المستمر.

في المقابل، يُبرز الكتاب معاناة المدنيين الأوكرانيين ويصف الهجمات الروسية بأنها "وحشية" و"انتهاكات صارخة"، مع تفصيل الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية في مناطق مثل ماريوبول وبوتشا.

على سبيل المثال، أشار وودوارد إلى أن المعارضة لاستخدام الذخائر العنقودية تأتي عادةً من منظور حقوق الإنسان، نظرًا للأضرار الواسعة التي تسببها هذه الذخائر، خاصة بين المدنيين، واعتبر أن هذا الموقف يمثل تحديًا في سياق الصراع في الأراضي الأوكرانية المحتلة.

وتناول الكاتب مقتل أكثر من ألفي مدني أوكراني في مدينة ماريوبول، وأكثر من 450 مدنيًا في مدينة بوتشا، مؤكدًا وجود أدلة واضحة على الإعدام، مثل الأيدي المقيدة خلف الظهر وإطلاق النار على الرأس وقطع الحناجر. وأضاف أن مدينة إربين شهدت العثور على أكثر من 290 مدنيًا قتلى - العديد منهم ضحايا إطلاق النار العشوائي أو الإعدام من قبل الروس، كما استهدفت الضربات الصاروخية المراكز الحضرية المزدحمة في أوقات الذروة.

كما ذكر الكاتب أن بوتين مسؤول عن اختطاف جماعي لما لا يقل عن 6 آلاف طفل أوكراني، تم أخذهم من مناطق محتلة مثل ماريوبول وخيرسون وخاركيف، وتبنيهم من قبل عائلات روسية.

وأشار، أيضًا، إلى تقييم استخباراتي أميركي أفاد بأنه إذا لم يتم تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية، فستحظى القوات الروسية بتفوق يتراوح بين 5 إلى 1 أو 10 إلى 1 في عدد قذائف المدفعية المتاحة - مما سيؤدي إلى تفاوت مدمر. وبيّن التقييم أن النتيجة المتوقعة ليست فقط خسارة أوكرانيا للحرب، بل مذبحة حقيقية.

لم يتطرق الصحفي إلى أي من الإعدامات الميدانية أو المجازر التي نفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة، كما فعل في سرده لأحداث حرب أوكرانيا. كذلك، لم يذكر مئات المدنيين المختطفين من قطاع غزة الذين اختطفتهم القوات الإسرائيلية، أو المجازر التي استهدفت الأطفال تحديدًا، ولا اجتياح المستشفيات وقصفها، مما تسبب في مقتل أطفال ورُضع، إضافة إلى حرق خيام النازحين وغيرها من الانتهاكات خلال الحرب الجارية على غزة.

ويستخدم الكتاب لغة تثير التعاطف مع أوكرانيا وتعرض روسيا كدولة معتدية تشن “حربًا وحشية”. تُوصف المعاناة الأوكرانية بتفاصيل تعزز تعاطف القارئ مع الجانب الأوكراني، مع الإشارة إلى أن الأراضي أوكرانية محتلة. يؤدي هذا التفاوت في السرد إلى خلق انطباع مزدوج حول شرعية المعاناة، حيث يُمنح الأوكرانيون مساحة واسعة للتعاطف بينما يُهمل الفلسطينيون.

يوظف وودوارد لغة توحي بأن إسرائيل مجبرة على الدفاع عن نفسها أمام تهديد مستمر، مع تجنب الألفاظ التي قد تثير تعاطف القارئ مع الفلسطينيين، و يتضح ذلك من خلال الإشارات المتكررة إلى المخاوف الأمنية لإسرائيل، مقابل إغفال الظروف القاسية في غزة، على عكس ما يفعله عند الحديث عن أوكرانيا.

نقل تفاصيل بعض المجازر في أوكرانيا ومقتل آلاف المدنيين
نقل تفاصيل المجازر في أوكرانيا ومقتل آلاف المدنيين

مع اقتراب الكتاب من نهايته، وفي ختام الفصل 74 من أصل 77 فصلًا، يورد الصحفي وودوارد للمرة الأولى تفاصيل عن معاناة الفلسطينيين في غزة، ويذكر في فقرة عن وزارة الصحة الفلسطينية أن الحملة البرية والجوية الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من 39 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وتسببت في نزوح معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم.

نقل الصحفي عن وزراة الصحة بأن الحرب أودت بحياة أكثر 39 ألف فلسطيني لأول مرة
نقل الصحفي عن وزراة الصحة بأن الحرب أودت بحياة أكثر 39 ألف فلسطيني لأول مرة

وفي الخاتمة، ينقل وودوارد حديث الرئيس بايدن مع نتنياهو، إذ قال له إنه ليس لديه استراتيجية واضحة. ورد نتنياهو بالقول "هذا غير صحيح، يا جو. نحن نقوم بتفكيك حماس... علينا تطهير رفح وبعدها ينتهي الأمر. سيستغرق ذلك ثلاثة أسابيع". يشير وودوارد إلى أن بايدن كان يعلم أن هذا غير صحيح. كما يصف نتنياهو بأنه بدا متضايقًا، وكأن العالم بأسره، بما في ذلك الأمم المتحدة، قد انقلب ضده. وتحدى فكرة أن الوضع الإنساني في غزة كان سيئًا إلى هذا الحد، إذ خلفت العمليات العسكرية الإسرائيلية 39 مليون طن من الحطام. وبحلول منتصف إبريل 2024، قُتل أكثر من 30 ألف فلسطيني ودُمّر 80 ألف منزل، فيما أفادت وكالات الإغاثة الدولية بأن نصف مليون فلسطيني يواجهون خطر المجاعة.

صورة متعلقة توضيحية
نقل الصحفي لبعض أحداث الحرب على غزة "واستياء بايدن من نتنياهو"

ومع ذلك، لم تتوقف أميركا عن دعم إسرائيل، إذ اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلية رفح جنوبي قطاع غزة بريًا في مطلع مايو/أيار الفائت، مرتكبة عشرات المجازر بحق المدنيين والنازحين.

يُشير الصحفي إلى أن مشاعر الإحباط وانعدام الثقة كانت تتراكم لدى بايدن تجاه نتنياهو، الذي اعتبره كثير الكذب ويخفي نواياه الحقيقية، واصفًا إياه بأنه شخص سيء لا يكترث إلا لنفسه. ويوضح أن بايدن لم يكن راضيًا عن أفعال نتنياهو، وهدده بوقف شحنات الأسلحة الهجومية الأميركية إلى إسرائيل. ووعد نتنياهو بايدن بأن إسرائيل ستغير استراتيجيتها وستتابع حماس بعمليات أكثر استهدافًا ودقة.

كما أضاف الصحفي أن نتنياهو كان يدمّر منطقة غزة بالكامل، مستخدمًا نحو 45 ألف قنبلة على واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يشكل الأطفال دون سن الثامنة عشرة حوالي 47 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة. مئات من القنابل التي أسقطت على غزة كانت من النوع الثقيل بوزن 2000 رطل، وكان الدمار يشبه بعض أسوأ عمليات القصف خلال الحرب العالمية الثانية.

وفي الحقيقة، رفض بايدن وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة، واستمر في تقديم مليارات الدولارات من المساعدات، ولم يتمكن من منع الإبادة الجماعية في قطاع غزة أو الضغط على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار.

نقل الصجفي لخلافات بين بايدن ونتنياهو حول استراتيجية الحرب على غزة
نقل الصحفي لخلافات بين بايدن ونتنياهو حول استراتيجية الحرب على غزة

وأشار الكاتب إلى أن روسيا تتمتع بمهارة عالية في فن التضليل، مما منح بوتين فرصة لتقسيم الرأي العام باستخدام ذرائع وأكاذيب مصممة بعناية لتبرير الغزو الروسي لأوكرانيا. وأضاف أن وسائل الإعلام الروسية مليئة بالدعاية التي تزعم أن أوكرانيا دولة نازية جديدة، وأن حلف الناتو يستخدم أوكرانيا لتهديد روسيا. وقد أثار الشكوك بين الحلفاء والجمهور، وحتى بين الأوكرانيين أنفسهم، مما أتاح لبوتين وقتًا ومساحة ثمينين للمناورة.

في المقابل، بينما ركز الصحفي على الحديث عن التضليل الروسي خلال الحرب الأوكرانية، وتناول استراتيجيات موسكو في نشر الأكاذيب لتبرير غزوها، تجاهل أساليب التضليل الإسرائيلي التي رافقت الحرب على غزة. فعلى سبيل المثال، بينما وصف الكتاب بتفصيل كيف اعتمدت روسيا على وسائل إعلامها لتصوير أوكرانيا كدولة "نازية جديدة" وتحريف دوافع حلف الناتو، لم يتطرق إلى الأساليب الإعلامية التي اعتمدتها إسرائيل لتوجيه الرأي العام العالمي.

الحديث عن استغلال بوتين للدعاية لتقسيم الرأي العام حول أوكرانيا
الحديث عن استغلال بوتين للدعاية بهدف تقسيم الرأي العام حول أوكرانيا

اقرأ/ي أيضًا

انحياز الإعلام الغربي في أسلوب صياغة الأخبار عن الحرب على غزة

أوجه التحيز في تقرير بي بي سي عن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لمنع التحريض على الإبادة

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة