في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، شنَّ تحالف يضم عددًا من فصائل المعارضة السورية، يُعرف باسم "قيادة العمليات العسكرية" وتُشرف عليه هيئة تحرير الشام، هجومًا على قوات جيش النظام السوري والميلشيات الموالية له في محافظتي حلب وإدلب، وأطلقت هيئة تحرير الشام على العملية اسم "ردع العدوان".
سرعان ما تطور الهجوم لتسيطر فصائل المعارضة السورية على كامل محافظتي إدلب وحلب وتتقدم باتجاه مدينة حماة وسط البلاد. ورافقت العملية العسكرية ادعاءات مضللة واسعة، وتدفق هائل للأخبار الكاذبة رصد مسبار جزءً واسعًا منها.
مؤخرًا، رصد مسبار مجموعة من مقاطع الفيديو والصور التي زُعم أنها تظهر مشاهد لحرق العلم الفلسطيني من قبل قوات المعارضة السورية، بعد سيطرتها على المناطق التي انسحب منها الجيش السوري وحلفاؤه.
ادعاءات عن إنزال وحرق علم فلسطين من قبل فصائل المعارضة السورية
تداول مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقطع فيديو قالوا إنه لحرق علم فلسطين، وإنزاله والدعس عليه، من قبل فصائل المعارضة، وانتشر المقطع على نطاق واسع، ليصل إلى آلاف المستخدمين.
تفحص مسبار مقطع الفيديو المتداول ووجد أنه مضلل، إذ إنّ الفيديو يُظهر إنزال علم حزب البعث العربي الاشتراكي، الحاكم في سوريا، وليس علم فلسطين كما اعتقد العديد من المستخدمين وروّج بعضهم لذلك. وبدا هذا الالتباس بسبب التشابه الكبير بين العلمين، مما أدى إلى انتشار تفسير خاطئ للمقطع، واستغلاله من قبل عدة حسابات بشكل مضلل.
فروقات طفيفة بين علمي فلسطين وحزب البعث
علم فلسطين وعلم حزب البعث السوري يتشابهان في الألوان (الأحمر، الأسود، الأبيض، والأخضر) المستوحاة من الثورة العربية الكبرى ورموزها، لكنهما يختلفان في أبعاد وقياسات التصميم والرمزية.
علم فلسطين يتكون من ثلاثة أشرطة أفقية (أسود، أبيض، وأخضر) ومثلث أحمر على الجانب الأيسر، كما هو الحال مع علم حزب البعث، ويكمن الاختلاف في درجة اللون وأبعاد الأشرطة وحجم المثلث، حيث يبدو اللون الأخضر في علم حزب البعث غامق بشكل أكبر مما هو عليه بعلم فلسطين، كما هو الحال بالنسبة لدرجة اللون الأحمر الذي يبدو فاتح قليلًا في العلم الفلسطيني.
سياق مقطع الفيديو المتداول والعبارات التي رُددت فيه تشير إلى أنه العلم يعود لحزب البعث
قارن مسبار عدة نسخ ولقطات لعلم حزب البعث، وطابق درجات الألوان، وفحص سياق مقطع الفيديو ليجد بأنه لم يشير الأشخاص اللذين ظهروا فيه إلى أي دلالات تتعلق بفلسطين، ولم يرددوا أي شعارات مناهضة لفلسطين، وهو ما يرجح بشكل كبير أنهم أنزلوا علم حزب البعث.
كما طابق مسبار عدة تفاصيل أخرى ظهرت في المقطع المتداول كالخيوط الصفراء التي تحيط بإطار علم حزب البعث كما يظهر في مؤسسات الحزب، ومن غير الشائع مشاهدتها ضمن العلم الفلسطيني.
وانتشر مقطع فيديو آخر يُظهر قيام قوات تابعة للمعارضة السورية بإزالة علم حزب البعث. وكما هو الحال مع المقطع الأول، تبيّن أن العلم يعود لحزب البعث وليس لفلسطين. وقد أقدمت قوات المعارضة على إزالة العلم بعد أن أزالت العلم السوري الرسمي المجاور له، والذي تعتبره رمزًا للنظام السوري.
هنالك عداء من قبل فصائل المعارضة لحزب البعث ورموزه
يؤدي عدم فهم سياق مقاطع الفيديو في بعض الأحيان لزيادة انتشار وإضفاء صدقية على المعلومات المضللة، إذ على مدى سنوات الحرب في سوريا كان من الشائع أن تقوم الفصائل المعارضة، والثوار والمتظاهرين بشكل مستمر، بإنزال أو حرق أعلام حزب البعث، كون حزب البعث هو الحزب الحاكم في سوريا، وهنالك معارضة لقيادته للسلطة في سوريا من قبل المعارضة السورية والأشخاص المعارضين.
البعث ورموزه أجزاء أساسية من النظام السوري
تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947 وسيطر على الحكم في البلاد منذ انقلاب الثامن من مارس/آذار 1963، وأصبح دستوريًا "الحزب القائد للدولة والمجتمع" بعد تعديل الدستور في عام 1973.
استمر هذا الوضع حتى إقرار دستور عام 2012، الذي ألغى المادة الثامنة من الدستور القديم التي كانت تنص على قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، ما انعكس ظاهريًا بفتح المجال أمام التعددية الحزبية من الناحية القانونية والدستورية، وإن ظل الحزب يحتفظ بنفوذ كبير في المشهد السياسي السوري، حتى اليوم.
ويُعدّ حزب البعث جزءًا أساسيًا من هوية النظام السوري الرسمية، إذ يُرفع علم الحزب بجانب العلم السوري في العديد من المؤسسات الحكومية والرسمية، حتى بعد الغاء المادة الثامنة من الدستور. يعكس ذلك الدور المركزي الذي يحتله الحزب في بنية النظام الحاكم في سوريا وسياساتها وشكل مؤسساتها، لعقود طويلة، وهو ما جعل رموزه هدفًا لقوات المعارضة السورية ضمن عملياتها.
حسابات إسرائيلية تستغل المشاهد لتروج لادعاءات مضللة
استغلّت عدة حسابات إسرائيلية مشاهد حرق علم حزب البعث لتزعم بأنها تعود لحرق علم فلسطين، مروّجة في الوقت نفسه لإدعاءات تصب في مصلحة إسرائيل.
وروّجت بعض الحسابات الإسرائيلية لهذه المزاعم لتعكس صورة بأن بعض فصائل المعارضة السورية تحرق أعلام فلسطين في إطار الصدام مع الفلسطينيين أو كدعم لإسرائيل.
وتزايد تدفق هذا النوع من الادعاءات مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ اعتمدت هذه الحسابات على نشر صور ومقاطع فيديو، بعضها حقيقي والآخر مفبرك، لتروّج لمزاعم التأييد والتطبيع مع إسرائيل ضد الفلسطينيين.
استغلال مشاهد قديمة لبث ادعاءات مضللة
في إطار نفس حملة الادعاءات استغلت حسابات صورًا ومقاطع فيديو قديمة، تظهر حرق علم شبيه بالعلم الفلسطيني وزعمت أنه يعود لمشاهد حديثة، بالتزامن مع معارك المعارضة السورية الأخيرة، حيث انتشرت صورة تعود للعام 2012 على أنها حرق للعلم الفلسطيني مع سيطرة فصائل المعارضة على مناطق سورية في المعارك الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا
أبرز المشاهد المضللة عن المعارك الأخيرة بين النظام السوري وفصائل المعارضة
الفيديو قديم وليس لاستهداف عناصر من المعارضة السورية في ريف حلب حديثًا