` `

هل الشّيشان دولة مسلمة؟

سياسة
21 نوفمبر 2020
هل الشّيشان دولة مسلمة؟
دستور الشيشان الحديث لا ينُص على أنّ الشيشان دولة مُسلمة، إلّا أنّ غالبية السكان يدينون بالإسلام (Getty)
صحيح

تحقيق مسبار

بلغ الإسلام عبر قرون أقاصي الدنيا، ولم تترك رسالة التوحيد بقعة من بقاع الشرق أو الغرب إلا ووصلت إليها بسماحتها وسلامها وحضارتها. وإذا كان العرب قد شكلوا منطلق هذه الرسالة التي نزلت لكافة العالمين، فإن الكثير من الشعوب المحيطة بالجزيرة العربية والقريبة منها، شكلت بدورها حاضنة تاريخية للإسلام وعقيدته وشريعته. وتعتبر منطقة القوقاز من بين المناطق التي استوطنها الإسلام في أزمنة مبكرة، ليشمل بلدان عديدة من بينها الشيشان. ونظراً لارتباط الشيشان بجمهورية روسيا الاتحادية، فإن هويتها الإسلامية لا تزال محط تساؤل واستفسار من الكثير من المسلمين والعرب. تجيبك هذه المقالة عن أسئلتك بخصوص حقيقة علاقة الشيشان بالإسلام، وهل تعتبر دولة مسلمة؟ 

 

معلومات عن الشيشان

تُعتبر الشيشان إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، عاصمتها غروزني وتسودها لغتان رسميتان هما الروسية والشيشانية. تُعد الشيشان جمهورية، وتتداول عملة الرّوبل الروسي. وأعلنت الشيشان استقلالها عن روسيا عام 1991 ما تسبب في اندلاع معارك طاحنة استمرت إلى حدود عام 2009.

من ناحية الموقع الجغرافي، فإنّ الشيشان تقع في منطقة جبال القوقاز، وتُحيطها عدد من البلدان القوقازية، إذ تحدها جنوباً داغستان وجورجيا، وشمالاً داغستان وروسيا، وغرباً أوسيتيا الشمالية وأنغوشيا. وتبلغ مساحتها نحو 17 ألفا و300 كيلومتر مربع، وهي ذات مناخ قاري. ويبلغ عدد سكان الشيشان حسب تقديرات 2019 نحو مليون و457 ألف نسمة، يُشكّل الشيشانيون 95% من سكّانها، بينما يُمثّل الروس وقوميات أخرى النسبة الباقية. ويُشكّل البترول والغاز الطبيعي والزراعة والطاقة المائية أهم المصادر الاقتصادية.

 

تاريخ الشيشان الحديث

كانت الشيشان جزءاً من الاتحاد السوفياتي لعقود، وبعد انهياره بدأت جمهوريات القوقاز تُعلن استقلالها تباعاً عن موسكو. وفي عام 1991 برز اسم الجنرال السابق بالجيش الأحمر السوفياتي جوهر دوداييف ليُسيطر على الحكم في جمهورية الشيشان، وفاز بانتخابات نُظّمت في سبتمبر/أيلول من السنة نفسها. وبعد شهرين من ذلك، أعلن استقلال الشيشان عن روسيا الاتحادية، وقد شكل هذا القرار إيذاناً بانطلاق إحدى أكثر الحروب تدميراً وفتكاً في العقد الأخير من القرن العشرين. فقد رفضت روسيا إعلان الشيشان استقلالها وأرسلت الجيش إلى غروزني لتنطلق معركة دامية، شهدت مقاومة شديدة للوجود الروسي. وبعد سنتين من المعارك، قرّرت روسيا مُجدداً إرسال قوة عسكرية مكونة من نحو ثلاثين ألف رجل، حيث نجح الجيش الروسي في دخول العاصمة الشيشانية غروزني في يناير/كانون الثاني 1995 بعد تدميرها بالكامل. تسبّبت المعارك في مقتل نحو 25 ألف شيشاني، وخمسة آلاف جندي روسي، كما خلّفت مئات الآلاف من اللاجئين. 

استمر الوضع إلى حدود أغسطس/آب 1996 حيث تم توقيع اتفاق جديد بين الطرفين، فيما وصل عدد القتلى حينها إلى نحو مائة ألف شخص. شكّلت موسكو إدارة تابعة لها لتحكم الشيشان عام 2001 بقيادة ستانيسلاف إلياسوف، وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب جزئي للجيش مقابل منح صلاحيات واسعة لأجهزة الاستخبارات السرية التي كُلّفت بتصفية المعارضين. نجحت موسكو في قتل الرئيس الشيشاني المُؤيد لاستقلال بلاده أصلان مسخادوف، فاختار الثوار عبد الحليم سعيدولاييف بديلاً له، واستمرت عمليات الاغتيال لفترة طويلة قبل أن تعرف الحرب في الشيشان نهاية رسمية لها عام 2009، بتصفية جلّ المعارضين، وتنصيب موسكو حاكماً لها ذو صلاحيات واسعة على الشيشان وإنغوشيا وأوسيتيا الشمالية وداغستان، وهو الرئيس الحالي رمضان أحمدوف.

 

التركيبة السكانيّة 

تتميز منطقة القوقاز بتنوع عرقي مُلفت، وتعيش في الشيشان وحدها حوالي 60 مجموعة عرقية مُختلفة. ويُشكّل السكّان من أصول شيشانية نسبة الأغلبية، بينما تعيش إلى جانبهم جماعات عرقية أخرى مثل الأنجوش، وكوميكس، والروس. ويتكلم السكان اللغتين الروسية والشيشانية، لكن هناك لهجات محلية عديدة مثل لهجة الأنغوش، ولهجة باتسي المنتشرة في المناطق القروية.

ويعتبر الشيشانيون من أكثر شعوب العالم تشبثاً بثقافتهم وجذورهم التاريخية، فرغم تعرّض المنطقة عبر تاريخها الطويل للغزو الأجنبي سواء الروسي أو التركي، إلّا أنّ سكّانها يحرصون باستمرار على إظهار ملامح ثقافتهم سواء في الأزياء أو الموسيقى أو العادات والتقاليد أو المعمار.

 

هل الشيشان دولة مسلمة؟

دخل الإسلام إلى الشيشان في فترة مُبكرة منذ القرن الأول للهجرة. وعلى عكس ما يُروّجه الكثيرون، فإنّ دخول الإسلام إلى الشيشان والقوقاز عموماً لم يكن نتيجة حروب أو غزوات، بل كان طواعيةً بفضل التأثّر بحسن تعامل التجار المسلمين مع السكان المحليين وما شاهدوه من نبل سلوكهم وأمانتهم.

وعلى الرغم من أنّ دستور الشيشان الحديث لا ينُص على أنّ الشيشان دولة مُسلمة أو إسلامية، إلّا أنّ غالبية سكان الشيشان يدينون بالإسلام، إضافة إلى وجود أقليات مسيحية أرثوذكسية. ويُشير النشيد الوطني الشيشاني إلى الطابع الإسلامي لدولة الشيشان من خلال ترديد عبارة التوحيد "لا إله إلا الله". 

 

النشيد الوطني الشيشاني والإسلام

على الرغم من أنّ الدستور الشيشاني لا ينُص على أنّ الشيشان دولة مسلمة، إلّا أنّ النشيد الوطني لجمهورية الشيشان يكشف عن البُعد الإسلامي القوي في الهوية الشيشانية، ويظهر ذلك بقوة في ترديد عبارة "لا إله إلا الله" فيه، ممّا يوحي من جهة بهوية مُسلمة في دولة الشيشان، ويُؤكد من جهة ثانية أيضاً الطابع الصوفي للإسلام السائد في القوقاز عموماً، والشيشان خصوصاً. يقول النشيد الوطني الشيشاني في بعض مقاطعه:

"جبالنـا المكسـوّة بحجـر الصـوان

عندما يُدوي في أرجائها رصاص الحرب

نقف بكرامـة وشـرف على مر السنين

نتحدى الأعداء مهما كانت الصعاب

وبلادنـا عنـدمـا تنفجـر بالبارود

من المحال أن ندفن فيها إلا بشرف وكرامة

لا إلــه إلا الـلــه

لن نستكين أو نخضع إلا لله

فإنها إحدى الحسنيين:

الشهــادة أو النصــر

لا إلــه إلا الـلــه".

 

رموز الإسلام في الشيشان الحديثة

عندما أعلن جوهر دوداييف استقلال الشيشان عام 1991 عن روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدأت الشيشان تستعيد شيئاً فشيئاً معالمها الإسلامية، فعمل بسرعة على بناء عدد كبير من المساجد في مختلف المدن والقرى، وبلغ عدد المساجد التي بناها في ظرف وجيز 400 مسجد. وتفخر الشيشان اليوم ببعض المعالم الإسلامية البارزة التي يأتي على رأسها مسجد غروزني، الذي يُعدّ أكبر جامع في القارة الأوروبية، وبدأ بناؤه في سنة 2006، وافتُتح بشكلٍ رسميّ في سنة 2008، وصُمّم مسجد غروزني باستخدام الرخام ذي اللون الأبيض الذي يُغطّي المسجد من خارجه وداخله، كما استُخدِمَ الذهب في الكتابة على جدرانه، ويتميّزُ المسجد أيضاً بمئذنته المرتفعة التي ترتفع إلى 62 متراً.

 

مصادر مسبار

شارك هذا التحقيق على