تحقيق مسبار
يتساءل الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عن مدى أمنها، ويهتم الكثيرين بمعرفة فيما لو كان تويتر مراقب. حيث تُثير حوادث الاختراقات والتجسس التي تتعرض لها المواقع والحسابات الشخصية لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي المخاوف باستمرار بخصوص درجة الأمان واحترام الخصوصية التي تضمنها هذه الوسائل التواصلية. وبالنظر إلى حجم المعطيات الشخصية والحميمية التي يمكن أن تتضمنها، يبحث الكثير من مستعملي هذه الشبكات عن أعلى معايير الأمان للاطمئنان على معلوماتهم وحواراتهم الخاصة. ويعتبر "تويتر" من مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر إثارة لهذه التساؤلات، بالنظر إلى الحوادث المتعددة التي سُجّلت في السنوات الأخيرة وأثارت قضية الأمان والخصوصية بالنسبة لمستخدميه. فهل تويتر مراقب؟ وما هي سياسة الخصوصية والأمان التي ينهجها؟ وما هي أدوات الحماية التي يتيحها للمستخدمين؟
سياسة الخصوصية وكشف المعلومات الشخصية
تكشف وثيقة سياسة الخصوصية الخاصة بتويتر عن بعض المداخل التي تجعل معلومات ومنشورات المستخدمين عُرضة للاطلاع والمتابعة من العموم. وتُعرّف هذه الوثيقة تويتر بأنه موقع عامّ، والتغريدات المنشورة عليه مرئية على الفور ويمكن البحث فيها من قبل أي شخص في جميع أنحاء العالم. وتُشير سياسة الخصوصية إلى أنّ تويتر يوفّر للمستخدمين أيضاً وسائل غير عامّة للتواصل على تويتر من خلال التغريدات المحمية والرسائل الخاصّة. كما يُمكنهم أيضاً استخدام الموقع باسم مستعار إذا كانوا يُفضّلون عدم استخدام الاسم الشخصي. وتُشير هذه الوثيقة أيضاً إلى بعض الجوانب الأُخرى المكشوفة بشكل إرادي من المستخدمين مثل:
- عند استخدام تويتر، ولو لمشاهدة التغريدات فقط، فإنّ الموقع يتلقى بعض معلوماتك الشخصية، مثل نوع الجهاز الذي تستخدمه وعنوان IP الخاصّ بك.
- يمكن للمستخدم اختيار مشاركة معلومات أخرى مع تويتر، مثل عنوان بريده الإلكتروني ورقم هاتفه وجهات اتصال دفتر العناوين وملف التعريف العام.
- يستخدم تويتر تغريداتك، والمحتوى الذي تقرأه، وما أعجبك أو تقاسمته، ومعلومات أخرى لتحديد الموضوعات التي تهتم بها، وعمرك، واللغات التي تريدها.
ونستشف من الخطوط العريضة لسياسة الخصوصية أنّ المستخدمين يُتيحون الكثير من المعلومات الخاصة بهم، مثل تغريداتهم ومعلوماتهم الشخصية أمام عموم المستخدمين، بشكل يجعلها مكشوفة ولا تحتاج للمراقبة أو التجسس للاطلاع عليها.
تحديث سياسة الخصوصية لحماية المعلومات
تؤكد الوثيقة السابقة بإشارتها إلى استخدام التغريدات واطّلاعها على الموقع ونوع الجهاز، أنّ هناك مراقبة تلقائية إلكترونية تخضع لها كل البيانات والمستخدمين، لكن في حدود ما يسمح به المستخدمون، لأنّهم يمتلكون الأدوات الخاصة بالحد من ظهور معلوماتهم ولديهم الخيار في توظيفها.
وبعد أن تداولت العديد من التحقيقات الصحفية مشكلة توظيف واستغلال البيانات الشخصية للمستخدمين من طرف تويتر، عمد موقع التواصل الاجتماعي في 25 مايو 2018 إلى تحديث شروط الخدمة وسياسة الخصوصيّة، من خلال التأكيد على أن المستخدم في حاجة إلى معرفة البيانات التي يجمعها تويتر منه وكيفية استخدام الموقع لها، وأنه يجب أن يكون للمستخدم سيطرة جادّة على هذين الأمرين.
وقد تضمنت التحديثات الأساسية في سياسة الخصوصيّة لتويتر ما يلي:
- المزيد من التركيز على أدوات التحكم التي يقدمها تويتر للمستخدم على بياناته الشخصية.
- المزيد من التركيز على كيفية مشاركة تويتر البيانات العامة على نحو واسع وفوري، بما في ذلك ما يتم عبر أدوات المطوّر الخاص بالموقع.
- المزيد من الشفافية والتحكم في كيفية مشاركة تويتر لبيانات المستخدمين مع شركاء الأعمال.
- المزيد من الوضوح حول كيفية مشاركة تويتر للبيانات لمنع الضرر، والامتثال للقانون، وخدمة المصلحة العامة، وجعل تويتر منصة آمنة وترحيبية للجميع.
مبادئ الأمان وحماية الخصوصية والحرية
تُظهر إذاً التّحديثات الأساسية لسياسة الخصوصية أيضاً أن تويتر مستمر في توظيف بيانات المستخدمين، وهذا يفترض أولاً الاطّلاع عليها، لكنّ ذلك لا يشمل المحادثات الخاصة التي يفترض أنها محمية، بحكم مبادئ الأمان التي يعلنها الموقع نفسه. وتنصّ ديباجة قواعد الأمان الخاصة بالموقع على ما يلي: "ينبغي أن تتمتع على تويتر بالأمان عند التعبير عن وجهة نظرك الفريدة من خلال كل تغريدة تكتبها. نحن نرغب في أن يكتشف الجميع مجموعة متنوعة وواسعة من الأصوات ووجهات النظر، ولهذا السبب نسمح بعرض الآراء القوية ووجهات النظر المثيرة للجدل. ولذلك، فإن وظيفتنا تتمثل في جعل تجربتك آمنة قدر الإمكان. ولكن إذا واجهت أية إساءة أو مضايقة على تويتر، فقد يعرض ذلك حريتك في التعبير للخطر. ونحن لن نسمح بأن يكون تويتر مكانًا تتعرض فيه للتهديد أو المضايقة أو إسكات الصوت".
اعترافات من داخل تويتر
على الرغم من كل القوانين والمرجعيات الأخلاقية التي يعلنها موقع تويتر في حماية خصوصية المستخدمين وحقهم في الأمان وحرية التعبير، إلا أنّ ذلك لم يجنّب هذا الموقع الاتّهامات التي وُجّهت له بأنّ تويتر مُراقِب لمستخدميه بشكل يتجاوز التّغريدات إلى ما يتعلق بالمحادثات الخاصة. وإذا كان رصْد المعطيات كما ورد في المحاور السابقة قد يُعتبر مندرجاً في إطار المتابعة وليس المراقبة، فإنّ ما كشفه تحقيق صحافي نشره موقع "بروجيكت فيريتاس" في يناير/ كانون الثاني 2018 أثار قلق كثير من المستخدمين حول بياناتهم وحواراتهم الخاصة. وكشف موقع "بروجيكت فيريتاس" المختص في التحقيقات الصحافية حينها عن مقطع فيديو يُظهر بعض موظفي موقع تويتر وهم يكشفون تفاصيلَ سرية للغاية عن وظيفتهم.
وسُمِع في مقطع الفيديو صوت كلاي هاينز، كبير مهندسي أمن الشبكات، في لقطاتٍ صوِّرت يوم 6 يناير/كانون الثاني 2018، وهو يتحدث بصراحةٍ عن تقاضيه أجراً للاطِّلاع على معلومات المستخدمين الشخصية وتحليلها، وضِمْن ذلك الاطلاع على مئات الصور والرسائل الخادشة للحياء. وقال هاينز في مقطع الفيديو "هناك فِرقٌ مخصصة لذلك، أعني أنَّنا نتحدث عن وجود 300 أو 400 شخص على الأقل، يتقاضون أجراً للاطِّلاع على صور تتضمن أعضاء تناسلية ذكرية". وأضاف هاينز أن وظيفته مختصة بتحليل التغريدات أو الرسائل المسيئة أو التي يُبلَغ عنها. وقال هاينز: "أضطر إلى الاطِّلاع على كل التغريدات التي يُبلغ المستخدمون عنها، مما يعني أنَّني رأيت الكثير من الصور الفاحشة، وهذا أمرٌ سخيف!… أعني أنَّها لا تثيرني؛ بل تزعجني". ويكشف تصريح كلاي هاينز أن الرسائل التي يبلغ عنها المستخدمون قد تكون موضوع مراقبة منتظمة وهذا يعني أنّه من الممكن أن تكون الدردشات الخاصة على تويتر مُراقبة، وقد تكون مُعرّضة لأن يطّلع عليها أحد العاملين في الموقع.
بعض دواعي مراقبة تويتر
تُظهر خانة "تفنيد الأساطير" التي ينشرها مركز المساعدة بتويتر بعض الأسئلة والأحكام التي تتضمن إشارات إلى إمكانية أنْ يكون تيوتر مُراقب من قِبَل الإدارة لمحتوى الحسابات. وتتمثل هذه الأسئلة فيما يلي:
السؤال الأول: لا تخضع التغريدات المُبلغ عنها للمراجعة البشرية، فما الفائدة؟
جواب تويتر: "يتكون فريق الدعم لدينا من أشخاص رائعين من جميع أنحاء العالم! وإلى جانب فريق مراجعة البلاغات، نحن نستخدم التكنولوجيا التي تهدف إلى اكتشاف التغريدات التي تخرق قوانيننا والإبلاغ عنها بشكل استباقي، قبل أن تحتاج إلى الإبلاغ عنها".
السؤال الثاني: يفرض تويتر رقابة على الردود والمحتوى.
جواب تويتر: "مهمتنا في تويتر هي تحسين خدمة المحادثات العامة. ونحن بدورنا نشجع على وجود مساحة آمنة وصحية، والرقابة ليست جزءاً من مهمتنا أو منصتنا. فما نقوم به هو توقيف الحساب فقط أو نطلب منك إزالة المحتوى عندما يكون هناك انتهاك لقوانيننا".
السؤال الثالث: لا توجد رقابة؟ ولكن ماذا عن إخفاء الردود؟
جواب تويتر: "الردود المخفية لا تخضع للرقابة. في الواقع، تم نقلها فقط من المحادثة الرئيسية، ولكن لا يزال الوصول إليها ممكناً تماماً. عندما يُقرّر مؤلف تغريدة إخفاء رد، ستظهر أيقونة في أسفل يسار التغريدة. وما عليك سوى النقر فوق هذا الرمز لعرض الردود العامة التي تم إخفاؤها".
يُلاحَظ إذاً من خلال هذه الإجابات أن خرق ما يسميه تويتر بالقوانين قد يؤدي إلى الحظر أو مطالبة المستخدم بتغيير محتواه، وهذا لا يُمكن أن يتأتى إلا إذا تم الاطلاع على المحتوى المعني أو مراقبته، ولو بشكل إلكتروني عبر مجموعة من التطبيقات والخيارات التي يتيحها تويتر ويوظفها.
هل تويتر مراقب من الحكومة الأميركية؟
تسمح القوانين الأميركية للحكومة ووكالة الأمن القومي والاستخبارات الأميركية بتقديم طلبات لمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية من أجل مراقبة بعض الأشخاص أو المؤسسات بناءً على قرار قضائي. وقد رفع موقع تويتر في عام 2014 دعوى قضائية أمام المحاكم الأميركية ضد وزارة العدل للمطالبة للسّماح له بالكشف عن طلبات المراقبة التي تلقّاها من الحكومة. واعتبرت تويتر في هذه الدعوى أنّ حقوق حرية التعبير تُنتهك منذ أن تمّ منع الموقع من الكشف عن عدد طلبات المراقبة الحكومية التي يتلقاها. وكتب مدير سياسة تويتر جيريمي كيسيل حينها: "السماح لتويتر، أو أي شركة أخرى ذات موقع مشابه، بالكشف فقط عن طلبات الأمن القومي ضمن نطاق واسع للغاية يقوض بشكل خطير هدف الشفافية". ويؤكد هذا الحكم القضائي أن المواقع الإلكترونية يمكن أن تخضع لرقابة استثنائية لأسباب أمنية وقضائية يجب أن يثبتها الطرف الحكومي الذي يطلب ممارسة المراقبة.
الرسائل الخاصة المحمية
تعتبر الرسائل الخاصة من التقنيات الآمنة للتواصل بين المستخدمين في تويتر، من أجل خوض نقاشات تتميز بقدر من الخصوصية التي لا يود المستخدم مشاركته مع الآخرين. وتعتبر هذه المحادثات الخاصة أكثر الخدمات إثارة للقلق لدى المستخدمين بسبب ما تنطوي عليه من معلومات خاصة جداً. ويضمن تويتر حماية الخصوصية التي تميزها، لكنّ تعزيز هذه الخصوصية يمرّ أيضاً عبر تحمل المستخدمين لمسؤولياتهم في تأمينها والحرص على إعداداتها بالشكل الصحيح. ويُنصح لحماية هذه المحادثات الحرص على الإجراءات التالية بشكل منتظم:
- تعطيل التنبيهات الخاصة بالرسائل الخاصة التي تصل للبريد الإلكتروني حيث أن خدمة البريد ستكون قادرة على مشاهدة الرسائل الخاصة إذا لم يُعطّلها المستخدم، كما أنّ اختراق الإيميل سيُعرّض الرسائل الخاصة ورسائل الأصدقاء للكشف أيضاً.
- حذف الرسائل الخاصة بشكل دوري، وعند الانتهاء منها وعدم الحاجة إليها، ويجب أن يُلغي طرفا المحادثة التنبيهات الخاصة التي تصل بالبريد، وإلّا فإنها حتى بعد حذفها من تويتر ستبقى نسخة منها بالبريد الإلكتروني.
- تغيير القِنّ السري بشكل دوري وحذف الرسائل الخاصة فور الانتهاء منها.
- استخدام تطبيق تويتر الرسمي وهو الأفضل من ناحية الخصوصية والأمان، أو أحد البرامج الموْثوقة، والابتعاد عن البرامج التجريبية أو البرامج العربية غير الموثوق فيها.
- تنبيه الأصدقاء إلى هذه الإجراءات واشتراط احترامها من طرفهم لمواصلة التحادث معهم.
هل تويتر مراقب؟
بناءً على ما سبق، يتبين أنّ المعلومات التي يضعها المستخدمون على حساباتهم الشخصية، تنقسم إلى نوعين رئيسيين: نوع يتعلّق بالتغريدات والمنشورات المتداولة على العموم، والتي يسمحون من خلال إعداداتهم للجميع أو للبعض بالاطلاع عليها. وهي معلومات يتم رصدها عبر برامج إلكترونية من طرف تويتر لاستخدامها بشكل تجاري أو لتوقّع انتظارات المستخدمين ومعرفة احتياجاتهم. ونوع آخر يشمل المحادثات الخاصة جداً، يضمن تويتر أمانها وسريتها، رغم وجود إمكانات أخرى للرقابة بسبب الطلبات الحكومية الرسمية، أو بسبب التبليغ عن المحتوى المسيء. وهذا يؤكد أنّ المعلومات السرية لمستخدمي تويتر تظل بعيدة عن المراقبة، وأنّ تويتر غير مراقب إلا في حالات استثنائية.
اقرا أيضاً:
هل يمكن التنصّت على مكالمات الموبايل؟
هل يمكن اختراق واتس آب عن بعد؟
هل يمكن اختراق شبكات الواي فاي؟