منذ أيام وعاصفة التضليل الرقمي للانتخابات تجتاح الفضاء السيبراني في تونس، بعد أن كشفت وحدة البحوث الرقمية التابعة للمجلس الأطلسي الأميركي، عن خدمة التضليل التي وفرتها وكالة للاتصالات الرقمية مقرها تونس، استهدفت 13 دولة إفريقية عبر حسابات وصفحات وهمية على "فيسبوك"، عملية شبهت بفضيحة "كامبريدج أناليتيكا".
تعود بداية القصة إلى يومي 29 و30 مايو/أيار 2020، حظر موقع فيسبوك 446 صفحة و 182 حساباً شخصياً و96 مجموعة و 60 حدثًا و209 حساباً على موقع انستغرام في تونس. أثار الخبر جدلاً كبيراً في البلاد، خاصة أنّ إغلاق الحسابات شمل شخصيات سياسية ونشطاء في المجتمع المدني.
وتواصلت صحيفة الغارديان البريطانية مع إدارة "فيسبوك"، في الرابع من يونيو/حزيران الجاري، التي أكدت أن خطأ تقنياً، تسبب في إزالة عدد من الحسابات الشخصية، وتمت استعادتها بالتعاون مع منظمة أنا يقظ وهي "شريك محلي موثوق". وأكدت إدارة "فيسبوك" أنها لم تسع إلى تقييد حرية الأشخاص في النشر والتعبير عن أنفسهم.
في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، نشر "فيسبوك" بياناً مقتضباً، قال فيه المتحدث الرسمي باسم الموقع إنّ تحقيقاً داخلياً كشف عن تلاعب وتأثير حسابات مزيفة على الانتخابات في الدول الفرنكفونية في أفريقيا جنوب الصحراء، من قبل شبكة مقرها تونس.
وتستخدم الشبكة حسابات وهمية في البلدان المستهدفة، لنشر المحتوى الخاص بها وإدارة مجموعات وصفحات كمنصات إخبارية مستقلة. كما تقوم هذه الصفحات بهندسة الجمهور المستهدف وتوجيهه عبر تغيير اهتماماته من المواضيع غير السياسية إلى المواضيع السياسية، ويشمل التغيير اسم الصفحة والمشرفين عليها.
وجاء قرار فيسبوك بعد تحقيق للمجلس الأطلسي المتخصص في العلاقات الدولية DFRLab، نُشر في اليوم نفسه، أثبت أنّ وكالة الاتصال الرّقمي التونسية UReputation، قامت بتضليل الناخبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في 13 دولة أفريقية وأثرت في انتخاباتها الرئاسية، منها الانتخابات التونسية عام 2019، ودعم إعادة انتخاب رئيس التوغو فور غناسينغبي، في فبراير 2020، والوقوف وراء حملة هنري كونان بيدييه، المرشح للانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول 2020 في الكوت ديفوار. وأطلق عليها مركز البحوث الأميركي اسم "عملية قرطاج".
وفق أرقام المجلس الأطلسي تستهدف الوكالة حوالي 3.8 مليون حساب شخصي على "فيسبوك" وتدير حوالي 132000 مجموعة وأكثر من 171000 حساب على "إنستغرام". ويقول المجلس إنّ المواد التي نشرتها الحسابات لم تكن خاطئًة تماماً، ولكن أثبتت أن هناك نية للتضليل، حيث استثمرت العملية ما يعادل حوالي 331000 دولار في شكل إعلانات لموقع فيسبوك.
وذكر المجلس عملية مشابهة في مايو/أيار 2019، حظر فيها "فيسبوك" أكثر من 250 حساباً أنشأته شركة "أرخميديس غروب"، الإسرائيلية في 13 دولة على الأقل، منها تونس، لانتهاكها سياسة الموقع ومحاولة تأثيرها على السياسات الداخلية للدول المستهدفة وانتخاباتها.
وأشار إلى أمثلة أخرى لشركات اتصالات وعلاقات عامة تعمل على تضليل الرأي العام والتأثير في خيارات الناخبين من أجل الربح، مهمة أطلق عليها اسم "التضليل كخدمة".
وأبرز ما تعرض إليه تقرير مركز البحوث الأميركي في عمليات التضليل، هو الدور العكسي الذي لعبته منصات التحقق، أي من إثبات الحقيقة وكشف الزيف إلى توجيه الرأي العام وتضليله.
ومن بين المنصات التونسية التي أثارت شكوكاً، صفحة "stop à la désinformation et aux mensonges "، التي أحدثت في مارس/أذار 2019 وارتبطت بحملة أرخميدس الاسرائيلية.
وبعد أشهر من حظر مجموعة "أرخميدس"، اكتشف DFRLab إنشاء صفحة تونسية جديدة على موقع فيسبوك، بتاريخ 29 أغسطس/آب 2019، Fake news checking"، تعنى بالتحقق من الأخبار الزائفة. وقدمت نفسها كمنصة مستقلة للتحري. وبين القرير إن صحفيًّا تونسيًّا مختصاً في التأثير السيبراني والذكاء الرقمي يدعى معز بحار، يشرف عليها، إضافة إلى مساهمته في إنشاء عدة مواقع إخبارية في أفريقيا على غرار Afrika News.
وقد أظهرت المنصة، وفق تحقيق المجلس الأطلسي، تركيزاً على الانتخابات الرئاسية في تونس وتغطية إيجابية لصالح المرشح نبيل القروي، على عكس الأخبار المتعلقة برئيس الحكومة السابق والمرشح للرئاسة، يوسف الشاهد.
ورغم أن الشركة التي تقف وراء خدمة التضليل مجهولة الاسم فقد كشف التقرير عن العلاقة بين معز بحار ونبيل القروي المرشح للرئاسة التونسية عام 2019. وأرجى التقرير ملكية وكالة الاتصالات الرقمية، UReputation المعنية بشبكة التضليل إلى رجل الأعمال التونسي لطفي بالحاج، مرجحاً أنها واحدة من مجموع وكالاته ضمن صندوق Digital Big Brother. كما أشار التحقيق إلى دعم بالحاج وبحار للمرشح نبيل القروي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية.
من جانبها اعتبرت وكالة الاتصال الرقمي UReputation أن تقرير المجلس مضلل ويحمل معلومات تستهدف مصداقية الوكالة. وقالت في بيان لها إنّ الأرقام التي نشرها المجلس الأطلسي في علاقة بعدد الحسابات التي حذفها "فيسبوك" لا صحة لها.
وأكدت الوكالة أنّ الرقم الذي نشره "فيسبوك" بخصوص الأموال التي صرفت على إنشاء هذه الصفقات خاطئ لأن عدد الصفحات ذاته خاطئ وطالبت، وفق موقع بزنس نيوز التونسي، الشركة بنشر الفواتير التي استند عليها التقرير لحساب هذا الرقم 331000 دولار.
من جانب آخر تطالب منظمات تونسية مثل "أنا يقظ" و"المادة 19"، "فيسبوك"، بتقديم استفسارات حول سبب إغلاقه 60 حساباً لنشطاء وسياسيين تونسيين خلال حملة الحظر. كما أصدرت بياناً أكدت فيه أنّها راسلت إدارة "فيسبوك" منذ 4 يونيو حزيران 2020، في الأمر دون أن تتلق إجابة. وقالت إنّ من واجبها نشر الرسالة لضمان الشفافية والحفاظ على الفضاء الديمقراطي في تونس أمام خطورة مثل هذه الممارسات على حرية التعبير.
المصادر