هذه المدونة تعرض مقالاً لـهاني فريد، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا- بيركلي، وباحث بارز في مجال تحليل الصور وأدوات الفحص الرقمي، بعنوان "لا تنخدع بصورة أو بمقطع فيديو مزيف على الإنترنت"، نشر على موقع The Conversation في فبراير/شباط عام 2019.
قبل شهر واحد من الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، انتشر مقطع فيديو لدونالد ترامب، سُمع فيه وهو يتكلم بطريقة سيئة عن النساء، مما جعله وحملته الانتخابية آنذاك يعتذرون عن المقطع. في ذلك الوقت، لم يشكك أحد في صحة مقطع الفيديو ولكن بعد بضع سنوات، وجد الناس أنفسهم أمام مشهد مختلف تماماً من ناحية تصديق ما يرونه ويسمعونه، إذ جعلت التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي، عملية إنشاء صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية مزيفة، أمراً سهلاً. في الوقت نفسه، فإن المعلومات المضللة تنتشر على كافة وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب وجود بعض الناس الذين اعتادوا على استهلاك الأخبار التي تتوافق مع رؤيتهم للعالم.
كل هذه العوامل تساهم في خلق مناخ تزداد فيه صعوبة تصديق ما تراه وتسمعه. وبصفتي مؤلف كتاب صور مزيفة (Fake Photos)، أرغب في تقديم بعض النصائح التي تساعدك على حماية نفسك من الوقوع ضحية صورة أو مقطع فيديو مزيف.
أولاً: تحقق مما إذا كانت الصورة ضُحدت من قبل
يتم تداول العديد من الصور المزيفة على الإنترنت التي تم ضحدها سابقاً، إحدى الطرق الفاعلة والبسيطة لمعرفة أصل الصور المتداولة هي عملية البحث العكسي عن الصور، فبعكس البحث العادي على الإنترنت الذي تُستخدم فيه كلمات مفتاحية، يمكن للبحث العكسي عن الصور على بعض المحركات مثل Google Image أو TinEye البحث عن نفس الصورة أو صور مشابهة لها في قاعدة بيانات ضخمة. قد لا تنجح محركات البحث أحياناً بالعثور على الصورة، نظراً لكون محتوى البحث واسع جداً وسريع التغير، ولا يعني عدم العثور عليها أنها حقيقية أو مزيفة. ولكن يمكنك تحسين احتمالية حدوث تطابق بالبحث عن طريق اقتصاص الجزء المراد البحث عنه.
ثانياً: تحقق من البيانات الوصفية للصورة
غالبًا ما تحتوي الصور الرقمية على بيانات وصفية عن مصدرها وأصلها. البيانات الوصفية أو الماورائية هي بيانات عن البيانات، وتتضمن نوع الكاميرا وطرازها، وإعداداتها مثل حجم فتحة العدسة أثناء التقاط الصورة، ووقت التعرض للضوء، والموقع الجغرافي والتاريخ والوقت الذي التقطت به وغير ذلك الكثير. يتم تخزين البيانات الوصفية في ملف الصورة ويمكن استخراجها بسهولة باستخدام برامج مختلفة. ومع ذلك، هناك بعض الخدمات عبر الإنترنت يمكنها اقتصاص جزء كبير منها، لذا فإن غياب البيانات الوصفية للصورة ليس أمراً نادر الحدوث ولكنها عندما تكون سليمة فإنها مفيدة للغاية.
أهمية التاريخ والوقت والموقع الجغرافي للصورة لا تحتاج إلى شرح، فبرامج تحرير الصور قد تعطي بيانات عن برنامج تعديل الصورة وبيانات عن التاريخ والوقت قد لا تتوافق مع البيانات الأصلية، ما يسهل الكشف عن وجود تلاعب في الصورة. كما تلعب بيانات الصورة حول إعدادات الكاميرا دوراً هاماً في كشف حقيقتها، فلو أشارت هذه البيانات مثلاً إلى وقت تعرض للضوء قصير وفتحة عدسة صغيرة، فإن الصورة يجب أن تتمتع بمستويات إضاءة عالية ومن المرجح أنها التقطت خلال النهار، فإذا كانت الصورة التي نراها لها خصائص مختلفة، فهذا دليل على تزييفها.
ثالثاً: التمييز بين ما يمكن وما لا يمكن تزويره
عند تقييم ما إذا كانت صورة أو مقطع فيديو حقيقياً، من المهم معرفة ما يمكن وما لا يمكن تزييفه. على سبيل المثال، من السهل نسبياً إنشاء صورة لشخصين يقفان جنباً إلى جنب من خلال ربط صورتين معاً. من جهة أخرى، يصعب تكوين صورة لشخصين يتعانقان، لأن التفاعل المعقد يصعب تزييفه. وصحيح أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة تستطيع إنتاج زيف متقن ومقنع -غالبًا ما يسمى الزيف العميق- لكنه يقتصر في الأساس على تغيير الوجه والصوت في مقطع فيديو، وليس الجسم بأكمله، ما يعني أنه من الممكن إنشاء مقطع مزيف لشخص ما وهو يقول شيئاً لم يقله، ولكن لفعل جسدي لم يقم به. بكل الأحوال، من المؤكد أن قدرة هذه التقنيات ستتطور في السنوات القادمة.
رابعاً: احذر من صور أسماك القرش
بعد أكثر من عقدين في فحص المحتوى الرقمي، استنتجت أن صور أسماك القرش المثيرة التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي غالبًا ما تكون مزيفة.
خامساً: ساعد في محاربة المعلومات الخاطئة
أدى انتشار الصور ومقاطع الفيديو المزيفة إلى أعمال عنف مروعة في جميع أنحاء العالم، وإلى اضطرابات مدنية وتلاعب بانتخابات ديمقراطية. كما أنه أعطى لبعض الأشخاص رخصةً للتشكيك في صحة أي خبر لا يعجبهم، يكفي أن يقولوا عنه "أخبار زائفة". لذلك أعتقد أنه بات من الضروري جداً لقطاع التكنولوجيا إجراء تغييرات واسعة وعميقة على سياسات الإشراف على المحتوى، إذ لم يعد بإمكان عمالقة التكنولوجيا تجاهل الضرر المباشر والقابل للقياس الذي نتج عن استخدام منتجاتهم. كما يجب على الذين يطورون تقنيات تُستخدم لإنشاء زيف معقد بسهولة، التفكير بعناية أكبر حول كيفية إساءة استخدام تقنايتهم وكيفية وضع إجراءات وقائية لمنع إساءة استخدامها. وبالتأكيد يجب على مجتمع الفحص الرقمي الاستمرار في تطوير أدوات لكشف سريع ودقيق عن الصور ومقاطع الفيديو والصوت المزيفة.
أما أنت، فواجبك هو تغيير طريقة استهلاكك ونشرك للمحتوى عبر الإنترنت. بمعنى آخر، عند قراءة أخبار/معلومات، اجتهد وفكر في مصدرها، فعلى سبيل المثال؛ The New York Evening موقع إخباري مزيف ويختلف عن New York Time. من الضروري أيضاً أن تتحقق من تاريخ المعلومات التي تمر بها، فقد يستمر تداول العديد من القصص المزيفة بعد سنوات من إنتاجها. واعلم أن العديد من عناوين الأخبار مصممة لجذب انتباهك لذلك أنصحك بقراءة ما وراء العنوان الرئيسي للتأكد من أن القصة في حقيقتها كما تبدو في العنوان. كما أن ما يتم اقتراحه عليك من أخبار هو نتيجة تحليل خوازميات حاسوبية مستمر، للمحتوى المستهلك من قبلك، ما يعني أنك تتعرض للمعلومات التي تتوافق مع توجهاتك. وأخيراً، الادعاءات غير العادية تتطلب أدلة غير عادية، لذلك ابذل قصارى جهدك للتحقق من صحة المعلومات من خلال مصادر موثوقة، وخاصةً قبل مشاركتها مع الآخرين.
المصادر