اتّخذت العديد من الدول حول العالم من الأخبار الزائفة ذريعة لقمع الصحافة، خاصة بعد جائحة فايروس كورونا المستجد وحظر نشر الأخبار الكاذبة حوله؛ فقد شكّلت جائحة كورونا مناخاً يعرّض كل الحريات والمظاهر الديمقراطية للخطر بسبب إجراءات الطوارئ والتشدد التي فرضها واقع السيطرة على انتشار الفايروس في أكثر من 100 بلدٍ حول العالم.
ومع العزلة التي فرضها المرض على الناس، باتت الأخبار الكاذبة في العديد من بلدان العالم العربي تتسرّب بشكلٍ مخيف لتنشر أجواء من الهلع والخوف من المرض أو لتخلط الحقائق حول الفايروس، ما جعلها ذريعة سهلة وقوية في الوقت ذاته لممارسة مظاهر القمع.
ودان مدافعون عن حرية الصحافة لجوء حكومات عدة في جميع أنحاء العالم إلى منع الصحافيين من العمل تحت ذريعة مكافحة وباء كوفيد -19 الذي لم يكن قطاع الإعلام بمنأى عن التأثر به.
وازداد الوضع تعقيداً بعد تدابير العزل التي عقّدت عمل الصحافيين. بخاصة أن الأزمة قد تضر اقتصادياً بالعديد من وسائل الإعلام، ما يهدد استقلاليتها، وقد تلجأ بعض وسائل الإعلام إلى الرقابة الذاتية كي لا تقلق متابعيها أمام انتشار معلومات كثيرة مؤكدة أو غير مؤكدة على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا تزيد الأمور تعقيداً.
نماذج من القمع
في هانغاريا، دعا رئيس الوزراء فيكتور أوربان الى التصويت لصالح تدابير طارئة تتوعد بعقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنواتٍ لمن يدان بنشر أخبار زائفة حول الوباء أو الإجراءات الحكومية، في ظل قلة وسائل الإعلام المستقلة التي توجّه لها باستمرار مثل هذه الاتهامات، وحسب خبر وكالة الأنباء الفرنسية فقد صادق برلمان هنغاريا في الثلاثين من مارس/ آذار 2020 على قانون ينص على فرض أحكامٍ بالسجن على أي شخص ينشر "الأخبار الكاذبة" حول الفايروس أو حول إجراءات المكافحة، ما يثير مخاوف جديدة بشأن حرية الصحافة في البلاد بسبب سياسات رئيس الحكومة أوربان التي تثير جدلاً في الاتحاد الأوروبي.
في تركيا، استدعت الشرطة عشرة صحافيين يُشتبه في أنهم "نشروا الذعر والخوف"، وفقاً لمنظمة "مراسلون بلا حدود".
وفي تركمانستان، حظر استخدام فايروس كورونا ببساطة ضمن مفردات وسائل الإعلام الحكومية، الأمر الذي اعتبرته المنظمة غير الحكومية "إنكاراً يُهدد التركمان الأكثر ضعفاً" و"يُعزز النظام الاستبدادي".
في بيلاروسيا، اعتقل الصحافي سيرجي ساتسوك في 25 مارس/ آذار من العام المنصرم، بعد ثلاثة أيامٍ من نشر افتتاحية حول فايروس كورونا، وأربعة أيامٍ من طلب الرئيس الكسندر لوكاشينكو من المخابرات ملاحقة من ينشرون معلومات حول الفايروس. واتهم الصحافي "بالفساد"، وهو يواجه السجن سبع سنواتٍ في حال إدانته.
كذلك، طاردت الشرطة في جمهورية الكونغو الديموقراطية مراسلاً لإحدى القنوات التلفزيونية ودفعته عن دراجته النارية، بينما كان يعد تقريراً عن العزل، بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، التي أشارت إلى حالاتٍ أخرى في السنغال وفي أوغندا.
أما في روسيا، فالهيئة الروسية المعنية بتنظيم قطاع الاتصالات تتأهب لاعتماد مشروع مرسوم ينص على حجب أيّ محتوى يُقدم معلوماتٍ كاذبةٍ، علماً أن روسيا تشترط عدم نشر معلوماتٍ كاذبة في الشروط القانونية التي تفرضها على المدوّنين، وتعد محاربة المعلومات الزائفة من المواضيع المألوفة في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق. فهذا القانون، المُعتمد بحذافيره في عدة بلدان منها أوزبكستان، يترك باب التأويل مفتوحاً على مصراعيه مما يُمهد الطريق لفرض الرقابة على نطاق واسع.
وفي مصر اعتقلت السلطات المصرية العديد من الصحافيين في هذا السياق، كما حجبت عدد من المواقع الإلكترونية، وشددت العقوبات على وسائل الإعلام التي تنشر أخبار ترى السلطة بأنها مضللة.
وفي إطار المخاوف من نشر الأخبار الكاذبة أعلنت النيابة العامة المصرية، السبت 28 آذار/ مارس الفائت، أنها ستعاقب مروّجي الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة حول فايروس كورونا المستجد بالحبس وغرامة قدرها 20 ألف جنيه، ويرى بعض الناشطين وبعض المنظمات الحقوقية أنّ هذا يمكن أن يتطور إلى تضييق على حريات الصحافة.
وظهر ذلك جلياً وسط أزمة وباء فايروس كورونا المستجد، عندما قررت السلطات المصرية سحب ترخيص صحيفة ذا غارديان البريطانية، على خلفية تقريرٍ عن حجم انتشار الوباء في مصر، مستنداً إلى دراسة تتنافى مع طبيعة الأرقام الرسمية التي تصدرها السلطات. وكشفت صحيفة ذا غارديان أن مراسلتها في مصر أُرغمت على مغادرة البلاد بعد مقال اعتبرت السلطات أنه يحمل "سوء نية". كما وجهت السلطات المصرية تحذيراً في السياق نفسه لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فيما استهدفت وسائل إعلام محلية شكّكت بالحصيلة الرسمية المتدنية لعدد المصابين بفايروس كورونا المستجد، حسبما نشر موقع فرانس 24 .
وقد أظهر أحدث تصنيف لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، بشأن حرية الصحافة في 2020، الصادر في 21 أبريل/نيسان الماضي، تراجع مصر إلى المرتبة 166 ضمن 180 بلداً في "مؤشر حرية الصحافة"، بعد تراجعها ثلاثة مراكزٍ عن ترتيبها في العام السابق.
تجدر الإشارة إلى أن "مؤشر حرية الصحافة" الذي تصدره المنظمة ذاتها، يُقيّم بحسب مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحافيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلاً عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آلياتٍ داعمة مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.
وأكدت المنظمة أن مصر استخدمت مكافحة "الأخبار الزائفة" ذريعة لتبرير حجب الصفحات والمواقع الإلكترونية من جهة، وسحب بطاقات اعتماد الصحافيين من جهة أخرى. وقالت المنظمة إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تبقى الأخطر على سلامة الصحافيين أثناء ممارسة مهنتهم.
وضمن أكثر من 546 موقعاً إلكترونياً حجبتهم السلطات المصرية منذ 2017، بلغ عدد المواقع الصحافية والإخبارية المحجوبة 108 مواقع، طبقاً لمنظمات حقوقية مصرية. ومن أشهر المواقع الصحافية المحجوبة موقع صحيفة "العربي الجديد"، ومواقع "مجموعة الجزيرة الإعلامية" و"الجزيرة الوثائقية" و"الجزيرة الإنكليزية"، و"عربي 21" الإخباري، و"ساسة بوست"، و"مدى مصر"، و"مصر العربية"، وصحيفة "البديل"، وصحيفة "البداية"، وصحيفة "بوابة يناير"، وموقع "حركة شباب 6 إبريل" الإخباري.
حرب مزعومة ضد الأخبار الزائفة
ولمواجهة قمع الصحافة وسط أزمة الوباء، أنشأت "مراسلون بلا حدود"، مرصداً للصحافة في أيام فيروس كورونا لتسليط الضوء على التهديدات، وأطلقت عليه مرصد19. كما دعت "لجنة حماية الصحافيين" إلى الإفراج عن جميع الصحافيين في السجون حول العالم.
وقال الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار "الرغبة في القضاء على الشائعات أمر مشروع. لكن هناك من يريد إسكات وسائل الإعلام التي تنشر معلوماتٍ صحيحة، والصدمة كبيرة الآن إلى درجة أن هذه التدابير يمكن أن تطّبق".
وأعرب كريستوف ديلوار عن قلقه العميق إزاء هذه الحرب المزعومة ضد الأخبار الزائفة، موضحاً أنها أصبحت أداة للدعاية في أيدي صيادي حرية الصحافة. وبطبيعة الحال، فقد بات من الضروري أكثر من أيّ وقتٍ مضى أن يفرِّق مستخدمو شبكة الإنترنت بين ما هو حقيقي وما هو وهمي في المعلومات المقدمة له، كما أكّد في الوقت ذاته أن المعركة ضد الأخبار الزائفة يجب أن تتم عبر تشجيع الإعلام الحر والمستقل، باعتباره القاطرة التي تنقل المعلومات الموثوقة والأخبار التي تستوفي شروط الجودة الصحافية.
المصادر: