في عصرنا الحالي، لا مفر من استخدام التكنولوجيا والإنترنت تقريبًا في كل شيء، أما بالنسبة لقطاع التعليم والطلاب فيعدّ اللجوء إلى مصادر المعلومات الإلكترونية مهمًا وحتميًّا. ومن الضروري معرفة وإدراك المعلومات الكاذبة والأخبار المزيفة المنتشرة في فضاء الإنترنت وتمييزها عن المعلومات الحقيقية. ولكن، هل خداع الطلاب بالمعلومات المضللة سهل كخداع العامة أم أنهم أكثر وعيًا ومعرفة بالتمييز بين المعلومات الخاطئة والصحيحة؟
يُعدّ أهم طرفين في معادلة التعليم في مواجهة المعلومات الزائفة هما الطلاب وهيئة التدريس، إذ يقع على عاتقهما تطوير التفكير النقدي وزيادة الوعي بخصوص المعلومات الزائفة أو المضللة. وفي دراستين، إحداهما طُبقت على الطلاب في عدد من الولايات الأميركية وبمختلف المراحل الدراسية، والأخرى على هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا، كانت النتائج مُخيفة لعدم تمييز الطلاب بين المعلومات المضللة والمعلومات الحقيقية من جهة، وعدم إجماع الهيئة التدريسية على وضع تعريف شامل وواضح للمعلومات الزائفة من جهة أخرى.
فكيف يتعرض الطلاب للخداع بالمعلومات الزائفة؟
في الحقيقة، توجد عدّة طرق يتعرض فيها الطلاب للمعلومات المضللة أو الخاطئة، ويجب على المُدرسين الدراية بها لمحاولة التعامل معها ومساعدة طلابهم على تطوير مهارات التفكير النقدي.
فمثلًا، يؤدي فيض المعلومات (information overload) إلى التأثير على اتخاذ القرارات، إذ يصل الطلاب إلى نقطة "اللا عودة" وتصبح قدرتهم المُعالِجة للمعلومات أقل كفاءة ما يدفعهم لاتخاذ قرار بصورة أقل صوابًا. وهذه الحالة الطبيعية بسبب كثرة المعلومات المتوفرة بين أيديهم ما يدفعهم للجوء إلى خيار يعرفونه مسبقًا أو عدم اختيار شيئًا البتة.
وبالمثل، فإن مبدأ الجهد الأقل (Principle of Least Effort) هو ظاهرة منتشرة جدًا، حين يفضّل الطلاب الاعتماد على المراجع سهلة الوصول خلال بحثهم عن المعلومات، بصرف النظر عن مناسبتها أو قيمتها الفكرية. وذلك لعدم قدرتهم أو رغبتهم بأخذ الوقت الكافي للتأكد من صحة ومناسبة المعلومات. وبالتالي، قد يقبل الناس الأخبار المزيفة على أنها حقيقة بسبب الإرهاق في مواجهة وكشف وفرة المعلومات.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد المعلومات الزائفة الناتجة عن الخطاب العامّ المسموم والمغالطات المنطقية. ففي الحقيقة، لا يقتصر فيض المعلومات على توجيه الأشخاص للقيام بخيارات غير عقلانية، إنما قد يُسمَّم الخطاب العامّ بحشوه بالمغالطات المنطقية التي قد لا يستطيعون تحديدها. وفي الواقع، فإن سبب اعتقاد الناس بما لا يُصدق يعود إلى أن التجارب التي تُسبب قلقًا أو فقدان السيطرة تُحفز رؤية أنماط غير موجودة واستحضار تأويلات تآمرية، وبالتالي يجد الأشخاص أنفسهم عند التعرض لكمية كبيرة من المغالطات المنطقية بين موقفين: إما موقف الساذج، الذي يعتقد بعدم وجود مؤامرات وأن كل شيء صحيح، أو موقف الساخر الذي يعتقد أن كلّ شيء مؤامرة، وبالتالي كل شيء كاذب أو غير صحيح.
نتائج واقعية ولكن صادمة!
كانت نتائج الدراسة المُطبقة على الطلاب صادمة إذ وضحّت أن طلاب المدارس الإعدادية لم يميّزوا بين الإعلانات العادية والمقالات، أما طلاب المدارس الثانوية فمعظمهم قبلوا بعض الصور كما قُدمت لهم دون أي تحقق. وواجه طلاب الجامعات صعوبة في ملاحظة وجود تحيّز محتمل في تغريدة من مجموعة ناشطة. ولاحظ عدد قليل منهم أن التغريدة استندت إلى استطلاع أجرته شركة استطلاعات رأي مهنية، مما قد يجعلها مصدرًا جيدًا. وأكثر من نصف الطلاب لم يفتحوا الرابط داخل التغريدة قبل تقييم فائدة البيانات. هذه النتائج دليل على فشل تقييم مصداقية المعلومات بصورة فعالة وعدم التمييز بينها وبين المعلومات المضللة.
في المقابل، في دراسة تجريبية على شكل استبانة، اختيرت فئة من الهيئة التدريسية في جامعة ولاية كاليفورنيا على أساس أنهم خط الدفاع الأمامي لمواجهة المعلومات الزائفة ولتطوير التفكير النقدي عند الطلاب، بالذات في مرحلة التعليم العالي.
وتنوعت نتائج هذه الدراسة، إذ اختلف تركيز الأقسام المُشاركة في الدراسة، فمثلًا كان قسم اللغة الإنجليزية الأكثر اهتمامًا بالإجراءات المتخذة لمكافحة نشر الأخبار الزائفة متبوعة بالدافع وراءها. ولا يبدو أن تعريف الأخبار المزيفة يتضمن وسائل النشر. أما قسم العلوم السياسية كان الأكثر اهتمامًا "بالفاعلين"، أي مبتكري أو مولدي المحتوى المضلل ومُشغلي السلطة. كان قسم الأحياء هو الأقل اهتمامًا بـ"الفاعلين" والدافع. ومع ذلك، كان هذا القسم معنيًّا جدًا بالإجراءات التي تم اتخاذها ووسائل النشر. وأخيرًا، كان قسم العلوم الصحية معنيًّا بوسائل النشر ونوع المحتوى. وكان أعضاء هيئة التدريس في هذا القسم مهتمين عمومًا بكيفية وصول المعلومات المتعلقة بالصحة إلى الجمهور الأوسع. ومع ذلك، لم يذكر هذا القسم الإجراءات التي تم اتخاذها، على الرغم من مشكلات الصحة العامة المستمرة التي تؤثر بشكل مباشر على الأشخاص، مثل اللقاحات ومراقبة الأسلحة.
وبالتالي بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس، لا تقع مسؤولية الأخبار المزيفة على عاتق الطلاب. وإنما تقع مسؤولية إصدار معلومات دقيقة على عاتق المبدعين والناشرين. كما أجاب 93% ممن شاركوا في الاستبانة أنهم تعرضوا للأخبار الكاذبة في وسائل التواصل الاجتماعي. وقال 67% منهم إنهم لا يجدون أنفسهم عرضة للأخبار الكاذبة كأكاديميين وعلماء.
آثار المعلومات الزائفة على التعليم
من المهم تطوير مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب وذلك لتقييم حججهم وحجج الآخرين، والوصول إلى قرارات عقلانية حول القضايا المعقدة على مستوى التعليم أو الحياة بصورة عامة. ولتوسيع فهمهم وإدراكهم للقوى الاجتماعية القوية والتي تعمل على إسكات الآخرين وتقييد حرياتهم.
ويعتمد التفكير النقدي على مبدأ الانتقائية للمعلومات الصحيحة والحفاظ على الشك لدراسة المعلومات المختلفة والتفكير فيها. بالإضافة إلى أن التفكير النقدي يساعد الطلاب على معرفة خصائص المعلومات المزيفة وتمييزها عند التعرض لها. غير أنه لا يوجد إجماع على كيفية تدريس المهارات النقدية ضمن البرامج الدراسية المختلفة.
وعلى الرغم أن مسألة الأخبار المزيفة مصدر قلق لجميع أعضاء هيئة التدريس تقريبًا (88 ٪)، مما يشير إلى أن الأخبار المزيفة هي مشكلة منتشرة في التعليم العالي تؤثر على الجميع، إلا أن تعريف الأخبار المزيفة في حد ذاته ليس موحدًا، ويتم تصوره بشكل مختلف من خلال التخصصات المختلفة، مما يؤدي إلى مجموعة من الأساليب والتفاهمات.
إذًا فجميع الأشخاص معرضون للخداع بالمعلومات المضللة، وقد يكون الفرق بين الطلاب أو الأكاديميين وبين عامة الناس، توجيه المدّرسين والأساتذة لهم وتطوير قدراتهم النقدية، وبالتالي زيادة الوعي وتغيير أسلوب التفكير.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
باستخدام الملصقات والحظر.. تويتر يكافح التضليل عن لقاح كورونا