تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شائعات ومعلومات مضللة حول سلامة اللقاحات بشكل مستمر، وكان من أبرزها شائعات حول سلامة لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، الذي يُستخدم للوقاية من سرطان عنق الرحم.
وقد زعمت بعض مقاطع الفيديو والمنشورات أن هذا اللقاح يسبب فشل المبايض والعقم لدى النساء وغيرها من الأمراض، ولوحظ أن هذه الادعاءات تثير قلقًا واسعًا لدى الجمهور، وخاصة بين النساء وأولياء الأمور.
ماهو فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)؟
فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) هو مجموعة من الفيروسات التي تصيب الجلد والأغشية المخاطية وتعد من أكثر أنواع العدوى الفيروسية شيوعًا. ينتقل الفيروس غالبًا عن طريق الاتصال الجنسي أو التلامس المباشر مع الجلد المصاب، وقد يظل في الجسم دون أعراض لسنوات، مما يزيد من احتمالية انتقاله دون معرفة المصاب بوجوده.
تتألف عائلة HPV من أكثر من 200 نوع مختلف يمكن تصنيفها إلى مجموعتين رئيسيتين: الأنواع منخفضة الخطورة التي تسبب عادةً الثآليل الجلدية أو التناسلية، والأنواع عالية الخطورة التي ترتبط بالإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، مثل سرطان عنق الرحم وسرطانات أخرى في الجهاز التناسلي، والفم، والحلق.
معدل الإصابة بفيروس الورم الحليمي والانتشار الجغرافي
تشير التقديرات إلى أن نحو 80% من الأشخاص النشطين جنسياً قد يُصابون بنوع واحد على الأقل من فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) خلال حياتهم.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تحدث حوالي 300 مليون إصابة جديدة بفيروس HPV سنويًا. ويرتبط هذا الفيروس بأكثر من 95% من حالات سرطان عنق الرحم، مع تشخيص حوالي 570,000 حالة جديدة سنويًا، تؤدي إلى وفاة نحو 311,000 شخص حول العالم. وتعد الأنواع 16 و18 من الفيروس من أبرز الأنواع المرتبطة بالسرطان، حيث تساهم في حوالي 70% من حالات سرطان عنق الرحم.
تسجل مناطق مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا معدلات مرتفعة للإصابة بسرطان عنق الرحم، ويرجع ذلك إلى محدودية توفر اللقاحات وخدمات الفحص الوقائي. وتُعزى هذه المعدلات إلى التحديات الصحية والاقتصادية التي تواجهها هذه الدول، مما يجعل تعزيز برامج الوقاية والتوعية أولوية صحية ملحة.
دور اللقاح في تقليل الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري
تلعب اللقاحات دورًا حيويًا في تقليل معدلات الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، وخاصة الأنواع عالية الخطورة المرتبطة بالسرطانات. تتوفر حالياً عدة لقاحات فعالة، أبرزها "جارداسيل" و"سيرفاريكس"، التي أثبتت فعاليتها الكبيرة في الوقاية من الأنواع الأكثر ارتباطاً بالسرطان، مثل HPV-16 وHPV-18، مما يقلل من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم بنسبة تصل إلى 70%.
توفر هذه اللقاحات حماية طويلة الأمد قد تمتد لعقود، مما يسهم في الحد من انتشار الفيروس على نطاق واسع. وتبرز فعالية اللقاحات بشكل خاص لدى الفئات الشابة، حيث تُعطى عادة للأطفال والمراهقين بين سن 9 و14 عاماً، وقد أظهرت الدراسات أن فعالية الوقاية من الفيروس في هذه الفئة العمرية تتجاوز 90%. إضافةً إلى ذلك، تسهم اللقاحات في خفض معدلات الإصابة بسرطانات أخرى مرتبطة بالفيروس، مثل سرطانات الفم والبلعوم والشرج، مما يساهم في تقليل معدلات الوفيات الناجمة عن هذه الأمراض الخطيرة.
هل يسبب لقاح فيروس الورم الحليمي العقم لدى النساء؟
استجابةً للمخاوف المتداولة حول تأثير لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) على الخصوبة، قامت اللجنة الاستشارية العالمية لمأمونية اللقاحات التابعة لمنظمة الصحة العالمية بمراجعة شاملة للأدبيات العلمية المتاحة. هدفت هذه المراجعة إلى التأكد من وجود أي علاقة سببية بين التطعيم ضد فيروس HPV وقصور المبيض الأولي (POI) أو أي مشاكل صحية أخرى قد تؤثر على الخصوبة وتؤدي إلى العقم.
أظهرت النتائج التي اعتمدت على اختبارات سريرة طويلة أن اللقاح لا يؤثر على الخصوبة ولا يسبب العقم. فالدراسات الموسعة أثبتت سلامة اللقاح، ولم تُرصد أي أدلة علمية تربط بين اللقاح وقصور المبيض أو العقم لدى النساء. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن لقاحات HPV آمنة وفعالة ويُوصى بها بشكل خاص للوقاية من السرطانات المرتبطة بالفيروس، مثل سرطان عنق الرحم، دون أن يكون لها أي تأثير سلبي على الصحة الإنجابية.
دراسات المتابعة ومراجعة الأدبيات من عام 2006
استجابةً للمخاوف المثارة حول لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وتأثيره على الخصوبة، أجريت مراجعة شاملة للأدبيات العلمية المتاحة. منذ أول ترخيص للقاحات HPV في عام 2006، تم تنفيذ العديد من الدراسات اللاحقة في أكثر من 160 دراسة عالمية شملت اللقاحات ثنائية التكافؤ (من إنتاج GlaxoSmithKline) ورباعية وتساعي التكافؤ (من إنتاج Merck & Co).
أكدت هذه الدراسات أن لقاحات HPV تتمتع بملف سلامة عالٍ ولم تُظهر أي إشارات خطيرة مرتبطة بالسلامة على الخصوبة أو الصحة الإنجابية. الآثار الجانبية الشائعة مثل الحساسية (anaphylaxis) والإغماء (syncope) تم رصدها، لكنها نادرة وغير مرتبطة بتأثيرات دائمة.
ومع ذلك، أدى القلق العام من بعض المعلومات المضللة إلى انخفاض معدلات التطعيم في بعض البلدان، مما يبرز أهمية التوعية بالسلامة المؤكدة لهذه اللقاحات من قبل منظمات صحية مرموقة، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، التي تواصل دعم استخدام لقاحات HPV لفعاليتها في الوقاية من أنواع السرطان المرتبطة بالفيروس.
دراسات حول العلاقة بين التطعيم وقصور المبيض الأولي (POI)
منذ عام 2012، ظهرت بعض تقارير حالات فردية ربطت بين لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وقصور المبيض الأولي (POI)، وهو اضطراب يتمثل في انخفاض وظائف المبيض قبل سن الأربعين. لإيضاح هذه العلاقة المحتملة، أجريت مراجعة منهجية شملت 608 مقالات علمية، وبعد استبعاد المقالات المكررة وغير ذات الصلة، تم الاحتفاظ بتسع مقالات فقط لمراجعة دقيقة. تناولت سبع من هذه المقالات العلاقة بين لقاح HPV وقصور المبيض الأولي، بينما ناقشت مقالتان تأثير اللقاح على الحمل.
خلصت اللجنة الاستشارية العالمية لمأمونية اللقاحات إلى أن الأدلة الواردة في هذه الدراسات لا تدعم وجود علاقة سببية بين لقاح HPV وقصور المبيض الأولي. ولم يتم العثور على أي إشارات سريرية قوية تشير إلى تأثير ضار مباشر على الخصوبة. وقد أكدت هذه النتائج على سلامة اللقاح، مما يعزز ثقة المؤسسات الصحية الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في الاستمرار بتوصياتها حول فعالية وأمان لقاح HPV في الوقاية من السرطانات المرتبطة بالفيروس، دون تأثيرات سلبية على الصحة الإنجابية.
الدراسات الوبائية حول تأثير اللقاح على الخصوبة
تشير الدراسات الوبائية إلى عدم وجود تأثير سلبي للقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) على الخصوبة، سواء في البشر أو التجارب الحيوانية. على سبيل المثال، أُجريت دراسة مستقبلية في كندا والولايات المتحدة شملت مجموعة من النساء اللواتي يخططن للحمل، وأظهرت النتائج عدم وجود أي ارتباط بين تلقي لقاح HPV والقدرة على الإنجاب، مما يدعم سلامة اللقاح ويؤكد عدم تأثيره على الخصوبة.
علاوة على ذلك، أظهرت دراسة قائمة على بيانات وطنية للمرضى في الولايات المتحدة أنه لم يُسجّل أي زيادة في حالات دخول المستشفيات بسبب مشكلات قصور المبيض لدى الفتيات في الفئة العمرية 15-17 عامًا بعد اعتماد لقاح HPV. وقد عزز هذا التحليل ثقة الخبراء في سلامة اللقاح وعدم وجود ارتباط بينه وبين قصور المبيض في هذه الفئة العمرية.
كما دُعمت هذه النتائج بدراسة أجريت ضمن شبكة بيانات سلامة اللقاحات في الولايات المتحدة لتحديد أي علاقة محتملة بين لقاح HPV وقصور المبيض الأولي، ولم تجد الدراسة أي صلة بينهما، مما يضيف المزيد من الأدلة على سلامة اللقاح في هذا السياق الحساس والمتعلق بالخصوبة.
وبالإضافة إلى الدراسات البشرية، أجريت تجارب متعددة على القوارض لتقييم تأثير اللقاح على الخصوبة، ولم تجد أي من هذه الدراسات تأثيرات سلبية على الخصوبة لدى الحيوانات التي تلقت اللقاح. تعزز هذه النتائج الأدلة العلمية الداعمة لسلامة لقاح HPV وتؤكد عدم تأثيره السلبي على الخصوبة.
اللقاح ضد الورم الحليمي البشري
ختامًا تدعم الأدلة العلمية سلامة لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وفعاليته في الوقاية من السرطانات المرتبطة بالفيروس، مثل سرطان عنق الرحم، دون أن يكون له تأثير سلبي على الخصوبة أو الصحة الإنجابية. أظهرت العديد من الدراسات الشاملة والمراجعات المنهجية التي شملت آلاف المشاركين عدم وجود ارتباط بين لقاح (HPV) وحالات قصور المبيض الأولي أو مشاكل الخصوبة الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تؤكد الدراسات المستمرة على أمان اللقاح على المدى الطويل، مما يعزز الثقة ببرامج التطعيم. ومع استمرار بعض المخاوف حول سلامة اللقاحات، توفر المراجعات المستمرة من قبل مؤسسات مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) مصدر اطمئنان ودعم للجهود الرامية إلى توسيع نطاق استخدام اللقاح لحماية الأجيال من السرطانات المرتبطة بفيروس (HPV).
اقرأ/ي أيضًا
ما آليات المؤسسات الصحية في مواجهة المعلومات الطبية المضللة؟
الأخبار الكاذبة حول لقاح كورونا تزعزع الثقة به وتؤخر عودة الحياة لطبيعتها