تحقق "مسبار"، من النقاشات التي وردت على لسان المتدخلين في الحلقة الأولى المباشرة من "زعمة TownHall"، التي نظمتها مبادرة مناظرة، واختارت القانون 52 لعام 1992 المتعلق بتجريم المخدرات في تونس، موضوعًا لها، بعنوان "نبدلو القانون 52 باش".
ومبادرة مناظرة هي منظمة غير ربحية، تأسست بهدف توسيع النقاش الحر حول المنطقة العربية. تسعى، وفق تعريفها، إلى بناء مجال عام مفتوح و ديمقراطي في العالم العربي؛ من خلال تحفيز النقاش العقلاني، مع تسليط الضوء على أصوات النساء والشباب والأقليات.
شارك في النقاش الذي بُث يوم 14 مارس/آذار الجاري، خبراء وناشطون في المجتمع المدني وممثلون عن السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، علاوة عن الشباب المتسابقين. وتطرقت الحلقة إلى التداعيات الاجتماعية والقانونية والصحية للقانون 52.
ويأتي الجدل في تونس مؤخرًا حول هذا القانون، بعد الحكم على ثلاثة شبان تونسيين بالسجن 30 سنة فى قضية تعاطي مادة القنب الهندي (الزطلة)، في قاعة ملابس ملعب رياضي في مدينة الكاف، قبل أن تصدر محكمة الاستئناف حكمها بتخفيف الأحكام من ثلاثين عامًا إلى مدة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى سنتين سجنًا.
أصل المشكل؟
ذكرت المُشارِكة وصال عبود خلال مداخلتها ضمن فقرة أصل المشكل، مقولة نسبتها للفيزيائي الألماني ألبرت آينشتاين "الغباء هو أن تفعل نفس الشي مرتين بنفس الطريقة وتتخيل نتيجة أخرى".
ووجد فريق التحقق أنه منتشر على نطاق واسع ومنسوب للعالم الفيزيائي، بالصيغة التالية "الغباء (الجنون) هو أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد مرة ثم تنتظر نتائج مختلفة".
يُعد هذا الاقتباس المفضل لدى السياسيين، لكن لا دليل على أنّ أينشتاين صاحب هذه المقولة، كما نُسب إلى بنجامين فرانكلين أيضًا، دون دليل على أنّه قال هذه العبارة.
وتبين أن كتاب "The Ultimate Quotable Einstein" وهو مصدر موثوق لأقواله، اعتبر الاقتباس إسنادًا خاطئًا، وذكر استخدامه في رواية ريتا ماي براون لعام 1983 "الموت المفاجئ".
وأشار إلى أنه استخدم في مصادر أخرى مختلفة ورجح أن تاريخ قوله أقدم.
وقال النائب عن التيار الديمقراطي زياد الغناي، في تدخله إنّ "أول شيء يجب القيام به هو دراسة ثقافية لهذه المادة الممتدة منذ القرن التاسع عشر، منذ 1814 كانت محل نقاش واسع بين النخب السياسية".
لكن المعطيات التاريخية مضللة، ووفق عبد الواحد المكني، الذي وثق تاريخ المادة المخدرة في تونس، في "الظواهر الاستهلاكية الجديدة في المجتمعات المغاربية في الفترة الاستعمارية: الشاي و التكروري بالبلاد التونسية"، يعود ظهور التكروري إلى مطلع القرن السابع عشر على الأقل وتم استهلاكه مثل القهوة و الدخان في إطار عمومي.
وبين أن ظهور الجدل حول التحريم و التحليل كان في مطلع القرن الثامن عشر، و أشار إلى أنه في مطلع القرن التاسع عشر كان مخدر التكروري محل تجارة مربحة و موسعة لبعض أعيان التجار و المخزن، و هو ما أدّى بعثمان باي سنة 1814 إلى حرق و إتلاف كميات كبيرة، بعد اتهامه باستهلاكه، فأقر منع بيعه.
وقال الغناي إن أول مرة جرم فيه التكروري كان عام 1953 وهذا صحيح، إذ إن أول أمر علي متعلق بتجريم استهلاك التكروري، صدر بتاريخ 23 أبريل/نيسان عام 1953.
وأضاف أن أول معالجة للقانون كانت في عام 1998، إلا أن أول معالجة للقانون كانت عام 1995 بإضافة الفصل 19، وينص على أنه "للمحكمة أن تكتفي بإخضاع الطفل في جرائم الاستهلاك أو المسك لغاية الاستهلاك للعلاج الطبي الذي يخلصه من التسمم أو للعلاج الطبي النفساني الذي يمنعه من الرجوع إلى ميدان المخدرات أو للعلاج الطبي الاجتماعي أو لأي من التدابير المنصوص عليها بالفصل 59 من مجلة حماية الطفل".
المحامي التونسي والحقوقي غازي مرابط، قال في مداخلته، إن الدولة التونسية ليست منتجة للمخدرات، وهذا القول يصحّ فقط منذ منتصف القرن العشرين، إذ كانت الدولة التونسية منتجة لمادة القنب قبل الحقبة الاستعمارية الفرنسية وبعدها، لكن منذ منتصف القرن العشرين اتبعت نهجًا مختلفًا، وفق تقرير نشرته المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، حول اتجاهات الإنتاج والاتجار واستهلاك المخدرات في شمال إفريقيا، عام 2020. وقامت تونس بفرض حظر صارم على الزراعة، ولا توجد فيها اليوم مناطق أو مجتمعات تعتمد اقتصاديًا على زراعة القنب.
في المقابل، كشف التقرير عن عمليات صغيرة متنامية في تونس لزراعة القنب، معظمها تقع في المناطق الريفية في غربي وشمال غرب البلاد.
وأفاد أنه من الممكن يتوسع إنتاج القنب في البلاد، في حال تضاؤل جهود الحكومة في المراقبة، إما بسبب الحسابات السياسية أو التحويل الاهتمام الأمني.
وذكر مرابط في مداخلته إنه عام 1875 صدر أمر علي لزراعة التكروري، وهذا غير صحيح لأن الأمر العليّ الذي أصدره محمد الصادق باي، جاء لمنع زراعة التكروري وليس العكس.
الجانب الاجتماعي
قال جهاد الحاج سالم، المختص في علم الاجتماع، إن 12 ألف تونسي يجتازون الحدود كل عام وهذا غير صحيح.
إذ وفق إحصائية نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، فإن عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين الذين وصلوا إلى إيطاليا عام 2020، بلغ 12 ألفًا و883 مهاجرًا. فيما لم يتجاوز عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين الواصلين إلى إيطاليا عام 2019، 2654 مهاجرًا مقابل 5266 مهاجرًا عام 2018، وكان أكبر عدد مسجل لعدد المهاجرين عام 2011، نحو 28 ألف مهاجر غير نظامي، وفق المصدر ذاته.
كما قال الحاج سالم في مداخلته إن 350 ألفًا من أصحاب الشهائد العليا عاطلون عن العمل في تونس، وهذا الرقم يحتوي على إثارة. إذ أفرزت نتائج المسح الوطني حول السكان، أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 281.0 ألفًا في الثلاثية الثالثة لعام 2020، مقابل 285.4 ألفًا في الثلاثي الثاني و 258.6 ألفًا في الثلاثي الأول. وهي آخر إحصائية رسمية نشرت حول الموضوع.
الجانب الصحي
في إجابتها على أسئلة حول الفوائد الطبية للقنب الهندي، قالت الدكتورة أميرة خليفة، عن الجمعية التونسية لطب الإدمان، إنّ هنالك دراسات أثبتت أن للمادة فوائدًا تتمثل في تخفيض الآلام بالنسبة للأمراض الثقيلة جدًا. وهذا صحيح لكن غير دقيق، فوفق منظمة الصحة العالمية، أظهرت العديد من الدراسات الآثار العلاجية للقنب في المراحل المتقدمة من الأمراض مثل السرطان والإيدز.
وتم إثبات الاستخدامات العلاجية الأخرى للقنب من خلال الدراسات الخاضعة للرقابة، بما في ذلك علاج الربو، وكمضاد للاكتئاب ومحفّز للشهية وأكدت أنه ينبغي أن يستمر البحث في هذا المجال.
وفي تقرير لها عام 2015، قالت المنظمة إنه رغم استخدامه كدواء لتخفيف الألم والاضطرابات، لا تزال الفوائد الطبية للقنب موضوع نقاش عالمي، كما كانت منذ ما يقرب من 150 عامًا.
ووفق دراسة نشرها موقع معاهد الصحة الوطنية الأميركية عام 2020، حول استخدام "الماريوانا الطبية"، وجد أن الحاجة ما تزال ملحّة للبحث حول الفوائد الطبية المحتملة للقنب.
وأكدت أنه لا يُعرف سوى القليل عن التأثير طويل المدى لاستخدامه من قبل الأشخاص المصابين بالسرطان أو الإيدز أو أمراض القلب والأوعية الدموية وتصلب الشرايين، أو غيرها من الأمراض العصبية.
من جانب آخر، أظهر تقرير الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات، أن اعتماد بعض الدول تشريعات تؤيد استخدام القنب لأغراض طبية وحديثًا لأغراض غير طبية وإباحة تعاطي القنب في دول أخرى، أدى إلى تقليل ما يتصوره الشباب من مخاطر تتعلق بالجوانب الاجتماعية أو الوجدانية أو البدنية لتعاطي مواد الإدمان.
وتوجد أدلة على أن هذه التصورات الخاطئة، وفق التقرير، يمكن أن تؤدي إلى بدء التعاطي في صفوف الشباب.
وبحسب تقرير 2018 للجهة ذاتها، فقد تزامنت التشريعات الأميركية مع تفاقم في تعاطي جرعات زائدة من المواد الأفيونية في الولايات المتحدة، إذ تم الإبلاغ عن وفاة أكثر من 70 ألف شخص بجرعات زائدة من المخدرات. كما شهد إنتاج الكوكايين في أمريكا الجنوبية تزايدًا ملحوظًا، يبدو أنه يؤثر على أوروبا وأمريكا الشمالية، وفق التقرير.
هذا بالإضافة إلى ظهور 51 مؤثرًا نفسيًّا جديدًا لأول مرة في الأسواق الأوروبية عام 2017.
وفي حديثها، قالت صبرين الدراجي وهي ممثلة عن الجمعية التونسية لمقاومة السيدا، إنه لا يوجد أي مركز للعلاج في تونس، وهذا غير دقيق، إذ يوجد مركز الإصغاء والمساعدة لعلاج وتأهيل المدمنين في صفاقس، الذي تم إلحاقه عام 2019 بوزارة الصحة.
لكن المركز متوقف الآن، في انتظار إعادة فتحه بصيغته القانونية الجديدة وتسوية وضع العاملين فيه.
الحلول
أكد زياد غناي، على وجود قانون متكون من 39 فصل، في مجلس نواب الشعب لتنظيم مادة القنب، وهو تصريح غير دقيق، إذ لم يجد فريق التحقق مقترح القانون في الموقع الرسمي للمجلس، ضمن المشاريع المعروضة.
وتواصل الفريق مع الغناي للتأكد من تصريحه، وأكد أنه مطروح للنقاش بين الكتل والمجتمع المدني، أي خارج الإطار التشريعي.
*أُنجز التقرير بمشاركة جاسر الرياحي ووسيم جلال