اندلعت في أواخر عام 2020 مظاهرات واحتجاجات لاتّحادات المزارعين على قوانين جديدة اتّخذتها الحكومة هناك برئاسة ناريندرا مودي، لتحرير أسواق المنتجات الزراعية، ممّا سيؤثّر سلبًا على قرابة نصف سكّان البلاد، وتوسّعت رقعة الاحتجاجات مع بداية العام الجاري وتحوّلت لاشتباكاتٍ بين المتظاهرين وعناصر الشرطة الهندية، كانت نتيجتها مئات الإصابات.
وعلى شاكلة احتجاجاتٍ أخرى حول العالم، انتقلت قضيّة المزارعين إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ولاقت تضامنًا واسعًا في موقع تويتر، وكردٍّ على ذلك، قامت الحكومة الهندية بقطع شبكات الإنترنت عن عدد من المناطق المحيطة بالعاصمة الهندية، نيودلهي، واعتقلت الناشطين والصحافيين المعارضين بسبب تغريدات وصفتها السلطات هناك بأنّها "مضلّلة"، كما أعلنت أنّها ستقوم بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي تحت ذريعة "معاداة الوطن". وبعد أن توجّهت الحكومة الهندية لموقع تويتر بهذا الخصوص، استجاب الأخير وحظر ما يقارب 250 حسابًا هنديًّا متضامنًا مع احتجاجات المزارعين هناك بشكلٍ مؤقّت، أعاد تفعيلها بعد بضع ساعات، قائلًا إنّ تبرير الحكومة الهندية غير كافٍ لمواصلة تعليق الحسابات، وفي فبراير/شباط من العام الجاري، اجتمع ممثّل للحكومة الهندية مع مسؤولين في شركة تويتر، وقال ممثّل الحكومة الهندية في هذا الاجتماع إنّه على "تويتر" اتّباع قوانين الدولة، بغض النظر عن سياساته العامة، واتّهمه بتطبيق معايير مزدوجة مقارنةً بتعامله مع حادثة اقتحام الكونغرس الأميركي، وبدأ أنصار الحكومة هناك، بدعم من السياسيين، باستخدام منصّة تواصل اجتماعي، تُدعى "كو"، وسط دعوات لحظر "تويتر".
"كو" هي منصّة تدوين محليّة هندية، مشابهة لموقع تويتر، تُتيح متابعة الأشخاص ومشاركة المنشورات والمقاطع المصوّرة والصور، كما التواصل مع مستخدمين آخرين وإجراء استطلاعات الرأي، أنشأها رجل أعمال هندي قبل أكثر من سنة، تحديدًا في مارس/آذار عام 2020، لاستخدام المواطنين هناك، تحتوي على أكثر من 20 لغة، من ضمنها 5 لغات رسمية في الهند، وأكثر من 700 لهجة، تتصاعد شعبيّتها مؤخّرًا لدى الناشطين اليمينيين والوزراء في حكومة مودي. فعلى سبيل المثال، دعا وزير التجارة والصناعة الهندي متابعيه، والّذي يفوق عددهم الـ 9 مليون متابع، للتخلّي عن "تويتر" وإنشاء حسابات في "كو"، كما فعل ذلك العديد من فنّاني بوليوود المناصرين لحكومة مودي، فبين ليلةٍ وضحاها، احتلّت هذه المنصّة عناوين الصحف والمواقع، ووصل عدد المستخدمين فيها 3 مليونًا بحلول شهر فبراير الفائت، كما حصلت على تمويلٍ بما يقارب 4 مليون دولار، وفي يناير/كانون الثاني المنصرم، أعلنت محطّة تلفزيون محلّية، تُدعى Republic TV عن شراكة مع "كو"، ممّا سيزيد من شعبية المنصّة.
وهنالك من يُشير إلى علاقة انتشار هذه المنصّة مع رؤية رئيس الحكومة الهندية، مودي، والّتي تروّج للاكتفاء الذاتي، والتركيز على الخدمات المصنوعة في الهند، حيث هنالك من يحلل أنّ وجود العديد من الوزراء والسياسيين الهنود هناك، هو مؤشّر لاستغناء الحكومة الهندية عن منصّة تويتر من خلال المنصة البديلة، وتقديم رسالة واضحة للشركة الأميركية.
لكن من المبكّر حاليًّا التنبؤ بمستقبل هذه المنصّة، كما بمستقبل وجود "تويتر" في الهند، لكنّ في حال توجّهت الحكومة لحظر موقع تويتر هناك، من الواضح أنّ المستفيد الأكبر سيكون "كو"، لكنّ، في ظلّ ارتفاع شعبيتها، تُثار الشكوك حول سياسات الخصوصية لديها، إذ أعلن باحثٌ فرنسيّ في مجال الأمن السيبراني أنّ التطبيق يقوم بتسريب البيانات الشخصية لمستخدميه، بالتالي، لا يكفي أنّ تدعم الحكومة الهندية بديلًا عن تويتر لاعتباراتٍ سياسية، إنّما عليها أن تهتم بتقليل المخاطر السيبرانية المُحتملة في هذه البدائل.
المصادر: