` `

التضليل العلمي المنظم ضد المناخ، ما القصة؟

خالد فرحات خالد فرحات
علوم
1 يوليو 2021
التضليل العلمي المنظم ضد المناخ، ما القصة؟
وقعت الجهود العلمية ضحيةً للتضليل والتضييق والتهميش (Getty)

يشهده العالم تقلباتٍ وتغيرات مناخية حادة، مثل تقلص الأنهار وانهيار الجبال الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر المتسارع، بالإضافةِ إلى موجات الحرارة المرتفعة وحرائقَ الغابات وغيرها الكثير.

ويعتقد العلماء أنَّ آثار الاحتباس الحراري ستستمر لعقودٍ طويلة، كما أن درجة الحرارة قد تزدادُ بمقدار 2.5 درجةٍ مئوية، وعلى الرغم من هذه الآثار التي باتت ملحوظةً للعيان، ورغم تحذيراتِ العلماء المستمرة، ما زال الكثير يؤمنون أن ظاهرة الاحتباس الحراري مجرد كذبة، ولا يعطونَ أهمية للتغير المناخي الحاصل، وقد يكون دور شركات النفط في منع العمل المناخي بمثابة مفاجأة للبعض.

يُعتبر قطاع الطاقة واحدًا من أكبر القطاعات الصناعية في العالم، وتحقق شركات النفط الكبرى وبشكل دوريٍ أرباحًا تقدر بمليارات الدولارات، من خلال استخراج وتوزيع النفط والغاز والفحم، كما أنه المسؤول الأول عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وبدلًا من اعترافها بالآثار الناجمة عن استخدامِ منتجاتها النفطية، عملت كبرى شركات النفط على خداع الرأي العام. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تعرضت جهود العلماء إلى التضييق، وبدعمٍ من صناع الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، سعت حملة منظمةٌ إلى تشويه سمعة العلم ومحاربة الحقائق العلمية التي تربط تغير المناخ العالمي بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى، وأدت حملات التضليل هذه إلى إثارةِ الارتباك حول البيانات العلمية، والتشكيكِ في نزاهة علماء المناخ، وزعزعة الإجماع على دور البشر في الاحتباس الحراري.

كُشِف أمر المنظمة بعد تسريب وثائق حساسة تُظهر تمويل شركاتٍ نفطية لحملات التضليل العلمي، موجهةٌ ضد علماء البيئة والمناخ، وتعمل على تضليل العامة من خلال تقديم معلوماتٍ مزيفة حول التغير المناخي.

 في ثمانينيات القرن الماضي، ناقشت شركات النفط مثل شركتي "شل" و"إكسون" تأثير الوقود الأحفوري على المناخ، حيث علمت أن حرق الوقود الأحفوري يؤثر سلبًا على المناخ، إلا أنها قد أقرت في جلسة تحقيق في الكونغرس عام 2019، بتنظيم حملات تضليلٍ علمي بمساعدة "علماء" من أجل تضليلِ الجمهور.

وبحسب منظمة اتحاد العلماء المهتمين، ومقرها الولايات المتحدة، تقوم العديد من الشركات الرائدة بشكلٍ روتيني بتسويق نفسها على أنها جزءٌ من حملات حماية المناخ، بينما تعمل بنشاطٍ خلف الكواليس لتقويض أو الحد من نطاق السياسات واللوائح المناخية - وهو تكتيكٌ يُعرف باسم "Greenwashing"، (مصطلح يشير إلى عملية خداع تقوم به الشركات لتبدو أنها صديقة للبيئة) - ولكن على الرغم من إعلاناتهم التي تروّج للطاقة المتجددة، لم تساهم أي من شركات النفط والغاز والفحم الكبرى بشكلٍ فعال في الحد من الانبعاثات.

لا يقتصر التضليل على ما تمارسه الشركات فحسب، بل إن صناع القرار السياسي أيضًا متورطون في ذلك، فقد سخر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من قضايا المناخ أكثر من مرة، ومع اندلاع حرائق كاليفورنيا، أنكر ترامب أن يكون للتغير المناخي علاقةً بذلك، إلا أنَّ الأمر لم يتوقف عند التصريحات، فخلال فترة رئاسته، نشر إثنان من موظفي البيت الأبيض سلسلةً من التقارير العلمية التي تنفي وجود تغيرٍ مناخي من صنع الإنسان، تحمل هذه التقارير شعار المكتب التنفيذي للرئيس الأميركي.

وتضمنت التقارير التي نشرت العديد من الادعاءات الكاذبة حول المناخ، بما في ذلك أن تغير المناخ يحدث بشكلٍ طبيعي بسبب نشاط الشمس وأن التلوث الذي يسببه البشر ليس مسؤولًا عن تغير المناخ، أن تأثيراتِ تغير المناخ ستكون معدومة أو ضئيلة، ممَّا ينافي الحقائق العلمية التي تؤكد أنَّ آثار التغير المناخي كبيرةٌ وستستمر لسنواتٍ طويلة.

قاموا بنشر التقارير على الإنترنت، قائلين: "يسر مكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا أن يقدم هذه الملخصات لتعزيز الفهم حول تغير المناخ من خلال التعلم من العلماء المتعلمين". ووصف الناشرون الأوراق بأنها "الحالة الراهنة للعلم في مواضيع مختلفة لتغير المناخ من كبار علماء المؤسسات الرائدة". 

كان أحد الناشرين البارزين ويليام هابر، وهو عالم فيزياء معروف بوجهات نظره المتعلقة بإنكار تغير المناخ.

يعمل الموظفون في مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتكنولوجيا، وهي واحدةٌ من المؤسسات العلمية المرموقة ذائعة الصيت، وعندما يقوم مسؤولان يحملان درجاتٍ علمية عالية، بنشر معلومات كاذبة على أنها حقائق علمية، فإن ذلك يقوض جهود الحد من الانبعاثات بلا شك.

وفي واقعةٍ أخرى يظهر حجم التدخل السياسي في قضايا المناخ، إذ قام مسؤولون من وزارة الطاقة الأمريكية بحظر وتهميش ما لا يقل عن 46 دراسة حول الطاقة النظيفة، والتي تبحث في شبكة الطاقة وتكامل مصادر الطاقة المتجددة، حيث فرض المسؤولون السياسيون عددًا من الإجراءات التي قوَّضت هذه الأبحاث، بما في ذلك عرقلتها من خلال عملية المراجعة السياسية، واستبدالها بالعروض التقديمية، وحجبِ الدراسات عن الجمهور. 

احتوت العديد من الدراسات المحظورة أدلة على فوائد مصادر الطاقة المتجددة مقارنةً بمصادر الطاقة التقليدية، إحدى الدراسات التي تم إجهاضها تُقدم حلولًا فريدة لاستغلالِ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتخزينها على هيئة "مياه سائلة" خلف السدود، وقد عكف العلماءُ على دراستها لمدة عامٍ كامل، إلا أنه تم إجهاضها في النهاية.

وقعت الجهود العلمية ضحيةً للتضليل والتضييق والتهميش، إلا أنَّ ذلك لا يعني أن العلم معطل، فما زال يحظى بمكانة رفيعة ومرموقة، ويشهد العالم تقدمًا علميًّا في مختلف المجالاتِ رغم ما يتعرض له من مضايقات، إلا أنَّ هناك معضلةً أخرى يواجهها العلماء، في عالم المجتمعات الافتراضية، تعاني أعمالهم من الانتقائية والتجاهل، وتقع عرضةً للتصفية وتحكم الخوارزميات، أو سوء الاقتباس الذي يحصل أحيانًا، والذي يعرض المستخدمين لفهم الحقائق العلمية بشكلٍ خاطئ، والذي يكون تصحيحها صعبًا في بعض الأحيان.

 ومن الأمثلة على ذلك، ذكر تقرير نُشر في مجلة نيو إنغلاند جورنال أوف ميدسن، ذكر فيه أنه رغم الاستخدام الواسع للمواد الأفيونية في المستشفيات، إلا أنها لا تسبب الإدمان" وهذا منافٍ للحقائق العلمية التي تقول بأن المواد الأفيونية تسبب الإدمان، سواء كانت تستخدم في المستشفيات أم في مكان آخر، تمت مشاركة التقرير مئات المرات، وعند إجراء عمليات التحقق العلمية، لم يتراجع عن نشره سوى 20% من مجموع المشاركين.

تحظى الأخبار الكاذبة عمومًا بانتباه الكثيرين، نظرًا لما تحمله غالبًا من إثارةٍ وتشويق، وعناوين مزخرفةٍ تجذب انتباه المستخدمين، ففي عام 2020، وبحسب موقع براندووتش، حظي تقرير يحتوي على معلومات مضللة بشأن المناخ على أكثر من أربعة ملايين تفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

في تقرير نشرته الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، ذكرت أن التدابير اللازمة لخلق كوكب أكثر صحة ومرونة - عن طريق الحد من الانبعاثات الكربونية والصيد الجائر والتهديدات الأخرى - سيكون من الصعب تنفيذها إذا استمروا في المعاناة من الهجمات المستهدفة على المستويين السياسي والاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا:

قوانين مكافحة الأخبار الزائفة في فلسطين
تحقّق مسبار من حلقة زعمة "الإعلام عرف يستغل حرية التعبير؟"

الأكثر قراءة