وسط أجواء احتفالية، وقبل أسابيع من الموعد المحدد، أعلنت إثيوبيا في 19 يوليو/تموز الجاري، اكتمال أعمال الملء الثاني لسد النهضة. وعلى وقع الأهازيج والأغاني الوطنية، بث الإعلام الرسمي الإثيوبي صورًا ومقاطع فيديو قال إنها للملء الثاني، فيما هنّأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مواطنيه على انتهائه، في تغريدة نشرها عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قال فيها: “مبارك الانتهاء من الملء الثاني لسد النهضة”.
وأعلنت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية (ENA)، نجاح إثيوبيا في تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه، قائلةً إنها السعة المستهدفة من الملء الثاني، بالإضافة إلى 4.9 مليار متر مكعب خُزّنت في الملء الأول، في يوليو 2020، وبذلك يصل إجمالي ما خُزّن من مياه خلف سد النهضة، 18.5 مليار متر مكعب، مع اكتمال ما يزيد عن 80% من بناء السد، وفقًا لـ"ENA".
في المقابل، استبق خبراء ومتخصصون مصريون، إعلان إثيوبيا اكتمال عملية الملء الثاني للسد، بتأكيدهم على فشل العملية، فخلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج الحكاية على قناة MBC، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن "إثيوبيا فشلت في عملية الملء الثاني للسد، لأنها لم تنجح إلا في تخزين ثلاثة مليار متر مكعب فقط من مياه النيل، بينما كان المستهدف هو 13.5 مليار متر مكعب". وأرجع شراقي الأمر إلى عدم اكتمال تعلية الممر الأوسط للسد إلى الحد المستهدف عند 595 متر، ووصوله بدلًا من ذلك إلى 573 متر.
من جانبه، قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والرئيس السابق لوحدة دراسات السودان وحوض النيل في المركز، إن إثيوبيا "أخفقت في الملء الثاني للسد". وأضاف رسلان في منشور على صفحته بموقع فيسبوك، أن "التخزين الأول والثاني بلغا معًا نحو سبعة مليار متر مكعب من المياه".
وأعقبت تعليقات الخبراء المصريين التي قالت إن عملية الملء الثاني لسد النهضة قد فشلت؛ احتفاءً من جانب عددٍ كبير من الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
الجانب السوداني أيضًا كان له نصيب من التعليق على عملية الملء الثاني، إذ قالت قناة الجزيرة، إن مصدرًا في وزارة الري السودانية، لم تُسمّه، رجّح أن زيادة منسوب المياه الواردة من النيل الأزرق بسبب عدم قدرة إثيوبيا على تخزين المياه في السد.
هذا وكانت وزارة الري والموارد المائية السودانية، نشرت في 18 يوليو الجاري، بيانًا عبر صفحتها في "فيسبوك"، قالت فيه إن هناك زيادةً متوقعة في وارد مياه النيل الأزرق.
هل فشل الملء الثاني أم نجح؟
ووسط كل هذه الادعاءات، تواصل "مسبار" مع الخبير المصري في السدود والهندسة المدنية، محمد حافظ، لسؤاله عن نجاح إثيوبيا من عدمه في عملية الملء الثاني. وقال حافظ إن الملء الثاني عملية لها شقان: فني وسياسي، مؤكدًا استحالة ما أعلنته وكالة الأنباء الإثيوبية من تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه في الملء الثاني، مشيرًا إلى أن صور الأقمار الصناعية أوضحت أن منسوب الكتلة الغربية وصل عند 574 متر تقريبًا، وهو نفس منسوب الممر الأوسط، ما يعني أنه أقل من المتوقع بـ21 مترًا، وبتخزين بلغ حوالي ثلاثة مليار متر مكعب بإجمالي ثمانية مليار متر مكعب في الملء الأول والثاني معًا.
وعلى ذلك، يقول حافظ إن إثيوبيا لم تنجح فنيًا في الوصول للتخزين المستهدف، لكنها في المقابل ستنجح، وفقًا لحافظ، في البدء بإنتاج الكهرباء خلال الفترة المقبلة من خلال توربينين اثنين، بالإضافة إلى الأهم، وفق حافظ، وهو “نجاح إثيوبيا سياسيًا في تحصين السد، حيث أصبح أمرًا واقعًا لا يمكن المساس به مطلقًا”، موضحًا أنه في هذه الحالة توجيه أي ضربة عسكرية للسد، قد يؤدي لحدوث ما أسماه بـ"تسونامي" سيُغرق قرى ويُدمر سدودًا في السودان.
يتفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، مع محمد حافظ، إذ قال في تصريحات صحفية أعقبت الإعلان عن انتهاء الملء الثاني، إن سد النهضة بذلك صار محصنًا ضد أي عمل عسكري، وأن أي ضربة عسكرية من شأنها أن تؤدي إلى تدمير مساحات شاسعة شرق السودان وصولًا إلى العاصمة الخرطوم، مع الإضرار بالسدود السودانية.
الملء الثاني فنيًا وسياسيًا
من آراء الخبراء، يمكن تقييم نتائج إعلان إثيوبيا الانتهاء من عملية الملء الثاني، على مستويين: فني وسياسي.
المستوى الفني: ويمكن تقييمه من خلال عاملين هما تخزين المياه وتوليد الكهرباء. وفي الإخطار الذي أرسلته لمصر بخصوص الملء الثاني، في السادس من يوليو الجاري، أعلنت إثيوبيا عزمها تخزين المياه على مرحلتين: الأولى في الشهر الجاري بمعدل 6.6 مليار متر مكعب من المياه، والثانية في أغسطس/آب المقبل، بمعدل 6.7 مليار متر مكعب، بإجمالي حوالي 13.5 مليار متر مكعب. لكن يبدو أن إثيوبيا عجزت عن الوصول إلى حد المرحلة الأولى المستهدفة (6.6 مليار متر مكعب)، واكتفت بثلاث مليارات متر مكعب فقط.
وفيما يخص توليد الكهرباء، الهدف الأساسي من بناء سد النهضة بحسب ما تعلنه إثيوبيا، إذ يعاني عشرات ملايين الإثيوبيين من عدم توافر الكهرباء، فرغم إعلان وزير المياه والري الإثيوبي سيليشي بيكيلي، أن مخزون المياه من عمليتي الملء الأولى والثانية كافٍ لتشغيل توربونين لتوليد الكهرباء خلال شهور قليلة، يشكك خبراء مصريون في قدرة السد على إنتاج الكهرباء في المستقبل القريب.
يُذكر أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت إثيوبيا البدء في أولى عمليات إنتاج الكهرباء من سد النهضة، في يونيو/حزيران 2021، وهو ما لم يتحقق إلى الآن.
وعلى المستوى السياسي: يتمثل التقاء المستوى السياسي بالمستوى الفني في أن الملء الثاني، وإن لم يكن عند المعدلات المستهدفة، فهو يُحصّن السد ضد أي هجوم عسكري محتمل من طرف دولتي المصب مصر والسودان، بسبب التأثير المدمر لذلك على السودان.
استطاعت إثيوبيا، وفق خبراء، أن تجعل سد النهضة أمرًا واقعًا، بما قد يعزز موقفها في المفاوضات السياسية خلال الفترة المقبلة.
المصادر: