أعلن المغرب توجهه "للمسعى القضائي" إثر نشر تقارير إعلامية تشير إلى احتمال تورطه في استهداف هواتف شخصيات عامة حول العالم، بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيما يعرف بـ"فضيحة بيغاسوس".
وقال المحامي المعين من المملكة لمتابعة القضية، في بيان أرسله إلى وكالة فرانس برس بتاريخ 22 يوليو/تموز الجاري، إن "المملكة المغربية وسفيرها في فرنسا شكيب بنموسى كلفا أوليفييه باراتيلي لرفع الدعوتين المباشرتين بالتشهير" ضد المنظمتين على خلفية اتهامهما الرباط بالتجسس باستخدام البرنامج الذي طورته شركة "إن إس أو" الإسرائيلية.
ومن المقرر عقد جلسة الاستماع الإجرائية الأولى في 8 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أمام دائرة قانون الصحافة، لكن من غير المتوقع أن تبدأ المحاكمة قبل سنتين تقريبًا.
جاء ذلك ، بعد نشر 17 وسيلة إعلامية دولية، بتاريخ 18 يوليو الجاري، تقارير تُفيد بأنّ سياسيين وصحفيين ومعارضين وفاعلين في المجتمع المدني، حول العالم، تعرضوا للتجسس بفضل برنامج اختراق الهواتف الذكية "بيغاسوس".
و يأتي ذلك، بعد أن حصل كل من ائتلاف "فوربيدن ستوريز" ومنظمة العفو الدولية على قائمة بخمسين ألف رقم هاتف اختارها عملاء لشركة "إن أس أو غروب" الإسرائيلية منذ 2016، بهدف القيام بعمليات تجسّس محتملة.
صحيفة "لوموند" الفرنسية أفادت أنّ أرقام هواتف للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحوالي 14 وزيرًا في حكومته كانت "على قائمة الأرقام التي اختارها جهاز أمني تابع للدولة المغربية يستخدم برنامج بيغاسوس للتجسس بهدف القيام بقرصنة محتملة".
وأضافت أنّ اهتمام العملاء في المغرب، تركز على الدائرة المقربة من الملك، وحتى الهاتف الذي استخدمه محمد السادس نفسه. فيما نفت شركة "إن أس أو"، الثلاثاء 20 يوليو الجاري استهداف الملك من قبل أحد موكليه، نظرًا لعدم إمكانية الوصول إلى هذه الهواتف.
وأشارت إلى أن اكتشافات "بيغاسوس" تستمر في كشف طبيعة النظام المغربي، على وجه الخصوص، دور ما أسمته بالرجل الرئيسي "عبد اللطيف حموشي رئيس جهاز الشرطة ومخابرات الأمن الوطني المغربي".
وأدانت المملكة المغربية ما وصفته بـ"الحملة الإعلامية المتواصلة، المضللة، المكثفة والمريبة التي تروج لمزاعم باختراق أجهزة هواتف عدد من الشخصيات العامة الوطنية والأجنبية باستخدام برنامج معلوماتي".
وقالت الحكومة إنّها "ترفض جملة وتفصيلًا هذه الادعاءات الزائفة، التي لا أساس لها من الصحة، وتتحدى مروجيها، بما في ذلك، منظمة العفو الدولية، وائتلاف "فوربيدن ستوريز"، ومن يدعمهم والخاضعين لحمايتهم، أن يقدموا أدنى دليل مادي وملموس يدعم روايتهم السريالية".
أصل الحكاية؟
بدأت القصة بعد حصول تحالف "فوربيدن ستوريز" الاستقصائي على قائمة تضم 50 ألف رقم هاتف يُحتمل أن تكون مستهدفة باستخدام برنامج التجسس "بيغاسوس" ، الذي طورته شركة "إن أس أو" الإسرائيلية. وهو قادر على تنشيط المراقبة عن بعد، حتى لو لم تنقر الضحية على رابط "خدعة".
17 وسيلة إعلام دولية، بما في ذلك "لوموند" الفرنسية، "ذا غارديان" البريطانية و "ذا واشنطن بوست" الأميركية، تمكنت أيضًا من الوصول إلى هذه البيانات. وقامت بتحليلها لمدة ستة أشهر بدعم من منظمة العفو الدولية كجزء من تحقيق أُطلق عليه اسم "مشروع بيغاسوس"، وبدأت الكشف عن مضمونه، بتاريخ 18 يوليو الجاري.
أكثر من 80 مراسلًا من 17 مؤسسة إعلامية في 10 دول بتنسيق من فوربيدن وبدعم تقني من مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، فحصوا سجلات أرقام الهواتف التي يشتبه في اختراقها.
الدول التي يشبه في استخدامها "بيغاسوس" للتجسس
تمتلك شركة "إن أس أو" الإسرائيلية حوالي 40 دولة عميلة لبرامج التجسس الخاصة بها. كجزء من المسح المتعلق بالبيانات التي تم جمعها من قبل الصحافيين، تم تحديد إحدى عشرة دولة (من خلال حكوماتها أو أجهزتها السرية)، بما في ذلك المغرب والمكسيك والمملكة العربية السعودية والهند وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة وكازاخستان وأذربيجان وتوغو ورواندا.
وفي أوروبا، اتُهمت المجر فقط، حاليًا، باستهداف أرقام الهواتف – وسائل الإعلام والمجتمع المدني- على الرغم من أن الحكومة نفت استخدام البرنامج.
واكتشف التحالف أنه على عكس ما ادعته مجموعة "إن أس أو" لسنوات عديدة، بما في ذلك تقرير الشفافية الأخير، فقد تم إساءة استخدام برنامج التجسس هذا على نطاق واسع. وأظهرت البيانات المسربة أنه تم اختيار 180 صحفيًّا على الأقل كأهداف في دول مثل الهند والمكسيك والمجر والمغرب وفرنسا، من بين دول أخرى. وتشمل الأهداف المحتملة أيضًا 600 سياسي، و 85 ناشطًا في مجال حقوق الإنسان، و 65 رئيسًا لمنظمة أعمال في جميع أنحاء العالم.
نفي الشركة الإسرائيلية
في المقابل، أكدت الشركة الإسرائيلية أنّ تقارير الائتلاف كانت تستند إلى "افتراضات خاطئة" و "نظريات غير مؤكدة". وأصرت على أن تحليل البيانات من قبل الصحفيين الذين كانوا جزءًا من مشروع بيغاسوس اعتمد على "تفسير مضلل للبيانات المسربة من المعلومات الأساسية التي يمكن الوصول إليها والعلنية، مثل خدمات HLR Lookup، التي ليس لها تأثير على قائمة العملاء أهداف بيغاسوس أو أي من برامج إن أس أو الأخرى".
وردا على سؤال حول هذه النتائج من قبل فوربيدن، نفت الشركة تهمة التجسس، وقالت "إنها ستواصل التحقيق في جميع الادعاءات الموثوقة بشأن سوء الاستخدام واتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً على نتائج هذه التحقيقات".
من جانبه، التقى التحالف، بضحايا البرنامج من جميع أنحاء العالم، الذين ظهرت أرقام هواتفهم في البيانات. وتمكنت تحليلات هواتفهم -عبر مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية والتي تمت مراجعتها من قبل منظمة Citizen Lab الكندية- من تأكيد الاختراق أو محاولة الاختراق ببرامج التجسس التابعة لمجموعة إن أس أو" في 85٪ من الحالات.
تشير البيانات المسربة إلى أن برامج التجسس يتم استخدامها بلا مبالاة أكثر مما هو معلن عنه. ففي تقرير الشفافية الذي نُشر في يونيو/حزيران 2021، شددت الشركة الإسرائيلية على أن بيغاسوس "ليست تقنية مراقبة جماعية" وأنها "تُستخدم فقط في حالة إنفاذ قانوني أو سبب مدفوع استخباراتيًّا". ومع ذلك، اكتُشف أنّ هناك 10 آلاف رقم هاتف تحت المراقبة من قبل عميل المغرب وحده لمجموعة "إن أس أو"، على مدى عامين.
نفي سعودي إماراتي
في السياق ذاته، نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن مصدر مسؤول قوله إن "الادعاء باستخدام جهة في المملكة برنامجًا لمتابعة الاتصالات لا أساس له من الصحة".
وأكد المسؤول، أن سياسة المملكة لا تقر مثل هذه الممارسات.
وذلك بعد كشف صحيفة "ذا واشنطن بوست"، استحدامها برنامج بيغاسوس لاستهداف هواتف امرأتين كانتا قريبتين من الصحفي جمال خاشقجي، الذي قتل في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
كما نفت الإمارات، يوم 22 يوليو الجاري، في بيان مقتضب نشرته وزارة الخارجية والتعاون الدولي ما وصفته بـ "المزاعم التي وردت في التقارير الصحافية الأخيرة التي تدعي أن الإمارات من بين عدد من الدول المتهمة بمراقبة الصحافيين والأفراد خاطئة قطعًا وليس لها أي أساس من الصحة".
وجاء النفي على خلفية نشر صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، بتاريخ 21 يوليو 2021، تقريرًا يُفيد بأنّ الإمارات وراء ملاحقة مجموعة من الأرقام المسربة في القائمة من بينهم الشيخة لطيفة ابنة حاكم دبي، والناشطة الحقوقية الراحلة آلاء الصديق، وطليقة حاكم دبي الأميرة هيا.
ثغرة في هاتف أيفون
حدد مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية أيضًا أطرقًا جديدة يمكن من خلالها تثبيت برنامج بيغاسوس على الهاتف، مثل ثغرة أمنية في أجهزة أيفون، التي تم استخدامها بشكل متكرر منذ عام 2019 حتى يوليو 2021.
وشاركت مصادر مطلعة مخاوفها حول ثغرات لا حصر لها مرتبطة بخدمة الرسائل من Apple iMessage، وهي مشكلة يقولون إنها ازدادت سوءًا على مر السنين.
الهدف من الكشف عن برنامج الاختراق
وفق التحالف الإعلامي، يهدف المشروع لتسليط الضوء "على أعمال مجموعة "إن أس أو" التي قررت، رغم ادعائها أنها تقوم بفحص عملائها بناءً على سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، بيع برامجها لأنظمة استبدادية مثل أذربيجان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية".
وكشف على الدور المهم الذي لعبته وزارة الدفاع الإسرائيلية في علاقة باختيار عملاء مجموعة "إن أس أو". وأكدت مصادر متعددة "حقيقة أن السلطات الإسرائيلية ضغطت من أجل إضافة المملكة العربية السعودية إلى قائمة العملاء على الرغم من تردد مجموعة إن أس أو". فيما نفى محامي الشركة اتخاذ المجموعة لتوجيهات حكومية فيما يتعلق بالعملاء.
وأكدت أنّ هذا التحقيق التعاوني الدولي، يطرح تساؤلات حول الضمانات الموضوعة لمنع إساءة استخدام الأسلحة السيبرانية مثل "بيغاسوس"، وبشكل أكثر تحديدًا ، التزام "إن أس أو" بخلق "عالم أفضل وأكثر أمانًا".
وتحقق "مسبار" من مجموعة من الادعاءات حول اختراق برنامج "بيغاسوس" تجدونها "هنا" و"هنا" و"هنا".
المصادر
منظمة العفو الدولية
صحيفة "ذا غارديان"
صحيفة "ذا واشنطن بوست"
وكالة الأنباء المغربية
وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية
اقرأ/ي أيضًا
إلى جانب القصف والقتل.. التضليل والشائعات أدوات حرب إسرائيلية
جيش الاحتلال الإسرائيلي متهم بتضليل وسائل الإعلام لاستدراج حماس