هذا المقال مترجم من النسخة الإنجليزيّة لموقع مسبار.
يُقال إنّ الصورة تُغني عن ألف كلمة، إذ تحتوي الصور على معلوماتٍ ومشاعرَ تهدف إلى التأثير على آراء الآخرين وأنماط تفكيرهم. كما باتت الصور وسيلةً لنشر الحوافز والمشاعر الإيجابية من جهة، ونشر الدعايات والفبركات والمعلومات المُضلّلة من جهةٍ أخرى.
إلى جانب ذلك، تُعدّ الصور من أبرز الأدوات التي يُستعان بها بغرض إنشاء قصص مُزيفة. اللافتُ أنّ الناس يُصدّقون غالبًا ما يشعرون به من خلال حواسهم الخمس، إذ يُمكن مشاهدة الصور والشعور بما تحمله من معاني وأفكار ومُعتقدات. ومن ناحيةٍ أخرى، نُلاحظ أنّ الجهات المُنتجة للأخبار المُزيّفة تتعمّد نشرها في سياق آخر غير مرتبط بسياقها الحقيقي، لجذب المستخدمين إليها وضمان تفاعلهم معها على مواقع التواصل.
وقد أظهر العصر الجديد للتكنولوجيا الرقميّة أنّه أصبح بإمكان أيّ شخص إنشاء صورٍ فوتوغرافيّة مُزيّفة ونشرها بسرعةٍ خياليّة. ووفقًا لإحدى الدراسات التي ركزّت على اكتشاف المُفارقات الهندسيّة، فقد تبيّن أنّ النّاس لديهم قدرة محدودة على التمييز بين الصور الأصليّة والصور المُزيّفة. وحتى بعد اكتشافهم أنّ تلك الصور مفبركة، لم يتمكّن العديد من الأشخاص من تحديد أجزاء الصور التي تمّ التلاعب بها.
وفّرت التقنيات الحديثة عدّة أدواتٍ للتعامل مع الصور بسهولة، إذ أصبح بالإمكان خضوع الصور لتغييراتٍ بسيطة تتعلّق بالإضاءة والألوان من خلال استخدام تطبيقاتٍ إلكترونيّة، كما يُمكن تغيير الصور بشكل كلي في حال تم إضافة أو إزالة بعض العناصر. وعليه يجب أن ننظر إلى المعلومات المرئيّة والأخبار بعينٍ ناقدةٍ لتحرّي مدى دقتها.
يُشير الكاتب السويسري، رولف دوبيلي، في كتابه (توقّف عن قراءة الأخبار)، أنّه بات من الصعب في وقتنا الراهن أن نُميّز بين المواد الإخبارية الصادقة غير المُنحازة والمواد المُزيّفة ذات الدوافع الخفيّة. وأضاف الكاتب إلى قُدرات أجهزة الحواسيب فائقة الذكاء في إنشاء الصور ومقاطع الفيديو. ونوّه قائلًا "في السنوات القليلة المُقبلة، ستتمكن تقنيّات الذكاء الاصطناعي من تحديد المواد الإخباريّة التي أنتجتها الحواسيب والتي لم تُنتجها".
وأشار باحثون إلى أنّ الأعداد الضخمة من الصور ومقاطع الفيديو المُتداولة عبر منصّات التواصل الاجتماعي، أدت إلى بروز إشكاليّة في تصفية المحتويات المنشورة، خاصًة خلال فترة انتشار وباء كوفيد-19، مما أدى إلى حدوث وباء معلوماتي.
مُعظم الناس يعتقدون أنّ كشف حقيقة الصور الزائفة له علاقة بالبرامج والتطبيقات الإلكترونيّة، ومع ذلك، فإنّ أول ما يستعينُ به مُدقق الحقائق أثناء تعامله مع الصور الزائفة هو التفكير النقدي للحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ ومُناسبة. إنّ عمليّة التفكير النقدي عبارة عن تصوّر وتحليل وتقييم للمعلومات المتولدة من خلال الملاحظة والتجربة والتفكير، أي أنّ هنالك حاجة للتفكير بوضوح وعقلانيّة، مع القدرة على فهم الروابط المنطقيّة بين تلك الأفكار، ويُمكن الإشارة إليها على أنّها "وسيلة للانخراط في التفكير التأملي والمستقل".
هُنالك العديد من النصائح التي تُشير إلى أهميّة التفكير النقدي في الكشف عن المواد المرئيّة الزائفة، فمراقبة الانعكاسات بسبب محدوديّة المعرفة ببرامج تحرير الصور قد يؤثر على المعالجة المُناسبة للظلال وانعكاسات المرآة، مما يتسبب في الحصول على صور ذات جودة منخفضة. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ الصور الزائفة قد تتكون من مجموعة رقميّة متغيرة من عدّة أنماط مُتطابقة، إذ إنّ الاختلافات في اللون والسطوع والتباين تُساهم في كشف الصور المُزيّفة، لا سيّما عند إدراج وجه شخص في صورةٍ أخرى.
في المراحل المُتقدمة من عمليات الكشف عن زيف الصور، يلجأ مُعظم مُدققي الحقائق للاستعانة بخاصيّة البحث العكسي للصور من خلال مُحرّك البحث غوغل، إذ يتم اكتشاف الصورة المُزيّفة عن طريق إرفاقها من الحاسب الآلي أو عن طريق رابط إلكتروني، وسيعرض محرّك البحث غوغل النتائج الخاصّة بتلك الصورة. ويتّضح أنّ خاصيّة البحث العكسي للصور تُساهم في الكشف عن زيف الصور المُتداولة في غير سياقها الحقيقي.
ونظرًا لأنّ عمليّة الكشف عن زيف الصور تعتمد بشكل أساسي على التحليلات المنطقيّة، فإنّ تطوير استراتيجيات التفكير النقدي أصبح أمرًا بالغ الأهميّة. إنّ تفحّص صورةٍ ما، يعني أن يتم ملاحظة كافّة العناصر الموجودة فيها، فمن المُحتمل أن تكون بعض العناصر مُضافة أو محذوفة من الصورة الأصليّة. كما أنّ إجراء تكبير للصور المشكوك فيها يُساهم في تحديد أوجه الغرابة فيها. إلى جانب ذلك، ينبغي أن تقودنا عمليّة التحقق من الصور الزائفة إلى التساؤل عن تاريخ نشر تلك الصور ومعرفة ما إذا تمّ التقاطها أثناء فترات الليل أو النهار، كما تُساعدنا التماثيل والأعلام في تحديد المواقع الحقيقيّة للصور المُتداولة.
وجب التنويه إلى أنّ تطوير استراتيجيات التفكير النقدي والتثقيف الإعلامي قد يُساهم في منع انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المُضللة كتلك التي تتعلّق بالصور والمواد المرئية. علاوةً على ذلك، فإنّ انتهاج ثقافة بصرية عالية والمعرفة بأساسيات التصوير الفوتوغرافي يُساهم في اكتشاف الصور الزائفة.
المصادر: