تتزايد الجهود المبذولة للتصدّي للأخبار المضللة في أكثر من 100 بلد حول العالم، لكن وتيرة إنشاء منصات جديدة للتحقق ما تزال تتباطأ، بينما تضاعف عدد مشاريع فحص الحقائق في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الست الفائتة بوجود ما يقرب من 400 فريق من الصحفيين والمحققين الذين يفحصون الأكاذيب السياسية والخداع وأشكالًا أخرى من التضليل في 105 بلدان.
ورصد الإحصاء السنوي حول فحص الحقائق، الذي أجراه مختبر ديوك ريبورترز التابع لجامعة ديوك الأميركية (DukeReporters’ Lab)، 391 مشروعًا يمارس نشاط فحص الحقائق في عام 2021. ومن بين هذه المشاريع كلها ما يزال 378 مشروعًا منها فقط ينشط في هذا المجال حتى اليوم. ويعتبر هذا الكمّ من المشاريع أكثر من عدد التي تم إحصاءها سنة 2016، وقدّرت بـ186 مشروعًا في ذلك العام الذي شهد حدث التصويت على البريكست لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتنظيم الانتخابات الرئاسية الأميركية، مما أدى إلى زيادة المخاوف العالمية بشأن انتشار الأخبار غير الدقيقة والشائعات، وخصوصًا في وسائل الإعلام الرقمية. وفعلًا فقد زادت المنشورات المضللة حول النزاعات العرقية والحروب والمناخ والوباء تلك المخاوف في السنوات التي تلت ذلك.
نمو متباطئ
منذ صدور إحصاء العام الفائت، تمت إضافة 51 موقعًا متخصصًا إلى خريطة "ديوك ريبورتز لاب" العالمية لفحص الحقائق وقاعدة بياناته، بينما توقفت في الفترة نفسها، سبعة مشاريع متخصصة في فحص الحقائق. وفي الوقت الذي تصدر فيه هذه النوعية الحيوية من المشاريع الصحافية اليوم بحوالي 69 لغة على الأقل في ست قارات، يلاحظ أن وتيرة النمو في مجال مشاريع تقصي الحقائق قد تباطأ على مدى السنوات القليلة الفائتة.
وتَحقّق أكبر معدل لنمو هذا النشاط في عام 2019، عندما تم إطلاق 77 منظمة وموقعًا إلكترونيًّا جديدًا لفحص الحقائق. واستنادًا إلى إحصائيات مختبر ديوك ريبورتز التي تم تحديثها منذ ذلك الحين، فإن عدد المواقع الإلكترونية والمنظمات الجديدة التي دخلت هذا الميدان عام 2020 بلغ 58، بينما لم يتجاوز 22 في العام الفائت.
تطور المشاريع الجديدة لفحص الحقائق عبر السنوات
مختبر ديوك ريبورترز (ملاحظة: قد يرتفع العدد الدقيق للمشاريع التي تم إطلاقها سنة 2021 بمرور الوقت حيث يرصد المختبر مشاريع أخرى لفحص حقائق لم يتم اكتشافها بعد).
قد تكون هذه الأرقام مؤشرًا مقلقًا لأنها قد تعني أن النمو في السنوات القليلة الفائتة قد سبّب حالة من الإشباع للسوق، أو أن هذا النمو توقّف مؤقتًا في أعقاب الوباء العالمي، لكن من المتوقع أيضًا أن تزداد أعداد المشاريع مع استمرار المختبر في رصد مدققي الحقائق الآخرين كما يحدث كل عام.
نتج أكثر من ثلث معدل النمو الكبير المسجل منذ سنة 2019 في هذا النشاط عن مشاريع فحص الحقائق التي كانت قائمة، وأضافت فروعًا أخرى للوصول إلى مناطق جديدة وجماهير مختلفة. ويشمل هذا النوع من النمو مثلًا تجربة وكالة الأنباء الفرنسية، فرانس برس، التي أطلقت 17 موقعًا جديدًا على الأقلّ في تلك الفترة. وفي أفريقيا افتتحت منصّتا دوباوا (Dubawa) وبيساتشيك (PesaCheck) تسعة مكاتب جديدة، بينما تم في آسيا افتتاح خمسة فروع جديدة لمنصة بوم أند فاكت كريشيندو (Boom and Fact Crescendo). وزيادة على ذلك أطلقت كل من منصة ديلفي أن باغيلا بوليتيكا (Delfi and Pagella Politica) في أوروبا وبوليتيفاكت (PolitiFact) في أميركا الشمالية فرعًا جديدًا لكل منهما.
كما توسّع نشاط فحص الحقائق بسرعة مع مرور السنوات في أميركا اللاتينية، وبوتيرة أقل في الآونة الأخيرة. ومنذ عام 2019 تم رصد إطلاق ثلاثة مشاريع في أميركا الجنوبية (أحد هذه المشاريع لم يستمر) إضافة إلى مشروع يركّز بالأساس على كوبا.
تطور أعداد مشاريع فحص الحقائق النشطة عبر السنوات
مختبر "ديوك ريبورترز"
مستقبل تصنيف الادعاءات
ويتابع مختبر ديوك ريبورترز نشاطًا آخر يتعلّق باستخدام مدققي الحقائق لأنظمة التصنيف. فقد تم تصميم هذه التصنيفات من أجل تلخيص استنتاجات متفحصي الحقائق حول البيانات السياسية والأشكال الأخرى من المعلومات المضللة المحتملة. وتُظهر نتائج تحليل المختبر لهذه التصنيفات في التقارير السابقة، أن ما بين 80 و90٪ من منصات فحص الحقائق التي تمت دراسة إنتاجاتها اعتمدت على هذه المقاييس والتصنيفات المعيارية الموحّدة لنقل نتائجها بشكل واضح، لكن يبدو أن هذا النهج أصبح أقل شيوعًا بين مشاريع فحص الحقائق الأحدث.
كما كشفت الدراسة الأولية لمشاريع فحص الحقائق التي تم إطلاقها في عام 2020 أن أقل من نصفها يستخدم أنظمة التصنيف، بينما لا تتجاوز هذه النسبة الثلث بين مشاريع فحص الحقائق التي تم إطلاقها في سنة 2021. كما لوحظ أن منصات فحص الحقائق ذات الخبرة تغير نهجها في التعامل مع التصنيفات.
أمثلة عن مقاييس فحص الحقائق من "بوبلكيوس بروفا دوس فاكتوس" (Público's Prova dos (Factos في البرتغال، ومقياس "فاكتوميتر" (Factometer) لمنصة فحص الحقائق في أرمينيا، ومقياس "أوهمي فاكت" (OhmyFact) التابع لمنصة "أوهمي نيوز" (OhmyNews) من كوريا الجنوبية، ومقياس "نيبال فاكتشيك" (Nepal Fact Check) من مركز "ميديا ريسشورش نيبال" (Media Research-Nepal).
فعلى سبيل المثال، تم إطلاق موقع فاكتيسك (Faktisk) النرويجي لفحص الحقائق في عام 2017 بنظام تصنيف مكون من خمس نقاط ملونّة ومشفّرة، يشبه النظام الذي يستخدمه معظم مدققي الحقائق الذين يتابعهم مختبر ديوك ريبورترز، ويبدأ من تصنيف يعتمد عبارة: "helt sant" (بمعنى "حقيقي تمامًا" باللون الأخضر) إلى تصنيف يعتمد عبارة: "helt feil" ("مزيف تمامًا" باللون الأحمر)، ولكن خلال عملية إعادة التصميم الأخيرة، ألغى موقع "فاكتيسك" تصنيفاته تدريجيًا.
وقال رئيس تحرير "فاكتيسك" كريستوفر إيغبيرغ في رسالة إلى المختبر "لقد كان قرار التوقف عن استخدام المقياس التقليدي صعبًا وموضوع مناقشات وتدارس طويل جدًّا داخل الفريق". وأضاف إيغبيرغ أن عددًا من أعضاء الفريق "شعروا أن النظام الصارم الذي يجب أن تتطابق فيه الاستنتاجات مع التصنيفات الموضوعة أصبح نوعًا ما مُقيدًا لنا، بشكل يدفعنا إمّا إلى التخلي عن فحص الادعاءات التي لم تكن دقيقة بما يكفي أو معقدة للغاية بشكل لا يؤدي إلى استنتاج واحد ثابت، وإما إلى القيام بدلاً من فحص الحقائق بكتابة قصة حول حقائق لا تحتاج إلى التصنيف".
كما أشار إيغبيرغ أيضًا إلى أن "لون التصنيفات أصبح في بعض الأحيان هو الهدف الرئيسي بدلاً من الادعاء والاستنتاج نفسه، مما أدى إلى إخراج النقاش المهم حول الحقائق نفسها عن مساره".
ويخطط "ديوك ريبورتزر" لدراسة هذا التوجه في المستقبل كما توقَّع أن يُطرح هذا النقاش خلال محادثات قمة الحقائق (Global Fact) السنوية التي انعقدت في أوسلو بالنرويج ما بين 22 و25 يونيو 2022.
لقد بدأ "ديوك ريبورترز" في تتبع المختصين في فحص الحقائق عبر العالم منذ عام 2014، عندما نظم لقاء شارك فيه حوالي 50 شخصًا في لندن اعتُبر أول اجتماع عالمي حول قضايا فحص الحقائق. وهذا العام شهدت قمة الحقائق التاسعة المنعقدة بأوسلو حضور 10 أضعاف هذا العدد، حيث شارك فيه 500 من الصحفيين والفنيين والمدافعين عن الحقيقة والأكاديميين. ويتم تنظيم هذه القمة اليوم من طرف الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، التي تتخذ من معهد "بوينتر" (Poynter) في سانت بيترسبرغ في ولاية فلوريدا الأميركية مقرًّا لها.
توزيع مشاريع فحص الحقائق حسب القارات
مختبر "ديوك ريبورترز"
تنوع لغوي
يرجع مدققو الحقائق إلى مجموعات متعددة اللغات مثل جمهورهم وقرائهم. وتنشر العديد من مواقع فحص الحقائق نتائجها بلغات متعددة، إمّا على المواقع الإلكترونية المتخصصة أو في بعض الحالات على مواقع بديلة. وتعدّ اللغة الإنجليزية اللغة الأكثر استخدامًا، حيث تُستعمل في 166 موقعًا على الأقل، تليها اللغة الإسبانية (55) واللغة الفرنسية (36) ثم اللغة العربية (14)، والبرتغالية (13)، والكورية (13)، والألمانية (12)، والهندية (11).
وينتمي ما يقرب من ثلثي مشاريع فحص الحقائق في العالم إلى مؤسسات إعلامية (226 من أصل 378، أو حوالي 60٪ منهم). غير أن بينها انتماءات ونماذج أعمال أخرى أيضًا غير الانتماءات الصحفية، بما في ذلك 24 من المشاريع التي لها روابط أكاديمية و45 منها تنتمي إلى منظمة معينة غير ربحية أو غير حكومية كبيرة. كما أن بعض هذه المنصات لديها شراكات مع منظمات متعددة، بينما يعمل أكثر من خُمس هذه المشاريع (86 من 378) بشكل مستقل.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا
كيف تؤثر المعلومات المُضللة على صورة المنتدى الاقتصادي العالمي؟
تحقيق للأمم المتحدة يؤكد مقتل شيرين أبو عاقلة بنيران إسرائيلية