` `

وثائقي Endangered.. صحافيون مُهدَّدون بتغيّر المناخ الديمقراطي في بلادهم

كفاء مساعد كفاء مساعد
سياسة
1 يوليو 2022
وثائقي Endangered.. صحافيون مُهدَّدون بتغيّر المناخ الديمقراطي في بلادهم
يتضمن الوثائقي إشكاليات مختلفة عن التحديات التي تواجه الصحافيين (HBO)

الأفكار الواردة في المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر عن رأي "مسبار" بالضرورة.

يُسلِّط الفيلم الوثائقي "مُعرَّض للخطر" (Endangered) الضوء على أكثر من إشكالية تعكس التهديدات التي تتعرّض لها الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وسط محاولات الأنظمة والسلطات- في بلدان تُعدّ ديمقراطية بنسب متفاوتة- لإسكات الصحافيين، والتشكيك في صدقية الصحافة التقليدية، مُعرّضين بذلك سمعة الصحافيين وحياتهم للخطر بهدف إسقاط دورهم الرقابي بصفتهم السلطة الرابعة، ومنعهم من كشف الأكاذيب التي يروج لها السياسيون خدمة لأجنداتهم الخاصة، رافعين شعار "الصحافة هي العدو".

أربعة صحافيين ومصورين من ثلاثة بلدان مختلفة، رافقتهم كاميرا مخرجتي الوثائقي هيدي أوينغ وراتشيل غرادي، خلال أدائهم لمهامهم اليومية بين عامي 2020 و2021. الصحافيون هم: مراسِلة صحيفة فولها دي ساو باولو البرازيلية، باتريسيا كامبوس ميللو، والمصورة الصحفية لوكالة EFE الإسبانية في المكسيك، ساشينكا غوتيريز، ومراسل صحيفة ذا غارديان البريطانية في الولايات المتحدة الأميركية، أوليفر لوغلاند، والمصور الصحفي لصحيفة ميامي هارولد، كارل جوست.

تزامن التصوير مع تفشي وباء كورونا والانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، وفي ظلّ سعي نماذج في سُدّة الحكم حينها مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو للتشكيك في صدقيّة الصحافة ومضايقة الصحافيين الذين كانوا بالفعل "حرّاسًا للبوابة" ومارسوا دورهم الرقابي في كشف الحقائق وإظهار التضليل الذي مارسه مسؤولون سياسيون خلال جائحة كورونا، وفي حملاتهم الانتخابية، وخلال اضطهادهم للمظاهرات التي قادتها فئات مهمشة مثل الحملة المناهضة للعنصرية ضد السود عقب مقتل جورج فلويد في أميركا، وقمع المظاهرات النسوية في المكسيك.

ويُظهر الوثائقي الوسائل التي استخدمتها الأنظمة في البرازيل والمكسيك وحتى في الولايات المتحدة التي تغيرت فيها ملامح حرية التعبير مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لتضييق الخناق على الصحافة وشيطنتها، مهدّدة حرية التعبير وسلامة الصحافيين بشكل مباشر؛ إذ يظهر في بداية الوثائقي أحد مناصري الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو يخطب في الحشد خلال مظاهرة من تنظيمهم، يقول فيها بشكل واضح "هؤلاء الصحافيون مجرمون...يجب أن تتم إبادتهم، نعم يجب أن تتم إبادتهم". 

دور الصحافيين في الانتخابات الرئاسية البرازيلية والأميركية

يبدأ الوثائقي بتقديم مراسِلة صحيفة فولها دي ساو باولو البرازيلية، باتريسيا كامبوس ميللو، التي غطّت محاولة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو غير الشرعية للتأثير على الانتخابات الرئاسية في البرازيل عام 2017، مُظهرًا المضايقات والحملة التي تعرّضت لها عقب فوز بولسونارو الذي سعى إلى تشويه سمعتها من خلال الادّعاء بأنّها مستعدة لتقديم خدمات جنسية مقابل الحصول على المعلومات.

وتستعرض المراسِلة الصور الإباحية التي نشرها لها على الإنترنت الذباب الالكتروني التابع لبولسونارو، مستبيحين بذلك الاعتداء عليها والتحرّش بها بسبب آرائها والمعلومات التي تكتبها. 

صورة متعلقة توضيحية

والساحة الإعلامية لا تختلف كثيرًا في الولايات المتحدة الأميركية، التي من المفترض أنّ حرية التعبير ركيزتها الأساسية، وأهمّ من المساواة، وفق ما يقول المصوّر الصحافي لصحيفة ميامي هارولد كارل جوست، الذي وثّق بعدسة كاميرته المظاهرات المناهضة للعنصرية والهجوم على الكابيتول عقب فوز الرئيس الأميركي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية وعدم اعتراف ترامب بالهزيمة.

من جهته، يصف مراسل صحيفة ذا غارديان البريطانية في الولايات المتحدة الأميركية، أوليفر لوغلاند، المشهد في أميركا بقوله "لقد تغيّر كثيرًا خلال الأربع سنوات الفائتة"، أي منذ تولي ترامب الرئاسة في البلاد. 

وتُصوّر الكاميرا التي رافقته تعامل مؤيدي ترامب مع الإعلام والإعلاميين خلال حملته الانتخابية، إذ يلقّبون قناة سي إن إن الأميركية بـ"إف إن إن" أي “شبكة الأخبار الزائفة”. وعندما يسأل لوغلاند إحدى مناصرات ترامب عمّا إذا كانت تقرأ صحيفة ذا غارديان، تجيبه "من حين لآخر عندما تقول الحقيقة". وبالتالي، على الرغم من الجهد الذي يبذله الصحافي لإنجاز مادة إخبارية، فإنه سيواجه من يرفض تصديق المعلومة التي يقدمها ويتهمه بالكذب والتزييف، وهو ما يُشعره وكأن هناك حقيقتين وليس حقيقة واحدة، على حدّ قول لوغلاند.

مراسل صحيفة ميامي هارولد يكشف كذبًا في تقرير للشرطة الأميركية 

 استطاع جوست كشف كذبٍ ورد في تقرير للشرطة الأميركية حول أحداث وقعت في إحدى المظاهرات المناهضة للعنصرية، وتقول الشرطة في التقرير إنّها حضرت تلبيةً لنداء استغاثة وصلها في ساعة محدّدة. 

ومن خلال الصور التي التقطها جوست، كشف أنّ الشرطة كانت حاضرة قبل الساعة التي ادّعت وصولها فيها، وأطلقت غازًا مسيلًا للدموع.

صورة متعلقة توضيحية
الصورة التي أثبتت كذب تقرير الشرطة الأميركية

وخلال تغطيته للمظاهرة، صرخ أحد مناصري ترامب في وجه جوست صاحب البشرة السمراء، بهتاف "كلّ الأرواح مهمة"، وهو هتاف مضاف لشعار "أرواح السود مهمة" الذي رفعته الحملة المناهضة للعنصرية التي انطلقت عقب مقتل جورج فلويد على يد أحد أفراد الشرطة الأميركية حينها. 

يقول جوست "نحن بحاجة إلى أن نصدّق ما نسمع وما نرى وبتنا في وقت نشكّك في كل شيء نسمعه ونراه".

صورة متعلقة توضيحية
جوست يصور حدثًا من تنظيم مناصري ترامب

في المكسيك، تتعرّض المصوِّرة الصحافية، ساشينكا غوتيريز للاعتقال خلال تغطيتها لمظاهرة نسوية ضد جرائم قتل النساء، على الرغم من تأكيدها المتكرر بأنّها صحافية. وتروي في الوثائقي مقتل صحافي صديق لها عقب تمكنه من الاحتفاظ ببعض الصور ونشرها بعد أن أجبرته الشرطة على مسح الصور التي التقطها عن هاتفه. وتشرح أن جرائم قتل الصحافيين لا يجري التحقيق فيها بجدية في المكسيك ليبقى المجرمون دون عقاب.

ازدياد انتشار الأخبار الزائفة مع انتشار وباء كورونا 

 يكشف الوثائقي من خلال مرافقة مراسلة صحيفة فولها دي ساو باولو، باتريسيا ميللو، إلى إحدى المستشفيات؛ أن أعداد وفيات كوفيد 19 أكبر بكثير ممّا يصرّح به القطاع الصحي في البرازيل، والذي يقع تحت تأثير السلطة السياسية، إذ تتمكّن الصحافية من الحصول على  معلومات دقيقة من خلال عنصر في الطاقم الطبي تفيد بأن نسبة الوفيات الفعلية بلغت 90%، لتدحض أقوال الطبيب الذي ادّعى أنّ عدد الوفيات ضئيل في المستشفى. 

صورة متعلقة توضيحية
الصورة لإعلان ترويجي لمؤتمر تشارك فيه ميللو

كما يسلّط الوثائقي الضوء على كيفية انعكاس خطابات قادة البلاد على طريقة تعاملهم مع وباء كورونا، وهذا قاسم مشترك بين كلّ من بولسونارو وترامب والرئيس المكسيكي أندريس ماتويل لوبيز أوبرادور، الذين لم يعترفوا بخطورة الوباء، إذ يظهر بولسونارو في الوثائقي وهو يقول إنّ “الوباء خرافة”، فيما يظهر الرئيس المكسيكي وهو يقول "يمكنكم العناق، فلن يحدث شيء، هناك الكثير من المعلومات الزائفة"، وتظهر بالتوازي مع حديثه مشاهد للمستشفيات والوضع الصحي لتكشف تضليله للرأي العام.

وفي الولايات المتحدة، عند اقتراب مراسل ذا غارديان لإجراء مقابلة مع متظاهر مؤيد لترامب، يطالبه الأخير بنزع كمامته كشرط لإجراء المقابلة بينما توجه متظاهر آخر للوغلاند عند سؤاله عمّا إذا كان يعتبر نشر المعلومات الخاطئة عن فايروس كورونا فيه خطورة على المجتمع، بالقول "إنه بسبب أشخاص مثلك بتنا نحارب الإعلام ونقول إنه إعلام زائف".

الخطاب السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي تسهم في تشكيل الرأي العام

تستند نظرية الديمقراطية الليبرالية على افتراض أن المجال العام يعمل كوسيط بين متخذي القرار والمواطنين، ويعتبر أن وسائل الإعلام المستقلة والمؤسسات العامة الأخرى هي الضمانة الفضلى لصحة وديمقراطية المجال العام، إلّا أنّ تكثيف إدارة ترامب ملاحقتها لمصادر الأخبار وتدخلها في شؤون مالكي وسائل الإعلام ومضايقة الصحافيين الأجانب، خلقت فضاء عامًا غير صحي، العلاقة فيه بين متخذي القرار والمواطنين قائمة على التضليل، وسط تهديد للممارسات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير. 

كذلك، تعتبر المدارس المحدثة عن نظرية الفيلسوف الألماني جيرغن أبرماس حول المجال العام، التي تنظر إلى سلطة الدولة على أنها "سلطة عامة"، يتم إضفاء الشرعية عليها من خلال الجمهور في الانتخابات؛ أنّه بمقدور الإنترنت إنشاء نوع جديد من المجال العام - الافتراضي أو السيبراني.

وحالة الرأي العام في هذه الفترة، بما تحمل من مخاطر على الصحافي وحياته ومسيرته المهنية ومفهوم الصحافة بحدّ ذاته، تشكّلت من خلال خطابات قادة روّجوا لها ونشروها بخبث في الإعلام الموالي لهم ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ليتحوّل الرأي العام عن ملاحقتهم ومحاسبتهم ويصبح الصحافي هو الخبر والفريسة. 

ومن خلال التشكيك بالمعلومة التي تقدّمها الصحافة التقليدية، يزيح رجال السياسة لاعبًا أساسيًا في مراقبتهم ومحاسبتهم عن طريقهم. يقول ترامب "لم يعد الأميركيون يصدّقون الإعلام الفاسد والكاذب بعد اليوم. هناك أدلة ضخمة تثبت أن الانتخابات مزورة". 

وبالتالي التحريض على الإعلام وشيطنته من خلال اتهامه بتزييف الحقائق، هي الأسباب الرئيسية وراء التهديدات الجسدية والمعنوية التي يتعرض لها الصحافيون اليوم، إذ يقول مراسل ذا غارديان "إنها ذروة الحرب التي شنّها ترامب على الصحافة منذ توليه منصب الرئاسة".

ومع ظهور الوسائط البديلة، بدأ وهج الصحافة التقليدية يبهت شيئًا فشيئًا، حتى أغلقت صحف عديدة أبوابها وتحوّلت أخرى إلى رقمية فقط، بينما تخلّت أخرى عن مكاتبها، كما هو حال صحيفة ميامي هارولد التي يعمل فيها كارل جوست، في حين تعزو إحدى مناصرات ترامب سبب إقفال الصحف إلى كونها تعكس فقط آراء الديمقراطيين وتقول "لن أشتري صحيفة لا تعكس آرائي".

بات اللجوء إلى المواقع الإلكترونية أو إلى وسائل التواصل الاجتماعي الطريقة الأسهل للحصول على المعلومات، لتبرز صحافة المواطن ويصبح كل فرد فاعل على هذه الوسائط مصدر معلومات لسواه، بغضّ النظر عن مدى صدقيّة المعلومات التي يشاركها فهي ستصل إلى شريحة كبيرة من الناس. 

ويُظهر الوثائقي أن أحد العناصر الرئيسية في تجهيل المواطنين، هي من خلال لجوئهم إلى مصادر غير موثوقة للحصول على المعلومات. فعند سؤال مراسل ذا غارديان لأحد مؤيدي ترامب عن مصدر معلوماته، ومن أين يستقي هذه المعلومات؛ أجابه "ليس بالضرورة أن يكون مصدر معلوماتي أي وسيلة إخبارية، اذهب إلى يوتيوب وابحث عن المعلومة".

صورة متعلقة توضيحية
مناصر ترامب متحدثًا إلى لوغلاند

يعكس هذا إلى حدّ ما صحة نتائج دراسة علمية بعنوان "نحو سيكولوجية الأخبار الكاذبة والمضللة على الإنترنت"، توصل الباحثيْن بيني كوك وراند (2021) فيها إلى أنه ثمّة أدلة حديثة تتناقض مع المقولة الشائعة بأن التحزب السياسي يفسر سبب تصديق الناس للأخبار الزائفة. 

وتوصلت الدراسة إلى أن صعوبة تمييز الحقيقة من التزييف، ناجمة عن الافتقار إلى التفكير الدقيق والمعرفة ذات الصلة واستخدام مصادر مألوفة غير دقيقة وبديلة عن المصادر الأصلية. 

بناءً على ما سبق، فإنّ الوصول إلى مصدر المعلومات وتحصين متلقي المعلومات بالوعي الكافي لمواجهة الكم الهائل من التضليل الذي يخترق جدران عقولهم ليمسّ حياتهم وحياة الصحافيين والصحافيات في أماكن مختلفة حول العالم؛ قد يكون حلًا لتحرير الصحافة والعقول في نفس الوقت، من الخطر المحدق بها، ومنح العمل الصحافي الشرف الذي كان يتمتع به في الماضي. 

ونختم بقول كارل جوست "نحن مسؤولون عن الحقيقة، نحن مسؤولون عن رصد الكذب".

اقرأ/ي أيضًا

التضليل وتحفيز الخوف: عنوان الحملات الدعائية في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة

في يومهم العالمي: لمحة عن جهود مدققي الحقائق

المصادر

وثائقي إنداينجيرد

ميديا توكس

المجال العام

هانو نيمينين

غوردون بيني كوك ودافيد راند

صبرينا كتشير

الأكثر قراءة