تغيّرت في تسعينيات العقد المنصرم علاقة الفرد بالتكنولوجيا، ولم تعد مجرّد علاقة بين فرد وآلة، لتتشكّل لدى الأفراد حياة افتراضية موازية، أدّت إلى اندماجهم شبه الكامل داخل الشبكة العنكبوتية.
ورافق هذا التطور مصطلحات جديدة مثل العنصرية السيبرانية، التي أصبحت إحدى أهم المشكلات التي تسعى الدول والوكالات المعنية بحقوق الإنسان لمعالجتها، نظرًا إلى أنَّ العنصرية الرقمية قد تؤدي إلى فوضى مجتمعية.
وعرّفت الأمم المتحدة العنصرية بحسب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بأنها "أي تمييز أو استثناء أو تفصيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف ويستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحرّيات الأساسية، أو التمتّع بها أو ممارستها".
ومع موجة تدفّق اللاجئين من الدول التي تشهد صراعات دموية، ازدادت العنصرية واستخدمتها بعض الأحزاب السياسية والشخصيات المهمة وبعض الدول كورقة مهمة تستخدمها في المناكفات السياسية أو لأهداف أخرى تسعى إلى تحقيقها على حساب حقوق الإنسان.
كما غذّى وجود اللاجئين الخطابات الشعبوية للأحزاب اليمينية المتطرفة، من اليمين الأوروبي والأميركي، إلى حزب النصر اليميني المتطرف في تركيا، وتحديدًا إلى شخص "أوميت أوزداغ".
مَن هو أوميت أوزداغ وما هي أبرز الادعاءات المضللة التي تناولها في صفحاته الافتراضية؟
نجح أوميت أوزداغ في تأسيس حزب النصر في 26 أغسطس/آب عام 2021، واللافت أنّه أسّسه خصيصًا لجلب تأييد لمواقفه السياسية اليمينية، التي تندرج معاداة اللاجئين ضمنها. ويلجأ أوزداغ إلى نظريات المؤامرة الذي يدعمّها عادة بالأرقام أو المعلومات المضللة، مستخدمًا مواقع التواصل الاجتماعي لنقل الأخبار وتداول أحداث غير دقيقة.
ففي عام 2019، نشر النائب أوميت أوزداغ في حسابه الرسمي على تويتر، ادعاءًا كاذبًا نفته لاحقًا المديرية العامة للهجرة التركية، قائلة إنّ "الأرقام التي وردت في بيان أوزداغ، وجميع ما ورد في البيان الذي نشره الرجل في صفحته عارٍ عن الصحة، ولا تعكس هذه الأرقام الحقيقة". كما وضّحت بأنها ستلاحقه قانونيًا بتهمة التحريض على اللاجئين ونشر الكراهية والعداوة.
وفي مقطع الفيديو الذي نشره في صفحته الشخصية على موقع تويتر، يشرح أوزداغ كيف ستغير أعداد اللاجئين المتزايدة في تركيا على مرّ السنوات، البنية الديمغرافية والهيكلية السكانية والسياسية للدولة؛ وكيف سيؤثر ذلك في القضاء على القومية التي تعتبر السمة الأبرز داخل المجتمع التركي المهدد.
واتّهم أوزداغ، وقتها حزب العدالة والتنمية في التساهل مع اللاجئين، مدّعيًا أنَّ الحزب يبني سياسات خاطئة واستراتيجيات غير كافية في استقباله للاجئين السوريين. وذكر بأنَّ هناك أكثر من 1.5 مليون سوري غير مسجل يعيشون في البلاد، مضيفًا أنه مع حلول عام 2040، سيصل عدد اللاجئين السوريين في تركيا إلى 10.4 مليون لاجئ سوري، أي سيصبح واحدًا من كل عشرة في تركيا، سوريًا عربيًا، ما يشكل خطرًا حقيقيًا على بنية الدولة وعلى المجتمع التركي، على حدِّ قوله.
أوزداغ يعيد نشر تغريدات زائفة دون التحقق من صحتها
كذلك كان أوزداغ من المشاركين في صفحته على منصة تويتر، لمقطع فيديو انتشر في 17 يوليو/تموز الفائت، على أنه لسيِّدتين سوريّتي الأصل، قيل إنهما سرقتا إوزًا من حديقة في "بهشة شاهير" في مدينة اسطنبول.
وأثار مقطع الفيديو جدلًا واسعًا، إذ تداوله روّاد التواصل الاجتماعي بغضب مع توجيه الاتهامات والاساءات وبثّ الكراهية، ضدّ السوريين. وكتب أوميت معلِّقًا على مقطع الفيديو “تصديق هذه الأحداث هو بالأمر الصعب، ولكنها تحدث. الاندماج والتعايش والحياة مع بعض، كل تلك الأمور غير ممكنة"، مشيرًا إلى اللاجئين في تركيا.
الأمر الذي دفع مديرية أمن اسطنبول إلى فتح تحقيق في الموضوع، ليتبين أنَّ التسجيلات التي تم تداولها على أنها لسرقة سيدتين سوريتين الإوز هي تسجيلات زائفة. فبعد أن تواصلت المديرية مع المعنيين في الحديقة، تبين أنَّ صاحبتي الإوز أرادتا تركهما في البحيرة، لكنَّ المسؤولين عن الحديقة منعوهما، فأعادتا الإوز إلى حقيبتهما وغادرتا الحديقة.
أوزداغ يحذف تغريدات زائفة دون تقديم اعتذار أو توضيح
في 27 يوليو الفائت، ذهب أوميت أوزداغ إلى حانة في مدينة غازي عنتاب التركية والتقط هناك مقطع فيديو ونشره في حسابه على "تويتر"، وادعى فيه أنَّ صاحب الكازينو، سوري الجنسية يرفض إدخال الشعب التركي إليه.
تفاعل آلاف المستخدمين مع المنشور، وازدادت نسبة المشاهدات في وقت قصير، لترافقه تصريحات تتضمن خطاب كراهية والعداء للسوريين من فئات مجتمعية مختلفة.
وبعد أن قال شخص تركي يدعى خليل إنه صاحب الحانة الفعلي، حذف أوزداغ الفيديو الذي قال فيه: "نعم، نحن في وسط غازي عنتاب الآن. نحن قريبون جدًا من ساحة أتاتورك. هذا شارع جانبي. كما ترون، هناك ملهىً ليليًا وكازينو، مضيفًا "إنها ملك للسوريين. ملهى ليلي لا يسمح للأتراك بدخوله" ولم يقدم رئيس الحزب المعارض، بعد حذفه مقطع الفيديو، الحقيقة كاملة، بل اكتفى فقط بحذفه عن صفحته.
شكاوى قضائية ضد زعيم حزب النصر
رفعت وزارة الداخلية التركية شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في أنقرة ضد زعيم حزب النصر، أوميت أوزداغ، بتهمة "تحريض الناس على الكراهية والعداء وإهانة الأمة ومؤسسات الدولة التركية ونشر الذعر بين الأفراد داخل المجتمع التركي"؛ وذلك جرّاء قول أوزداغ في مؤتمر صحفي عقده في الرابع من يوليو الفائت “إنَّ الحرب الأهلية في تركيا ستندلع”، وفق ما ذكرت وكالة الأناضول.
وذكرت عريضة الشكوى أنَّ أوزداغ "وجّه اتهامات وهمية مع ادعاءات غير واقعية، ولوحظ أن البيانات التي لا أساس لها من الصحة، والكاذبة، والمضللة، والاستفزازية استخدمت في البيان الصحفي، من أجل توجيه الرأي العام والتأثير عليه سلبًا ضدّ أجهزة الدولة ومنظماتها".
خطر الأخبار المزيفة على المجتمع التركي
يمكن استخدام الأخبار المضللة، والمعلومات الزائفة، والإحصائيات غير الصحيحة بقصد التلاعب بفهم الناس للوقائع وللواقع الذي يعيشون فيه؛ كذلك بهدف تمرير الأجندات السياسية والحزبية واستخدامها كوسيلة لإثارة الصراع المجتمعي وزيادة حدة النزاعات.
وكثر الحديث في الفترات الأخيرة، عن أزمة اللاجئين في العالم، وتوظيفها في بعض الأحيان سياسيًا مثلما هو الحال في تركيا، الأمر الذي أدى إلى تزايد حالات العنف والمشاكل بينهم وبين الشعب التركي. ولحماية كلا الشعبين من موجة الأخبار المضللة، لا بدّ من إعادة تقديم سردية إعلامية جديدة، ومحاربة كل أشكال التضليل والتلاعب بالرأي العام على السواء.
اقرأ/ي أيضًا
لاجئونا ولاجئوهم: نزوح الأوكرانيين يُحيي خطاب الاستشراق في تغطية الإعلام الغربي
أبرز الأخبار المضلّلة حول اللاجئين والمهاجرين خلال الأشهر الفائتة
المصادر
