يلعب إيلون ماسك، مالك منصة إكس (المعروفة سابقًا بتويتر)، دورًا ملحوظًا في توجيه النقاش العام حول الانتخابات الأميركية، في ظل انتشار واسع للمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أثارت منشوراته مؤخرًا جدلًا حول تأثيرها المحتمل على الرأي العام الأميركي، بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات المقرر في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، خاصةً مع تزايد الاستقطاب السياسي ودعمه لبعض مواقف الرئيس السابق دونالد ترامب.
ورغم جهود الجهات الرسمية لتصحيح هذه المعلومات، فإن الانتشار السريع لمنشورات ماسك يشكّل تحديًا أمام نزاهة النظام الانتخابي، مما يفتح باب النقاش حول تأثير هذه الظاهرة على مستوى عالمي.
إيلون ماسك وادعاءات تضخم قوائم ناخبي ميشيغان
نشر إيلون ماسك رقمًا مثيرًا للجدل يشمل 1.2 مليون سجل غير نشط من المقرر إزالتها من قوائم الناخبين في ميشيغان، وأشار في منشوره إلى أن عدد الناخبين المسجلين في الولاية قد يفوق عدد المواطنين المؤهلين للتصويت، مستندًا في ذلك إلى منشور من حساب "@amuse"، الداعم لدونالد ترامب وجي دي فانس.
وذكر المنشور أن ميشيغان عملت على تنظيف قوائم الناخبين بإزالة 330 ألف سجل لأشخاص متوفين وغير مواطنين. ومع ذلك، يُزعم أن الولاية لا تزال تحتفظ بزيادة تبلغ 100 ألف ناخب مسجل مقارنة بعدد المؤهلين، مما قد يُثير مخاوف بشأن احتمالات الاحتيال الانتخابي.
وردًا على ذلك، أوضحت جوسلين بنسون، وزيرة خارجية ميشيغان، أن عدد السكان البالغين في سن التصويت في الولاية يبلغ 7.9 مليون شخص، منهم 7.2 مليون ناخب نشط. وذكرت أن السجلات غير النشطة، التي شملتها تقديرات ماسك، تبقى على القوائم لفترة معينة وفقًا للقوانين الفيدرالية والمحلية، ويتم إزالتها بعد مرور مدة من عدم النشاط تصل إلى أربع سنوات.
وأشارت بنسون إلى أن نحو 600 ألف سجل غير نشط إضافي سيخضع للإزالة خلال السنوات القادمة، مما يشير إلى أن تقديرات ماسك تتضمن سجلات غير نشطة قانونيًا.
وأعربت بنسون عن قلقها إزاء تأثير منشورات ماسك، معتبرة أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة بشأن الانتخابات. ودعته إلى استخدام منصته لنشر معلومات موثوقة، مؤكدة في تصريح لشبكة سي إن إن أنّ “امتلاك منصة واسعة الانتشار يتطلب مسؤولية في نشر الحقائق بدلًا من المساهمة في التضليل”.
تحقيق شبكة سي بي إس في منشورات إيلون ماسك
في تحقيق أجرته شبكة سي بي إس، تبين أن إيلون ماسك قد استغل نفوذه الواسع لإثارة الشكوك حول نزاهة وأمن الانتخابات الأميركية. جمعت منشوراته ومداخلاته حول هذا الموضوع منذ بداية العام ما يقرب من 3.3 مليار مشاهدة، مما جعله أحد أبرز الأصوات المؤثرة على الساحة الانتخابية في خضم حملة انتخابات 2024. وقد تضمن حضوره الرقمي مشاركة مكثفة في نشر العديد من نظريات المؤامرة التي أثارت قلق المسؤولين الساعين للحفاظ على ثقة الأميركيين في النظام الانتخابي.
في تجمع مؤيد لدونالد ترامب في فيلادلفيا، ظهر ماسك للمرة الأولى على المسرح ليعبر عن آرائه المستندة إلى "الشكوك الإحصائية"، زاعمًا وجود "أمور غريبة للغاية تحدث ولا يمكن تفسيرها إحصائيًا". كما أشار إلى إحصائيات لا تدعمها الأدلة، موجهًا شكوكه نحو صدقية آلات التصويت المستخدمة.
ويروّج ماسك لنظريات المؤامرة على منصة إكس بشكل متزايد، لا سيما تلك التي تدعي سعي الحزب الديمقراطي لزيادة عدد المهاجرين غير الشرعيين بهدف توسيع قاعدته الانتخابية، إذ حظي منشور له حول هذه النظرية في يوليو الفائت بنحو 45.8 مليون مشاهدة. وتوصلت تحقيقات سي بي إس إلى أن 55% من منشورات ماسك حول موضوع الانتخابات تحتوي على بيانات مضللة، في حين تمثل المنشورات المؤيدة لنظريات التلاعب في الانتخابات 40 حسابًا من بين الحسابات التي تفاعل معها ماسك مباشرة.
الذكاء الاصطناعي يعزز انتشار المعلومات المضللة على إكس
أثارت خاصية "القصص من أجلك"، التي أطلقها موقع إكس باستخدام الذكاء الاصطناعي غروك "Grok"، جدلًا واسعًا بسبب تقديمها مواضيع شائعة تعتمد في كثير من الأحيان على نظريات مؤامرة وادعاءات غير مدعومة، خاصة فيما يتعلق بالاحتيال الانتخابي.
ووفقًا لتقارير حديثة، نشر غروك عدة قصص تروّج لمزاعم غير مثبتة حول الاحتيال الانتخابي وفساد العاملين في التصويت. على سبيل المثال، في تقرير حول شركة "دومينيون فوتينج سيستمز"، اتهم غروك الشركة بـ"تزوير الانتخابات" وزعم أنها تعرقل "النقاشات المشروعة حول أمن الانتخابات" باستخدام “التهديدات القانونية”. يُذكر أن الشركة نفت هذه المزاعم سابقًا، بل رفعت قضية تشهير ضد شبكة فوكس نيوز انتهت بتسوية مالية كبيرة بلغت 787.5 مليون دولار، بسبب اتهامات مماثلة.
في حادثة أخرى، تم الترويج لاتّهامات بلا دليل تفيد بتلاعب أجهزة التصويت في مقاطعات أميركية مثل ماريكوبا في أريزونا وتارانت في تكساس بالأصوات. ورغم أن هذه الادعاءات نفتها السلطات المحلية، إلا أن غروك أضاف موثوقية زائفة بتسليط الضوء عليها. وتعرضت المنصة أيضًا لانتقادات بسبب نشرها معلومات مضللة حول مواعيد الانتخابات عبر برنامجها غروك.
اتهامات إيلون ماسك للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ
توسّعت مزاعم إيلون ماسك لتشمل اتهام الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA) بمنع المساعدات عن ضحايا إعصار "هيلين" والاستيلاء على الإمدادات المخصصة لهم. وقد دعم الرئيس السابق دونالد ترامب هذه الادعاءات، مدعيًا أن الحكومة الفيدرالية تفضل تقديم المساعدة للمناطق ذات الأغلبية الديمقراطية على حساب المناطق ذات الأغلبية الجمهورية.
وردًا على ذلك، نفت الوكالة هذه المزاعم بشكل قاطع. وأوضحت مديرة الوكالة، ديان كريسويل، أن هذه الشائعات المضللة تعرقل تقديم المساعدات وتزيد من تعقيد عمليات الاستجابة للطوارئ، كما تؤثر سلبًا على معنويات الفرق الميدانية، مما يضاعف التحديات التي تواجهها الوكالة في إدارة الكوارث.
استخدام منصة إكس لتعزيز النفوذ السياسي
أشار سام وولي، الباحث في جامعة بيتسبرغ، إلى أن إيلون ماسك يستخدم منصة إكس لدعم ترامب والتشكيك في نزاهة الانتخابات منذ استحواذه عليها في عام 2022، مضيفًا أن "ماسك يستغل ليس فقط ملكيته للمنصة، بل أيضًا قدرته على توجيه مساحات واسعة من النقاش لصالحه وحلفائه السياسيين".
ويرى خبراء، من بينهم مايكل نوردن من جامعة نيويورك، أن تصحيح المعلومات المضللة التي ينشرها ماسك لا يقتصر على استنزاف وقت وجهود مسؤولي الانتخابات فحسب، بل يشكل عبئًا إضافيًا يُبعدهم عن مهامهم الأساسية. وأوضح نوردن "نلقي بعبء هائل على مسؤولي الانتخابات، وإذا اضطروا، بالإضافة إلى ذلك، للرد على شخص مثل ماسك يعزز محتواه لنشر الأكاذيب، فإن هذا يصرف الانتباه عن العمل الأساسي الذي يجب عليهم القيام به".
تصاعد الانتقادات الدولية لمنصة إكس بسبب نشر معلومات مضللة
لم تقتصر الانتقادات الموجهة لمنصة إكس على الولايات المتحدة، بل امتدت إلى المستوى الدولي. ففي البرازيل، أصدرت المحكمة العليا قرارًا بحظر المنصة بعد فشلها في ضبط الحسابات التي تروج للمعلومات المضللة، مما يعكس القلق المتزايد بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
كما وجه الاتحاد الأوروبي اتهامات إلى إكس بتسهيل نشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، مما زاد الضغط على إيلون ماسك لمراجعة سياسات النشر على منصته.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الجاري، رفعت المحكمة العليا في البرازيل الحظر عن إكس بعد أن امتثلت للشروط المطلوبة، بما في ذلك دفع غرامة بقيمة 28 مليون ريال برازيلي (5.1 مليون دولار) وحظر حسابات معينة متهمة بنشر معلومات مضللة. جاء الحظر، الذي فُرض في أواخر أغسطس/آب الفائت، بسبب رفض المنصة تعيين ممثل قانوني محلي وحظر الحسابات التي تروّج لمعلومات غير صحيحة تتعلق بالانتخابات الرئاسية البرازيلية لعام 2022.
اقرأ/ي أيضًا
إيلون ماسك وأبرز الادعاءات التي طاولته وروّج لها منذ استحواذه على منصة إكس
موجة من المعلومات المضللة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية