تتزايد الادّعاءات المضللة، منذ وقوع زلزال تركيا وسورية، فجر يوم الاثنين السادس من فبراير/شباط الجاري، بعضها ارتبط بنظريات المؤامرة، وخاصة بدور برنامج "هارب" في الكارثة التي جدت.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُتّهم فيها "هارب" بافتعال الكوارث الطبيعية، فقد اتهم من قبل بأنه يتحكم بالطقس، ويفتعل الزلازل والفيضانات، وتصل الادّعاءات أحيانًا إلى أنه يتحكم بالعقول.
ما هو برنامج هارب؟
اسمه الكامل برنامج الشفق القطبي النشط عالي التردد (HAARP): وهو منشأة بحثية تُديرها حاليًا جامعة ألاسكا فيربانكس، كوسيلة لدراسة طبقة الأيونوسفير الجويّة والغلاف المغناطيسي.
تتكوّن المنشأة من 360 جهاز إرسال لاسلكي و180 هوائيًا. وتغطي نحو 14 هكتارًا (0.14 كيلومتر مربع) بالقرب من بلدة جاكونا، ألاسكا.
هل يمكن أن يتحكم هارب بالطقس أو يفتعل الكوارث الطبيعية؟
لطالما أُثيرت نظريات المؤامرة حول برنامج هارب، ولكن وفق أبحاث ومصادر علمية لا يمكن أن يتحكم هارب بالطقس اليومي أو أن يتسبب في الكوارث الطبيعية كالفيضانات أو الزلازل.
تعمل منشأة “هارب” على نقل موجات الراديو عالية التردد إلى طبقة الأيونوسفير الجويّة، من أجل إثارتها وتسخين منطقة محدودة فيها، مما يُحدث تأثيراتٍ صغيرة تستمر لبضع ثوان. يدرس العلماء هذه التأثيرات بهدف توسيع معرفتهم بالغلاف الجوي العلوي للأرض، وتأثيراته على انتشار الموجات الراديوية، من أجل تطوير الأبحاث وتعزيز تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية.
والجدير بالذكر أنّ كمية الطاقة القادمة من مشغلي الراديو حول العالم تتجاوز طاقة موجات الراديو التي يُطلقها برنامج “هارب”، إذن لا يمكن أن يُؤثر الأخير على أي من الظواهر، مثل الزلازل والعواصف الثلجية، ولا يمكنه التأثير على البشر أو التحكم في عقولهم.
تاريخ نظريات المؤامرة حول هارب
ادّعى حاكم ولاية مينيسوتا السابق، "جيسي فينتورا" أنّ “هارب” جهاز للتحكم بالعقل، واتهم آخرون البرنامج بأنه يتحكم في الطقس، ويفتعل الكوارث الطبيعية.
يقول بوب ماكوي، مدير المعهد الجيوفيزيائي بجامعة ألاسكا فيربانكس: الإشارات الكهربائية في العقل ذات تردد منخفض جدًا. أما موجات هارب فترددها عالي وذات الطول الموجي الأكبر بين نطاقات الترددات المستخدمة؛ لذلك لا يمكن له التحكم في العقول".
الادّعاءات حول تسبب هارب بالزلزال في تركيا وسورية
وكان أول الادعاءات التي ربطت بين “هارب” وزلزال تركيا وسورية الأخير، مقطع فيديو، يظهر سطوع ضوء في السماء قبل وقوع الزلزال، وقال ناشروه إنّ ذلك يُؤكد استخدام أجهزته.
تحقّق "مسبار" من الادّعاء وتبين أنّه مضلّل، إذ إنّ مقطع الفيديو قديم وليس قبيل زلزال تركيا الأخير، بل التقط بعد هزة أرضية مركزها منطقة جولياكا في ولاية دوزجي التركية، التي وقعت في 23 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022.
ونقلت مواقع تركية عن نائب مدير مرصد كانديلي التركي ومعهد أبحاث الزلازل الدكتور علي بينار، قوله إنّ سبب ظهور الضوء في السماء خلال زلزال دوزجي، هو احتكاك الطاقة الزلزالية مع حركة الصدع، والذي يؤدي إلى توليد حرارة كبيرة تنجم عنها أشعة ضوئية.
ثاني ادعاء حول علاقة هارب بزلزال تركيا وسورية
أما الادعاء الثاني الذي يربط بين جهاز “هارب” وزلزال تركيا وسورية الحديث فهو انتشار مقطع فيديو لشبان يحطمون مولدات “هارب” في منطقة نائية في البرازيل، وقال ناشرو الادّعاء إنه بسبب افتعال زلزال تركيا الأخيرـ وأتى تداول هذا المقطع بالتزامن مع الحديث عن تسليط برنامج "هارب" لافتعال الزلزال، في إشارة إلى أنّ هذا البرنامج له دور في حدوث الزلازل والكوارث الطبيعية.
وتبيّن في تحقق "مسبار" أنّ هذا الادّعاء مضلّل، إذ إنّ مقطع الفيديو قديم ويعود إلى نوفمبر عام 2017، عندما دمّر مئات المزارعين البرازيليين معدّات كهربائية تابعة لشركة لاغاراشي الزراعية في كورينتينا غربي البلاد؛ احتجاجًا على انخفاض منسوب المياه في نهر أروجادو، بعدما استخدمته الشركة لتزويد نظام الري الخاص بها؛ ممّا أدى إلى نقص في المياه.
الادعاء الثالث ظهور توهج قوي بين نقطتين
والادّعاء الثالث الذي ربط بين الزلزال و"هارب" في العديد من المنشورات هو ظهور ضوء غريب بين ولايتي أورفا ومرعش أو توهّج قوي في نقطتين، وزعمت أنّه برز قبل الزلزال بلحظات، مضيفين وسم “هارب”.
وعند البحث، تبيّن لـ"مسبار" أنّه عندما ضرب الزلزال في منطقة كهرمان مرعش التركية، أبلغت بعض الوكالات الإخبارية التركية عن وقوع انفجار وحريق في خط أنابيب الغاز الطبيعي في قرية توببوغازي في منطقة كيريخان في هاتاي، الانفجار الذي تبعه الحريق وقع عند نقطتين منفصلتين تبعدان عن بعضهما 200 متر، وانتشرت عبر الإنترنت مقاطع من زوايا مختلفة لنقطتي الحريق.
الادعاء الرابع يلقي اللوم على هارب بسبب شعاع برق
وانتشر ادعاء رابع في شكل مقطع فيديو، قال ناشروه إن هناك شعاعًا يشبه البرق ظهر خلال الزلزال، وله علاقة بجهاز “هارب”.
وقد شارك الصحفي برزان الصديق مقطع الفيديو عبر حسابه في موقع تويتر قائلًا “لقطات مرعبة تظهر من مدن حول غازي عنتاب في تركيا، أضواء في السماء وانقطاع للتيار الكهربائي”.
ظهر هذا النوع من الأضواء في زلازل أخرى، وتفسر مصادر علمية أن هذه الأضواء تُصاحب الزلازل في بعض الأحيان، كما يُعدّ ظهور برق الزلازل أمرًا نادرًا نسبيًا. ويفسر العلماء تشكّل هذا النوع من الضوء بأنه ناتج عن الشحنات الكهربائية التي يتم تنشيطها في أنواع معينة من الصخور أثناء النشاط الزلزالي.
يمكن أن تأخذ الأضواء "أشكالًا وألوانًا مختلفة" بحسب فريدمان فرويند الأستاذ المساعد في الفيزياء في جامعة ولاية سان خوسيه وكبير الباحثين في مركز أميس للأبحاث التابع لناسا في مقابلة مع ناشيونال جيوغرافيك عام 2014.
الادعاء الخامس ظهور غيمة غريبة قبل الزلزال
الادعاء الأخير يتعلق بظهور غيمة غريبة الشكل في مدينة بورصة التركية وهو ما اعتبرته بعض الحسابات على مواقع التواصل دليل استخدام “هارب”، وقد انتشرت منذ 19 يناير/كانون الثاني الفائت، صور ومقاطع فيديو لسحابةٍ غريبة في سماء مدينة بورصة التركية، شُبّهت بسفينة فضائية.
بعد الزلزال أعاد بعض المستخدمين في مواقع التواصل تداولها كدليل على صحة ادعائهم.
وكان "مسبار" قد تحقق حول منه في تقريرٍ سابق، ووجد أنّ وسائل إعلام تركية وأجنبية أكّدت أنها ظاهرة طبيعيّة تعرف بـ"الغيمة العدسية وليست مرتبطة بأي برنامج".
زلزال تركيا وسورية
واستمر تداول هذه الادعاءات على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على وقوع الزلزال الذي ضرب مناطق في تركيا وسورية، وبلغ عدد الضحايا في تركيا 31 ألفًا و643، في حين وصل في سورية إلى نحو 4000 ضحية.
وما تزال ولاية قهرمان مرعش تتعرض لهزات ارتدادية، إذ أعلن مرصد الزلازل التركي تسجيل هزتين ارتداديتين في الولاية أمس الأحد 12 فبراير، بشدة 4.1 و4.6 درجات على مقياس ريختر. بينما أعلن المركز الأورومتوسطي لرصد الزلازل تسجيل 70 هزة أرضية في تركيا يوم السبت تراوحت بين 3 و4.7 درجات.
وبذلك تكون حصيلة قتلى الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية حتى الآن أكثر من 36 ألفًا، في حصيلة قابلة للازدياد مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ.
وبلغت قوة الزلازل الذي ضرب تركيا وسورية فجر الاثنين السادس من فبراير الجاري، 7.8 درجة على مقياس ريختر. وذكرت منظمة الصحة العالمية أنّ عدد المتضررين جرّاء الزلزال بلغ قرابة 26 مليون شخص.
المصادر: