أوقفت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، يوم الجمعة 10 مارس/آذار، مقدم برنامجها الكروي "ماتش أوف ذا داي" (مباراة اليوم)، ولاعب كرة القدم الإنجليزي السابق غاري لينيكر، بسبب التعليقات التي أدلى بها منتقدًا سياسة الهجرة لحكومة المحافظين. وجاء هذا القرار بعد جدل دار حوله، على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف البريطانية وفي قاعات البرلمان.
وقالت شبكة بي بي سي في بيان لها إنها "نعتبر نشاط لينيكر الأخير على وسائل التواصل الاجتماعي انتهاكًا لإرشاداتنا". مضيفة أنّه يجب عليه تجنب الانحياز في القضايا السياسية. وأضافت "قرّرت هيئة الإذاعة البريطانية أنّ لينيكر سيتراجع عن تقديم البرنامج حتى نتوصل إلى موقف مُتفق عليه وواضح، بشأن استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي".
غاري لينيكر ينتقد قانون الحكومة البريطانية لمنع الهجرة
واندلع الخلاف بعدما ردّ غاري لينيكر على مقطع فيديو لوزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، كشفت فيه عن خطط الحكومة لوضع حدّ لعمليات العبور غير النظامية لقناة المانش.
وقال في حسابه على موقع تويتر "لا يوجد تدفق هائل. نستقبل لاجئين أقل بكثير من الدول الأوروبية الكبرى الأخرى". وتابع "هذه مجرد سياسة قاسية بدرجة لا يمكن قياسها وموجّهة ضد الأشخاص الأكثر ضعفًا بلغة لا تختلف عن تلك التي استخدمتها ألمانيا في الثلاثينيات، و(يقولون) أنا من تجاوز حدّه؟!".
ما هو قانون الحكومة البريطانية بشأن الهجرة غير النظامية؟
طرحت الحكومة البريطانية يوم الثلاثاء السابع من مارس الجاري، مشروع قانون يهدف إلى منع المهاجرين غير النظاميين الواصلين عبر قناة المانش من طلب اللجوء في المملكة المتحدة.
وينص مشروع القانون على الترحيل السريع للمهاجرين الذين يصلون بهذه الطريقة ويمنعهم من طلب اللجوء، أو الاستقرار في المملكة المتحدة أو التقدم بطلب للحصول على الجنسية. كما يسهل احتجاز المهاجرين حتى ترحيلهم إلى دولة أخرى تعدّ آمنة.
استنكار ومطالبات بفصل لينيكر من عمله
وفي ردّها على تعليقات غاري لينيكر، عبّرت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، في تصريحات لشبكة "آي تي في" (ITV) البريطانية، عن "خيبة الأمل" من مقارنة اللاعب الإنجليزي السابق تصريحاتها بخطاب النازية في ألمانيا بداية القرن العشرين.
وأضافت "إنّ مساواة إجراءاتنا، القانونية والضرورية والرحيمة بشكل أساسي، بألمانيا في ثلاثينيات القرن الفائت، لهو أمر غير مسؤول، وأنا لا أتفق مع هذا الوصف".
واستنكر مكتب رئيس الحكومة تعليقات لينيكر، وقال السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء في تصريحات "من المخيب للآمال أن يستخدم شخص هذا النوع من الخطاب، بينما يتم تمويل راتبه من قبل دافعي رسوم الترخيص البريطانيين". كما اتهم لينيكر بـ"تجاهل مخاوف البريطانيين المشروعة في ما يتعلق بعبور القوارب الصغيرة وبالهجرة غير النظامية".
ودعا نواب وسياسيون تابعون لحزب المحافظين الحاكم شبكة بي بي سي، إلى فصل غاري لينيكر من وظيفته على خلفية تعليقاته، وسط تأكيد منهم على قانونية الإجراءات التي ينص عليها القانون.
وقال وزير الهجرة روبرت جينريك "أطفالي هم أحفاد ناجين من الهولوكوست، وأعتقد أنه لا ينبغي إلقاء هذه الكلمات باستخفاف، خاصة وأن دافعي الضرائب يدفعون راتب لينيكر. ومن المخيب للآمال أنه بعيد كل البعد عن الرأي العام البريطاني".
استمرار لينيكر في الدفاع عن موقفه
ورغم هذه المطالبات، لم يتراجع لينيكر عن موقفه واستمر في الدفاع عنه وأشار إلى منتقديه في عدد من التغريدات، وكتب "من الرائع رؤية أنصار حرية التعبير هذا الصباح يطالبون بالصمت من أولئك الذين يختلفون معهم".
وبعد أن سانده العديد من المؤيدين لموقفه، قال لينيكر "لم أعرف أبدًا مثل هذا الحب والدعم في حياتي أكثر مما أحصل عليه هذا الصباح (ربما باستثناء أهداف كأس العالم في إنجلترا). أود أن أشكر كل واحد منكم. فهذا يعني الكثير، مضيفًا "سأستمر في محاولة التحدث نيابة عن تلك النفوس الفقيرة التي ليس لها صوت. تحياتي للجميع".
وتضامن عدد من السياسيين والإعلاميين مع غاري لينيكر، ضد ما تعرض له من انتقادات حكومية، وشارك آدم بولتون، مذيع سكاي نيوز السابق تغريدة قال فيها "يبدو لي أن غاري لينيكر يحق له أن يقول ما يحبه على تويتر، إنه ليس مراسلًا سياسيًا".
كما انضم السياسي البريطاني وعضو الحركة العمالية السابق، أليستر كامبل، إلى حملة الدفاع عن اللاعب الإنجليزي السابق، وقال إن "لينيكر كان دقيقًا من الناحية الواقعية، وأن اللغة في النقاش تفوح برائحة اللغة التي استخدمها السياسيون ووسائل الإعلام في ألمانيا في الثلاثينيات. ونواب حزب المحافظين يريدون أي شيء يغذي سياساتهم الاستقطابية الشعبوية".
وقال الصحفي الرياضي البريطاني هنري وينتر "مخيب للآمال أن تغطية بي بي سي أملاها السياسيون، وليس ما يجب أن تكون عليه". مضيفًا "بي بي سي يجب أن تخجل. يجب أن تكون مستقلة".
موقف لينيكر السياسي خلال مونديال قطر وكيف تعاملت بي بي سي معه؟
تعليق بي بي سي لبرنامج غاري لينيكر بسبب الإفصاح عن رأيه في موضوع سياسي، يُعيد للأذهان موقف هيئة الإذاعة البريطانية، حينما سمحت للينيكر بالحديث عن قضايا سياسية تخص قطر أثناء تغطية الشبكة لكأس العالم 2022. ووعد لينيكر بأنه سيقوم بالتحدث عن تلك القضايا أثناء تغطيته للبطولة من قلب قطر.
وتجاهلت شبكة بي بي سي أيضًا، بث حفل افتتاح البطولة، ونقلت مباراة من دوري كرة القدم النسائية.
وتعرضت “بي بي سي بعدها لانتقادات”، وقال المذيع التلفزيوني البريطاني بيرس مورغان، حينها "عدم احترام بشكل فاضح لقطر لأن بي بي سي لم تبث حفل افتتاح كأس العالم، وبدلًا من ذلك وضعت المزيد من الإشارات حول مدى فظاعة الأمر". مضيفًا "إذا كانوا مرعوبين إلى هذا الحد، فعليهم إعادة جيشهم الضخم من الموظفين إلى الوطن وتجنيبنا هذا النفاق السخيف".
اتهامات لبي بي سي بازدواجية المعايير
تعرضت “بي بي سي” لانتقادات بعدما أوقفت برنامج غاري لينيكر، واتهمت بالانتقائية وتبني سياسة مزدوجة المعايير، فيما يخص بعض القضايا السياسية، مثل تغطيتها لمونديال قطر بشكل سياسي، وإيقافها لينكر لحديثه عن قضية سياسية أخرى تخص اللاجئين في بريطانيا.
وتعليقًا على إيقاف لينيكر، قال الممثل الإنجليزي والمخرج المسرحي، ريس دينسدال، في تغريدة "يمكنه التعليق على حقوق الإنسان في قطر أثناء تقديم تغطية بي بي سي لكأس العالم، لكنه لا يستطيع التعليق على حالة حكومة بلاده بنفسه". مضيفًا " كيف هذا التوازن إذًا؟".
وقالت حليمة خان، المسؤولة السابقة في حزب العمل "سمحت قطر لهيئة الإذاعة البريطانية وغاري لينيكر بتوبيخهما على التلفزيون الدولي، ولم تبث بي بي سي حتى حفل الختام أو الافتتاح لكأس العالم. لن تسمح بي بي سي نفسها للينيكر بالتغريد عن انتهاكات حقوق الإنسان البريطانية. تتمتع قطر بحرية تعبير أكثر من المملكة المتحدة".
وقالت حسابات أخرى "هذا هو غاري لينيكر نفسه، الذي سمحت له بي بي سي بانتقاد سجل حقوق الإنسان في قطر، فلماذا لا يُسمح له بانتقاد سجل حقوق الإنسان في البلد الذي يعيش فيه؟".
وكان "مسبار" قد نشر تقريرًا في نوفمبر 2022، يناقش الموجة الإعلامية الغربية التي واجهتها قطر منذ منحها تنظيم البطولة في عام 2010، وكيف ساعدت هذه الحملة على انتشار التضليل الإعلامي قبل فترة من انطلاق مونديال قطر 2022، وأبرز المغالطات الأكثر شيوعًا التي نشرتها وسائل إعلامية غربية.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا
كيف لعب النوع الاجتماعي دورًا هامًا في مهنة تقصي الحقائق؟
شبكة استخبارات إسرائيلية تعمل على التلاعب بالانتخابات في أفريقيا
