هذا التقرير ترجمة بتصرف لمقال منشور النسخة الإنجليزية من مسبار.
ترجمة: محمد أيمن وسارة دركشلي
تجدّد النقاش حول امتلاك تونس لكميّات ضخمة من النّفط والغاز من عدمه، عقب تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد حول ذلك. والتي تبعتها أنباء في وسائل الإعلام اللّيبيّة بتاريخ 25 مارس/آذار الفائت، عن اكتشاف كميّات واسعة من النّفط والغاز بالقرب من السّواحل البحريّة للبلدين.
قيس سعيّد: تونس لم تنل سوى الفتات من حقل البوري للنفط
زار الرّئيس التّونسي قيس سعيّد في مارس الفائت مقرّ الشّركة الوطنيّة للأنشطة البتروليّة. وقد تطرّق إلى قضيّة حقل البوري النفطي المختلف عليه مع ليبيا. معبّرًا عن استيائه من قرار محكمة العدل الدّوليّة الذي حكم لصالح ليبيا في قضيّة الجرف القارّي بين البلدين.
انطلق النّقاش حول ترسيم الحدود البحريّة بين البلدين عام 1966، إثر الاكتشافات الأوليّة لحقول نفط في عرض البحر الأبيض المتوسّط. اقترح وزير الخارجيّة اللّيبي في عام 1974، عبد السّلام التّريكي، تقسيم حقل البوري إلى نصفين متساويين بين البلدين، لكن الجهة التّونسيّة رفضت هذا المقترح إثر فشل مشروع الوحدة بين ليبيا وتونس قبل ذلك بعام.
قدّرت الشّركة النفطيّة الإيطاليّة AGIP Oil في عام 1976 احتياطي حقل البوري بـ4.5 مليار برميل (720.000.000 مترًا مكعبًا) من احتياطي النفط الخام القابل للاستخراج، و3.5 ترليون قدم مكعّب (99 كيلومترًا مكعبًا) من الغاز الطّبيعي، مع إنتاج سنوي يُقدّر بـستة مليارات متر مكعب.
تشير شهادة الحكومة التّونسيّة سنة 1977 في إطار القضية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية، إلى دخول سفينة استكشاف أميركية باسم J.W.Bures تابعة لشركة Reading and Bates، وترفع علم دولة بنما للمياه الإقليميّة التّونسيّة، مصحوبةً بثلاث قطع بحريّة عسكريّة ليبيّة من بينها غوّاصة.
في سياق تصاعد الوتيرة بين البلدين وعلى إثر وساطة الكاتب العام للجامعة العربية آنذاك، محمود رياض، قرر الطّرفان اللجوء إلى محكمة العدل الدولية التي حكمت عام 1982 لصالح الدولة اللّيبيّة وشريكها الإيطالي، شركة إيني النّفطيّة، ثمّ رفضت الاسئناف الّذي قامت به الدولة التونسيّة سنة 1985.
مؤخرًا، أعلن وزير النّفط اللّيبي في حكومة طرابلس محمد عون إثر تصريح الرئيس التّونسي قيس سعيّد، أنّ هذا الأخير فسّر قرار المحكمة الدوليّة بطريقة خاطئة، مضيفًا أنّ البلدين وافقا على ملكيّة ليبيا التامة لحقل البوري. وقد أعلن رئيس لجنة الطاقة لمجلس النواب في طرابلس عيسى العريبي عن رفضه التفويت في الموارد الليبية. كما أوضح الوزير عون أنّ الرئيس سعيّد كان يقصد الحقل المشترك بين البلدين كما هو مبين في الخريطة أدناه. وأضاف في هذا الصّدد أنّه تّم إنشاء مؤسّسة مشتركة لاستغلال هذا الحقل سنة 1988، لم يتم تفعيلها إلى الآن.
موقع الحقل المشترك التّونسي الليبي
يعد حقل البوري NC-41 والذي يمثل جزءًا من حوض البيلاجيان (Pelagian Basin)، الأكبر في البحر الأبيض المتوسط ورابع أكبر احتياطي بحري في أفريقيا. يحتوي الحقل على 38 بئرًا تستغلها الشركة الليبية الوطنية للنفط وشركة إيني الإيطاليّة منذ سنة 1988. بلغ الانتاج اليومي لهذا الحقل عام 1995، 150 ألف برميل نفط في اليوم، ثم تراجع الإنتاج ليصل إلى 23.500 برميلًا في اليوم في مارس 2023. ويُتوقّع أن يبلغ الحقل حده الاقتصادي الربحي بحلول سنة 2034 بناء على المعطيّات التي جمعها Offshore technology في الرسم البياني أدناه.
التطور الزمني لإنتاج حقل البوري النّفطي
اكتشفت شركة إيني بئرين جديدين، تبلغ كميّة إنتاج الأول 29 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم و600 برميل نفط يوميّا، بينما يُنتج الثاني يوميًا 3 آلاف برميل نفط. فضلًا عن ذلك، سينطلق مشروع توسعة الحقل العام الجاري. كما أعلنت الشركة الليبية للنفط عن فتح عقود الشراكة سنة 2024 لاستغلال النفط والغاز. تأتي هذه الأخبار في سياق تنامي حاجة الاتحاد الأوروبي للغاز وسعيه لتنويع مصادره من الطاقة، وعدم الاعتماد على روسيا عقب الحرب التي شنتها على أوكرانيا.
اكتشاف كميات ضخمة من النفط والغاز بين تونس وليبيا
انتشرت يوم 25 مارس الفائت، في وسائل الإعلام الليبية أنباء عن تقرير لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، مفاده اكتشاف كميات ضخمة من النفط والغاز بالقرب من السواحل التونسيّة والليبية. وقد تداول الخبر أيضا كل من وسائل الإعلام التونسية والأذرية والمالطية. أكدت الأنباء إمكانية مضاعفة احتياطي تونس من النفط والغاز وأن البلد قد يصبح أحد المنتجين الأساسيين في حوض المتوسط. لا شك أن استغلال حقول النفط والغاز من شأنه أن يحقق لتونس الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وأن يخفف أعباء التوريد الذي يؤثر سلبًا على الميزان التجاري منذ عقود. إذ تُبيّن أرقام الشركة التونسيّة للأنشطة البترولية في هذا الصدد أنّ البلد يسجّل عجزًا طاقيّا متفاقمًا منذ سنوات.
تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عن النقط والغاز بين تونس وليبيا
نشرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية دراسة سنة 2001، لمسح وتحديد احتياطي النفط والغاز الطبيعي خلال الـ30 سنة المقبلة خارج الولايات المتحدة. وقد ركزت هذه الدراسة على مناطق عدة من بينها الجزء الأوسط للبحر الأبيض المتوسط الذي تحدّه جنوبًا سواحل ليبيا الغربيّة، وغربًا السواحل التونسيّة، وشمالًا كل من جزيرة مالطا وجنوب جزيرة سيسيليا الإيطالية.
تشير هذه الدراسة، فضلًا عن التقريرين المنشورين في 2010 و2019، إلى وجود "حوض البيلاجيان NC-41" في قلب البحر المتوسط، وتبلغ مساحته 294 ألف كيلومترًا مربّعًا. ويحتوي الحوض على المنطقة المسماة "بودبّوس"، والتي تطرّقت إليها وسائل الإعلام الليبية.
موقع حقل بودبّوس في البحر المتوسط
ويشير من جهته ملحق الدراسة المنشور سنة 2010 أنّ منطقة بودبّوس (المُحاطة بالخطّ المتقطع في الخريطة)، تحتوي إجمالًا على معدل 305 مليون برميل نفط و131 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي. إضافة إلى أربعة ملايين برميل من السوائل المشتقة من الغاز الطبيعي. كما يضيف الملحق المنشور سنة 2019، إلى أن المنطقة نفسها تحتوي على 61 بئر نفط و82 حقل غاز طبيعي، ويُقدّر معدل إنتاجها ب12.8 مليون برميل نفط، و109.2 مليار قدم مكعب من الغاز.
في هذا السياق، أوضح حبيب الطرودي، الدكتور في الجيولوجيا والمستشار لدى الشركة التونسية للأنشطة البترولية، خلال حوار مع إذاعة موزاييك آف آم التونسية، أنّ دراسة هيئة المسح الجيولوجي الأميركية التي أُعلن عنها في مارس 2023، نُشرت قبل عام 2010. وقد اعتبر الطرودي أنّ الدّراسة "سطحيّة" و"لا يمكن الاستناد عليها"، نظرًا لكون الأرقام المطروحة مستندة على مسح جيولوجي، ما اعتبره غير كافٍ لتقديم معلومات دقيقة حول إمكانيّة اكتشاف احتياطي من النّفط والغاز الطّبيعي. فضلًا عن ذلك، فقد زعم أنّ هذه الدّراسة لا تعدّ مرجعًا علميًّا لافتقارها إلى تحليل زلزاليّ من شأنه أن يقدّم صورة أوضح.
التونسيون يسألون أين البترول؟
تم طرح هذا السؤال من قبل العديد من التونسيين، الذين يستغربون لماذا لا يحتوي بلدهم على كميات هامّة من الموارد الطاقية كما هو الحال بالنسبة للجارتين ليبيا والجزائر. وتساءل في هذا الصدد الخبير الأميركي جون نلسون سنة 2013 حول أهمية تونس المستقبلية في هذا الميدان، علمًا أن البلد يعد حاليًّا منتجًا ضعيفًا للنّفط والغاز. وأنّ الاحتياطي في القارة الإفريقية لا يزال في طور الاكتشاف. كما أن غياب الشفافية والاتصال الحكومي حول إدارة الموارد الطاقيّة التي من المفترض أن تكون ضئيلة من شأنه أن يعزّز هذا التّساؤل.
انطلقت الاحتجاجات وعمليات إغلاق مواقع الإنتاج منذ سنة 2012 في كل من مدينتي دوز والفوّار، الواقعتين بالجنوب الغربي للبلاد والتي تنشط فيهما شركات تنقيب النفط والغاز الطبيعي. ثم تصاعدت وتيرتها إثر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سنة 2014، والتي شهدت انطلاق حملة "وينو البترول؟".
تهدف الحملة إلى تعزيز الشفافية في هذا الميدان وتحقيق التوزيع العادل للثروات الطاقيّة بين مختلف المقاطعات التونسيّة. وعقب هذه الحملة أُغلق صمّام نقل النّفط في منطقة الكامور الواقعة في مقاطعة تطاوين جنوب البلاد في عامي 2017 و2020.
لايزال النّقاش حول امتلاك تونس لثروة طاقية هائلة من عدمه يشغل بال المواطنين، خاصة في ظل تردي الوضع الاقتصادي. وتبيّن الخريطة أدناه توزيع الثروات النفطية والغازية التقليدية الممكن اكتشافها في شماليّ أفريقيا.
توزيع الموارد النفطيّة والغازية التقليدية في شماليّ إفريقيا 2012
يُقدّر إجمالي النفط الموجود في هذه الأحواض الثمانية بـ19 مليار برميل يمكن استخراجه بطريقة تقليدية. وتشير الدراسة إلى أن 41% منها توجد في حوض الصّويرة المغربي، و19% في حوض سرت الليبي، بينما تحظى منطقة "حاسي بركين" المتاخمة للحدود الجزائريّة التّونسيّة والموجودة في حوض ترياس/غدامس بـ10%. من جهة أخرى قُدّر إجمالي موارد الغاز الطّبيعي بـ370 ترليون قدم مكعّب، تحظى مصر بـ59% منه والمغرب بـ12% وليبيا بـ6%.
وأشارت دراسة هيئة المسح الجيولوجي الأميركية ووسائل إعلام جزائرية، أنّ منطقة بركين المعروفة بمخزونها النفطي، ستصبح على المدى القصير والمتوسط حقلًا لاستخراج الغاز الطبيعي، إثر اكتشاف كميات كبيرة من الغاز غير التقليدي المعروف بالغاز الصخري. لكن من المهم التذكير أن استخراج هذا النوع من الغاز يؤثر سلبا على الموارد الطبيعية الأخرى بما في ذلك المياه الجوفية. إذ تشير الدراسة التي نشرتها هيئة حماية البيئة الأميركيّة أنّ تقنية التّكسير الهيدروليكي المعتمدة في هذا الإطار من شأنها أن تلوّث المياه الباطنيّة الصّالحة للشرب فضلًا عن ارتفاع استهلاك المياه لحفر بئر واحد إلى كميّة تتراوح بين 14 و27 مليون لتر.
إنّ احتياجات الاتحاد الأوروبي للغاز من شمال إفريقيا في تصاعد، وذلك للتّخفيف من الاعتماد على الغاز الروسي، لكنّ أوروبا ملتزمة بالانتقال إلى الطّاقة المراعية للبيئة، وتسعى إلى إزالة انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون كليّا بحلول عام 2050. في هذا الإطار أشارت دراسة شركة بريتيش بتروليوم (BP)، أنّ الحاجيات الأوروبية للغاز الطّبيعي سنة 2030، ستتقلص بين 30% و50% مقارنة بمعدل استهلاك سنة 2019. وهذا ما يعني أنّ الاستثمار في البنية التحتية للطاقة لن يكون مُربحًا على المدى الطويل باعتبار أنّ المدة اللازمة لإنشائها أطول مقارنة بتلك المتعلقة بالطاقة المستدامة.
المصادر:
Tunisian Presidency Facebook page
International Court of Justice
United States Geological Survey
USGS Assessment: Undiscovered Conventional Oil and Gas Resources of North Africa, 2012
اقرأ/ي أيضًا
الادّعاءات المضللة حول المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس