نُشرت مؤخرًا دراسة علمية في دورية ساينتيفيك ريبورتس، أجراها باحثون من جامعة بنسلفانيا، تفيد بأنّ تعزيز المعتقدات ذات السرديات المعاكسة فعّال ضد تصديق المعلومات المضللة، وله تأثير تصحيح المعلومات المضللة نفسه. وأطلق الباحثون على هذه الآلية مصطلح "تجاوز المعلومات المضللة” (Bypassing Misinformation).
تقول دولوريس ألباراسين، المؤلفة للدراسة، وهي مديرة قسم التواصل العلمي في مركز أننبرغ للسياسة العامة (APPC) في جامعة بنسلفانيا، "تجاوز المعلومات المضللة هو أسلوب فعال لمواجهتها لأنه يسمح للناس بالوصول إلى استنتاج بناء على معلومات جديدة، دون إعادة النظر بالضرورة في المعلومات المضللة".
ما هي آلية تجاوز المعلومات المضللة؟
إنّ التصحيح المباشر للمعلومات المغلوطة، قد ينفّر الأشخاص ويمنعهم من الالتفات إلى الحقائق. ما تقترحه هذه الدراسة هو الالتفاف على المعلومات المضللة بمعلومات دقيقة تفيد بنتيجة معاكسة. على سبيل المثال، بدلًا من سرد ومناقشة الأدلة التي تنفي الادعاء بأن اللقاحات ضارة، يمكن مناقشة الأدلة التي تؤكّد على دور اللقاحات في انخفاض تفشي الأمراض وإنقاذ حياة الناس.
في حوار أجراه موقع إنديا إكسبرس مع مؤلفة الدراسة ألباراسين، سألها عن كيفية استخدام آلية تجاوز المعلومات المضللة من قبل وسائل الإعلام وصنّاع السياسات، فأجابت "على سبيل المثال، بدلًا من مجرد مواجهة بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول اللقاحات، يمكنهم إعلام الجمهور على نطاق أوسع بجميع النجاحات السابقة والآثار الإيجابية للقاحات".
وهذا يعني أن كلًا من وسائل الإعلام وصناع السياسات يمكنهم الاستثمار في تقنيات غير تصادمية لإعلام الجمهور بالحقائق.
اشتملت الدراسة على ثلاث تجارب
عُقدت الدراسة بإجراء ثلاث تجارب، في التجربتين الأولى والثانية، قرأ المشاركون مقالًا يحتوي معلومات مغلوطة تفيد بأنّ الذرة المطوّرة حديثًا والمعدّلة وراثيًا يمكن أن تسبب ردود فعل تحسسية شديدة. ثم قُسّم المشاركون إلى مجموعتين، الأولى قرأ أعضاؤها مقالًا صحّح المعلومات الخاطئة في المقالة الأولى بشكل مباشر، فيما قرأ الآخرون مقالًا سلّط الضوء على بعض فوائد الأغذية المعدّلة وراثيًا. أما مجموعة المراقبة، فقد ضمّت مشاركين لم يقرؤوا مقالة ثانية، ومشاركين آخرين قرؤوا مقالة ثانية حول موضوع غير ذي صلة.
وفي التجربة الثالثة، قرأ المشاركون مقالة مضللة مختلفة، ادّعت أنّ الذرة المعدلة وراثيًا تسرّع نمو الورم في الفئران، ثم أفادوا عبر استبيانات بمواقفهم تجاه السياسات التي تقيد الأغذية المعدلة وراثيًا.
نتائج وتوصيات الباحثين
أشارت النتائج أنّ كلًا من آلية تصحيح المعلومات المضللة، وتجاوزها بتقديم سردية معاكسة، أدى إلى النتيجة نفسها، وهي دعم تخفيض القيود على الأطعمة المعدلة وراثيّا.
يقترح الباحثون آلية تجاوز المعلومات كطريقة جديدة لمعالجة آثار المعلومات المضللة، ولعلّ العامل الذي يحدد هذه الآلية بدلًا من التصحيح المباشر للمعلومات، هو الجمهور المستهدف وطريقة الوصول الأنسب له.
آليات وإجراءات سابقة لمواجهة المعلومات المضللة
ومن الجدير بالذكر أنّ الدراسات السابقة كانت غالبًا ما تركّز على التربية الإعلامية باعتبارها الحل الأبرز لمشكلة المعلومات المضللة، إذ أثبتت نتائج الاستطلاعات أنّ الدول المتقدّمة في مجال التربية الإعلامية أكثر حصانة أمام انتشار المعلومات المضللة. وتعدّ فنلندا من أنجح النماذج عالميًا وأكثرها تقدّمًا في هذا المجال، وقد صنّفت على رأس قائمة الدول الأكثر حصانة ضد المعلومات المضللة، وفقًا لتحليل أجراه معهد المجتمع المفتوح في مدينة صوفيا في فبراير/شباط الفائت.
كما أشار باحثون في دراسات سابقة إلى أبرز الآليات المعرفية التي تمكّن الشخص من تمييز المعلومات المضللة وعدم الوقوع في فخها، مثل التفكير النقدي، وأوصوا بأهمية تطويرها لدى الفئات العمرية الصغيرة خاصة من خلال مناهج خاصة في التربية الإعلامية.
من جهة أخرى، سلط باحثون الضوء على إجراءات تقنية في مواقع التواصل الاجتماعي من شأنها أن تحدّ من انتشار المعلومة المضللة، مثل إضافة خيارات تقييم صحة المحتوى اللامركزية، التي تتيح للمستخدمين أنفسهم تقييم صحة المعلومات المنتشرة على مواقع التواصل، الأمر الذي يجذب المستخدمين الذين لا يثقون في عمل المنصات، ويرفع ثقتهم بالمحتوى المنشور عليها.
وتستمر جهود الباحثين في تحديد وتطوير آليات التصدي لانتشار المعلومات المضللة، في وقت زادت به التحديات بسبب مساهمة تطوّر التقنيات والاتصالات بزيادة انتشار هذه المشكلة، بشكل غير مباشر.
المصادر
اقرأ/ي أيضًا
دراسة: زيادة التفاعل مع ناشري المعلومات المضللة على تويتر منذ استحواذ إيلون ماسك
هل تساعد تسمية "الأخبار الزائفة" الجمهور على تمييز المعلومات المضللة؟
