هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال في موقع جامعة كامبريدج
يعتبر فهم لغة الأخبار المزيفة واحدًا من الأمور الأساسية لفهم مشكلة هذه الأخبار، وهذا يرجع إلى أن الأخبار المزيفة ترتكز إلى لغة ونص، رغم وجودها على هيئة صور أو مقاطع فيديو أو صيغ أخرى، لكن جميعها تحتوي على نص ولغة لأن النصوص هي الوحدة التواصلية الأولى والأساسية للصحافة سواء التقليدية أو الحديثة.
وفق الدراسة التي نشرتها جامعة كامبريدج في بريطانيا، حول تحليل لغة الأخبار الزائفة، وكيف يمكننا تحليل النصوص ولغة الأخبار بطريقة مفيدة تفضي إلى كشف التضليل فيها، فإنّ فهم لغة الأخبار الزائفة واختلافها عن لغة الأخبار الحقيقة يعتبر أمرًا مهمًا لفهم لغة وسائل الإعلام على اختلافها، وهو ما سيقودنا، وفقها، إلى تبيّن التحيزات والأيدولوجيات التي تكون خلف أي عمل صحفي.
وفق الدراسة، تعكس أزمة الأخبار الكاذبة في الوقت الحالي انعدام الثقة المتزايد في وسائل الإعلام، خاصة مع إمكانية وجود معلومات لا يمكن تصحيحها من خلال تطوير أنظمة الكشف التلقائي عن الأخبار الحقيقية والزائفة حتى وإن كانت على درجة جيدة من الدقة، إذ إنّ المقال أو العمل الصحفي عمومًا يعكس بشكل أو بآخر وجهة النظر والسياسة التحريرية لوسيلة ما، والتي سيكون لها بدورها عواقب مجتمعية حقيقية على الطرف المتلقي لهذه الأخبار.
لذلك تعتبر دراسة لغة الأخبار المزيفة مهمة لفهم دوافع الصحفيين ووسائل الإعلام وطريقة التعبير عن هذه المعلومات والرأي والتحيز في وسائل الإعلام الإخبارية وكذلك فهم كيف تشكل لغة وسائل الإعلام المختلفة، العالم من حولنا وكذلك تصوراتنا عنه.
مشكلة الأخبار المزيفة ليست بجديدة بل هي مستمرة، لكنها اليوم مع عصر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تحظى باهتمام غير مسبوق في ظل قدرة جميع المستخدمين على الكتابة والنشر، عدا عن تزايد انعدام الثقة في وسائل الإعلام التقليدية التي تمثل توجهات وتحيزات في سياقات محددة، لذلك وجدت هذه الدراسة أن تحليل لغة الأخبار الزائفة كان محدودًا إلى حد ما بين أوساط الباحثين، حيث ركز أغلبهم على التصنيف الآلي للأخبار الحقيقية والكاذبة أكثر من التركيز على شرح سبب اختلاف بنية الأخبار الحقيقية والمزيفة.
وتقترح الدراسة تقديم إطار لغوي جديد لتحليل لغة الأخبار الزائفة وذلك من خلال عدة خطوات أهمها هو تحديد مفهوم هذه الأخبار وهذا يمثل التحدي الرئيسي الأول لفهمها، حيث أن غالبية الباحثين يركزون على أنواع معينة من الأخبار الزائفة وذلك يعتمد على مدى اهتمام الشأن العام وتصوراته حولها.
وهنا تفرق الدراسة بين الأخبار الكاذبة التي قد تكون بنيت على معلومات خاطئة من غير قصد أو غير منطقية، وهذه الأخبار لا يشعر الناس حيالها بالقلق في المقام الأول، وبين الأخبار الخادعة التي بنيت على معلومات مضللة عمدًا للتلاعب بالقراء، خاصة لإنشاء شكل من أشكال السيطرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبالتالي لا بد من تعريف المعلومات الخاطئة على أنها معلومات خاطئة، في حين يتم تعريف المعلومات المضللة على أنّها معلومات خادعة وهذا التمييز بين المعلومات الخاطئة والمضللة يستند بشكل أساسي إلى مفهوم الصدق، والذي يتم تعريفه بشكل مستقل عن معرفة أو نية الفرد.
وتؤكد الدراسة أن عملية التضليل قد تكون من خلال الانتقائية، وهذا يعد الشكل الأكثر شيوعًا للمعلومات المضللة في وسائل الإعلام، حيث تكون المعلومات الواردة في نص الأخبار صحيحة، ولكن يتم استبعاد المعلومات المهمة عن قصد للتلاعب بالقارئ.
قدمت الدراسة مثالًا تفصيليًّا لمقالات كتبها الصحفي الأميركي جيسون بلير الذي عمل في صحيفة ذا نيويورك تايمز خلال فترة 1999- 2003، كان واحدًا منها لمقال نشر له في 26 إبريل/نيسان 2003 على الصفحة الأولى، عن جندي أميركي فُقد أثناء العمليات العسكرية الأمريكية في حرب العراق، بعنوان "العواقب: المفقود؛ عائلة تنتظر، وحدها الآن، جنديًا مفقودًا".
لكن المراسلة ماكارينا هيرنانديز لاحظت أن المقال مشابه إلى مقالها الذي نشر في 18 إبريل 2003 في صحيفة سان أنطونيو إكسبريس نيوز، بعنوان "جندي تكساس؛ أم من وادي تنتظر أخبار ابنها المفقود في العمليات العسكرية".
الأمر الذي اعتبرته الصحيفة عملية تضليل مبنية على السرقة الأدبية، وعند تحليل النص تبين أن بلير ذكر تفاصيل في مقاله عن منزل العائلة مما يعني إجراء مقابلة مع العائلة في المنزل، لكن العائلة أكدت، حينها، أنه لم يتم إجراء مقابلة معهم من قبل بلير.
كان هذا المقال إلى جانب مقالات أخرى كان قد كتبها بلير وكانت موضع شك للمحررين في صحيفة ذا نيويورك تايمز خضعت للتحقيق والتدقيق، الأمر الذي انتهى باستقالة بلير من الصحيفة.
المصادر
اقرأ/ي أيضًا
دراسة تُفيد بأنّ التركيز على المعلومات الصحيحة فعّال بقدر تفنيد المضللة
هل تكافح ميتا التضليل بأموال جنتها من ترويج المعلومات الزائفة؟