` `

هل أزمة التزوّد بالخبز الأخيرة في تونس مُفتعلة كما قال البيان الرئاسي؟

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
أعمال
23 مايو 2023
هل أزمة التزوّد بالخبز الأخيرة في تونس مُفتعلة كما قال البيان الرئاسي؟
قالت منظمة تونسية إنّ بيان الرئاسة مضلل للرأي العام (Getty)

عرفت تونس خلال الفترة الفائتة، اضطرابًا في التزود بالخبز، ومادتي الدقيق (فارينة) والسميد، وسط مخاوف من تواصل هذا النقص، مع مطالب بإيجاد حلول سريعة لتجنب تفاقم الأزمة وحصر آثارها على المواطن وأصحاب المخابز.

وقد أوعز الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال لقائه وزيرة التجارة كلثوم بن رجب، بتاريخ 20 مايو/أيّار الجاري، فقدان الخبز في عدد من الولايات "إلى سعي البعض إلى تأجيج الأوضاع الاجتماعية والعمل على افتعال الأزمات".
وأضاف وفق بيان نشرته الرئاسة التونسية "أنّه من غير المقبول ألّا يتوفر الخبز في ولاية في حين يتوفر في ولايات أخرى مجاورة".

وفي لقائه بوزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي والمدير العام لديوان الحبوب يوم 22 مايو الجاري، قال الرئيس التونسي إنّ عدم توفر المواد الأساسية تقف وراءه جهات معروفة تستعد لخلق أزمة تزويد.

وأضاف سعيّد أنّ مسألة نقص الخبز غير مقبولة تمامًا وأنّ نقص المواد الأساسية بمختلف أنواعها يعد خطًّا أحمر". واعتبر أنّ "هناك دوائر ولوبيات تسعى الى تأجيج الوضع" وأنّ "أسماءهم معروفة".

 

فهل أزمة الخبز في تونس مفتعلة من قبل جهات تسعى إلى تأجيج الأوضاع في البلاد؟

تضارب في التصريحات بين سعيّد ووزيرة التجارة

على رغم من أنّ تصريح الرئيس التونسي قيس سعيّد حول نقص التزود بالخبز، جاء على خلفية لقائه بوزيرة التجارة، إلّا أنّ الوزيرة صرحت لوسائل إعلام تونسية محلية يوم 22 مايو الجاري، أنّ اضطراب التزود بالخبز مردّه “وجود اضطراب في التزوّد بالقمح الصلب، مما ولّد ضغطًا على القمح الّلين المستخدم في استخراج مادة الفارينة. وأضافت أنّ هذا النقص الذي جاء نهاية الاسبوع الفائت "تزامن مع الراحة الأسبوعية لبعض المخابز".

صورة متعلقة توضيحية

وأكدت الوزيرة أنّ الدولة بصدد "توريد كميات من القمح الصلب بسبب تراجع الإنتاج مقارنة بالسنة الفارطة وفق تقديرات وزارة الفلاحة"، وقالت إنّ التزويد بالدقيق عاد إلى نسقه العادي.

كما اجتمع وزير الفلاحة مع مسؤولين عدة لنقاش مسألة "تزويد المطاحن بمادّة الحبوب" يوم 19 مايو الجاري. و"تمّ تدارس الحلول الممكنة للإشكاليات المطروحة بهدف مزيد احكام التنسيق المشترك بين كل الجهات المتداخلة وضمان استمرارية التزويد حسب الحاجيات"، وفق بيان وزارة الفلاحة، ولم يذكر البيان أسباب ضعف التزود بمادة الحبوب.

منظمة تونسية: بلاغ الرئاسة حول الخبز في تونس مضلّل

وفق منظمة "آليرت" التونسية التي تكافح اقتصاد الريع، فإنّ بلاغ الرئاسة التونسية يحتوي على "تضليل للرأي العام وتعتيم على الممارسات الحقيقية المتسببة في هذه الأوضاع".

وفي بيان نشرته يوم 21 مايو الجاري، وصفت "آليرت" أزمة التزود بالخبز بأنّها هيكلية شاملة، وازدادت حدّتها جرّاء تدهور إمكانيات الدولة وعجزها عن تمويل استيراد الحبوب.

كما أكدت المنظمة أنّ فقدان الخبز ظاهرة تمسّ كافة ولايات الجمهورية بنسب متفاوتة، بسبب انخفاض حاد في كميات القمح الصلب الموزعة من طرف ديوان الحبوب. كما أشارت إلى أنّ بواخر القمح الصلب تصل بصفة غير منتظمة بين ولايتي صفاقس وتونس مما يولّد تفاوتًا في الكميات الموزعة بين الجهات.

كما أوضحت "آليرت" أنّ مادة الدقيق متوفرة لأنّ استيراد القمح اللين ممول من طرف البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الإفريقي للتنمية، لكن الإشكال الحقيقي كما تقول يكمن في “عجز الدولة التونسية على تمويل حاجياتها من القمح الصلب”.

تقول المنظمة إنّ ارتفاع ديون ديوان الحبوب حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى أربعة مليارات و768 مليونًا و74 ألف دينار، أي بنسبة 27% خلال سنة واحدة، وتأخر الدولة التونسية في صرف 2 مليار و385 مليون و74 ألف دينار من ميزانية الدعم، سبّب عجز ديوان الحبوب على استيراد حاجيات السوق خاصة من القمح الصلب.

ووفق الإحصائيات التي نشرتها "آليرت" فإنّه تم تخفيض كمية القمح الصلب الموزع من طرف ديوان الحبوب بنسبة 30% خلال شهر إبريل/نيسان الفائت، وإلى حد يوم 20 مايو الجاري تم توزيع قرابة 15% فقط من الاستهلاك الشهري، ومن المنتظر أن يكون قد شهد شهر مايو 2023 توزيع 500 ألف قنطار فقط، أي بانخفاض يُقدّر بنسبة 50%.

وتخلص المنظمة إلى أنّ النقص الحاد في كمية القمح الصلب المتوفرة، أدّت إلى فقدان مادة السميد مما سبّب ضغطًا على الدقيق، وهو ما يفسر فقدان مادة الخبز.

المحاباة وسيطرة غرفة المطاحن التونسية: أسباب أخرى؟

منظمة آليرت التونسية أوضحت من جهة أخرى، أنّ سيطرة غرفة المطاحن في نقابة الأعراف على ديوان الحبوب وخاصة عدم التكافؤ في توزيع حصص الحبوب، مما يمكن مثلًا مجمّعًا واحدًا من 38% من الحصة الوطنية من القمح الصلب، ضاعف النقص في مادة السميد خاصة مع رفض هذه المجامع تخفيض كميات القمح الصلب الموجهة إلى تصنيع المعكرونة (بما أنّها مربحة أكثر)، وطالب بتوفير آليّة لمراجعة توزيع الحصص. 

من جانيه قال رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المخابز المصنّفة محمد بوعنان في تصريحات إعلامية، إنّ نقص التزود بالدقيق والمحاباة في توزيعها هي السبب وراء نقص الخبز.

وانتقد في تصريح لإذاعة شمس إف أم المحلية، ما اعتبره "سياسة المحاباة التي تنتهجها بعض المطاحن في توزيع الدقيق وتمكين أصحاب محلات بيع المرطبات والحلويات بهذه المادة على حساب المخابز التي توفر الخبز للمواطنين".

وفي تعليق له لموقع الصباح نيوز حول تصريح رئيس الجمهورية عن وجود أطراف تسعى إلى تأجيج الوضع وأنّها السبب في نقص التزود، قال إنّه "لا يعرف الهوية الكاملة لهذه الأطراف، لكن الكمية التي تصل إلى المطاحن من ديوان الحبوب وقع تقليصها ولا تفي بالغرض".

رغم الوعود بانفراج الأوضاع وعودة نسق التزود بالخبز إلى طبيعته، فإنّه في غياب حلول هيكلية يبقى شبح نقص الخبز في تونس مشكلة، مع دعوات أصحاب المخابز إلى إضراب في بعض المناطق، في ظل أزمة اقتصادية تشهدها البلاد ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا المصدر الأساسي لتصدير الحبوب في العالم عمومًا وفي تونس على وجه الخصوص التي تواجه مشكلة في وفرة القمح في ظل الجفاف وضعف الإنتاج المحلي.

صورة متعلقة توضيحية

المصادر

رئاسة الجمهورية التونسية

وزارة التجارة التونسية

وزارة الفلاحة التونسية

منظمة آليرت
منظمة الأعراف في تونس

الترا تونس

موزاييك إف أم
شمس إف أم
إكسبريس إف أم
جوهرة إف أم

الصباح نيوز
منظمة الأغذية والزراعة (فاو)

اقرأ/ي أيضًا

ادعاءات مضللة وغير دقيقة حول الاستقرار المالي والدعم الخارجي لتونس

خبراء يشككون في أن تكون نسبة نمو 2.8% مؤشرًا إيجابيًا للاقتصاد التونسي

الأكثر قراءة