تعدّ المعلومات المضللة أحد جوانب السياسة الخارجية والحرب الباردة التي تقوم في جزء كبير منها على البروباغندا والتشويه. إذ أدت حملات المعلومات المضللة والسرديات التي تم التلاعب بها إلى تغيير الديناميكيات بين الدول، الأمر الذي أثّر على الثقة والمشاركة الدبلوماسية وحتى عملية صنع القرار الاستراتيجي.
وبحسب تقرير مشروع الديمقراطية والتكنولوجيا الذي أشرفت عليه جامعة أكسفورد، فعند الحديث عن المعلومات المضللة في سياق العلاقات الدولية، فإننا نقصد النشر المتعمّد لمعلومات خاطئة أو غير متوازنة من قبل دول خارجية (سواء أكانت عبر جهات فاعلة حكومية أو غير حكومية) بهدف التشويش والتضليل، وزرع الخلاف بين شعوب البلدان الأخرى، وغالبًا ما يكون الهدف من هذا الفعل هو الاستفادة استراتيجيًا وسياسيًا.
في العلاقات الدولية، يعدّ تضليل المعلومات أداة من أدوات السياسة الخارجية والتحكم في القرارات الاستراتيجية للدول، كما ويمكن أن يكون لنشر المعلومات المضللة أغراض تجارية ربحية أو ترفيهية. وبهذا للمعلومات المضللة تأثير فعّال في حقل العلاقات الدولية.
التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية
تؤدي المعلومات المضللة إلى تآكل الثقة بين الدول، مما يجعل من الصعب إقامة حوار وتعاون هادفين. ويمكن للروايات الكاذبة التي تستهدف دولًا معينة أن تولّد الشكوك وتعوق الجهود الدبلوماسية وتزيد من حدة التوترات القائمة بينها، وفق سيناريوهات يصعب التنبؤ بحلّها.
في الانتخابات الأميركية عام 2016، اتُّهمت الاستخبارات الروسية بنشر معلومات مضللة حول صحة المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون. وبحسب وكالة فرونتلاين (PBS) فإنّ عملاء روس نشروا أخبارًا زائفة حول المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون، عبر اختراق مكاتب وكالة الاستخبارات الأميركية، ما أدى إلى تأجيج القصص المزيفة حول صحة كلينتون، ليستغلّ دونالد ترامب هذه القصص ويبني عليها في خطاباته. وقد أدت قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 إلى توتر العلاقات بين البلدين وتراجع الثقة المتبادلة.
وأفاد تقرير للمحقق الخاص روبيرت مولر أنّ أنشطة التضليل التي تم تتبعها خلال التحقيق في قضية انتخابات 2016، كان مصدرها بشكل موثوق جهات ذات إدارة وتخطيط روسي، وترتبط إلى حد قريب بالقيادة السياسية في البلاد. ففي حالة انتخابات 2016 في الولايات المتحدة، يتم تفسير التلاعب بالمعلومات على أنه تضليل سياسي، ووفق التقرير، يُنظر إلى حالة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية على أنها جزء من استراتيجية الدولة لتقويض العملية السياسية في الديمقراطيات الغربية وإثارة الجدل حول العلاقات الخارجية لهذه الديمقراطيات، وقدرتها على التأثير في المحيط الدولي.
تسميم العميل الروسي سيرجي سكريبال
وبالعودة إلى عام 2018، فقد تسبّبت قضية تسميم العميل الروسي سيرجي سكريبال وابنته في المملكة المتحدة بأزمة دبلوماسية بين لندن وموسكو، إذ اتّهمت الدول الغربية موسكو بتقديم معلومات مضللة حول حادثة تسمم العميل، بعد أن أثارت القضية موجة من الجدل والاتهامات المتبادلة والمعلومات المضللة. ويذكر تقرير أعدته صحيفة ذا واشنطن بوست أنّ بريطانيا اتّهمت روسيا بنشر روايات كاذبة للتعتيم على الحقيقة وزرع الارتباك بشأن تورطها في العملية.
أدى هذا الحادث إلى توتر العلاقات بين البلدين، ونتج عنه طرد الدبلوماسيين والملحقيات القنصلية في كلا البلدين. وبحسب التقرير، فإنّ الروايات التي قدّمها الإعلام الروسي كانت تتمحور حول تبريرات تسمّم سكريبال ومعلومات أن عوامل المناخ السيء كانت وراء التسمم. وبحسب معلومات أخرى كانت قد أوردتها منصات إخبارية روسية أنّ جرعة زائدة من المخدرات كانت السبب في تسممه. وذكرت شبكة روسيا للأنباء، أنّ الناطق الرسمي باسم الملف المتعلق بالعميل سكريبال كان قد صرّح أنّ الإدمان على الكحول والمخدرات والتوتر والانهيار العصبي الشديد والاكتئاب من الأمراض المهنية الحتمية للخائن. ونتيجة لذلك فإنّ ما حصل له هو تزايد احتمالات النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وحوادث المرور، والانتحار.
وفي الوقت ذاته، فإنّ صحيفة ذا واشنطن بوست ذكرت أنّ مسؤولين بريطانيين توصلوا في تحقيقاتهم إلى أن السمّ المستخدم في محاولة اغتيال سكريبال، هو غاز أعصاب روسي يعود إلى الحقبة السوفييتية ويُعرف باسم نوفيتشوك.
نشر موقع NSI المتخصص في تحليل البيانات وتحليل نتائج استطلاعات الرأي ورقةً حول الخطط الاستراتيجية الروسية للتدخل في الصراعات الاجتماعية والسياسية والأمنية حول العالم، ويوضح فيها أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية توصلت إلى أنه وإضافة إلى حملات التضليل والمعلومات المفبركة، فإنّ الاستخبارات الروسية كانت وراء القرصنة على اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي ومدير حملة هيلاري كلينتون عام 2016، واستغلت الانقسام الحاصل في المجتمع الأميركي للتأثير على آراء وتفضيلات الناخبين آنذاك.
ووفقًا لتقرير اجتماع المفوضية الأوروبية حول تقييم مخاطر المعلومات المضللة عام 2018 فقد حددت المفوضية الأوروبية روسيا على أنها التهديد الأكبر لدول الاتحاد في هذا المجال. وجاء في التقرير أنّ المفوضية تُعرِّف حملات التضليل الروسية بأنها "منهجية، وذات مصادر معلومات وموارد جيدة، ويتم تنفيذها على نطاق مختلف عن الدول الأخرى"؛ وبهذا يتم تمييز روسيا على أنها الدولة ذات النصيب الأكبر من قسمة المعلومات المضللة، فيما يُنظر إليه غالبًا على أنه حرب معلومات دولية، تهدف إلى التأثير على العمليات السياسية المحلية وتقويضها في العديد من البلدان. وبالتالي، تمت دراسة أنشطة التضليل الدولية لروسيا على نطاق واسع وهي موثقة جيدًا في العديد من الدول وأبرزها دول الاتحاد الأوروبي وأمريكيا وأوكرانيا، لتكوين جماعات ضغط وتمرير أجندة الروس وحلفائهم في هذه الدول.
فايروس كورونا وأزمة التضليل في العلاقات الدولية
بالانتقال إلى موضوع فايروس كورونا COVID-19، فقد كانت المعلومات عن أصل الفايروس وطرائق الوقاية من المرض واللقاحات العناوين الأبرز في ساحة الأخبار خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وشكّل الوباء العالمي أرضًا خصبة للتضليل الإعلامي، إذ أدت الادعاءات الكاذبة والمعلومات المضللة حول أصول الفايروس والمعلومات الخاطئة عن اللقاحات إلى تقليل التعاون الدولي في مكافحة الوباء. وساهمت حالات المعلومات المضللة التي تستهدف اللقاحات في تردد اللقاحات وتعقيد الجهود لتحقيق التحصين على نطاق واسع، وأفقدت الثقة بين الدول في موضوع اللقاحات، وعزوف الكثير من الناس عن أخذ اللقاح.
وجاء في تقرير أعدته صحيفة ذا غارديان البريطانية، أنّ الكثير من الأكاذيب ونظريات المؤامرة حول كوفيد-19، منشورة على تطبيق تيك توك وتحظى بملايين المشاهدات، الأمر الذي يشكل خطرًا على معلومات المتابعين حول الوباء و يشكل خطرًا على سمعة البلدان التي تصدر منها هذه المنشورات. وكانت أبرز الأخبار الزائفة والمضللة حول فايروس كورونا قد انتشرت على نحو يراد به التهويل والتضخيم بغرض حجب الثقة عن البلدان التي تزداد فيها الإصابات، أو لتمرير أجندات سياسية وغيرها.
تستهدف حملات التضليل التأثير على الرأي العام، وبالتالي تشكيل التصورات والمواقف العامة تجاه دول معينة والأحداث السياسية والاجتماعية فيها. يمكن لهذه الجهود استغلال الانقسامات الاجتماعية والسياسية القائمة، وتضخيم المظالم، وتغذية المشاعر القومية، مما يؤثر في النهاية على العلاقات الثنائية بين الدول.
يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى تفاقم النزاعات من خلال الترويج للروايات المضللة التي تؤدي إلى تصعيد الخلافات القائمة أو إشعال نزاعات جديدة. أثناء النزاعات المسلحة، تسعى الجهات الفاعلة الرئيسية لتشكيل الرأي العام حول النزاع، ويحاول كل طرف أيضًا كسب المعركة لصالحه بهدف زيادة الدعم والحشد الجماهيري، وفي المقابل تقليل الدعم السياسي والمعنوي والمادي للطرف الآخر لاستمرار الحرب واستخدام موارد الدول.
قائمة المصادر
ماذا فعلت الأخبار المزيفة في الانتخابات الأمريكية 2016؟ مسبار 2020.
ذا غارديان: تيك توك يعرض للأطفال مقاطع مضللة عن كورونا، مسبار 2021.
أبرز الأخبار الزائفة حول فايروس كورونا، مسبار 2020.
الصورة ليست لاستهداف أوكرانيا بالصواريخ بعد بدء الهجوم الروسي، مسبار 2022.
How Russian “Fake News” Hardened America’s Divide, PBS Frontline, 2020
Program on Democracy and Technology, Oxford Internet Institute. Oxford University, 2017.
New Details of a Russian-Backed Campaign to Interfere with U.S. Elections. Diane Rehm, 2016.
Revealed: anti-vaccine TikTok videos being viewed by children as young as nine. The Guardian, 2021.
White Paper- Russian Strategic Intentions, SMA TRADOC. NSI, 2019.
Экспертрассказал о препарате, которым мог отравиться Скрипаль, RIA Novosti Network, 2018.
اقرأ/ي أيضًا
الانتخابات الأميركية: أكاذيب وشائعات طاولت زوجات المرشحين وبناتهم