إعداد: نور حطيط ومريم سيف الدين
قُتل شاب فرنسيّ من أصول جزائرية (17 عامًا)، يُدعى نائل مرزوقي على يد شرطي فرنسي بعد أن أطلق عليه النار من مسافة قريبة بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2023 في مدينة نانتير الواقعة في الضاحية الغربية للعاصمة الفرنسية باريس، بحجة عدم الامتثال. واندلعت احتجاجات كبيرة تنديدًا بمقتله، وتحولت بعض هذه الأحداث إلى مواجهة مع قوّات الأمن في بعض المناطق الفرنسية، واستهدف متظاهرون مبانٍ حكومية ومراكز الشرطة وقاموا بحرق بعض سيارات الأمن مطالبين بالعدالة لنائل. ما دفعَ بالأمن الفرنسي إلى رفع درجة التأهب، مع انتشار كثيف لعناصر الجيش والوحدات الخاصّة.
تخفيف الإطار القانوني لاستخدام الأسلحة عند رفض الامتثال
خففت الدولة الفرنسية الإطار القانوني المتعلّق باستخدام الأسلحة عند رفض الامتثال في عام 2017، لكن ووفقًا لقانون الأمن الداخلي الفرنسي فإنه لا يمكن للشرطة استخدام أسلحتها إلا في حالة "الضرورة القصوى وبطريقة متناسبة تمامًا، وأن تكون الأسباب حقيقية وموضوعية في الوقت الذي يتمّ فيه استخدام السلاح".
قبل هذا القانون، كانت الشرطة الفرنسية تخضع لقانون الدفاع عن النفس، المنصوص عليه في قانون العقوبات الفرنسية، إذ ينطبق على المواطنين الفرنسيين أيضًا. فلم يكن مسموحًا استخدام الأسلحة من قبل المواطنين والشرطة الفرنسية إلّا دفاعًا عن النفس.
وبعد الإصابات الخطيرة التي لحقت بالشرطة الفرنسية في مدينة فيري شاتيلونViry-Châtillon (Essonne) في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2016، تمّ اتخاذ قرار تخفيف الإطار القانوني وتوسيع دائرة استخدام الأسلحة من قبل ضباط الشرطة. ولكن لا يزال القانون الذي صدر عام 2017، يخضع لمبدأ الضرورة القصوى والتناسب قبل إطلاق النار.
واللافت في هذا الإطار، تصريح وزير الداخلية في ردّه على اقتراح النائبة عن حزب الخضر الفرنسيّ صابرينا سبايهي الذي يُفضي بإعادة النظر في قانون 28 فبراير 2017، الذي يسمح غموضه بارتباك كبير في قراءة الحوادث المتعلقة باستخدام الأسلحة من قِبل الشرطة على حدّ قولها. وجاء رد الوزير بعدم الموافقة، قائلًا إنَّ عدد عمليات إطلاق النار على يد الشرطة انخفضت منذُ عام 2017. فما مدى صحة الأمر؟
تطور حالات إطلاق النار من قبل الشرطة قبل وبعد تعديل القانون عام 2017
عندما دخل القانون حيّز التنفيذ في عام 2017، زادت حوادث إطلاق النار على المركبات وبلغت ذروتها، حيثُ سجلّت 202 حادثة، أكثر من 65 حادثة من السنة التي تسبقها. وانخفض هذا الرقم في عام 2021 إلى 157، لكنه وبالمقارنة مع السنوات التي سبقت عام 2017 فلا يزال المعدل أعلى. فعندما بلغَ متوسط الحالات خلال السنوات الخمس السابقة لعام 2017، 119 حالة، سجلَ متوسط الحالات في السنوات الأربع التي تلت 150 حالة، وفقًا للمفتشية العامّة للشرطة الوطنية الفرنسية، ووزارة الداخلية.
أمّا عن استخدام الأسلحة الفردية فإذ ما نظرنا إلى الرسم البيانيّ، سنلاحظ أنَّ استخدام الأسلحة من قبل الشرطة الفرنسية انخفض مقارنة بعام 2017، وهو عام تعديل القانون، لكنه يعد مرتفعًا مقارنة بالسنوات التي تسبقه.
دراسة تظهر ازدياد نسبة الوفاة بإطلاق النار بعد تعديل القانون عام 2017
أصدر عدد من الباحثين الفرنسيين دراسة، في مجلة Esprit، بعنوان "القتل على يد الشرطة ورفض الامتثال. هل قانون عام 2017 جعل الشرطة غير مسؤولة؟". وتناول الباحثون في دراستهم تأثير هذا القانون، على زيادة حوادث إطلاق النار وحالات الوفاة، من قبل الشرطة. ولا تتعلق هذه الدراسة كما يقول الباحثون بتأجيج الجدل حول أن نكون مؤيدين للشرطة أو ضدها، بل تأتي هذه الدراسة التي استندت على تحليل إحصائي دقيق لتبين ما إذا كانت هذه الأفعال الضارة، مصدرها القانون الجديد.
وتشير الأرقام التي جمعها الباحثون إلى زيادة بنسبة كبيرة لحوادث إطلاق النار المميتة من قبل الشرطة الفرنسية، إذ أظهرت أنه كانَ هناك حوالي 0.06 حالة وفاة لكل حادث إطلاق نار على سيارة من قبل الشرطة قبل قانون 2017، أمّا بعد القانون فارتفعت النسبة إلى 0.32 وفاة لكل حادث. ويذكر الباحثون عوامل متعددة لتغير سلوك الشرطة، ويعتقدون أنَّ لقانون 2017 تأثير كبير، خاصة على ارتفاع حوادث إطلاق النار المميتة.
هل يحقّ للشرطة الفرنسية إطلاق النار على المركبات وركّابها؟
منذُ عام 2017، نصّ قانون الأمن الداخلي على أنه يمكن للضباط في الشرطة الفرنسية والدرك، إطلاق النار واستخدام أسلحتهم في خمس حالات متعددة في المادّة L435-1.
والحالة الأولى التي تبيح للشرطة إطلاق النار هي التهديد المباشر أي في موقف الدفاع عن النفس، أمّا الثانية عندَ تقديم استدعائين بصوت عالٍ، والثالثة في حال توجيه تحذيرين بصوت عالٍ مباشر، أمّا الرابعة فهي عند عدم امتثال المركبة والخامسة في حال منع تكرار جرائم القتل.
لكن لا يزال نصّ عام 2017، يخضع لمبدأ الضرورة القصوى والتناسب قبل لجوء الشرطة إلى إطلاق النار، وبالتالي فإنَّ مفهوميّ الضرورة القصوى أو التناسب يخضعان للتفسير، خاصّة وأنَّ تقييم الحادثة يخضع إلى الآراء المتعددة، ولا تمتلك الشرطة دائمًا سوى القليل من الوقت لفحص وتقييم الحالة، قبل إطلاق النار.
ماذا يعني عدم الامتثال؟
وفقًا للمادة L233-1 فإنَّ رفض الامتثال يعني عدم توقف سائق المركبة لاستدعاء صادر عن الشرطة أو عن وكيل مسؤول، وتعاقب المادة الركّاب الذين يخالفون هذا النظام، بالسجن مدّة عام وغرامة مالية قدرها 7500 يورو.
وأثارت قضية نائل، القاصر صاحب 17 عامًا، والذي قتل على يد الشرطة، الجدل حول كيفية استخدام هذا القانون خاصّة وأنَّ جزئية استخدام السلاح عند الضرورة القصوى، وفي الوقت المناسب، خاضعة للتفسير.
تغطّية بعض وسائل الإعلام الفرنسية في مرمى الانتقادات
كشفت قضية نائل، تسرع وسائل الإعلام الفرنسية في تبنيها للرواية الأمنية خلال تغطيتها، قبل أن ينتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد دقائق ليدحضها.
ومن بين وسائل الإعلام التي نشرت الخبر عن مصدر أمني، قناة "بي أف أم تي في"، وجاء في عنوانه "مقتل مراهق بنيران الشرطة بعد رفضه الامتثال". وأشارت في متن الخبر أنه بحسب مصادر في الشرطة "تموضع أحد العناصر أمام السيارة لإيقافها، لكن السائق اندفع نحوه فاستخدم الشرطي سلاحه وأطلق طلقة واحدة واصطدمت السيارة بعمود".
وذكرت عدة وسائل إعلام منها"فرانس أنفو" أنّ الضحية معروف لدى العدالة، برفضه الامتثال عدة مرات ولعدم امتلاكه رخصة قيادة، وهو ما دفع الأسرة للإعلان عن احتفاظها بحق المقاضاة في حال تمّ تضليل الرأي العام حول سجل نائل الجنائيّ النظيف.
في تغطيتها للحدث انتقدت صحيفة ليبيراسيون صحيفة "لو باريزيان" وقناة "بي أف أم تي في" وكتبت "لو باريزيان" التي كانت أول من ذكر الحادث، و"بي أف أم تي في" تجاوزتا الموضوع ونقلتا دون حذر كاف، كما يحدث غالبًا في حالات وظروف مشابهة، رواية الشرطة، الوحيدة المتوفرة في أول وقت، والتي نشرتها نقابات القطاع (الشرطة) وتحدثت عن سيارة رفضت الامتثال لتفتيش قبل أن تحاول الاندفاع باتجاه أحد عناصر الشرطة الذي لم يكن أمامه خيار آخر سوى إطلاق النار".
بيان الأمم المتحدة إثر حادث مقتل الفتى نائل
طلبت الأمم المتحدة من فرنسا أن تنظر "بجدية" في "مشاكل العنصرية العميقة والتمييز العنصري" داخل أجهزة الشرطة الفرنسية، بعد ثلاثة أيام على مقتل الفتى نائل على يد ضابط شرطة. وقالت المتحدثة باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ، رافينا شامداساني "نشعر بالقلق إزاء مقتل صبي يبلغ من العمر 17 عامًا من أصول أفريقية على يد الشرطة في فرنسا". وأضافت "لقد حان الوقت للبلد للتصدي بجدية لقضايا العنصرية والتمييز العنصري العميقة بين أجهزة إنفاذ القانون"، في المؤتمر الصحفي العادي الذي تعقده الأمم المتحدة في جينيف.
وعلقت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب المفوضية على أعمال العنف التي اندلعت بعد مقتل الشاب نائل "نتفهم أنه كان هناك الكثير من أعمال النهب والعنف من قبل بعض العناصر الذين يستخدمون الاحتجاجات لهذه الأغراض، وأن هناك عددًا كبيرًا من ضباط الشرطة أصيبوا أيضًا". ولهذا السبب بالتحديد يجب على الشرطة الفرنسية احترام مبدأ الضرورة والتناسب وعدم التمييز.
فيما جاء ردّ فرنسا على تصريح المتحدثة باسم مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بأنه "لا أساس لهُ على الإطلاق"، نقلا عن وكالة فرانس برس.
وأعلن كلّ من ياسين بوزرو وجنيفر كمبلا وعبد المجيد بنعمرة، محاميو وممثلي العائلة عن تقديم ثلاث شكاو بتهمة القتل المتعمد والتواطؤ في القتل المتعمد، وضد زعم الشرطة الأولي الذي ادعت أنَّ نائل حاول قتلهم وهذا ما لم يظهره الفيديو الذي نُشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وضد المدعي العام في نانتير "بسبب تصريحاته الأولية عن الحادثة".
اقرأ/ي أيضًا
احتجاجات فرنسا وأبرز الأخبار الزائفة التي انتشرت عقب مقتل الفتى نائل
كيف دحض مقطع فيديو رواية الشرطة الفرنسية حول مقتل نائل؟
المصادر والمراجع: