منذ أيام، تصدر جدلٌ في الفضاء المصري والعربي عمومًا حول حفل ترافيس سكوت، مغني الراب الأميركي الشهير، الذي كان من المقرر أن يحييه أمام أهرامات الجيزة في مصر يوم 28 يوليو/تموز الجاري، ليقدّم فيه ألبومه الأخير "يوتوبيا".
وانتشرت دعوات ومشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي لإلغاء الحفل بسبب الشُبهات التي تحيط بترافيس سكوت وادعاءات ارتباطه بـ "الماسونية العالمية" و"عبدة الشيطان" وتسببه في وفاة أفراد من جمهوره.
وهو ما دفع نقابة المهن المصرية لإلغاء تصريح الحفل، وعللت قرارها بأنّه جاء على خلفية ما تتخلله حفلات مغني الراب الأميركي من "طقوس تتنافى مع قيم المجتمع المصري" وبعد “انتشار أنباء حول دعوته للماسونية في حفلاته”، بحسب بيان نشرته وسائل إعلام مصرية.
وأضافت النقابة في بيانها أنّها “ترفض العبث بالقيم المجتمعية والعادات والتقاليد المصرية والعربية”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أيد البعض خطوة إلغاء حفل ترافيس سكوت، متهمين المغني بأنه يقدم طقوسًا "غريبة على المجتمع"، بينما رأى آخرون أن منعه كان "خطأً" سيكلّف منظمي الحفل الكثير وسيُفقد مصر مصداقيتها أمام بقية الدول، خصوصًا وأن سكوت كان قد أحيا حفلات في السعودية والإمارات من قبل دون أي عقبات.
ما هي الادّعاءات التي حامت حول حفل ترافيس سكوت؟
تعود القصص والادّعاءات المتداولة حول طقوس حفلات ترافيس سكوت إلى صور ومقاطع فيديو من مهرجان "Astroworld" الشهير في هيوستن - تكساس الذي أحيا فيه المغني حفلًا، في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، شهد تدافعًا وحالات اختناق أدّت إلى وفاة عشرة أشخاص. ورغم الفوضى التي عرفها الحفل، واصل سكوت الغناء لمدة تجاوزت الـ30 دقيقة، قبل أن يتوقف.
وتحوم الادعاءات المتداولة حول اعتماد حفلات سكوت على طقوس ودلالات "شيطانية" تتضمن "تقديم الأطفال كقرابين للشيطان". أولها يتعلق بالبوابة التي دخل منها مرتادو حفل "Astroworld" عام 2021، والتي أظهرت مجسمًا كبيرًا لوجه سكوت يمكّن الناس من العبور من منطقة الفم، وهو ما شبّهه البعض برسم "فم مولوخ"، الذي ظهر في فيلم "ميتروبوليس" عام 1927، و"مولوخ" هو إله دموي جرت عبادته في الفترة المُمتدّة من الألفية الثالثة و حتى نهاية الألفية الأولى قبل الميلاد في كل من بلاد كنعان وفينيقيا، إذ كان يقتات على البشر ويتطلّب تقديم القرابين البشرية، ومن الأطفال خاصةً، بحسب مُعتقدات الكنعانيين لاسترضائه واتّقاء شرِّه وغضبه.
كما تداول ناشرون قصصًا عن عدم تدخل الشرطة أو منظمي الحفل حينها، ورفض عناصر الحماية تقديم المساعدة، بالإضافة إلى ظهور عبارة "See ya on the other side"، وتعني "أراكم في الحياة الأخرى"، أثناء حدوث حالات الوفاة، والتي كانت، بحسب الناشرين، رسالةً صريحةً تشي بتخطيط مسبق لما حصل واعتراف ضمني بتقديم سكوت أولئك الضحايا كقرابين للشيطان.
أسباب الوفاة في حفل ترافيس سكوت 2021
بحسب إفادات الشرطة في هيوستن، وعدد من التحقيقات الصحفية المستقلة بشأن حادثة الوفيات في حفل ترافيس سكوت ضمن مهرجان "Astroworld"، فإن الأسباب التي أدت إلى وقوع حالات الوفاة، تعود إلى سوء في التنظيم في المقام الأول، ولم يكن هناك أي طقوس شيطانية خاصة بالحفل، كما أن السمات والمظاهر "المريبة" التي دعمت تلك الادعاءات، لم تكن خاصة بالحفل دون غيره، إذ شهدت حفلاتٌ أخرى مظاهر مشابهة، إلا أن أيًا منها لم تشهد حالات وفاة.
وقال مستشار سلامة الحفلات الموسيقية بول فيرتهايمر لصحيفة لوس أنجيليس تايمز "كان تفادي ما حدث ممكنًا. إذ سُمح للحشد أن يصبح كثيفًا للغاية دون أن يتم تنظيمه بشكلٍ صحيح، فكانت الجماهير ضحيةً لبيئة لم تتمكن من السيطرة عليها".
بعد ساعات من نشر الأخبار عن مقتل ثمانية أشخاص وإدخال العشرات إلى المستشفى عقب إصابتهم بجروح وسط الفوضى في مهرجان "Astroworld" في هيوستن في الخامس من نوفمبر 2021، نشرت صحيفة المدينة، هيوستن كرونيكل، سجل الحادثة بكافة تفاصيلها، وكيفية استمرار ترافيس سكوت في الأداء لمدة 37 دقيقة، وما إذا كان المهرجان قد اتبع خطته الخاصة لأحداث الإصابات الجماعية، وأسباب وقوع الحادثة برمتها.
ذكرت هيوستن كرونيكل أن الشرطة ومسؤولي الإطفاء قالوا إن حشدًا هائلًا بدأ في الاندفاع نحو المنصة الرئيسية في حوالي الساعة التاسعة مساءً. الأمر الذي ترك البعض إما مذعورين، أو يكافحون من أجل التنفس أو تحت الأقدام بعد سقوطهم.
وقال رئيس شرطة هيوستن تروي فينر حينها إن "تحقيقًا جنائيًّا" بشأن الحادثة قد فُتح. ووفقًا لهيوستن كرونيكل، فإن لدى شركة "لايف نيشن"، التي كانت مسؤولة عن تنظيم المهرجان، تاريخًا من انتهاكات السلامة، وقد سبق رفع دعوى قضائية ضدها بسبب إصابات في أحداث سابقة. كما ذكرت صحيفة ذا نيويورك تايمز قبل بدء فعاليات المهرجان حينها أن المسؤولين في هيوستن ومنظمي الحفل توقعوا أيضًا أن يكون من الصعب السيطرة على الحشد.
ووجد الخبراء الذين درسوا الوفيات الناجمة وأماكن وقوعها، أنها نتجت عن تدافع الحشود في مساحة ضيقة جدًا. وقالت وكالة أسوشييتد برس "عندما يندفع حشد من الناس، يمكن أن تنشأ قوة كافية لثني الفولاذ. كما يمكن أن تصيب أيضًا الأشخاص من اتجاهين: من الجزء الخلفي من الحشد الذي يدفع للأمام، ومن الجزء الأمامي من الحشد الذي يحاول الهروب. فإذا سقط بعض الأشخاص، وحصل تراكم، يمكن أن يُطبّق الضغط من الأعلى. والضحية تكون رئات الناس".
وللتحقق في ما جرى، فحصت صحيفة ذا واشنطن بوست حينها عشرات مقاطع الفيديو لتحديد أين ومتى صوُّرت، وأجرت مقابلات مع عشرات الشهود، واستعانت بالخبراء لتحليل تحركات الجمهور وكثافتهم في مختلف مناطق الحفل، ووجدت أن سبع ضحايا كانوا متجمّعين في بقعة عالية الكثافة وصفها خبراء أنها من أكثر النقاط عرضة لتدافع الجمهور.
وفي السابع عشر من ديسمبر 2021، أي بعد حوالي شهر من التحقيقات، أعلن مسؤولون حكوميون أن الأشخاص العشرة الذين توفّوا في مهرجان "Astroworld" لقوا حتفهم "بسبب الاختناق الناجم عن الضغط، حيث احتشد الحضور بشدة لدرجة أن الكثيرين لم يتمكنوا من التنفس أو تحريك أذرعهم"، وذلك بحسب نتائج فحوصات أجراها أخصائيون طبيون في معهد هاريس كاونتي لعلوم الطب الشرعي في هيوستن.
وبحسب سجلات سيارات الإطفاء التي كانت في موقع الحادث، فإن الشرطة وعناصر الحماية تدخلوا على الفور وحاولوا إجلاء العالقين، كما طلبت الشرطة المساعدة من أقسام الدفاع المدني الأخرى عندما بدأ الأمر يخرج عن السيطرة، بخلاف الرواية المتداولة حول نأيها بنفسها وعدم التدخل، إلا أن بعض الوحدات لم تتدخل على الفور بسبب حجم الجماهير (50 ألفًا) والضجيج الهائل الذي حال دون معرفتها بما يحصل.
المعنى الحقيقي لمجسم رأس ترافيس سكوت
ومثل هيوستن كرونيكل، لم تبلغ أسوشيتد برس وذا نيويورك تايمر وذا واشنطن بوست -أو أي مؤسسة إخبارية أخرى ذات مصداقية - عن أي دليل على وجود طقوس شيطانية في مهرجان "Astroworld". على سبيل المثال، فإن مجسم رأس ترافيس سكوت الذي قيل إنه رمزٌ للتضحية بالأطفال كان محاكاةً لغلاف ألبوم "Astroworld" الذي أطلقه مغني الراب عام 2018. وقد ظهر هذا المجسم في عدة مناسبات أخرى أثناء الجولة الترويجية للألبوم عند صدوره، ولم تقع خلالها أي أحداث مشابهة.
وسُمّي الألبوم بهذا الإسم في المقام الأول تخليدًا لمدينة الملاهي الكُبرى في تكساس، التي أغلقت عام 2005 واسمها "Six Flags Astroworld". وكانت لها مكانة خاصة في ذاكرة سكوت. وبالتدقيق في مجسم الرأس ذو الفم المفتوح الذي طُبع على غلاف الألبوم، تبين أنّه محاكاة لمدخل أفعوانية "Texas Cyclone" في مدينة الملاهي، وهي عبارةً عن مهرج بفم مفتوح.
ترافيس سكوت لم يعلم بما يحدث في الحفل وفق المنظمين
وفي الليلة التالية للحادثة، تحدثت رئيسة بلدية بالتيمور السابقة ستيفاني رولينغز-بليك، ممثلة عن ترافيس سكوت، إلى جايل كينج من شبكة سي بي إس نيوز لتوضح ما وصفته بـ "الكثير من الارتباك" حول الحفل، موضحةً أنه لم يكن لدى ترافيس أي فكرة عما يجري إلا بعد ذلك بوقت طويل، بعد ساعات وساعات". موضحة أن فريقه لم يخطره بما جرى إلا بعد أن غادر الحدث بالفعل.
وفي اليوم التالي، نشر سكوت بيانًا على تويتر، قال فيه إنّه "أصيب بالدمار" عندما علم بما حدث خلال الحفل. معلنًا دعمه الكامل لقسم الشرطة والمجتمع المدني في هيوستن في كل ما يحتاجونه من مساعدة، شاكرًا قسمي الشرطة والإطفاء وإدارة استاد NRG الذي احتضن الحفل على سرعة تدخلهم". وقال سكوت في بيانه "دعواتي للعائلات وكل المتأثرين بما حدث في مهرجان Astroworld".
يذكر أن الرسوم والعبارات الغريبة التي ظهرت في حفل ترافيس سكوت، والتي وصفها بعض مروجي نظريات المؤامرة على أنها "شيطانية"، لم تكن حكرًا على حفلته، إذ اتخذ عدد من الفنانين الآخرين، مثل كاتي بيري وسلاير، منها طابعًا لحفلاتٍ أقاموها دون أن تقع فيها أية حادثة. وفي المقابل، يوجد عشرات الحوادث لتدافع الجمهور في حفلات موسيقية لم تشهد أي مظاهر غريبة، مثل حفل ستيفي ووندر في الرباط 2009 الذي تسبب في مقتل 11 شخصًا.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
إشاعات رافقت شيرين عبد الوهاب في أزمتها الأخيرة
الفيديو قديم وليس لرد أصالة على الدعوات التي طالبت بإلغاء حفلها الأخير في مصر
