لطالما أظهرت الكتب المدرسية في السعودية في العقد الأخير تغييرات تتبع المناخ السياسي وطبيعة العلاقات الخارجية للمملكة. على سبيل المثال، عندما دخلت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وتركيا في مرحلة توتر عام 2019، أُجري عدد من التغييرات على كتاب التاريخ في منهاج ذلك العام الدراسي.
فترة الحكم العثماني في المنهاج السعودية
ومن تلك التغييرات تعديل طرأ على وصف فترة الحكم العثماني للمنطقة من "الإمبراطورية العثمانية" إلى "الاحتلال العثماني"، كما أولى تركيزًا خاصًا على السياسات التي مارستها الدولة العثمانية بحق السعودية، مثل دعمها بعض القيادات المحلية ضد الملك عبد العزيز، وتدمير الدرعية والمدن المحيطة بها، إضافةً إلى تعذيب الإمام عبد الله بن سعود واغتياله بعد نقله إلى إسطنبول، كما ورد في المنهاج.
أدوار الجنسين في مناهج المدرسة السعودية
لم تكن التغييرات على مناهج الكتب الدراسية في السعودية سياسيّة وحسب، بل جاء بعضها اجتماعي، إذ شهدت تغييرات تدريجية في موضوعات تتراوح من أدوار الجنسين في مختلف جوانب الحياة إلى تعديلات على الخطاب الديني، بما يتناسب مع سياسة الانفتاح التي تبنتها السعودية منذ سنوات.
التغييرات الأخيرة في المنهاج الدراسية السعودية
ومؤخرًا، ظهرت حزمة جديدة من التغييرات على النسخة الأخيرة من المنهاج الدراسي، أثارت الانتباه لحجمها ووضوحها وتوقيتها، إذ جاءت في ضوء الأحاديث عن محاولة الولايات المتحدة تمهيد الطريق نحو التطبيع الرسمي بين السعودية وإسرائيل، وهي تغييرات تتعلق بالحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإعادة تعريف النظرة العامة لإسرائيل.
ما هي إسرائيل في مناهج السعودية الجديدة؟
بحسب تقرير أصدره في شهر يونيو/حزيران الفائت معهد IMPACT-se، وهو منظمة بحثية وسياسات دولية تراقب وتحلّل مجال التعليم في جميع أنحاء العالم، أجريت عشرات التغييرات على مختلف الكتب التدريسية السعودية في نسخة العام الدراسي الأخير، تراوحت بين تغييرات جاءت تماشيًا مع تحديثات الجهاز الاصطلاحي السياسي في الصحافة والإعلام، مثل استبدال "العدو الصهيوني" بـ "الاحتلال الإسرائيلي" أو "جيش الاحتلال الإسرائيلي"، وصولًا إلى إضافة مصطلحات مثل "الحرب الفلسطينية 1948" بدلًا من النكبة الفلسطينية.
في درس عن الشعر في كتاب اللغة العربية للمرحلة الثانوية، حذف الكتاب المدرسي لعام 2022 موضوع "معارضة الاستيطان اليهودي في فلسطين" من أمثلة الشعر الوطني، وأزال الفقرة المتعلقة بالشعر السياسي كليًّا. فيما كانت النسخ السابقة من الكتاب تعلّم الطلاب أنواعًا مختلفة من الشعر، بما في ذلك الشعر الوطني، المتمثل في موضوع "معارضة الاستيطان اليهودي في فلسطين"، والشعر السياسي الذي تجسد في موضوع "احتلال اليهود للأرض المقدسة".
وفي الصفحتين 239-240 من كتاب الجغرافيا الخاص بالمرحلة الثانوية، كانت هناك خارطتان للمنطقة، وفيهما تم تحديد اسم "فلسطين" على الأراضي الفلسطينية، إلّا أنّ اسم فلسطين أزيل في النسخة الأخيرة من الكتاب، ولم يتم وضع اسم أي دولة عليها، لا فلسطين ولا إسرائيل.
وفي الصفحة 79 من كتاب الدراسات الاجتماعية الخاص بالمرحلة التعليمية نفسها، تمت إزالة واجب منزلي في الإصدار الجديد لعام 2022-2023 الدراسي يطلب من الطلاب "ذكر أحد المزاعم الصهيونية المتعلقة بحقهم في أرض فلسطين العربية"، ودحضها بالوثائق التاريخية أو الدينية.
وقد تنطوي هذه التغييرات جميعها على فكرة حجب الحقائق أو التعتيم عليها، والذي يمكن أن يندرج في خانة التضليل، لأنّه يقوم على حجب معلومات عن الجمهور وتوجهيهم حسب الأيديولوجية المُراد تبنّيها أو فرضها من خلال المحتوى الموجّه الذي يتم تقديمه، بينما يكون للحقيقة غالبًا وجهًا أو أوجهًا أخرى قد تكون مغايرة تمامًا.
تغيير مسميات وقائع تاريخية فلسطينية في مناهج السعودية
كما لم يعد الكتاب يحتوي على قسم يصف النتائج الإيجابية للانتفاضة الأولى التي قامت نهاية ثمانينيات القرن العشرين. فبين عامي 2019 و2021، قدّمت الكتب المدرسية السعودية النتائج الإيجابية للانتفاضة، والتي تضمنت: زيادة التعاطف الدولي تجاه الفلسطينيين، وفضح الديمقراطية المزورة للعدو الصهيوني، وإنهاء الاعتماد الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي وبدء الهجرة المضادة من إسرائيل. إلا أن القسم أُزيل بالكامل من نسخة هذا العام، وعليه تم تخفيف التمثيل الإيجابي للانتفاضة بشكلٍ كبير، الأمر الذي يردده الإعلام الإسرائيلي باستمرار.
كما تجدر الإشارة إلى أن الكتاب المدرسي الجديد يركز على استخدام مصطلحي "جيش الاحتلال الإسرائيلي" و "المحتلين الإسرائيليين" فقط في سياق ما يصفها بـ "الحرب الفلسطينية عام 1948".
وفي ذكر مصطلح "حرب" عند الإشارة إلى ما حدث عام 1948، بدلًا من استخدام مصطلح "النكبة" المُعتمد من قبل الأمم المتحدة، إشارة لوجود جيشين متكافئين أعلنا الحرب تجاه بعضهما البعض، فيما أن الوقائع تشير إلى أن إسرائيل طردت بشكلٍ منهجي أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم وأراضيهم لتقيم مستوطناتها فيها وتعلن استقلالها. كما تميل الروايات الإسرائيلية، الرسمية وغير الرسمية، لاستخدام هذا الوصف لتعزيز روايتها القائلة بتفوق الجيوش العربية على "الفرق اليهودية الصغيرة" حينها.
حريق المسجد الأقصى عام 1969
ولم يعد الكتاب يعترف بتورّط إسرائيل في حريق المسجد الأقصى عام 1969، إذ ألغى عبارة تقول إنّ منظمة التعاون الإسلامي قد تأسست إثر "الحريق الإجرامي الذي ارتُكب على يد عناصر صهيونية في مدينة القدس المحتلة"، واكتفى بتاريخ تأسيس المنظمة وأهدافها.
لكن تأسيس المنظمة لم "يتزامن" مع حادثة حرق المسجد الأقصى، إنما بحسب صفحة تاريخ المنظمة على موقعها الرسمي، فإنها تأسست "بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عُقدت في الرباط بالمملكة المغربية في 12 من رجب 1389 هجرية (الموافق 25 من سبتمبر 1969 ميلادية)، ردًا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة".
بالإضافة إلى ذلك، خلصت التحقيقات بشأن الحادثة حينها إلى أن المادة الحارقة الشديدة الاشتعال سُكبت حينها من داخل المصلى القبلي ومن خارجه، وأن المياه كانت مقطوعة عن ذلك المصلى بالتحديد، ولم تُرسل سيارات الإطفاء على الفور. كما زعمت إسرائيل حينها أنّ الحريق كان بفعل تماس كهربائي، وبعد أن أثبت مهندسون أنه تم بفعل فاعل، ذكرت أن شابًا أستراليًا اسمه دينيس مايكل روهان هو المسؤول عن الحريق وأنها ستقدمه للمحاكمة، ولم يمض وقت طويل حتى ادعت أن ذلك الشاب "معتوه" ثم أطلقت سراحه.
وفي الصفحة 65 من الكتاب، تم تغيير فقرة كانت بعنوان "محاولة إنشاء الكيان الصهيوني" في نسخة 2021 إلى "الانتداب البريطاني لفلسطين" في طبعة 2022، كما خففت النسخة المحدثة من التدخل البريطاني في العملية، في حين قللت من أهمية السيطرة اليهودية على أجهزة دولة إسرائيل الناشئة واقتصادها.
كما تمت إزالة التصريحات المتعلقة بـ "تعيين عدد كبير من اليهود في مناصب رفيعة" من قبل البريطانيين، و"تسهيل شؤون اليهود لتنظيم أنفسهم وتدريبهم على استخدام الأسلحة النارية"، و "دعم اليهود اقتصاديًا وعسكريًا". وحذفت طبعة 2022 بيانًا مفاده أن المفوض السامي الأول لفلسطين هربرت صموئيل كان يهوديًا.
تأتي هذه التغييرات في المنهاج السعودية، في ظل أحاديث عن مساعٍ من أطراف عدة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وذلك بعد حصول مبادرات مختلفة مثل السماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور فوق الأجواء السعودية. ويبقى التساؤل إن كانت تلك التعديلات التي طرأت على المناهج السعودية جزءًا من تحول في السياسة السعودية وفي نظرتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
هل احتلت السعودية المرتبة الأولى عالميًا في حجم الثروات الطبيعية وتدني معدلات التضخم؟
التضليل في تغطية الإعلام الغربي لنكبة فلسطين عام 1948: ذا نيويورك تايمز نموذجًا