قال وزير الداخلية التونسي كمال الفقي في حديثه عن المشاهد المأساوية التي انتشرت للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، على الحدود التونسية الليبية، خلال جلسة استماع له في مجلس نواب الشعب، إنّه ليس هناك من داع للضغط على بلاده من منطلق حقوق الإنسان وعدم مراعاة الاتفاقات الدولية والبروتوكولات.
وأضاف خلال الجلسة التي عقدت يوم 26 يوليو/تموز الفائت، إنّ "الصور التي حاولوا نقلها وحاولوا أن يصطنعوها في بعض الأماكن بما في ذلك الأماكن الحدودية، أقولها وأعيد بأنها مفتعلة ولدينا كل الدليل على ذلك ولكن نخير الابتعاد عن الدخول في الجدال مع هؤلاء".
وقال الفقي "هؤلاء نحن نراقبهم بالصوت والصورة، حتى يكون في علم النواب الموقرين، ومع ذلك نمتنع عن الدخول في خوض معارك جانبية لأن العبرة بالإنجاز والعمل".
تصريح وزير الداخلية التونسي الذي تم تعيينه في مارس/آذار 2023، يأتي بالتزامن مع استنكار حقوقي للتعامل مع المهاجرين من قبل السلطات التونسية، ومع عمليات إنقاذ تقوم بها السلطات الليبية على الحدود، شاركت خلالها العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق وجود جثث لمهاجرين أفارقة في الصحراء.
وحتى آخر شهر يوليو الفائت، انتشلت الوحدات الليبية حوالي عشر جثث، على الأقل، بينهم أطفال. كما قامت بإنقاذ مجموعة من المهاجرين في الصحراء ونشرت مقاطع فيديو توثق شهادات لمهاجرين أكدوا أنّهم طردوا من تونس بشكل لا إنساني.
في المقابل أعلنت السلطات التونسية، عن عثورها يوم 11 يوليو الفائت، على جثتي مهاجرين على الحدود مع الجزائر.
المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نشرتا بيانًا، استنكرتا فيه الوضعية التي يعيشها المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء في تونس، الذين "ما زالوا عالقين في ظروف مزرية بعد ترحيلهم إلى المناطق النائية والمعزولة بالقرب من حدود البلاد مع ليبيا والجزائر". وأكدت المنظمتان في بيانهما المنشور بتاريخ 27 يوليو الفائت، إنّ مهاجرين آخرين دُفعوا إلى الحدود إلى ليبيا أو الجزائر.
وتقدم المنظمتان مساعدات للمهاجرين بالتعاون مع الهلال الأحمر الليبي والتونسي. ونشر الهلال الأحمر الليبي صورًا للمساعدات المقدمة مؤخرًا للمهاجرين العالقين على الحدود.
منظمات حقوقية تؤكد طرد المهاجرين الأفارقة السود في تونس
إثر أحداث صفاقس في بداية شهر يوليو الفائت، وتصاعد المواجهات بين مواطنين محليين وأفارقة من جنسيات مختلفة، على خلفية مقتل كهل تونسي على يد مهاجرين في الولاية، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنّ القوات الأمنية التونسية قامت بطرد جماعيّ لعدة مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود، بينهم أطفال ونساء حوامل، منذ الثاني من يوليو 2023، إلى منطقة عازلة نائية على الحدود التونسية – الليبية".
وأفاد الكثير منهم للمنظمة أنّهم تعرضوا للعنف من قبل السلطات، أثناء ذلك.
ورغم أنّ السلطات التونسية أكدت في العاشر من الشهر ذاته، أنّها قامت بنقلهم إلى مراكز إيواء، فإنّ مصير العديد بقي عالقًا في المنطقة الحدودية بين البلدين.
وفي الأثناء، وقع الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والوزير الأول الهولندي مارك روته، مذكرة تفاهم بشأن شراكة استراتيجية وشاملة، ويتضمن الاتفاق مساعدة مالية لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية.
صور ومقاطع فيديو توثق وجود مهاجرين عالقين على الحدود
وثقت التغطية الإعلامية لأوضاع المهاجرين في المنطقة الحدودية بين تونس وليبيا، والصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها وكالات أنباء عالمية ووكالات توزيع الصور، وجود مهاجرين عالقين في المنطقة الحدودية بين تونس وليبيا حتى أواخر شهر يوليو الفائت.
إذ تظهر العديد من الصور التي التقطها محمود تركية مصور وكالة فرانس برس في 26 يوليو 2023، ونشرتها وكالة غيتي لتوزيع الصور، أوضاعًا مأساوية للمهاجرين في المنطقة الحدودية بين البلدين.
وعلق عليها في الوصف، بأنّها لمجموعة من المهاجرين تقطعت بهم السبل على شاطئ صخري على الحدود الليبية التونسية في رأس جدير، حيث يقيمون، حينها.
وأرفق محمود تعليقًا قال فيه إنّ المهاجرين يطالبون بإنقاذهم من المنطقة الصحراوية بين ليبيا وتونس، والذين يُزعم أن السلطات ألقت العشرات منهم هناك دون أي مساعدة.
وأضاف أنّ المجموعة التي تضم حوالي 140 مهاجرًا من أفريقيا جنوب الصحراء هي آخر مجموعة يتم نقلها إلى الحدود التونسية مع ليبيا أو الجزائر، وفقًا لحرس الحدود والمهاجرين والعاملين في المنظمات غير الحكومية الذين أبلغوا عن حالات سابقة.
كما وثق المصور وصول مهاجرين إلى منطقة غير مأهولة بالقرب من العسة على الحدود الليبية التونسية في 30 يوليو 2023، وكان يراقبهم حرس الحدود الليبي ويمدهم بالمياه.
كما نشرت صحيفة ستامبا الإيطالية بالتعاون مع مؤسسة PlaceMarks، صورًا بالأقمار الصناعية، أكدت أنّها تظهر "ثلاثة مخيمات عشوائية على الأقل، واحد منها يبدو أنه تم بناؤه باستخدام قفص حديدي لتربية الأسماك، وتجمع كبير للأشخاص، يصل عددهم إلى 300 على الأقل، تحت المراقبة من بعض الآليات العسكرية التونسية والليبية".
وأظهرت الصور وجود أربعة آليات أخرى تابعة لحرس الحدود التونسي على بُعد بضع مئات من الأمتار، موضوعة على طول خندق تم بناؤه بين عامي 2014 و2018 لتحديد الحدود بشكل أكثر وضوحًا. ويتم تجهيز إحدى هذه الآليات بمدفع أو مدفع رشاش.
ونقلت الصحيفة عن فيديريكو مونيكا من مؤسسة Placemarks أنّه "من خلال تحليل تاريخي للمنطقة يمكن القول إن الوضع على الحدود بين تونس وليبيا هو شيء جديد تمامًا، لأن التجمعات والمخيمات لم تكن موجودة من قبل، بينما لم يتم تسجيل وجود الجنود المنتشرين في أوضاع الدورية في أي من الصور المتوفرة منذ عام 2006 حتى مارس 2023".
فاتي وماري: صورة جثتين أثارت تعاطفا عالميّا
من بين المشاهد التي أثارت جدلا كبيرًا وتعاطفا عالميًّا، صورة لجثة أم وابنتها (فاتي وماري) في الصحراء، عثر عليهما حرس الحدود الليبي، خلال عملية تمشيط للمنطقة، ويُزعم أنّهما كانتا ضمن المهاجرين الذين طردتهم تونس من حدودها في درجات حرارة قياسية.
نشر الصحفي الليبي أحمد خليفة الصورة، يوم 19 يوليو الفائت، وأكد أنها توثق "مأساة لاجئين أفارقة من دول جنوب الصحراء على الحدود الليبية التونسية بعد إبعادهم قسرًا وبقوة السلاح من تونس نحو الأراضي الليبية، ورميهم في صحراء قاحلة دون ماء أو غذاء".
في البداية، لم يتم التعرف على الجثتين، وتم التشكيك في القصة من قبل العديد من المستخدمين، قبل أن يظهر باتو وهو زوج فاتي ووالد ماري، ليؤكد رواية طردهم من قبل السلطات الليبية مع مجموعة أخرى من المهاجرين.
كما نشر صورة تظهر زوجته بنفس الملابس التي انتشرت لها بعد وفاتها، وشارك مقاطع فيديو مع ابنته.
وقال مبينج نيمبيلو كريبين، الذي عرف باسم باتو، إنه تعرف على الفور على فستان زوجته الأصفر الذي كانت ترتديه وصندل ابنته الأسود الجالس بجانبهما. وذكرت وكالة أسوشيتيد برس أنّه شارك معهم صورًا حديثة تظهرهم في نفس الملابس.
وفي حوار له مع منظمة Refugees in libya قال باتو (الكاميرون) إنّه تعرف على فاتي (ساحل العاج) واسمها الحقيقي ماتيلا دوسو، الذي أخفته في ليبيا خوفًا من الاضطهاد الديني، عام 2016 في مخيم في مدينة القره بوللي الليبية، خلال استعدادهما إلى خوض رحلتهما نحو إيطاليا في هجرة غير نظامية، وأنجبا في ذلك الوقت ابنتهما ماري في 12 مارس/آذار عام 2017".
وأكد باتو أنّهما حاولا أربع مرات الهجرة نحو إيطاليا لكنهما فشلا، وانتهى بهما المطاف في السجون الليبية.
في حواره مع وكالة أسوشيتد برس، قال نيمبيلو إنّ زوجته تعرضت للاغتصاب مرتين أمام طفلتهما في الحجز في ليبيا بعد محاولتهما اجتياز الحدود.
بتاريخ 13 يوليو الفائت، هرب باتو وفاتي وماري برفقة ثلاثة رجال وامرأة أخرى إلى تونس على أمل تمكين ابنتهم من فرصة للتعليم لاستحالة ذلك في ليبيا.
باتو قال إنّهم وصلوا إلى تونس صباح الجمعة، وحاولوا عبور الحدود، أين قبضت عليهم الشرطة وضربتهم بالأسلحة، وأعادتهم إلى الصحراء، قبل أن ينجحوا في محاولتهم الثانية مساء، لكن الشرطة في منطقة بنقردان قبضت عليهم مجددًا، ونقلتهم إلى الصحراء مع ما يقرب من ثلاثين آخرين، وتركتهم هناك يوم الأحد، دون ماء.
أكد باتو في شهادته للمنظمة، أنّه لم يكن قادرًا على مواصلة الطريق في الصحراء من شدة الإعياء والعطش فطلب من زوجته المغادرة مع ابنتهما واللحاق ببقية المهاجرين نحو ليبيا. وتفرقت العائلة منذ ذلك الوقت.
تمكن باتو من الوصول إلى ليبيا بعد أن أنقذه شبان سودانيون مروا من طريقه وزودوه بالماء. ولم تبلغه أي أخبار عن زوجته وابنته حتى اطلاعه على الصور حيث تعرف عليهما.
وفق المعطيات التي نشرتها منظمة Refugees In Libya فإنّ السلطات المحلية قامت بدفن فاتي وماري في مقبرة إسلامية بناءً على معلومات في بطاقة هوية لفاتي أصدرتها الحكومة الليبية قبل شهرين.
ويوم 29 يوليو الفائت، تظاهر مهاجرون أمام القنصلية التونسية في ميلانو الإيطالية، للمطالبة بإنصاف فاتي وماري وجميع المهاجرين ضحايا عملية الطرد والعنف في البلاد.
وتعد قصة فاتي وماري، واحدة من القصص الكثيرة، التي سلطت عليها وسائل الإعلام الدولية الضوء، حول معاناة المهاجربن من أفريقيا جنوب الصحراء.
وإلى حد الآن لم تقدم السلطات التونسية الدليل على فبركة الصور ومقاطع الفيديو التي نشرت من قبل وسائل إعلام عربية ودولية، ومن الجانب الليبي، ومستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعل رواية الداخلية إلى حد الآن هشة مقارنة بما نشرته وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية ووكالات الأنباء العالمية.
المصادر
حساب الصحفي أحمد خليفة على تويتر
اللجنــة الوطنيــة لحقـوق الإنسـان بليبيـا - Nchrl.
قناة تي في 5 موند
وكالة غيتي للصور
اقرأ/ي أيضًا
تصريح سعيّد بأنّ المنظمات الإنسانية لم تتدخل لمساعدة المهاجرين في صفاقس مضلل
ادّعاءات مضللة حول المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء