تتداول حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، حديثًا، ادعاءً مفاده أن رجل أعمال بريطاني مسلم يُدعى آصف عزيز، اشترى مبنى "تروكاديرو" العريق في لندن وحوّله إلى مسجد ومكتبة إسلامية من ثلاثة طوابق.
وخلال البحث، وجد "مسبار" أن آصف عزيز، رجل الأعمال البريطاني المسلم، قد اشترى بالفعل مبنى "تروكاديرو" الشهير في لندن، وذلك عام 2005. لكن ما كانت دوافع شرائه؟ وهل حوّله حقًا إلى مسجد ومكتبة إسلامية؟
ما هو مبنى "تروكاديرو"؟
يقع مبنى تروكاديرو في شارع كوفنتري ستريت وسط العاصمة البريطانية لندن، وله مدخل خلفي من جادة شافتسبوري. شُيّد في البداية كملعب تنس، وقد فتح أبوابه عام 1744. بحلول القرن التاسع عشر، كان العديد من الأشخاص قد تداولوا ملكيّته. ونتيجة لذلك، شهد عدّة تحوّلات في خدماته، رغم أن معظمها تمحور حول العروض الترفيهية، كالسيرك، والمسرح، والمعارض الفنيّة، والفروسية، والغناء، والرقص. خضع المبنى، مرّات عدة، للترميم وإعادة التصميم، إلى أن تحوّل عام 1849 إلى قاعة تُنظّم فيها التجمّعات والأحداث الترفيهية الخاصة.
وفي عام 1882، حوّله مالِكُه آنذاك، روبرت بيغنال إلى قاعة موسيقى، وسُمّي للمرة الأولى "قصر تروكاديرو للمُنوّعات" تيمّنًا بقصر باريسي، غير بعيد عن برج إيفل، يحمل الاسم ذاته، وقد سُمّي بدوره تخليدًا لذكرى "معركة تروكاديرو"، التي جرت في 31 أغسطس/آب 1823، واستولى فيها لويس أونطوان، ابن الملك شارل العاشر، وجيشه على "جزيرة تروكاديرو" الإسبانية. ورغم احتضانه العديد من العروض الترفيهية، لم يكن المبنى ناجحًا من الناحية الاقتصادية.
في عام 1896، استحوذت على "تروكاديرو" شركة "لايونز وشركاؤه" وحوّلته إلى مطعم. وظل كذلك إلى غاية ستيّنيات القرن العشرين، إذ تم بعدها تنويع مرافقه وعروضه لتشمل قاعة كازينو ومنصّة رقص. أما خلال الثمانينيات والتسعينيات فقد بات مقصدًا سياحيًا، وضمّ قاعة سينما ومركزًا للتسوّق والترفيه والألعاب الإلكترونية. وبقي على ذلك الحال إلى غاية بيعه عام 2005 لشركة "كرايتيريون كابيتل" التي يملكها آصف عزيز.
دوافع استحواذ شركة آصف عزيز على مبنى "تروكاديرو"
تنشط شركة "كرايتيريون كابيتل" لمالكها آصف عزيز في مجال إدارة الأصول العقارية. وتقوم بتحديد العقارات والاستحواذ عليها وإدارتها نيابة عن المستثمرين. وفي عام 2005، اشترت الشركة مبنى "تروكاديرو" الواقع بين ميدان بيكاديلي وساحة ليستر وسط لندن، وذلك مقابل 225 مليون جنيه إسترليني.
وتقول الشركة على موقعها الإلكتروني، إن سمعة المبنى كانت راكدة عندما أضافته إلى محفظتها، عام 2005، وإنّه أضحى اليوم، بفضل وقتها وإبداعها واستثماراتها، "منارة" منطقة ميدان بيكاديلي، إذ بات يضم دار سينما شهيرة وثلاثة فروعٍ لمطاعم معروفة، بالإضافة إلى مساحة ألعاب مستوحاة من برنامج "The Crystal Maze" التلفزيوني الشهير. وفي عام 2020، استُحدث داخل المبنى فندق من 740 غرفة، يضم قاعة رياضة واستوديو يوغا ومقصورة معاصرة ومساحة للعمل، في حين افتُتحت على سطحه حانة، تُعد من الأكبر في أوروبا، إذ تتسع لنحو ألف شخص.
ولم تتأسس "مؤسسة عزيز الخيرية" إلا عام 2015، أي عشر سنوات بعد شراء المبنى. كما لم تقم إلا عام 2020 بإيداع طلب تخصيص مساحة للصلاة داخل المبنى.
معارضة مشروع لمؤسسة عزيز الخيرية في المبنى
في فبراير/شباط عام 2020 أودعت مؤسسة عزيز الخيرية لدى مجلس مدينة ويستمنستر طلب تحويل جزء من المبنى إلى مكان للصلاة، لكن “هجمات عنصرية ورسائل كراهية"، دفعت آصف عزيز لسحب الطلب في السنة ذاتها. وقالت بي بي سي حينها إن الخطة كانت "تحويل طابقين من قبو مبنى تروكاديرو إلى مسجد يتّسع لألف مصلٍّ". واعتبر المعارضون المشروع محاولة لتغيير ثقافة وهويّة المدينة، في حين انتقد آخرون القرار من مُنطلق أن الشارع الذي يقع فيه المبنى يعدّ مركزًا سياحيًا وتجمّعًا للنوادي الليلية والحانات.
مؤسسة عزيز الخيرية تتحصل على ترخيص
عام 2023، أودعت مؤسسة عزيز الخيرية طلبًا جديدًا لدى السلطات المحلية. وفي 30 مايو/أيار 2023، حظي هذا الأخير بموافقة مجلس المدينة. وسيسمح الترخيص، الذي حصلت عليه المؤسسة، بإنشاء مركز مجتمعي يتّسع لـ 390 شخصًا.
هل حوّل آصف عزيز “تروكاديرو” إلى مسجد؟
في 17 يوليو/تموز 2023، ردّت "مؤسسة عزيز الخيرية"، صاحبة مشروع المركز المجتمعي، عبر موقعها الإلكتروني الرسمي على حملة إعلامية أُثيرت ضدها، واستنكرت عدم دقّة تغطية صحف بريطانية لخبر حصولها على ترخيص من مجلس مدينة ويستمنستر لإنشاء "مركز بيكاديلي المجتمعي". وخصت المؤسسة بالذكر صحف "ذا صن" و"ذا تيليغراف" و"ديلي ميل" و"إكسبرس"، التي تعمدت، وفق المؤسسة، التهويل بعناوين من قبيل: "تروكاديرو: الملياردير المسلم آصف عزيز يفوز برخصة تحويل أيقونة لندن إلى مسجد".
ووصف البيان العناوين التي تبنّتها الصحافة بـ "المضللة"، خصوصًا أنها تقود القارئ للاعتقاد أنّ مبنى "تروكاديرو" سيُحوّل بالكامل إلى مسجد، أو أن مسجدًا من ثلاث طوابق قيد الإنشاء بداخله، وهي الاعتقادات التي وصفها بيان الجمعية بالخاطئة.
وأوضح البيان أن المشروع متعلّق بتحويل جزء غير مستغلّ من قبو المبنى إلى "مركز مجتمعي" (Community Center)، الأمر الذي سيوفّر للعمّال والزائرين المسلمين مكانًا للصلاة. وقال البيان إن المركز أيضًا سيكون مساحةً للحوار والتقارب بين المجموعات الدينية المتنوّعة.
وذكرت صفحة أخرى من موقع المؤسسة أن نسبة ما سيُحوّل من مساحة المبنى إلى مركز مجتمعي إسلامي لا تتجاوز 1.5 في المئة من مساحته الإجمالية، ويتعلّق الأمر، حسب بي بي سي، بطابقين من القبو إلى جانب الطابق الأرضي.
من هو آصف عزيز؟
آصف عزيز هو رجل أعمال مسلم وُلد في مالاوي وكبُر ودرس في لندن، ومنها انطلق في مجال الأعمال والاستثمار. أنشأ لاحقًا "مؤسسة عزيز الخيرية"، التي تقدّم خدمات ومنحًا تعليمية للجالية المسلمة في بريطانيا. حصل آصف عزيز على شهادة في تخصص الأعمال من "الكلية الأميركية البريطانية"، ثم عمل في شركة استثمار في لندن. وفي سنة 2005، أنشأ عزيز شركة "كرايتيريون كابيتال"، التي اشترت عددًا من المباني والمنشآت في لندن، من بينها مبنى تروكاديرو.
اقرأ/ي أيضًا
تصريح أحمد موسى بأنه لم يتم هدم مساجد في عهد الرئيس السيسي زائف
الفيديو ليس لاعتقال شقيق رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري في فرنسا