تُعَدُّ قناة "د. إيريك بيرج" بنسختيها العربية والإنجليزية منصة إعلامية ذات شعبية متزايدة، إذ تجاوز عدد مشتركي النسخة الإنجليزية 10.9 مليون مشترك، مقابل نحو 5.85 مليون مشترك للنسخة العربية. وقد تعكس هذه الأعداد المُلفتة اهتمام الجمهور الكبير بالمحتوى الذي تقدمه القناة.
ويُناقش محتوى القناة مواضيع تتعلق بالتغذية السليمة والرعاية الصحية، الجسدية والعقلية. يقدّم إيريك بيرج المحتوى بأسلوب يُبسّطُ المعلومة الطبية، ويستعين بتقنيات توضيحية تسهم في إيصال المعلومات بشكل بصري فعّال. ورغم ذلك، تثير طريقة تقديم القناة لبعض المحتوى تساؤلات حول مصداقية المعلومات المقدمة، فبينما يُعزز الاعتماد على مصادر علمية، في بعض الأحيان، مصداقية المحتوى، يتضح أحيانًا أخرى عدم وجود أسس علمية واضحة للمعلومات المقدمة. ويُثير ذلك شكوكًا حول صحة بعض الادعاءات، كالتوصية بعلاج أمراض خطيرة باستخدام المكملات الغذائية، دون توفير دلائل قاطعة تدعم هذه النصائح.
قام "مسبار" بتحليل محتوى قناة إيريك بيرج، ووجد أنه يتفاوت من حيثُ المصداقيةُ بين ما هو مضلل وزائف وانتقائي من جهة، وما هو صحيح من جهة أخرى. وبدل تلخيص جميع الادعاءات المشكوك في صحتها في مقال واحد، اخترنا تسليط الضوء على مجموعة من نقاط الضعف التي يتّسم بها محتوى قناة دكتور بيرج.
الانتقائية في عرض الدلائل حول المكملات الغذائية
إن أحد أبرز عوامل شهرة إيريك بيرج هو دعمه لحمية الكيتوجينيك، وهي نظام غذائي يعتمد على تقليل الكربوهيدرات بشكل كبير وزيادة استهلاك الدهون أو البروتينات، كوسيلة لخسارة الوزن ومعالجة بعض الأمراض. يدافع بيرج عن هذا النظام الغذائي المعروف باسم "الكيتو"، متجاهلاً الاجماع الطبي حول العلاقة بين استهلاك الدهون المشبعة وارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.
يرتكز النظام الغذائي الذي ينصح به بيرج على تناول الكربوهيدرات بكميات منخفضة، ويدّعي أن ذلك يخفض مستويات الكوليسترول في الدم. وعلى الرغم من تقديمه نتائج بعض الدراسات، التي تشير إلى تحسن المؤشرات الصحية لدى بعض الأشخاص تحت نظامه، لكن مراجعة "مسبار" للدراسات أظهرت أنه يتجاهل جوانب أخرى منها، تتحدث عن الآثار الجانبية والتأثيرات المحدودة زمنيًا لهذه الحمية. إذ يُشير تقرير لجنة الصحة والتغذية التابعة لجمعية الدهون الوطنية الأمريكية، إلى أن الأنظمة الغذائية الكيتونية قد تسهم في تحسين التحكم بالشهية وتقليل مستويات الدهون الثلاثية، ولكنها لا تتفوق على الأساليب الأخرى لفقدان الوزن. ويُلاحظ التقرير وجود آثار جانبية سلبية لهذه الحمية. وعلى عكس ما يدعي بيرج، يتضح أن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات تترافق مع زيادة في خطر الإصابة بأمراض القلب والوفيات القلبية الوعائية. ويُظهر ذلك أن بيرج ينتقي بدقّة أجزاء الدراسات التي تدعم آراءه ويَغفل عن النواحي الأخرى، التي تنافي وجهة نظره.
المبالغة في تصوير فوائد المكملات الغذائية
تظهر القناة بوضوح توجُّهًا نحو الترويج للمكملات الغذائية والعلاجات البديلة. على موقع مقدم القناة على الإنترنت، يرفق كل مقال أو فيديو بروابط لشراء المكملات الغذائية المُشار إليها. عمومًا، يقدم إيريك بيرج نصائح بتناول كميات مفرطة من الفيتامينات، ففي إحدى الفيديوهات، يشير بيرج إلى ضرورة تناول 10000 وحدة دولية من فيتامين D يوميًا، ويحذر من خطر عدم تناول هذه الجرعة العالية. وذلك رغم أن هذه الجرعة تعد كبيرة بشكل مبالغ فيه مقارنة بتلك المُوصى بها في مصادر موثوقة، والتي تتراوح عادةً بين 400 إلى 600 وحدة دولية يوميًا.
بالإضافة إلى ذلك، يَدّعي بيرج أن بعض المكملات يمكن أن تساهم في علاج أمراض كثيرة مثل الانتفاخ. إذ يدّعي أن ارتجاع الحمض في المعدة يمكن أن يكون ناجمًا عن وجود كمية قليلة من حمض الصفراويات (Acid Bile)، ويؤكد أن زيادة كمية الحمض يمكن أن تكون العلاج الأمثل، ويقترح رفعها عن طريق تناول منتجه الخاص من خل التفاح، قبل تناول الطعام. لا يرفق بيرج بمقطع الفيديو أي مصدر يؤيد كلامه، ويجدر بالذكر أن هذا الادعاء غير مثبتٍ علميًا، وأن زيادة مستوى الحمض ليست بالضرورة حلاً للارتجاع المعدي والأدلة العلمية لا تدعم هذا الزعم.
جاء أحد الأمثلة المعبّرة عن الدور المزعوم للمكملات الغذائية في مقطع فيديو تحدث فيه إيريك بيرج عن علاقة نقص فيتامين C بإصابة الأفراد بفيروس كوفيد-19. واستند بيرج إلى دراسة استعرضت عينة تضم 67 شخصًا. أفادت النتائج أن 82 في المئة منهم كانوا يُعانون بالفعل من نقص في فيتامين C.
ومع هذا، يظهر تجاهل بيرج توصيات الباحثين، الذين نبّهوا إلى محدودية الدراسة وأشاروا إلى الحاجة لإجراء دراسات إضافية لاستنتاج مدى فائدة المكملات الغذائية في معالجة كوفيد-19.
لا يروّج بيرج للمكملات الغذائية بهدف التغذية السليمة وعلاج الأمراض الخفيفة فقط، ولكن كعلاج للأمراض الخطيرة، إذ يدعي مثلاً بأن مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) يرتبط بشكل وثيق بكيفية التغذية الصحيحة، فيصِف مجموعة من المكملات الغذائية والعلاجات الطبيعية الأخرى لمواجهة المرض، خاصة منها مكمل السيلينيوم. بينما تشير الدراسات إلى أن استخدام المكملات الغذائية المذكورة في الفيديو غير مثبت الفعالية في علاج الإيدز، إذ إنها تؤدي إلى إطالة ظهوره، فقط، وليس علاجه كما هو مزعوم.
يُظهر هذا الأمر بشكل واضحٍ تباينًا بين الادعاءات المذكورة في الفيديوهات والمعلومات العلمية المُوثّقة. ونستنج من ذلك أن بيرج يقدم بعض نصائحه الطبية استنادًا إلى معلومات غير مثبتة علميًا.
إساءة فهم النصوص العلمية
في فيديو حقق أكثر من 1.7 مليون مشاهدة، يدّعي إيريك بيرج، استنادًا إلى جمعية القلب الأمريكية، بأن ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم غير مرتبط بأمراض القلب.
وبعد التدقيق في المصدر الأصلي، تبيّن عدم صحة هذا الادعاء. فقد أساء بيرج فهم المصدر الذي اعتمد عليه، وقام بتبديل المفاهيم بشكل واضح. ويشير المصدر إلى تأثير مستويات الكوليسترول الغذائي (Dietary Cholesterol)، وليس مستويات كوليسترول الدم (Blood Cholesterol). إن الكوليسترول في النظام الغذائي، كالمتواجد في البيض مثلاً، والكوليسترول في الدم هما شيئان مختلفان تمامًا، إذ يمكن لشخص أن يعاني من ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم دون أن يتناول كميات من الكوليسترول في الطعام.
غياب للدليل العلمي لدى بيرج
حقق فيديو بعنوان "كيفية علاج الانتفاخ" أكثر من مليوني مشاهدة، يتناول إيريك بيرج فيه كيفية الحد من الانتفاخ عن طريق تدليك المرارة والبنكرياس. لم يقدم بيرج أي مصدر يؤيد تلك المعلومات.
وخلافًا لهذا الزعم، يشير الدكتور ليو فينوس إلى أن هذه المعلومات غير دقيقة، ويُظهِر أنّ من الصعب عمليًا تنفيذ تدليك المرارة والبنكرياس بسبب موقعهما العميق داخل الجسم. على سبيل المثال، تقع المرارة تحت القفص الصدري أسفل الكبد، وحتى لو أمكن التدليك، لا يوجد أي دليل علمي يدعم أن ذلك يقلل من الانتفاخ.
محتويات طبّية مضلّلة على قناة بيرج
على الجانب الآخر، رصد “مسبار” المحتوى المضلل على القناة وتناول مجموعة من الادعاءات لمناقشتها. فمثلاً، يدّعي إيريك بيرج أن السكر من مسببات ومحفزات الإصابة بأمراض خطيرة كمرض السرطان، وأن التوقُّف عن تناول السكر قد يقي من المرض.
غير أن الدراسات لم تثبت أي ارتباطٍ مباشرٍ بين مرض السرطان وتناول السكر، إذ إن الصواب هو أن جميع أنواع الخلايا، بما في ذلك الخلايا السرطانية، تعتمد على سكر الدم (الجلوكوز) للحصول على الطاقة. لكن وصول المزيد من السكر للخلايا السرطانية لا يجعلها تنمو بشكل أسرع. وبالمثل، فإن حرمان الخلايا السرطانية من السكر لا يجعلها تنمو بشكل أبطأ. كذلك الأمر بالنسبة لفيروس كورونا، فقد ادّعى بيرج أن الفيروسات تتغذى أيضاً على الجلوكوز.
مراجعة للسيرة الذاتية لإيريك بيرج
في ضوء الملاحظات السابقة، أجرى "مسبار" بحثًا تبيّن فيه أن إيريك بيرج، مقدم المحتوى الرئيسي، بالرغم من أنه يستخدم لقب "دكتور" إلا أنه، في الواقع، ليس طبيبًا مؤهلاً. لا يملك بيرج أي شهادة ترخص له مزاولة مهنة الطب، بل هو مختص في الطب البديل كمعالج طبيعي ومقوّم لمشكلات الظهر (Chiropractor). ولم يمنعه كونه غير مُختصٍ في مجال التغذية، من تقديم نصائح ومعلومات تغذوية، مما يدفع للتشكيك أكثر في صحة وموثوقية محتواه.
اكتشف مسبار تلميحًا واضحًا من قبل "الدكتور بيرج" إلى تأهليه الطبي، وذلك ضمن نبذة الشخصية على قناته على يوتيوب. يُشير بيرج إلى أنه يستخدم لقب "دكتور" لحصوله على درجة طبية في مجال المعالجة اليدوية.
من ناحية أخرى، يجب التنويه إلى أن ديانة الساينتولوجيا التي يعتنقها إيريك بيرج تتبنى وجهة نظر طبية تتعارض مع الحقائق العلمية. تحتوي هذه الديانة على قناعات روحية لعلاج الأمراض، وتتبنى حملات ضد الأدوية والاكتفاء بالعلاجات الطبيعية والبديلة. في مايو/أيّار 2021، ظهر فيديو لنجل بيرج، إيان رافالكو، أكّد فيه هذا الأمر وادّعى أن والده قد تبرع بمبالغ كبيرة لحملات تدعم ديانة الساينتولوجيا.
يسلّط مثال آخر الضوء على احتمالية عدم دقة محتواه، وهو صدور قرار في 5 فبراير 2008 من قبل مجلس فرجينيا للطب (Virginia Board of Medicine) بإيقاف إيريك بيرج عن استخدام بعض تقنيات العلاج الطبيعي، كما فُرضت عليه غرامة مالية. وجاء هذا القرار نتيجة إجرائه اختبارات عضلية زائفة، وتقديمه مزاعم عن فوائد المكمّلات الغذائية، دون سند علمي.
توصيات حول كيفية التعامل مع محتوى قناة دكتور بيرج
يمكننا القول إنّ من الصعب إصدار حكم مطلق حول صحة أو خطأ محتوى بيرج. فبالرغم من أن جزءًا كبيرًا منه قد يكون صحيحًا ومفيدًا للجمهور، إلا أنَّ من الضروري التعامل معه بحذر، والتثبُّتُ من صحة ومصداقية المعلومات من خلال مصادر علمية موثوقة ومؤهلة في المجال الطبي. فلا يمكن الاعتماد على كل ما يقدمه بيرج، إذ إن جزءًا كبيرًا من المحتوى هو محط للتشكيك فيه وتلزم مراجعته.
اقرأ/ي أيضًا:
مراجعة للمعلومات المغلوطة عن كوفيد-19 على مواقع التواصل الاجتماعي
لم تطلق الصحة العالمية اسم متحور إكس على متحوّر كورونا الجديد