يُعدّ التحيز في التقارير والمقالات الصحفية نمطًا شائعًا ومتعارضًا مع مفهوم الحياد الذي يجب أن تتحلى به وسائل الإعلام والصحافة. وتتفق الكثير من الأصوات الإعلامية، على أن هناك تحيزًا واضحًا من قبل العديد من الوسائل الإعلامية الغربية لصالح إسرائيل في كل مواجهة أو حرب على الفلسطينيين.
وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ظهر هذا التحيّز بوضوح وكثافة، وبأشكال عدة، كان من أهمها استخدام خطاب مؤيد لأفعال إسرائيل، حتى الوحشية منها، واستخدام مصطلحات ولغة مضللة في نقل الأحداث، والتركيز على هجمات حماس والضحايا المدنيين الإسرائيليين. ويلاحظ هذا التحيز حتى في وسائل الإعلام التي تتفاخر بالالتزام بمعايير صحفية صارمة، مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
الانتقائية في استخدام المصطلحات الصحفية خلال نقل الأحداث
في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشرت شبكة ABC NEWS تقريرًا أشارت فيه إلى أن المدنيين في قطاع غزة يشعرون بالخوف نتيجة للضربات الإسرائيلية التي تستهدف "مقاتلي حركة حماس الإرهابية". إنّ صياغة الخبر بهذا الشكل وخلط المصطلحات بهذه الطريقة من شأنه التخفيف من حدة العنف والقتل الذي يتعرض له الفلسطينيون نتيجة للاحتلال، وتعفي إسرائيل من المسؤولية المباشرة عن قصف المدنيين. وتخلق انطباعًا أن موت الفلسطينيين هو نتيجة غير مباشرة للضربات الاسرائيلية، وأن أعمال القصف الإسرائيلي أمر لا يمكن تجنبه خلال المواجهات مع حماس.
وعندما تُشير ABC NEWS، إلى القصف الذي يستهدف قطاع غزة، غالبًا ما تصيغ الخبر بطريقة لا تُحدّد مسؤولية من نفّذ الهجوم مباشرة، إذ تستخدم مصطلحات مثل "تعرض لأضرار" أو "دُمر"، دون توضيح سياق القصف بدقة.
عملت وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها للأحداث التي تلاحقت بعد عملية طوفان الأقصى، إلى إحداث نافذة إضافية إلى جانب الأخبار، تُعرض فيها "حقائق تاريخية" حول ما جرى في فلسطين وتعريفات للجهات المشاركة في الأحداث، مثل حركة حماس. أضافت مثلًا ABC News نافذة حول جذور المشكلة، مصوّرة الأمر كصراع بين إسرائيل كدولة وحماس كمنظمة إرهابية. واستخدمت مصطلحات مثل "حق إسرائيل في الوجود"، بحيث أهملت جذور الصراع الأساسية ولم تُلقِ الضوء على حق الفلسطينيين في أرضهم، وأنّ أصل المشكلة هي قضية احتلال إسرائيل لأرض فلسطين، وعدم السماح للفلسطينيين ببناء دولتهم المستقلة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة وجود تحيّز في اختيار مصطلحات عناوين التقارير الإخبارية، إذا تصف ABC News في أحد تقاريرها الهجمات التي نفذتها حماس ضد إسرائيل بأنها "مذبحة"، في حين تستخدم مصطلحات معتدلة عند نقل الأخبار المتعلقة بالهجمات الإسرائيلية وتربطها مباشرة بقتال حماس، متجاهلة أن تلك الهجمات تؤدي إلى قتل مئات المدنيين في قطاع غزة.
في تاريخ التاسع من أكتوبر الجاري، نشرت BBC تغريدة في صفحتها على موقع إكس، استخدمت فيها مصطلحات منحازة للرواية الإسرائيلية، إذ جاء في التغريدة عند وصف الأحداث أن الإسرائيليين "يتعرضون للقتل"، بينما جرى وصف الفلسطينيين بأنهم ببساطة "يموتون". وهذا ما يمكن أن يحيل إلى خلق انطباع بأن بعض الوفيات قد تكون عرضية أو غير متعمدة، أو غير مفسرة، بينما تصوّر وفيات الإسرائيليين نتيجة لأعمال عنف أو قتل محددة ومتعمدة.
وفي الصحافة، يجب التمييز بين مفهومي "القتل" و"الوفاة" عند تغطية الأحداث. "الوفاة" هو مصطلح يشير إلى فقدان الحياة بشكل عام ومحايد، كما في حالات الموت الطبيعي والحرائق والكوارث، بينما "القتل" يُستخدم للإشارة إلى فقدان الحياة جراء أعمال عنف، كما في حالات الهجمات الإرهابية. استخدام "القتل" يسلط الضوء على طبيعة العمل العنيف ويعزز من مسؤولية الجناة، بينما "الوفاة" يمكن أن يكون أكثر عمومًا في توصيف الخسارة البشرية.
التركيز على هجمات حماس كمبرر للضربات الإسرائيلية التي تقتل المدنيين
في مقابلة أجرتها قناة BBC، مع سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة حسام زملط، تميزت أسئلة المذيع بتركيزها على إدانة هجمات حركة حماس، وتجاهل الضحايا الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي. وفي رده على المذيع، أشار السفير الفلسطيني إلى أن وسائل الإعلام الغربية كانت دوماً تنحاز للرواية الإسرائيلية، وأشار إلى أنه يُدعى للحديث على التلفزيون عندما يكون هناك قتلى إسرائيليون فقط، بينما لا تستضيفه وسائل الإعلام عندما تشن إسرائيل هجماتها على الفلسطينيين.
جذب التعاطف بما يتناسب مع الرواية الرسمية الإسرائيلية
في 12 أكتوبر الجاري، ومع انتهاء المؤتمر الصحفي الذي أجراه أنتوني بلينكن، رفع مراسل وكالة AFP يده ليطرح سؤالًا يتسم بتعاطف واضح مع رواية الحكومة الإسرائيلية حول الأحداث. استفسر الصحفي من الوزير بلينكن عن مشاعره تجاه الصور المروعة التي عرضت معاناة المدنيين الإسرائيليين. في الوقت نفسه، قدم الصحفي استفسارًا مختصرًا للغاية حول الأحداث في غزة، وتجاهل تمامًأ مسألة مقتل المدنيين الفلسطينيين بسبب القصف الإسرائيلي، واكتفى بالقول إن هناك وضعًا إنسانيًا شنيعًا ومثيرًا للقلق في غزة.
محاربة الأصوات الفلسطينية في وسائل الإعلام الغربية
مع هذا الانحياز الواضح للرواية الإسرائيلية من قبل وسائل الإعلام الغربية تصاعدت بعض الأصوات الفلسطينية لتنقل روايتها حول ما يجري، إلا أن بعض الأصوات المؤيدة لإسرائيل استمرت في شن حملات إعلامية واسعة ومضادة لحجب هذه الأصوات.
فبعد نشر تغريدة BBC التي استخدمت فيها مصطلحات منحازة للإسرائيليين، قامت صفحة ملاحظات المجتمع، وهي برنامج تابع لمنصة إكس يتيح لبعض المستخدمين إرسال تصحيح حول التغريدات التي قد تكون مضللة أو تفتقر إلى معلومات قد تغيّر مجرى الأحداث، بتوجيه نصيحة لـBBC لإعادة صياغة الخبر وإزالة التحيز الواضح في اللغة الصحفية، إلا أن هذا التصحيح اختفى في وقت لاحق أو حُذف لأسباب مجهولة.
وفي تاريخ 12 أكتوبر، استضافت قناة فوكس نيوز التي تعرف بتوجهاتها اليمينية والمؤيدة لإسرائيل، مايكل ألين مساعد الأمن القومي السابق في البيت الأبيض، فانتقد وكالات الأخبار العالمية التي تقوم حسب زعمه "بتحويل اللوم بما يحصل من حماس إلى إسرائيل". ووصف الأمر "بالمثير للاستهجان" ودعا إلى ضرورة الضغط على وسائل الإعلام لإيقاف ذلك.
وانتقدت جوليانا جيران بيلون، الكاتبة الأميركية، وسائل الإعلام الغربية بشدة لتبنيها خطابًا أقل تعاطفًا مع إسرائيل خلال الحرب الأخيرة. وصرحت بوجود "حالة من الحرب بين الغرب مع نفسه"، بسبب جهود وسائل الإعلام الرئيسية، والمسؤولين الحكوميين، ونخب الجامعات لتجنب الإدانة الصريحة لحماس، وتبينيها لخطاب محايد وشددت على أن الهجمات الأخيرة على إسرائيل جاءت نتيجة لأيديولوجيا الكراهية التي تتبناها حماس.
وقد عملت جماعات ولوبيات عديدة مؤيدة لإسرائيل، سواء علنًا أو خفية، على ممارسة ضغط على وسائل الإعلام الغربية لضمان تغطية أكثر إيجابية لإسرائيل وحماية سياساتها من النقد. ففي عام 2021 بعثت منظمة CAMERA (منظمة لرصد تقارير وسائل الإعلام)، رسالة مفتوحة إلى جريدة "The Los Angeles Times"، للتعبير عن انزعاجها البالغ بشأن آراء بعض صحفيي الجريدة الذين وقعوا على رسالة رافضة لسياسات إسرائيل في فلسطين. ويذكر أن إسرائيل توّظف جهود واسعة لتوجيه السرد الإعلامي لصالحها وتنجح في ذلك بفضل الدعاية الحكومية والتوجيهات السياسية المنظمة التي تتمتع بها، مع الإمكانات المادية والدعم السياسي وامتلاكها علاقات اقتصادية ودبلوماسية قوية مع الغرب.
ما هي ردود وسائل الإعلام الغربية حول اتهاماتها بالتحيّز؟
في 12 أكتوبر الجاري، وبالتزامن مع الحرب الأخيرة على غزة، صرّح جون سيمبسون John Simpson محرر الشؤون العالمية في هيئة الإذاعة البريطانية، أن القناة تحترم المبادئ التأسيسية التي قامت عليها، وهي لا تتخلى عن واجبها في تبني الخطاب الموضوعي. ويقول سيمبسون في بيان "نحن لا ننحاز إلى أي طرف. ولا نستخدم كلمات منحازة مثل "الشر" أو "الإرهابيين"، ونحن لسنا الوحيدين الذين يتبعون هذا الخط، لدى بعض المؤسسات الإخبارية الأكثر احترامًا في العالم السياسة نفسها تمامًا".
يذكر أنه بالرغم من ذلك اتُهمت وكالات الأخبار في الغرب لوقت طويل بإعطاء الأولوية للمصادر الإسرائيلية، واعتماد مصطلحات مؤيدة لإسرائيل، والامتناع عن فضح أفعال إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا
بلا أدلة.. البروباغندا الإسرائيلية تحاول الربط بين حماس وداعش
قناة i24 نيوز تضلّل وسائل الإعلام وتزعم مقتل 40 رضيعًا إسرائيليًا في اقتحام المستوطنات