بعد نحو ثلاثة أسابيع من الحرب التي تُنفذها إسرائيل في قطاع غزة، يتمسّك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالقول إنّ هذه الحرب هي "حرب جميع الدول المتحضرة"، وأنّه يجب مقاتلة "البربريين والدواعش" في إشارة إلى مقاتلي حركة حماس.
ومنذ إعلان عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسّام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، حرص بنيامين نتنياهو على الترويج لسردية "العالم المتحضر" في مواجهة "البرابرة" واعتبار الحرب القائمة حربًا بين "الخير" و "الشرّ"، لتبرير الإبادة الممنهجة التي يقودها في غزة.
شيطنة حماس والترويج لسردية "حرب الحضارات"
في مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الروماني مارسيل سيولاكو، في 17 أكتوبر الفائت، قال بنيامين نتنياهو إنّ "الحرب التي تخوضها حكومته على قطاع غزة هي حرب جميع الدول المتحضرة". وأضاف: "نحن لا نخوض حربنا فقط، بل نخوض حرب جميع الدول المتحضرة وجميع الشعوب المتحضرة".
كما حرص نتنياهو على شيطنة حركة حماس وتقديمها للعالم كجزء من حركة "داعش الإرهابية"، وأنّها بربرية (ترتكب جرائم وحشية وغير إنسانية)، وأنّ السلام في منطقة الشرق الأوسط مرهون بالقضاء عليها.
وفي 21 أكتوبر الفائت، عندما التقى الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، وصف نتنياهو الحرب الذي يشنّها على غزة بدعم غربيّ بـ "معركة الحضارة ضد البربرية".
لم يكتفِ نتنياهو بذلك، فصرّح خلال ندوة صحفية عقدها بتاريخ 30 أكتوبر الفائت: "لن نحقق مستقبلًا أفضل كعالم متحضر إلا إذا قاتلنا البربريين، لأنّ هدفهم هو تدمير مقدساتنا وإدخالنا في عالم الظلام والرعب".
وأضاف: "هذه نقطة تحول للقيادة والأمة وآن الأوان أن نقرر ما إذا كنا سنقاتل من أجل الوعد والأمل أو أن نستسلم للطغيان والرعب".
اليمين المتطرف يؤيد مقولة صدام الحضارات
أثناء زيارته إلى إسرائيل، قال السياسي الفرنسي اليميني المتطرف، إريك زمور، إن الحرب التي تشنّها إسرائيل ضد حركة حماس هي "معركة حضارية كبرى وهي معركتنا أيضا".
وأضاف زمور بحسب مقال نشرته صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية: "لقد جئت لأقول للإسرائيليين إنّ معركتهم هي معركتنا، وأنّها معركة عظيمة للحضارات".
وفي ظهور حديث له على قناة "CNEWS"، اعتبر الفيلسوف الفرنسي، ميشيل أونفراي، الحرب بين إسرائيل وحماس حرب حضارات وحرب دين، أي حربًا بين الحضارتين الشرقية والغربية وبين المسلمين واليهود.
وقال الفيلسوف، الذي يتبنى الفكر اليميني المتطرف، "إنها حرب حضارة، هناك يهود وهناك مسلمون"، مستندًا في حديثه إلى نظرية الباحث الأميركي صامويل هنتنغتون، مؤلّف كتاب "صراع الحضارات" الصادر عام 1996.
رؤساء أميركا يتبنون رواية حرب العالم المتحضر
يتبنى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب هو الآخر سردية الحرب بين "الحضارة" و"الهمجية" لوصف للصراع الدائر بين إسرائيل وحماس في غزة.
وقال ترامب خلال حضوره اجتماع الائتلاف اليهودي الجمهوري، الذي التأم نهاية شهر أكتوبر الفائت، في مدينة لاس فيغاس الأميركية، "إن الصراع بين إسرائيل وحماس هو معركة بين الحضارة والهمجية، بين الحشمة والفجور، بين الخير والشر".
وبالبحث، وجد "مسبار" أنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، يتبنّى أيضًا سردية "حرب العالم المتحضر". وقال بايدن في اتصال هاتفي مع ببنيامين نتنياهو، وفي يناير/كانون الثاني 2023، عقب مقتل سبعة إسرائيليين في عملية إطلاق نار قرب كنيس يهودي في القدس المحتلة، إنّ ذلك "كان هجومًا على العالم المتحضر".
سردية صراع الحضارات قديمة متجدّدة
يؤكد الباحث التونسي في تاريخ الحركة الصهيونية، علي منجور، أن عبارة "حرب الحضارات" هي العبارة الأساسية التي تُروج لها إسرائيل، وأنّها سردية تبنّاها مؤسس الصهيونية، ثيودور هرتزل، ورواها في كتبه ومذكراته اليومية.
وأضاف منجور في حديثه لـ "مسبار"، أنّ هرتزل قال في إحدى كتاباته "سنكون هناك (أي في فلسطين) لبناء دولة ذات حضارة غربية في مواجهة البربرية".
وأشار منجور إلى أنّ هرتزل روج لفكرة "إنشاء دولة ذات طابع حضاري غربي في فلسطين، بهدف لحصول على الدعم الغربيّ لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين أكثر من الأرجنتين".
وتابع قائلًا "الحضارة في مواجهة الهمجية هي بالتأكيد الفكرة الأساسية التي ستتبناها إسرائيل لإقناع العالم وتبرير عمليات الإبادة والتهجير، التي ترتكبها ضدّ أهالي قطاع غزة وسكان الضفة الغربية أيضًا".
كما يعتبر أنّها "ألفاظ عنصرية يحاول من خلالها الكيان الصهيوني شيطنة خصمه وتحقيره واستباحة الأراضي الفلسطينية، والتركيز على سردية التحضّر في مواجهة قوى الشرّ والظلام"، بحسب تعبيره.
منظمة العفو الدولية تُدين استخدام ألفاظ عنصرية ضد الفلسطينيين
دانت منظمة العفو الدولية، في تقريرها الصادر في 28 أكتوبر الفائت، ما اعتبرته استخدام "لغة مُهينة وعنصرية ضدّ الشعب الفلسطيني من قبل مسؤولين إسرائيليين بارزين".
وقالت المنظمة في تقريرها، يستخدم المسؤولون الحكوميون والعسكريون الإسرائيليون لغة مهينة وعنصرية ضد الفلسطينيين. واستدلت المنظمة على ذلك بتغريدة عنصرية نشرها الحساب الرسمي لنتنياهو على "إكس" وقال فيها إنّ هناك صراعًا بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وشريعة الغاب.
كما استدلّت المنظمة بتصريح وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في 17 أكتوبر 2023، والذي جاء فيه: "طالما لم تُطلق حماس سراح الرهائن الذين بين أيديها، إن الشيء الوحيد الذي يحتاج إلى دخول غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات من سلاح الجو، وليس غرامًا واحدًا من المساعدات الإنسانية".
وتأتي هذه السردية التي ترويها إسرائيل ويتبناها قادة العالم، في وقت تقول فيه منظمات حقوقية إنّ إسرائيل ارتكبت ولازالت ترتكب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.
وقالت منظمة "هيومن راييس ووتش"، في تقرير أصدرته في 27 أكتوبر 2023، إن إسرائيل ارتكبت في حربها الأخيرة على قطاع غزة جرائم حرب، من خلال تنفيذها قصف مستمرّ على المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة.
وقالت المنظمة إن إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض، وهو مادة كيمياوية تشتعل عندما تلامس الأكسجين، مسببة حروقا مروّعة وشديدة، في أحياء مكتظة بالسكان.
كما وجدت المنظمة أنّ "إسرائيل ترتكب جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضدّ الإنسانيّة، في حق ملايين الفلسطينيين، إلى جانب القمع المنهجي لسكّان غزّة يُشكّل جزءًا من هذه الجرائم المستمرّة".
اقرأ/ي أيضًا