انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو ادعت حسابات إسرائيلية، أنه لممرضة فلسطينية داخل مستشفى الشفاء. إذ ظهرت في مقطع الفيديو ممرضة بحالة من الهلع تتحدث باللغة الإنجليزية والعربية وتدعي أن عناصر حماس هاجموا المستشفى وسرقوا الوقود والدواء، الأمر الذي أدى إلى تعثر معالجة المرضى، ووجهت الممرضة في الفيديو دعوى للمدنيين لمغادرة مستشفى الشفاء.
أطباء داخل مستشفى الشفاء ينفون معرفتهم بالممرضة
بعد انتشار مقطع الفيديو، لوحظ أن اللهجة التي تتكلم بها الممرضة ليست عربية. وجراء الشكوك في صحة المقطع، تواصل الصحافي يونس الطيراوي مع أطباء داخل مستشفى الشفاء. وفي منشور على منصة إكس، أوضح الطيراوي: "لقد تحدثت للتو مع العديد من الأطباء والممرضات من مستشفى الشفاء، وأجابوا جميعًا في بيان: لا نعرف هذه المرأة، ولم تعمل هنا من قبل ولم نرها أبدًا في المستشفى".
من ناحية أخرى أشارت الممرضة في مقطع الفيديو أنها تحاول معالجة كسور لطفل بعمر خمس سنوات، ولم تتمكن من ذلك نتيجة نقص في كمية مسكن المورفين. ونقل الصحافي يونس الطيراوي عن ممرضة تعمل في وحدة العناية المركزة وجراحة العظام في مستشفى الشفاء قولها "أنا أعمل هنا منذ سنوات، ولم أعرف هذه الممرضة".
كما ورد في صفحة ملاحظات المجتمع، وهي برنامج من إكس يتيح لبعض المستخدمين إرسال تصحيح حول التغريدات التي قد تكون مضللة، أو تفتقر إلى معلومات قد تغيّر مجرى الأحداث بإضافة ملاحظة حول الفيديو بأنه قد يكون مفبرك، كون لهجة الممرضة ليست قريبة على الإطلاق من لهجة أهالي مدينة غزة، وذكر بعض المعلقين أنّ لهجتها أقرب للعبرية في ملاحظتهم لطريقة نطقها لأحرف الـ "التاء" و "الحاء" و "العين".
اختلاف في المعدات الطبية وبيئة المستشفى
راجع مسبار مقطع فيديو حديث يظهر مجمع الشفاء الطبي، وظهر المستشفى مزدحمًا جدًا بالمرضى والضحايا، وذلك على عكس ما ظهر في فيديو الممرضة، حيث بدا المكان هادئ وغير مزدحم.
وقال مدير عام المستشفيات في قطاع غزة الدكتور محمد زقوت إنّ الوضع كارثي في مجمع الشفاء الطبي، ولا يمكن الدخول أو الخروج من المستشفى وأشار إلى أنّ 10 آلاف شخص موجودون في مجمع الشفاء، وهو ما يشير إلى صعوبة أن يبدو المكان هادئًا وفارغًا بالشكل الذي ظهر فيه ضمن فيديو الممرضة.
ومن ناحية ملاحظة ملابس ومعدات الأطباء داخل المشفى، يبدو أنّ غالبية الأطباء والممرضين وخاصة في غرفة العمليات يرتدون رداءً (سكراب) باللون الأخضر أو الأزرق أو الكحلي الغامق، ونادرًا ما ظهر الكادر الطبي يرتدي اللون الأبيض.
كما أنّ لون السماعات التي يستخدمها الكادر الطبي عادةً ما تكون باللون الأسود وليس الأحمر كما ظهر في الفيديو. كذلك تظهر القفازات التي يرتديها الأطباء بأيديهم غالبًا باللون الأبيض وليس الأزرق كما ظهر في الفيديو المتداول. وأشار الصحافي يونس الطيراوي نقلًا عن الدكتور جرجاوي، أحد كبار الأطباء في مستشفى الشفاء، بأنّ سماعة الطبيب التي كانت تضعها الممرضة في الفيديو تبدو مزيفة.
تحليل صوت الممرضة التي تدعي عملها في مستشفى الشفاء
تحليل الصوت يكشف وجود قنوات صوتية عدة داخل الفيديو، ويُظهر أن هناك لحظات من الصمت الكامل، وهو أمر غير متوقع في مستشفى مزدحم مثل مستشفى الشفاء. علاوة على ذلك، يتضح من التحليل وجود تكرار في أصوات القصف بترددات صوتية متشابهة للغاية، مما يشير إلى احتمالية كبيرة أن الفيديو قد تم تعديله، وأن أصوات القصف أُضيفت إليه كتأثيرات صوتية.
تتبع شبكة ناشري فيديو الممرضة
ما يزيد من المؤشرات على أنّ الفيديو مزيّف هو أن مسبار لم يعثر على ناشر الفيديو الأصلي، إذ إنّ الفيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بدون أن يظهر أي فيديو آخر للشخصية نفسها أو لحسابها الأصلي، إذ بقي المصدر مجهولًا حتى اللحظة.
من ناحية أخرى تتبع مسبار شبكة ناشري الفيديو ووصل إلى أحد الناشرين الأصليين للمقطع، وهو حساب على تيك توك كان من أوائل من شاركوا الفيديو، ووجد مسبار أنه حديث الإنشاء، أي أنه تم انشاؤه بالتزامن مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وبالرغم من أن صاحب الحساب كان يُعرّف عن نفسه بأنه فلسطيني يُدعى وسيم إلا أن اللغة العربية التي يستخدمها كانت تبدو وكأنها مترجمة وتحتوي أخطاء لغوية في بعض الأحيان، كما أنّ كل محتوى قناة وسيم يتعلق بانتقاد حركة حماس ومقاطع أخرى تروج للرواية الإسرائيلية ومأخوذة من صفحات إسرائيلية كصفحة ايدي كوهين، إضافة إلى أنّ عددًا كبيرًا من متابعيه كانوا إسرائيليين أو يُعرّفون نفسهم كعرب إلا أنهم ينشرون محتوى دعائي مماثل.
عند استعراض التعليقات على فيديو الممرضة الذي شاركه وسيم، يظهر نشاط غير اعتيادي ضمن التعليقات. إذ شاركت حسابات عدة الفيديو بشكل كثيف ووفق تنسيق منظم فيما بينها، فشاركت المقطع مع حسابات لناشطين معروفين كانوا يدعمون القضية الفلسطينية سابقًا. يشير ذلك إلى وجود حملة دعائية منظمة، تشبه نمط عمل "الجيوش الإلكترونية".
وعلى سبيل المثال تتبعنا حساب No الذي شارك الفيديو بكثافة ليظهر أنّه أُنشئ حديثًا أيضًا، ولم يعثر على أي محتوى أو صورة حقيقية. وبمراجعتنا لمتابعين حساب No توصلنا إلى أن غالبية متابعي الحساب شخصيات إسرائيلية، كما أن الحساب يتابع الشخصيات المؤيدة للفلسطينيين، وذلك فيما يبدو أنه لتعقبها ولنشر دعاية إسرائيلية مضادة.
ويحاول حساب No بشكلٍ واضح فتح حوارات مع حسابات وهمية أخرى ضمن التعليقات وذلك للترويج للرواية الإسرائيلية بشكل غير مباشر، إذ يظهر حساب Nady في نقاش مع حساب No وكلا الحسابين أُنشئا مؤخرًا ولديهما نشاط مشابه.
حملة دعائية إسرائيلية على القطاع الطبي
يأتي تداول الفيديو بالتزامن مع حملة إسرائيلية واسعة للترويج بأن مستشفى الشفاء يحتوي على مقرات لحركة حماس، إذ أُنشئت صفحات مزوّرة تحمل أسماء جهات مثل جمعية مستشفيات غزة ووزارة الصحة في غزة وتداولت منشورات مضللة اتهمت فيها المستشفيات بغزة بتوفير ملاذ آمن لعناصر حركة حماس. وسبق لمسبار أن أجرى تحقيقًا فنّد فيه المزاعم الإسرائيلية حول وجود مقرات لحماس ضمن مستشفى الشفاء.
استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واستهداف المستشفيات
تأتي هذه المزاعم في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتعمّد استهداف المستشفيات والكوادر الطبية، وقطع إسرائيل للماء والكهرباء عن المنشآت الصحية. وأفاد الصحافي الوحيد المتبقي في مستشفى الشفاء مصطفى صرصور، بأن الآلاف محاصرون داخل المجمع بينهم المرضى والطواقم الطبية وبعض أفراد الإسعافات والدفاع المدني، ولا يستطيعون التحرك للخروج خارج المستشفى خوفًا من القصف.
وقال أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، إنّ الاحتلال يقوم باستهداف محيط وبوابات مجمع الشفاء الطبي. كما أفادت وزارة الصحة في غزة، بأنّ الاحتلال استهدف أشخاصًا خلال محاولتهم مغادرة مجمع الشفاء الطبي. كما قصفت قوات الاحتلال مستشفى مهدي للولادة مما أسفر عن مقتل طبيبين.
وأشارت وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن وضع مستشفى الشفاء أصبح كارثيًا، إذ أعلنت عن وفاة 12 مريضًا داخل المجمع الطبي نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ونقص المعدات الطبية، بما في ذلك طفلان حديثا الولادة. ويعاني الأشخاص داخل الممستشفى من عدم القدرة على التحرك خارجه، حتى لدفن الموتى. إذ أشارت الصحة الفلسطينية إلى وجود نحو 100 جثة داخل المجمع تتحلل، ولم تتمكن الفرق الطبية من دفنها.
اقرأ/ي أيضًا
ادعاءات كاذبة عن وجود مسلحين في مستشفى الإندونيسي لحظة قصف الاحتلال محيطه