منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى، حاولت إسرائيل أن ترسم صورة إعلامية كاذبة ومضللة تحت العديد من الأشكال المختلفة، وتقدم روايات محددة إلى الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، وسعت إلى تحويل الانتباه بعيدًا عن احتلالها القمعي إلى أكاذيب شاملة تصورها على أنها دولة ديمقراطية، وتبرر عملياتها بأنها ردود دفاعية.
وفيما يلي عدد من الأشكال الدعائية التي استخدمتها إسرائيل في الحرب الأخيرة، وسعت من خلالها إلى تشتيت الانتباه وضللت الكثيرين ودفعتهم إلى تصديق ودعم الرواية التي تبرئ إسرائيل من جرائمها ضد الإنسانية.
مزاعم مضللة حول اعتداء حماس على الأطفال لكسب التعاطف
في محاولة منها إلى كسب الرأي العام العالمي والتعاطف مع الأطفال، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية في بداية الحرب مزاعم حول قيام عناصر من حركة حماس بقطع رؤوس أطفال إسرائيليين والاعتداء الجنسي على النساء بعد هجوم الحركة على غلاف غزة خلال عملية طوفان الأقصى. ونشرت العديد من وسائل الإعلام الغربية القصة قبل أن تتراجع عنها بسبب عدم نشر ما يؤكد صحتها.
وكان "مسبار" قد نشر تقريرًا يفند هذه المزاعم، كما ادعت تحقيقات إسرائيلية لاحقًا بأنها لم تصل إلى دلائل تؤكد هذه المزاعم.
واستمرت الدعاية الإسرائيلية في تقديم روايات مضللة عن الأطفال، ونشرت مقطع فيديو قالوا إنه يُظهر خمسة أطفال إسرائيليين محتجزين كرهائن لدى حماس في أقفاص الدجاج، وذلك بعد أسرهم. تحقق مسبار من المقطع وأكد أنه ليس لأطفال إسرائيليين محتجزين لدى حماس ونُشر قبل بداية عملية طوفان الأقصى.
تشبيه حماس بداعش لكسب المجتمع الدولي
وإثر عملية طوفان الأقصى دأبت الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية والعديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، على الربط بين حركة حماس وتنظيم داعش.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب متلفز بعد العملية "حماس هي داعش، وسنسحقها وندمرها كما دمّر العالم داعش". وبدأت تروج إسرائيل للعالم فكرة أن حركة حماس مثل تنظيم داعش، وأنها تمارس الأفعال نفسها، وكانت هذه وسيلة أخرى لكسب تعاطف الدول والحصول على شرعية دولية لخوض حربها ضد أهالي غزة بحجة محاربة "إرهاب حماس"، مثلما فعلت الولايات المتحدة في حربها على داعش.
وتجاهلت إسرائيل أن حماس حركة مقاومة خرجت من قلب الشعب الفلسطيني للدفاع عن أرضها المحتلة، ولا يوجد ما يشير إلى أن حماس تتبنى نهجًا مشابها للذي مارسته داعش، إذ لم تنشر الحركة الفلسطينية على امتداد تاريخها أي مشاهد للتمثيل بالجثث أو حرقها أو ذبح المدنيين كما كان يفعل تنظيم داعش. وأغلب الادعاءات الإسرائيلية جاءت من خلال نشر صور ومشاهد مضللة لا علاقة لها بعمليات حماس.
حملة للتشكيك في مشاهد إصابة ومقتل الفلسطينيين
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، شاركت الكثير من الحسابات المؤيدة لإسرائيل، مقاطع فيديو تحت وسم "باليوود" (Pallywood)، وزعمت أنّ المواطنين في القطاع يفبركون مشاهد موتهم وإصاباتهم، وأن قصص المعاناة التي تظهر مفتعلة أو جاءت ضمن حملات دعائية، وذلك في محاولة إلى إبعاد النظر عن جرائم الاحتلال الحقيقية ومقتل آلاف المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال.
وكانت هذه الادّعاءات مرفقة بمشاهد تمثيلية قديمة أو معدلة، وأخرى مجتزأة من سياقها الأصلي، وعمل "مسبار" على التحقق من الكثير منها وتفنيدها.
وباليوود، هو مصطلح يتكون من لفظين هما بالستاين "Palestine" (فلسطين) وهوليوود، ويزعم مستخدموه أنّ الفلسطينيين يقومون بتمثيل إصابتهم وآلامهم ويكذبون بشأن القتلى والمصابين والضحايا. وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الحسابات التابعة لإسرائيل، وسم "باليوود" للتشكيك في معاناة الفلسطينيين، فهو متداول منذ سنوات لتبرير الجرائم الإسرائيلية.
حسابات بأسماء عربية تروّج للدعاية الإسرائيلية
لإظهار أن هناك تضامن عربي واسع مع إسرائيل لاحظ "مسبار" وجود حسابات بأسماء عربية على موقع التواصل الاجتماعي إكس، تنشر ادعاءات مضلّلة تروّج للروايات الإسرائيلية باللغة العربية، منها حساب يُعرف باسم "هدى جنات". وبعد فحص محتواه وقائمة الحسابات التي يتابعها، وجد مسبار مجموعة حسابات مجهولة الهوية، تشارك في نشر التضليل وتروّج بدورها للروايات الإٍسرائيلية وتُحرّض على فصائل المقاومة.
كما وجد مسبار العديد من الحسابات العربية الأخرى تتهم الفلسطينيين في غزة بالتظاهر وتزييف الحقائق في إطار التشكيك في وجود ضحايا مدنيين للقصف الإسرائيلي، ونشر وترويج العديد من الادعاءات المضللة حول الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة. وكشف عن وجود دعم وتفاعل إسرائيلي على هذه الحسابات، إذ تقوم بعض الشخصيات الإسرائيلية الشهيرة بالمشاركة والتفاعل مع هذه الحسابات باستمرار.
ادعاءات زائفة عن استسلام عناصر من المقاومة
وخلال عملياتها البرية داخل غزة، روجت حسابات وصفحات إسرائيلية لانتصارات زائفة ونشرت مقاطع فيديو ومشاهد قالوا إنها تُظهر مقاتلين من حركة حماس وهم يسلّمون أنفسهم وأسلحتهم لقوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة داخل القطاع.
وكان "مسبار" قد تحقق من هذه الرواية وتبين أنها مضللة، لأن من ظهر في المشاهد هم من المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا في غزة خلال التوغل البري الإسرائيلي، وليسوا عناصر من حماس سلموا أنفسهم. كما كشف "مسبار" أن بعض هذه المشاهد جرى تصويرها بعدما أجبر الجيش الإسرائيلي المدنيين على التعري وتصويرهم بهذا الشكل.
وجاء هذا مع استمرار تصدي عناصر المقاومة للقوات الإسرائيلية وفي غزة، وإعلانها تدمير مئات الدبابات وقتل الكثير من جنود الاحتلال.
استخدام صور الذكاء الاصطناعي
ولا تقوم الدعاية الإسرائيلية على نشر مقاطع فيديو قديمة ومجتزأة والتلاعب في أصل الرواية فقط، بل تعمل أيضًا على تصمم محتوى جذاب بصريًّا، باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وسبق ونشرت صورة ادّعت أنّها تُظهر أسلحة داخل إحدى الأنفاق في غزة، وأنّ النفق يوجد أسفل مستشفى تابع لمنظمة الصحة العالمية. وأخرى ادعى ناشروها أنها من التوغل الإسرائيلي في شوارع قطاع غزة وتُظهر وجود دبابات عليها العلم الإسرائيلي. بالإضافة إلى صورة لجنود من الجيش الإسرائيلي في غزة، يحتفلون ويقفون أمام شكل على هيئة شمعدان حانوكا، الذي يُعرف بعيد الأنوار عند اليهود، إضافة إلى نقش لنجمة داود على أحد الأحجار المكدسة أمام المبنى.
جاءت هذه الأشكال مع أساليب أخرى تستخدمها الدعاية الإسرائيلية تصور المدنيين الفلسطينيين على أنهم يشكلون تهديدًا، وتخلق بيئة تعتبر فيها أعمال العنف ضدهم مقبولة أو حتى ضرورية.
كما تهدف العديد من الادعاءات إلى تبرير الجرائم ضد الإنسانية من خلال تصوير الأعمال الشنيعة في ظل احتلال غير قانوني على أنها "دفاع عن النفس"، وبالتالي تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.
وتثير الدعاية الإسرائيلية المشاعر القومية وتناشد الوطنية لجذب الدعم للعمليات العسكرية، كما تؤكد رسائل قوات الاحتلال على الدفاع عن الوطن اليهودي وحماية المواطنين الإسرائيليين اليهود، وهي رسائل يتردد صداها بعمق لدى أولئك الذين صدقوا الدعاية الصهيونية.
وتأثير هذه الادعاءات على القراء، خاصةً أولئك الذين لا يدركون السياق التاريخي والحالي الدقيق، يمكن أن يكون كبيرًا في تشكيل تصورهم تجاه القضية الفلسطينية.
ومن خلال صياغة رواية تتجاهل الفروق الدقيقة في النضال الفلسطيني، تنجح قوات الاحتلال الإسرائيلي في إجبار غير المطلعين على الصمت واللامبالاة تجاه محنة الفلسطينيين، مما يخلق ثقافة يتم فيها تطبيع العنف وتآكل التعاطف. وقد فند “مسبار” مئات الادعاءات الإسرائيلية خلال الحرب الجارية ونشرها في تحققات وتقارير مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا
استهداف الصحافيين في غزة: حرب إسرائيل على الرواية الفلسطينية
متجاهلة أعداد المغادرين: إسرائيل بالعربية تنشر صورًا قديمة على أنها لوافدين يهود جدد