اعتذرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، عن نشرها تقريرًا بشأن تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات إعدام بحق مدنيين فلسطينيين في قطاع غزة. ونشرت بيان الاعتذار بصفة حصرية في موقع "deadline" بتاريخ التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري، ونقلته صحف ووسائل إعلام أبرزها تايمز أوف إسرائيل وفوكس نيوز.
تحقّق مسبار من أرشيف صفحة ردود بي بي سي على القضايا التحريرية والفنية، وتبين أن الشبكة البريطانية نشرت بالفعل بيان الاعتذار في الخامس من يناير، عن تقرير نُشر في راديو بي بي سي، وقد جاء في البيان "نشرنا ليلة 24 ديسمبر/كانون الأول 2023 قصة عن اتهام حماس للجيش الإسرائيلي بتنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة في قطاع غزة، وقد صدر البيان عن حماس، ولكن على الرغم من أننا نسبنا تلك الاتهامات إلى الحركة، فإنّ قصتنا تضمنت ردًّا من الجيش الإسرائيلي يقول إنهم لم يكونوا على علم بالحادث وأن حماس منظمة إرهابية لا تقدّر الحقيقة، إلا أننا لم نبذل جهدًا كافيًا للبحث عن الأدلة المؤيدة لتبرير نشر ادعاء حماس، ونحن نعتذر عن هذا الخطأ".
بالعودة إلى الخبر الذي ادّعت بي بي سي أنه خاطئ ولم تتحقق من صحته، وجد مسبار أنها أرجعت مصدر الخبر إلى وكالة الأنباء الفرنسية، التي ذكرت أن مكتب الإعلام الحكومي في غزة جمع شهادات تثبت إعدام (137) فلسطينيًا في محافظتي غزة والشمال، ودعا المكتب الحكومي إلى تشكيل فرق دولية للتحقيق في جرائم الاحتلال وإعداماته الميدانية.
لكن هل حقًّا ليس ثمة أدلة تثبت تورط القوات الإسرائيلية بعمليات إعدام لمدنيين في قطاع غزة، منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت؟
مشاهد وشهادات تؤكد تنفيذ إسرائيل عمليات إعدام في قطاع غزة
وثّقت مقاطع مصورة نشرها صحفيون ومواطنون فلسطينيون من غزة وشهادات حية لشهود عيان، تعمّد قوات الاحتلال إطلاق الرصاص بشكل مباشر ومتعمّد تجاه المدنيين العزل، دون سبب أو مبرر. كما وثقت منظمات حقوقية عدة حالات لإعدامات ميدانية مباشرة.
إذ سبق لمسبار أن نشر تحقيقًا مفصّلًا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حول تعرض المسن الفلسطيني بشير حجي (74 عامًا)، من سكان حي الزيتون في مدينة غزة، للإعدام الميداني من قبل جنود الاحتلال، حين كان يحاول العبور إلى جنوب غزة على طريق صلاح الدين. وذلك بعدما تداولت حسابات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي صورته وهو على قيد الحياة رفقة جنود الاحتلال مدعية أنهم يساعدون مسنًّا فلسطينيًّا أثناء نزوحه إلى جنوبي القطاع، قبل أن تنتشر صورة للمسن حجي مقتولًا على قارعة الطريق، مصدرها عائلة المسنّ الفلسطيني، التي أكدت أن جيش الاحتلال أعدم الرجل بعد التقاط الصورة الأولى له.
كما نشر الصحفي محمود الصباح في 16 ديسمبر 2023، مشاهد ذكر أنّها لتنفيذ إسرائيل عمليات إعدام في شمالي غزة، تُظهر جثامين ثمانية أشخاص من عائلة خليل، مكونة من أب وزوجته وأطفالهما أُعدموا في إحدى الفصول الدراسية في مدرسة إيواء شادية أبو غزالة في حي الفالوجة شمالي غزة.
كما نقلت قناة الجزيرة في 20 ديسمبر 2023، شهادات لعدد من أهالي مدينة غزة، تحدثوا فيها عن إعدام الجيش الإسرائيلي لأفراد من عائلاتهم أثناء اقتحام حي الرمال. وجاء في إحدى تلك الشهادات "الشهداء أخبروا قوات الاحتلال بأنهم مدنيون، ولم يبدوا أي مقاومة قبل أن يقتلهم الجنود بدم بارد". وروت شاهدة أخرى أن القوات الإسرائيلية اقتحمت مبنى سكنيًّا، و"قامت بتصفية الشباب والرجال، واقتادت النساء إلى وجهة مجهولة".
وتحقق مسبار من قوائم الضحايا في التاريخ المذكور، ووجد أنّ 18 مواطنًا استُشهدوا من عائلات عنان والغلايني والعشي والشرفا في عمارة عنان بـ"شارع الجلاء".
كما عثر مسبار على بيان لمفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في 21 ديسمبر 2023، تحدثت فيه عن ورود معلومات حول مقتل 11 مدنيًّا فلسطينيًّا على أيدي الجنود الإسرائيليين، بعد اقتحام منزل في حي الرمال في غزة. وطالبت المفوضية إسرائيل بالتحقيق في تقارير حول تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات إعدام ميدانية في القطاع.
وأظهر تقرير صحفي مصور نشرته قناة الجزيرة مشاهد لشهداء في شوارع منطقة تل الزعتر، بعد انسحاب قوات الاحتلال منها في 24 ديسمبر الفائت. ونقل مراسل الجزيرة أنس الشريف عن شاهد عيان يسكن بالقرب من مستشفى العودة، قوله إنّ قوات الاحتلال أعدمت نساءً حوامل متجهات إلى مستشفى العودة من أجل الولادة، ومن ثم دهسهنّ جيش الاحتلال بالجرافات والدبابات، حسبما ورد في شهادته.
ووجد مسبار فيديو نشرته قناة الجزيرة في 25 ديسمبر 2023، من مقابلة لمراسلها مع شاهد عيان من عائلة الخالدي، كشف فيها تنفيذ قوات الاحتلال إعدامات بحق أربعة من أفراد عائلته، هم والده وجده وجدته وعمه في حي الشيخ رضوان.
صحفيون: انسحاب الإسرائيليين من شمال غزة كشف عمليات إعدام بحق المدنيين
انسحبت قوات الاحتلال المتوغلة في عمق مدينة غزة وفي مخيم جباليا والشاطئ ومشروع بيت لاهيا وبيت حانون مطلع 2024، ومع عودة حرية حركة السكان والصحفيين في تلك المناطق، وعودة شبكات الاتصال التي كانت مقطوعة لأيام، ذكرت تقارير إخبارية وشهادات عن عمليات إعدام نفذها جنود الاحتلال بحق المدنيين والعزل في شوارع وأزقة المدينة.
إذ وجد مسبار مقطع فيديو نشره الصحفي محمود صباح في الثاني من يناير 2024، يُظهر آثار عمليات الإعدام على جدران منزل تم تصفية عدد من سكانه، وهم ثمانية أشخاص من عائلة الخالدي، وثلاثة من عائلة الكيلاني، منهم طفل صغير وامرأة مقعدة وسيدة حامل، في منطقة أبو اسكندر في شمالي قطاع غزة.
بدوره نشر التلفزيون العربي، في الثاني من يناير الجاري، لقطات حصرية توثق تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي عملية إعدام ميدانية برصاص القناصة بحق مدنيين، بينهم رجل وطفلته، في مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة.
وأظهر مقطع فيديو نشره موقع ميدل إيست آي، في الثامن من يناير الجاري، لحظة إطلاق نار على سيدة فلسطينية من قناص إسرائيلي، أثناء تحركها مع مجموعة نازحين في مدينة غزة في 12 نوفمبر 2023، وقد تم تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.
وعند البحث تبين لمسبار أن الضحية هي سيدة اسمها هالة خريس، وفي شهادة عائلتها لقناة الجزيرة في العاشر من يناير 2024، أكدت شقيقة هالة أنّ الجيش الإسرائيلي تعمد إطلاق النار عليها، عندما كانت في طليعة قافلة النازحين الذين تلقوا تعليمات ميدانية مفاجئة من الجيش الإسرائيلي، تناقض طبيعة التنسيق مع الصليب الأحمر بخصوص حركة النزوح ومساراته.
ووجد مسبار شهادة لفلسطيني من قطاع غزة، كشف فيها عن إعدام الجيش الإسرائيلي لوالده وشقيقه وعشرات النازحين بعد إخلاء سبيلهم ومنحهم الأمان إثر اعتقال دام لساعات. وقال حمدالله أبو العمرين، في شهادته لوكالة الأناضول في التاسع من فبراير 2024، إن الجيش الإسرائيلي خلال توغله في حي الرمال وسط مدينة غزة، اقتحم مدرسة العائلة المقدسة، التي كانت تأوي مئات النازحين، وأعدم عشرات النازحين "ميدانيًّا وبشكل متعمد"، من بينهم شقيقه ووالده.
وأفاد بأن قوات الجيش "جمعت الأطفال والرجال في ساحة المدرسة وأجبرتهم على خلع ملابسهم في العراء والجلوس أرضًا وسط أجواء شديدة البرودة". وأضاف "بعد عصب أعينهم، بدأ الجنود الإسرائيليون بضرب الرجال وسحلهم وشتمهم بشكل مهين، وتركهم شبه عراة في العراء حتى صباح اليوم التالي، ثم أخلوا سبيلهم وسُمح لهم بالمغادرة. وبعد أن تجاوزوا مسافة تقدر بنحو عشرين مترًا من ساحة المدرسة، أعدم الجيش هذه المجموعة ومن بينهم شقيقي بواسطة إطلاق النار من طائرة كواد كابتر المسيرة".
ونشر الصحفي محمود أبو سلمية في العاشر من يناير الجاري، مقابلة مع شاهدة عيان مسنة من عائلة النجار، أعدم جنود الاحتلال نجلها برصاصة مباشرة في الرقبة داخل منزلها وأمام عينيها، أثناء اجتياح حي القصاصيب في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وقد عثر مسبار على شهادة سابقة لفلسطيني يدعى سامي النجار، لصحيفة العربي الجديد، في 27 ديسمبر 2023، أكد فيها إعدام شقيقه منير النجار (41 عامًا)، في العاشر من ديسمبر 2023، بعد اقتحام منزله في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وإطلاق النار بشكل مباشر عليه بينما كان مع والدته المسنة البالغة 74 عامًا.
ووثق المرصد الأورومتوسطي شهادات عن إعدام الجيش الإسرائيلي عشرات المسنين في قطاع غزة، إذ ذكر في 21 ديسمبر 2023، إنه وثق إعدام قوات الجيش الإسرائيلي عشرات المسنين الفلسطينيين في عمليات إطلاق نار مباشرة دون أي مبرر، وأكد تلقيه شهادات صادمة عن تصفيات جسدية وإعدامات ميدانية تعرض لها عشرات المسنين ممن تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، بما في ذلك عمليات إطلاق نار مباشرة من الجنود بعد أن طلب منهم مغادرة منازلهم.
وأفاد المرصد أنه في بعض الحالات، جرت إعدامات عقب لحظات من الإفراج عنهم بعد ساعات أو أيام من الاحتجاز والاعتقال التعسفي. وأكد الأورومتوسطي أن هذه الحالات ما هي إلّا نموذج لعمليات إعدام وتصفية جسدية تعرض لها عشرات المسنين، في المناطق التي تشهد توغلات للقوات الإسرائيلية.
ليست المرة الأولى التي تعتذر فيها بي بي سي خلال تغطيتها الحرب على غزة
وجد مسبار أن هذه ليست المرة الأولى التي تعترف فيها هيئة الإذاعة البريطانية بأخطاء في تقريرها حول الحرب على غزة، ففي 15 نوفمبر 2023، اعتذرت عن الإبلاغ عن استهداف القوات الإسرائيلية للمسعفين خلال غارة على مستشفى الشفاء الرئيسي في غزة.
وجاء في التقرير "بينما غطت بي بي سي نيوز التقارير الأولية التي تفيد بأن القوات الإسرائيلية دخلت المستشفى الرئيسي في غزة، قلنا إن "الفرق الطبية والمتحدثين العرب" في نطاق الاستهداف. وهذا غير صحيح وتم نقله بشكل خاطئ عن تقرير رويترز". وأضافت حينها "كان ينبغي أن نقول إن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي ضمت طواقم طبية ومتحدثين باللغة العربية لهذه العملية. نعتذر عن هذا الخطأ، الذي كان أقل من معاييرنا التحريرية المعتادة، وتم بث النسخة الصحيحة للأحداث بعد دقائق واعتذرنا عن الخطأ على الهواء في وقت لاحق من الصباح".
وفي حادثة سابقة، اعتذرت هيئة الإذاعة البريطانية في 17 أكتوبر 2023، عن تكهن مراسل القناة بالمسؤول عن الانفجار الذي وقع في "المستشفى الأهلي العربي" في مدينة غزة في أكتوبر 2023، وجاء في البيان "لقد راجعنا تغطيتنا للعواقب المباشرة للانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة، وأوضح البرنامج مرارًا وتكرارًا أنه لم يتحقق بعد من الجهة التي تقف وراء الانفجار، لكنه أوضح أنه خلال تجربته كمراسل في غزة لم يرَ قط انفجارات بهذا الحجم ناجمة عن إطلاق الصواريخ من القطاع. كان من الخطأ التكهن بهذه الطريقة حول الأسباب المحتملة ونعتذر عن ذلك".
اقرأ/ي أيضًا
مؤشرات تدل على مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن مجزرة شارع الرشيد
الرواية الإسرائيلية حول مجزرة المستشفى المعمداني: من التبني إلى الإنكار